إذاعة وتليفزيون

شهد إبراهيم: لماذا خطف (أعلى نسبة مشاهدة) أنظار المشاهدين بهذه القوة؟

شهد إبراهيم ★

خطفت الحلقات الأولى من مسلسل (أعلى نسبة مشاهدة)، جمهور دراما رمضان، وشَهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً، فور انطلاقه على شاشة Mbc مصر، بالتزامن مع عرضه على منصة شاهد الرقمية، وتُعرض هذه الأحداث خلال 15 حلقة، وقد أثار المسلسل اهتمام المُشاهدين بإيقاعه السريع، وأحداثه المتلاحقة، ولو استمر على هذا النحو في الحلقات القادمة، فإننا نتوقع ترشيح المسلسل للمنافسة على حمل لقب أفضل مسلسل رمضاني لعام 2024، المسلسل تأليف: سمر طاهر، والذي يعتبر العمل، أول تجربة درامية لها، ومن إخراج: ياسمين أحمد كامل، وبطولة كل من: سلمى أبو ضيف، وإنتصار، ومحمد محمود، وفرح يوسف، وليلى زاهر، وإسلام إبراهيم، وأحمد فهيم، ومجموعة من الفنانين، والمواهب الشابة.

أزمات الأسرة

في إطار اجتماعي مشوق، تدور الأحداث حول “شيماء”، وهي فتاة تنحدر من عائلة بسيطة، تُعاني من الفقر، تحاول هي وشقيقتها تخطي تلك الحياة، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة موقع (التيك توك)، الأمر الذي سيؤدي إلى العديد من الأمور الصعبة، وتتوالى الأحداث حيث الدخول بشكل مباشر، في صميم حياة أسرة “فتحي محمود البنهاوي”، وما تعانيه من مشاكل مادية واجتماعية؛ أثقلت كاهلهم، والدخول بالمُشاهد لعمق الحكاية منذ الحلقة الأولى؛ ليعيش مع الأسرة الأزمات التي تُعاني منها، والتي ألقت بظلالها عليهم.

أهلها فين؟

منذ الوهلة الأولى تعاني الأسرة من مشاكل مادية؛ بسبب فقد عائلها لوظيفته، وفي الوقت الذي يبحث فيه عن فرصة عمل؛ لتسويق لوحاته التي يخطها، تعمل زوجته، وتكتسب بعض المال عن طريق الطبخ في المنزل؛ للسيدات العاملات.

ويُناقش المسلسل ظاهرة منتشرة، ولكن ليس من منظور تسليط الضوء على الأضرار الجانبية الناتجة عن هذه التطبيقات، فجميع الأشياء لها مميزات وعيوب، وعلى الإنسان الاختيار، وهذا أيضاً ليس ما يناقشه المسلسل، فجميعنا نرى دائماً في معظم فيديوهات البنات على تطبيق (التيك توك)، تعليقات من الناس، تدور أغلبها حول “هي الناس دي أهلها فين” وما يمكن أن يحدث عند غياب الأهل، وانشغالهم عن أولادهم، وكيف لمشكلات اجتماعية من الممكن أن تكون سبباً لوجود معظم الفيديوهات “التافهة” الموجودة على الأنترنت.

أداء تلقائي بلا ماكياج، لسلمى ضيف!

نقطة انطلاق الأحداث، بدأت كل من “شيماء”، و”نسمة”، عمل إعلانات مدفوعة الأجر، كل منهما على حدة، بعد أن انتشر فيديو لهما على الإنترنت، وأصبحتا (تريند)، حيث يحب الناس “شيماء” أكثر، وتجسد شخصيتها “سلمى أبو ضيف”، والتي تُقدم أول بطولة مطلقة لها، مُعتمدة على البساطة، والأداء التلقائي، لابنة البلد بدون أي مبالغة في الأداء التمثيلي، وملامحها المُجردة من الماكياج، كما ظهرت في الحلقات الأولى، ثم بدأت في وضع ماكياج عند تصوير إعلانات، أو الذهاب إلى حفلات، كما كانت جميع ملابسها التي ترتديها في منطقتها الشعبية واسعة وطويلة، وغيرمتناسقة الألوان، إلا وقت الخروج لتصوير إعلان؛ فإن ملابسها تكون ملفته ومتناسقة، وأيضاً تسريحة شعرها دائماً مربوطة في منطقتها، ومفكوكة بشكل ناعم، وطويل خارج المنطقة، ونرى جميع تلك التناقضات ظاهرة بشكل واضح في مشهد حفلة كاميليا، حيث كانت ترتدي فستاناً أحمر اللون، وتضع الماكياج المتناسب تماماً، مع لون الفستان ومظهرها.

وماذا عن أداء ليلى زاهر ؟

بعد فترة تشعر”نسمة” بغيرة تجاه شقيقتها، والتي تجسد شخصيتها “ليلى أحمد زاهر”، والتي تألقت بشكل مميز في دورها، فكانت تقلد معظم فتيات (التيك توك)، على مستوى الأداء الحركي، واللفظي، وأسلوب الكلام، وكانت تضع أغلب الوقت الماكياج؛ لتبرز ملامحها وتصبح مُلفتة، وكانت ملابسها في الغالب عبارة عن زي مدرسي، حيث إنها مازالت طالبة ثانوية، وخارج المنزل كانت الملابس غير متناسقة، ظهر ذلك أيضاً في فستانها في حفلة كاميليا، كانت تسريحة شعرها مختلفة، ومتعددة.

معايشة واقعية، لإنتصار

قدمت إنتصار نموذجاً للسيدة التي تعيش في طبقة متوسطة، وقد تألقت إنتصار في دورها، كما ظهرت في صورة السيدة، التي تخلت عن أناقتها، وربطة شعرها “كعكة” هائشة، وهي طريقة التصفيف الأشهر؛ لربات البيوت، وكانت جميع أداءاتها طبيعية، وتلقائية، طبيعية لأننا نشعر وكأنها إحدى سيدات المناطق الشعبية، وتلك هي الحياة التي نشأت، وتربت فيها، وكذلك جميع انفعالاتها كانت طبيعية بدون مبا

لغة في الأداء، وظهر ذلك في مَشاهدها مع ابنتها “شيماء” بالأخص، وهي تعاتبها، وتلومها بطريقة قاسية، كونها مازالت غير متزوجة، وهي تقترب على الثلاثين من عمرها، وملابسها التي كانت في البيت عبارة عن “جلباب بيت”، وفي الشارع “عباءة سمراء”، وقد كان وجهها خالياً من الماكياج على مدار جميع الحلقات.

محمد محمود، مؤثر

الأب محمد محمود، والذي تألق في دوره أيضاً بشكل واقعي، وظهر ذلك بشكل ملحوظ في مشهد قصر الكبابجي، بعد أن تم توبيخه بسبب دلق الطعام على أحد الزبائن، فحزنه في المشهد، وبكاؤه؛ جعلنا نشعر جميعاً بالحزن تجاهه، فقد كانت جميع أداءاته وانفعالاته صادقة ومؤثرة، وكانت ملابسه مناسبة تماماً لظروفه المادية، وظهر هذا أيضاً في مشهد تقدُّمه لوظيفة الأمن، حيث كان حذاؤه ضيقاً على قدميه؛ لأنه لا يرتديه سوى بالمواقف المهمة، فإنه لم يصبح مريحاً على قدميه بعد؛ لأنه لا يرتديه إلا قليلاً.

الثنائي المتناغم فرح، وإسلام 

قدمت فرح يوسف، شخصية الأخت الكبرى “آمال”، بشكل رائع، فهذا الدور يعد بمثابة اكتشاف لقدراتها التمثيلية، فقد كانت متألقة في جميع مشاهدها، وأداءاتها، حتى نظراتها عند الصمت، وكانت ملابسها، وربطة الحجاب الخاص بها؛ تعبر بشكل كبير عن نماذج كثيرة متواجدة، وقد قدمت هذا بدون مبالغة، وبدون وضع ماكياج أيضاً.
أما إسلام إبراهيم، “علي” والذي قدم شخصية زوج ٱمال؛ فقد جاء أداؤه بشكل متألق ورائع، ومختلف عن باقي الأدوار، التي قام بها، وكان أداؤه غير مبالغ فيه، على المستوى اللفظي والحوار، وعلى مستوى الانفعالات والحركة، وخاصة في شخصية الطماع ثقيل الدم، قليل الإحساس.

إنعام سالوسة، فاكهة العمل

لظهور إنعام سالوسة؛ أثر كبير في العمل، وإضافة له، فقد كانت بمثابة فاكهة العمل؛ بحسها العائلي الإنساني؛ لذا أحببنا جميعنا دورها، وتعلقنا به.
فهيم يتألق
أما أحمد فهيم، “بندق”، فقد تألق في دوره بشكل مختلف عن العام الماضي، بعد أن قدم دور الأخ الضعيف في مسلسل (جعفر العمدة)، فقد قدم الشخص العبء على شقيقته، وزوجها، والذي يعاني من قهر وظلم الحياة له، يسعى دائماً للحصول على المال، حتى ولو أخذ من شقيقته، وقد قدم ذلك بشكل متألق، وأداء صادق.

تأثير الزوايا

وكانت زوايا التصوير معظمها بعيدة، أو بعيدة جداً؛ وذلك لتظهر المكان المحيط بهم، المنطقة الشعبية، التي تدور فيها الأحداث،  مثل ـ السكاكيني، والقلعة، والحلمية  ـ ، أما ديكور المنزل، فقد كان مناسباً جداً، وظهر ذلك بشكل كبير، وملحوظ في اللقطة الأولى من أول حلقة؛ حيث كانت زاوية التصوير بعيدة؛ لتوضح لنا المنزل الخاص بشيماء، والمكان التي تنتمي له، و كان الديكور واقعياً جداً، حيث جدران المنزل المتهالكة، وأواني الطعام باللون الأسود، وكأنها معرضة للنار أكثر من مرة، وذلك لإضفاء واقعية على العين، جميعنا نرى تلك الأواني في منازلنا؛ لاستخدامنا لها بشكل مستمر، وكذلك التلفزيون القديم الموجود في المنزل؛ يوضح الحالة الاجتماعية لهم، وأنهم من أسرة بسيطة، فقد تم توظيف الديكور بشكل رائع مناسب للعمل، بالإضافة إلى استخدام زوايا التصوير المائلة، التي عبرت عن الحالة النفسية لكل شخصية، وظهر ذلك في مشهد فرح يوسف “آمال”، بعد مواجهة شيماء، ومعرفة حقيقة فيديوهاتها، وكذلك زوايا التصوير المتوسطة، وذلك لإبراز لغة الوجه بالإضافة للغة الجسد “البادي لانجوتش”،.

وظهر هذا في جميع كادرات المواجهة، خاصة مواجهه “شيماء” لوالدتها؛ بعد معرفة حقيقة الفيديوهات، مع استخدام زاويتين، وهما المنخفضة والمرتفعة، لتباين مستويات كل منهن حيث الزاوية المنخفضة؛ لإظهار أن الأم المستوى الأعلى في المواجهة، والمرتفعة؛ لإظهارالضغوط الواقعة على البنت؛ كونها في المستوى الأقل من المواجهة، وقد تم توظيف جميع زوايا التصوير؛ لخدمة جميع عناصر الدراما الأخرى.

الإضاءة والموسيقى

الإضاءة تم توظيفها بشكل مناسب؛ لخدمة المشهد الدرامي، وكانت معظمها معتمدة على الإنارة الطبيعية، وكانت خافتة نوعاً ما فى منزل “شيماء”، وغرفتها؛ لتعبرعن الظلام الذي تشعر به داخل منزلها، وحياتها العائلية، كما كانت الموسيقى مناسبة للأحداث، كذلك تتر المسلسل الذي تعبر كلماته بشكل مناسب جداً عن أحداث المسلسل، والتي تؤديها “بوسي”، وكانت الكلمات: “الدنيا خلاص ماشية ترندات فضايحنا تجيب أعلى مشاهدات….حتى وجعنا بيتذاع لايفات”، وهي كلمات محمود عليم، وألحان إيهاب عبد الواحد، وكما ذكرنا ملابس الشخصيات، فإننا نرى أن الملابس أيضاً؛ كانت تعبر عن كل شخصية، ومناسبة جداً لها، ومراعية لأدق تفاصيل الشخصية، والماكياج أيضاً.

حوار شعبي واقعي 

الحوار بين الممثلين، واقعي شبيه لحوار المناطق الشعبية، ولغتها وأسلوب الحديث، ولكن اللغة وطريقة النطق، فقد كانت واقعية، و مناسبة لبعض الممثلين كإنتصار، وفرح يوسف، ومحمد محمود، وإسلام إبراهيم، ونجلاء يونس، فقد استطاعوا عمل ذلك بدون مبالغة، أو مجهود؛ لإظهار ذلك، على عكس ليلى زاهر، وسلمى أبو ضيف، فإن طريقة نطقهما لبعض الكلمات، كان بها مبالغة مثل “معحهد” وتزويد حرف الياء مع معظم الكلمات، لتكون مشابهة لنطق بنات الحارات الشعبية، ولكن إذا كان هناك بنات تتحدث بتلك الطريقة، فقد أصبحن قلائل جداً الأن، بسبب الانفتاح الذي ادخله الإنترنت، وأصبح من السهل تغيير هذه الطريقة.

حتى المساعدين أبطال

“أعلى نسبة مشاهدة”، عمل يُذَكِّر الجمهور بمسلسل (الحارة) للمخرج سامح عبد العزيز، وأحدث نقلة في تناول الدراما المصرية لحياة الحارة الشعبية، تلك الأعمال التي أصبحت نادراً ما نراها بكل هذه الواقعية، ليس فقط على المستوى السينوغرافي للعمل (ديكورـ إضاءة ـ ملابس ـ …) ولكن أيضاً على مستوى طرح القضية، فمعظم الأعمال نلاحظ فيها وجود سذاجة في الطرح، فما أن يقوم شخص بتنزيل فيديو، حتى يصبح في اليوم التالي؛ أشهر شخص في العالم، ولكن في المسلسل، تم طرح القضية بشكل واقعي، حيث أخذت “شيماء” وقتاً للشهرة والانتشار، وسعت لتحقيق هذا على مدار الحلقات، كما أن المسلسل قائم على الشباب، والأبطال المساعدين،  مثل الجارة أم أحمد “نجلاء يونس”، والشاب المحب حسن ” يوسف عمر” وسحر “جلا هشام”، صديقة “شيماء “وهبة تاتو ” إلهام صفي الدين “، والذين استطاعوا أن يثبتوا كفاءتهم، وأنهم قادرون على صناعة مشاهد، و تقديم أحداث تتعلق بشخصياتهم، في إطارأداء جذاب للجمهور، حيث تم توظيفهم في أدوار مناسبة.

حرق الأحداث

الملاحظة الوحيدة، التي كنا نتمنى لو انتبه لها صناع هذا العمل المتميز؛ أن يتم استخدام تقنية “الفلاش باك”، بشكل مناسب دون حرق للأحداث القادمة، حيث إننا نجد أنها أظهرت لنا معرفة دخولها السجن، ومعرفة انتحارها في الحلقات القادمة، بالإضافة إلى معرفة موت والدها، كان من الممكن استخدامها في الحلقة الأولى فقط ،حيث مشهد “انتحار تيك توكر شهيرة”، ومنه تنطلق الأحداث؛ ليتم سرد كيف انتحرت، وما الذي تسبب لها في هذا، وإن كان هذا ثغرة في العمل من وجهة نظرنا، التي تحمل الصواب والخطأ، فالعمل كما ذكرنا في مقالنا يحمل العديد من المقومات، التي تجعله من أهم الأعمال الدرامية لهذا العام.

الأفضل هذا العام

في كل الأحوال، لا نستطيع إلا أن نُحَيِّيَ بكل الحب هذا العمل الفني، الذي سيغادرنا في النصف الثاني من الشهر الكريم، والذي سيترك أثراً كبيراً في قلوب جمهوره، ومساحة لا تنفد من الفرحة، والاشتياق له ، والذي نعتبره من أفضل المسلسلات، التي قدمت في سباق رمضان لهذا العام .

أعلى نسبة مشاهدة
تأليف : سمر طاهر
إخراج : ياسمين أحمد كامل
بطولة:
سلمى أبو ضيف: شيماء
ليلى زاهر: نسمة
محمد محمود: فتحي الأب
إنتصار: حمدية
فرح يوسف: آمال
إسلام إبراهيم: علي
إلهام صفي الدين: هبة تاتو
هند عبد الحليم: كاميليا
أحمد فهيم: بندق الخال
جلا هشام: سحر
يوسف عمر: حسن
إنعام سالوسة: أم فتحي الجدة
نجلاء يونس: أم أحمد الجارة
أمجد النجار: فوكس
محمد حاتم: طارق
مهندس ديكور : حازم كمال
موسيقى تصويرية : عمرو إسماعيل
ماكياج: أحمد عبد الرازق
ملابس: خالد عزام
مدير التصوير: يوسف بارود
كوافير: هيثم دهب


★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى