إذاعة وتليفزيون

شهد إبراهيم: كيف لمفاجأة أن تقلب حياة شخصين، وتفرض عليهما أن يمشوا في  “مسار إجباري”؟

شهد إبراهيم ★

“ومخبيالنا إيه يا دنيا، خبطة جديدة كل ثانية، خضة بتيجي ورا التانية، وتفاجئينا بحكايات”
بكلمات  (أمار مصطفى) تغنت فرقة “مسار إجباري”، وطارق الشيخ؛ حيث تتصاعد وتيرة أحداث مسلسل “مسار إجباري”، ويتصدر يومياً منصات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وهو من المسلسلات القصيرة المكونة من خمس عشرة حلقة، ويعرض على قنوات cbc، وon، بالتزامن مع عرضه على منصة Watch It ، وهو من الأعمال المطروحة في السباق الرمضاني لهذا العام 2024، وعليه سنظل نتساءل طوال الحلقات؛ ما الذي تخبئه الدنيا لأبطال المسلسل، وما المسار الإجباري، الذي فرضته الدنيا عليهما، المسلسل من إخراج نادين خان، وتأليف باهر دويدار، وبطولة كل من: أحمد داش، عصام عمر، صابرين، بسمة، رشدي الشامي، مي الغيطي، جوري بكر، جهاد حسام الدين، محمود البزاوي، محسن منصور، ومجموعة من الفنانين، والمواهب الشابة.

في إطار من التشويق والإثارة؛ يعيش الشابان (علي) و(حسين) حياتين مختلفتين، ثم يكتشفان أنهما أخَوَان من الأب، الذي يموت، ويترك لهما دليل إدانة؛ يغير مسار جريمة قتل؛ حيث تدور الأحداث حول علي (عصام عمر) ـ طالب جامعي ـ الذي يفاجأ بوجود أخ آخر، وهو حسين (أحمد داش)، وعلى الرغم من مفاجأة كل منهما؛ إلا أنه ستحدث مفاجأة أكبر لهما، تقلب حياتهما رأساً على عقب، وتجعلهما يضطران إلى السير في مسار واحد بشكل إجباري.

عفوية عمر 

أجمع الكثيرون على أن “عصام عمر”، والذي  يجسد شخصية “علي البرنس”، الممثل الشاب الموهوب في مُفتَتَح مشواره الفني، أجاد دوره في مسلسل “بالطو” إخراج عمر المهندس، كانت هذه البطولة؛ فرصة لإظهار قدراته التمثيلية؛ حيث جعلته متألقاً. بهذه العفوية التي تقفز من وجهه، وتتيح له التصرف بحرية كبيرة، بشكل رائع متحرر من قواعد وتقنيات مفروضة، شيء يشبه طريقة الهواة في التمثيل مع أنه محترف، إنه هنا في “مسار إجباري”، يتألق مرة أخرى، قادراً على التقاط اللحظة المناسبة؛ مُقَدِّماً فيها إمكانياته، و قدراته التمثيلية، بأداء عفوي، صادق، وواقعي، وأيضاً في أدائه الناتج عن الطبقة المنتمي لها؛ المختلفة تماماً عن طبقة أحمد داش “حسين”، وظهر ذلك في المشاهد التي تجمعهما سوياً، حيث نجده شخصاً متعلماً، يحسب الأمور أكثر من مرة قبل القيام بها، وقد أظهر ذلك على المستوى اللفظي، في الكثير من المَشاهد؛ حيث مشهد هروبهما من المنزل عندما وجدا بداخله قتيلاً؛ حيث قال ل “حسين”: (اهدى اهدى مينفعش تجري) وعلى المستوى الحركي أيضاً؛ حيث كانت لغة جسده “البادي لانجوتش”، أكثر هدوءاً من “أحمد داش” الذي أخذ يجري ـ  بخوف وعفوية تجعلك تشعر كأنه حقاً متورط في قتل شخص ما، فقد تألق في دوره بشكل عفوي وقريب من قلوبنا، بشكل بسيط وسلس، لا يتصنع أداءً، ولا يُبالغ في سلوك.

إتقان داش

لاعب آخر أتقن لعبة التمثيل، منذ صباه في فيلم “لامؤاخذة” للمخرج “عمرو سلامة”، وهو يخطو أمامنا تدريجياً خطواته التمثيلية الفعالة؛ نحو التقدم والحضور المشرق، إنه أحمد داش “حسين البرنس” الذي كان قادراً على الإمساك بكل تفاصيل الشخصية، واستطاع فعل ذلك رغم صغر سنه؛ بعد تجارب سابقة عديدة أثقلته، ورسخت قدراته التمثيلية، وإمكانياته في تجسيد نماذج مختلفة، خاصةً الشخصيات الشعبية المختلفة، التي يقاربها هنا بأسلوب مغاير، وهيئة مختلفة عن شخصية “سيف” في مسلسل (جعفر العمدة) فهو لديه قدرة تمثيلية، وأداءات مدهشة، وبساطة تعينه على تقديم الشخصية بكل مساراتها وتحولاتها، ظهر ذلك في الكثير من المشاهد، خاصة مشهد اعتراف والده بأن له أخاً، فقد ظهرت على وجهه ملامح صدمة، ثم حزن، ثم تحول بالكامل؛ لهدوء بسبب حالة والده المريض، كما أنه من حين لآخر يتألق في الأحداث “بإفيه” مختلف متماشٍ مع الحبكة الدرامية؛ ليضيف لمسته في تقمص الشخصية بشكل كبير، تلك الموهبة التي نتابعها منذ الصغر أمام أعيننا، تطورت بشكل مثير للمتعة البصرية، والتفاعل الجماهيري معه

يشبهن أمهاتنا

كما تألقت كل من بسمة “عنايات” و صابرين “إحسان” في تقديم نماذج لأمهات تشبه أمهاتنا، وبأداء واقعي محمَّل بدوافع و مبررات، فنجد صابرين “إحسان” الأم المتشددة بسبب غياب الأم فكانت هي بمثابة الأم والأب، فكانت جميع انفعالاتها واقعية وصادقة وغير مبالغ فيها، كذلك بسمة “عنايات”، الأم الحنون التي تقوم باحتواء ابنها، نظراً لأنه وحيد بدون إخوة، فكان أداؤها رائعاً جداً في إظهار جميع المشاعر المكنونة داخلها، والتحكم في انفعالاتها بشكل متألق وعفوي.

وآخرون تألقوا

منهم، رشدي الشامي “مجدي حشيش”، المحامي المتورط مع مسعد في قضية القتل، فقد تألق في تقديم شخصيته نوعاً ما،  وإن يبدو أن هناك في أدائه بعضاً من المبالغة في انفعالاته، كذلك محسن منصور “مسعد”، الذي كان هناك أيضاً مبالغة نوعاً ما في تقديمه لدور الشرير الفاسد، كذلك مبالغة في ضحكته الشريرة وأدائه، وجهاد حسام الدين “حنين” التي لديها قدرة الحوار بتعبيرات الوجه “الريأكشن” دون أن تتكلم، فقط تألقت في شخصيتها، و أدائها الصادق الواقعي، ومي الغيطي “ديجا”، التي تألقت، وقدمت أداءً رائعاً، وجوري بكر “سناء”، كان لها ظهور متألق، وأداء مناسب و بسيط، ونور محمود “صفوت مصباح”، فقد كان أداؤه ممتازاً، واستطاع إثبات وجوده في العمل؛ رغم قلة مشاهده، و”محمود البزاوي” الذي كان له ظهور مميز، وأداء رائع، كما تألقت أيضاً نورين أبو سعدة “لاما”، وقد حصلت على دورها من خلال تجارب الأداء، وأثبتت عفويتها وكفاءتها التمثيلية، وهناك الكثير من الشباب الذين أخذوا مساحة هذا العام على الشاشات في رمضان؛ كياسمينا العبد “فرح”، ومعاذ نبيل “زيكا”، والطفل “آدم عمر”، فقد استغلوا تلك الفرصة، وأثبتوا قدراتهم، وإمكانياتهم التمثيلية، وأيضاً وليد المغازي “عصام الجن”، الذي تألق بشكل رائع في إلقاء الإفيه؛ معتمداً على الموقف الموجود فيه.

إتقان ريم العدل

أما الملابس فقد ظهر تباينها واختلافها الشديد بين الأسرتين من حيث الشباب والأمهات؛ حيث إذا نظرنا إلى “حسين” و “علي”،  نجد ملابس “علي” مناسبة لشخصيته، ومهندمة، بالإضافة إلى التنسيق في ألوانها، على عكس “حسين”، فهي غير منضبطة، وفي  بعض الأوقات نجد في بعض المشاهد مثلاً، الجاكيت ساقط من على الكتف، بالإضافة أيضاً إلى عدم التناسق في ألوانها، كما يظهر الاختلاف أيضاً في ملابس “عنايات” و”إحسان”؛ حيث ترتدي “عنايات” دائماً ملابس واسعة مناسبة للحجاب الذي ترتديه، حتى ملابسها في البيت؛ عبارة عن جلباب واسع، وهذا يرجع إلى المنطقة الشعبية المنتمية لها كأغلب أمهاتنا، على عكس مثلاً “إحسان” فنجدها ترتدي أغلب الوقت بنطلون وبلوزة، حتى في مشاهدها في البيت، تلك الملابس التي كانت من أهم العناصر؛ لتوضيح الاختلاف بين العائلتين، فقد تم توظيفها بشكل مناسب على مستوى جميع شخصيات العمل أيضاً، وهذا الإتقان يرجع إلى مصممة الملابس، ريم العدل.

ديكور مناسب

الديكور للمهندس أحمد زهران،  كان واقعياً ومناسباً للأحداث، كما اختلفت منازل كل منهما فالديكور، و الذوق الخاص بها؛ حيث منزل “حسين” كان أثاث البيت فيه غير متناسق، ومتهالكاً نوعاً ما، وظهر عدم التناسق هذا، في أول مشهد حيث نجد الفريزر في صالة المنزل، وليس في المطبخ، على عكس منزل “علي” الذي كان  جميع أثاثه متناسقاً مع بعضه، فقد كان الديكور مناسباً للواقع، والأحداث بشكل كبير، كما كانت الإضاءة أغلبها إضاءة طبيعية؛ نظراً لكثرة التصوير الخارجي، وبعض المشاهد إضاءة عادية كالموجودة في المنازل، فقد تم توظيفها بشكل مناسب؛ لخدمة الحالة الدرامية، كما كان الماكياج ل “عمرو عبد الله”؛ حيث كان واقعياً ومناسباً، وظهر ذلك في المشاهد التي تتبع المعارك؛ حيث تبدو الكدمات والجروح؛ وكأنها حقيقية.

إيقاع سريع

بالإضافة إلى السلاسة في السرد، وتتابع الأحدث، بشكل مناسب دون تكلف في استخدام أحداث درامية فجة، وغير موجودة في الواقع، وهو ما أبدع فيه المؤلف “باهر دويدار”، في خلق شخصيات كالشباب المكافح كما يقال “بيجري على أكل عيشه” بشكل غير مبالغ فيه، والوالدات كأم كل شخص منا، بالإضافة إلى الإيقاع السريع، الذي يلائم الخمس عشرة حلقة دون إطالة، بل بتكثيف يبرز عملاً استخدم مونتاجاً، يضبط البناء الدرامي، وذلك ما أبدع فيه المونتير “محسن عبد الوهاب”، مصاحباً معه موسيقى تصويرية، أعدَّها أمير خلف، تتجول بين تفاصيل العمل بشكل مناسب جداً مع وتيرة الأحداث.

تثير الشغف

إن متعة المُشاهدة الجديدة، ومتعة التعرُّف إلى أسماء وجوه تمثيلية، تجتهد مع كل إطلالة لها على الشاشة، يترك انطباعاً يعكس الألفة بين المُشاهد والممثل، الممثل الذي يسعى أن يكون له رصيد كبير من الأدوار المختلفة، تصنع هذه الرغبة نوعاً من التوازن ينعكس على السياق الدرامي، ونجاح العمل، قريبة من المجتمع بشكل صادق، فضلاً  عن حضور الموضوع الاجتماعي الخارج من واقعنا، والمتماثل مع تفاصيله دون غلو أو مبالغة، وهذا ما نراه في مسلسل “مسار إجباري” الذي اتصفت جميع حلقاته بالبساطة والواقعية من الممثلين، تجذب المُشاهد، وتثير شغفه لمواصلة الحلقات، ومعرفة المصير النهائي لهذا المسار.


طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى