موسيقي

ريم ياسين: ” أصحاب الأرض ” لأصالة، وقطرية، ونازك، ورضوان .. حشد للتاريخ في ٤ دقائق!

ريم ياسين ★

منذ أيام قليلة طرحت الفنانة السورية “أصالة” أغنية ” أصحاب الأرض “، التي جمعت أعداداً كبيرة من المشاهدة ، وأصبحت متداولة بشكل سريع على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي من تأليف فارس قطرية، وإخراج: عادل رضوان، وألحان: حسين نازك، وتوزيع: أحمد ضياء، كما صاحب الأغنية مقطع مصور، يتضمن العديد من الرموز،  محوره القضية الفلسطينية .

جمع بين ديانتين  

يبدأ المقطع التصويري، بأرض يملؤها الخراب في كل مكان، يصاحبها اقدام سوداء، قادمة على أناس يُسَبِّحون، ويقرأون القرآن الكريم، تحديداً سورة آل عمران، وهنا استخدم المخرج عدداً من الدلالات الدينية مثل، تسليط الضوء، وزاوية التصوير على آية:
” فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ “

ثم الانتقال على سيدة تحمل طفلاً، وترتدي ملابس بيضاء اللون، هذا الدمج بين الديانتين الإسلامية، والمسيحية على أرض واحدة ، فالأولى تعبر عن التكرار الحادث بالتهجير القصري، للفلسطنيين، وكيف كرمهم الله عز وجل في كتابه، والثانية  كناية عن السيدة مريم العذراء، والسيد المسيح، حيث استخدم اللون الأبيض للدلالة على السلام،   والطهارة والعفة،  كما صور اثني عشر شخصاً يجتمعون في دائرة ، مجازاً عن الحواريين؛ تلاميذ سيدنا عيسى عليه السلام، وهو ما ذكره المفسرون المسلمون، وتطابق مع الإنجيل، والتقليد المسيحي، والتي تعد بمثابة العهود السماوية بالوجود الفلسطيني، لسكان هذه الأرض.

أزمنة متداخلة..مقاومة مستمرة

تراوحت اللقطات التصويرية بين الحاضر والماضي التاريخي، حيث صور مجموعة من الاشخاص تشاهد قدوم “الكيان الاسود” إلى أن يصل إلى أنظار الطفلة “حبيبة بدر” بالزي الفلسطيني، المتواجدة وسط الأرض المدمرة، يقطعه مشهد من الماضي بنفس الزي، ولكن أمام أنظاره الأرض الخضراء، التي تدل على خيرات البلاد، قبل مجئ الخطوات السوداء إليها، والتي يصفها المقطع التصويري بالتزامن مع كلمات الأغنية “ريت المركب الي أخذه ما رده”، والتي تشير في مكنونها إلى السفينة “إيجوز”، التي حملت المهاجرين اليهود المغاربة إلى الأراضي الفلسطينية، بطريقة غير قانونية ، والتي يصورها المقطع، بإحاطتها بشيء من الضباب، والإضاءة المائلة للظلام، وأيضاً تصوير الخسائر، التي تعرضت لها السفينة بغرق عدد من اليهود، بسقوطهم على الشاطئ، وعدم اتزانهم بمجرد وصولهم، بالإضافة إلى احتواء المقطع على أكثر من دليل، وصولاً إلى الحضارة الفرعونية، و ظهور هرم سقارة، كناية عن بني إسرائيل، و سيدنا – موسى عليه السلام- والذي ينوب عنه تمثال “الثور الذهبي”، الذي صنعه اليهود للعبادة، خلال غياب سيدنا موسى، ليصعد جبل سيناء.

تزامن هذا المشهد مع وجود الفلسطيني تحت الأرض، الذي ينوب عن حركات المقاومة المستمرة لاسترداد الأرض، والطفلة الفلسطينية في الأعلى، في نفس وقت اتجاه الفرعوني ناحية التمثال، وكأن هذه الروح المجاهدة، تربطهم جميعاً في أزمنة ، وأماكن مختلفة.

الرحيل والمفتاح

تضمنت الأغنية كلمات، تضفي نوعاً من التمني برجوع الزمن، ففي مقطع ” ريت المصاري تقلب حديدة ..تسفر شبابنا بلاد بعيدة” وهو تعبير مجازي عن عمليات النهب، التي اتبعها اليهود في شراء البيوت الفلسطينية، وتهجير أهلها، كحق مكتسب في الاستيلاء على الأرض والثقافة، وهو ما تم تطبيقه في المشهد،  بتهجير عددٍ كبيرٍ من الأهالي والاطفال عن الأراضي الفلسطينية، وظهور الحصان الاسود مرتفعاً ، كمجاز عن القهر، والاستبداد المعرض له تلك الأهالي، ولكن بالنظر إلى لقطة “المفتاح” في المشهد، والتي تدل على اليقين بالرجوع إلى أرض فلسطين، وهو ما تعرفنا عليه في ظل الظروف الراهنة، أن العائلات في غزة، محتفظة إلى الآن بمفاتيح منازلها، على الرغم من تدميرها ، ولكن الثقة في العودة لديهم كانت أقوى من قذائف الاحتلال.

كيف احتملت الكلمات “التمويه”؟

تخللت الأغنية الألحان، والكلمات التراثية، وهو ما استطاعت الفنانة ” أصالة ” إتقانه، لامتلاكها  اللهجة الشامية، والصوت القوي، الذي يحث على المقاومة والدعم الفلسطيني ، ولذلك لاحظنا تكرار حرف ” اللام” في بداية الأغنية، وفي المنتصف خاصة في مقطع ” شمالي لالي يا هوالي ….يا وريللووو”، وهي الصيغة المستخدمة للنساء الفلسطينيات قديماً،  للتمويه على قوات الاحتلال عند زيارتهم للمعتقلين في السجون، وإخبارهم أن الشباب سيأتون لتحريرهم، وهي نفس الصيغة التي استخدمتها الفنانة الراحلة “ريم البنا” في غنائها لـ ” يا طالعين عين الجبل” ، والتي تعد أغنية فلسطينية تراثية، كما دمجت هذه الكلمات مع ألحان، كانت مزيجاً من الفولكلور الشامي الفلسطيني، والترويدة الفلسطينية، والتي عبرت عنها الطبلة اليدوية في المقطع التصويري، وهي من أشهر الآلات المستخدمة في الرقص الفلسطيني، إلى وقتنا هذا، تحديداً في “رقصة الدبكة”، والتي استخدمت بصيغة رمزية، في مشهد المقاوم ، وهو نفس المشهد للشاب الفلسطيني، الذي كان يرقص أثناء تواجده في منتصف القصف، ولكن هذا الترابط بين الأعلى والأسفل بوجود الطفلة، يوحي بنوع من الطمأنينة، أنه قادم إليها، وكأن الدبكة، هي لغة تراثية للتحاور بينهم.

المقاومة حق

تظل الألحان مصاحبة للمشاهد التصويرية، إلى أن يعم الصمت، بوصول كلٍ من الأشخاص الثلاثة السابق ذكرهم، بأزمنتهم المختلفة، إلى الهدف المراد، وتدمير الثور الذهبي، تسحب الاقدام السوداء إلى أسفل؛ ليعلوها أصحاب الوشاح الفلسطيني ، وهو كتخيل، إذا دمر الكيان الصهيوني منذ القدم، كانت ستظل هذه الأرضي سالمة بخيراتها، وهذا الظهور الفلسطيني من أسفل الارض، يشير إلى هذه الجذور المتأصلة، التي يحملها أبناء هذا الوطن ، كأنها ثمار طيبة، انتظرت رحيل المواد السامة عن أرضها، وختم المشهد بجملة ” المقاومة حق” والتي تحمل نوعاً من العمومية للدول العربية، فلم تقتصر المقاومة على الشعب الفلسطيني فقط.

التقنيات الإخراجية

اِستغلت أماكن التصوير، المتراوحة بين هرم سقارة، والفيوم، بالشكل الذي يتماشى مع الزمن المراد عرضه، والحالة المسيطرة على كل شخصية ، بكيانها المختلف، وكانت الإضاءة تحمل هذا الجانب المكمل للشعور البارز في كل مشهد، فكانت مظلمة، ومليئة بالضباب في مشاهد الكيان الأسود،  للدلالة على هذا الظلم المصاحب له،  بينما كانت الإضاءة مشرقة أثناء تواجد ” أصحاب الارض”؛ لإضفاء هذا البصيص من  الأمل، وأنهم مصدر الخير الدائم لهذه البلاد، وأيضاً تنوعت الملابس بين الزي الفلسطيني، وألوانه القريبة من الألوان الترابية؛ للإشارة إلى صلة الترابط بين السكان والارض، وعلى النقيض ، كان “الكيان مفعماً بالسواد”؛ لارتباطه بالخوف والحزن ، وصفات المكر والجريمة، وساعد على إيصال هذا اللقطات المستخدمة، فتنوعت بين القريبة، والقريبة جداً، التي كثرت في المَشاهد الخاصة بالشعب الفلسطيني؛ لإيصال هذه الحالة من البؤس، والحزن البارز في العيون الخاص بالممثلين، وأيضاً اللقطات الأساسية لشرح المكان عامة، وساعد في ذلك حركة الكاميرا، والتي تضمنت حركات الاقتراب، والابتعاد؛ للانتقال بشكل متوازن بين المَشاهد المختلفة.

ثبت جذورك في التراب

أنهى الشاعر “فارس قطرية “، المقطع التصويري، بقصيدة تحث على الدفاع عن تراب هذه الأرض المباركة، بقوله: ثبت جذورك في التراب ..فأنت باق هاهنا ” يصاحبه رقصة الطفلة، وتكرارها يدل على الاستمرارية في المقاومة، وعدم ترك هذه الارض، وتصوير طفلة في النهاية، هي نظرة أمل في حد ذاتها، والإيمان برجوع الأرض لأصحابها، والحث على عدم اعتياد المشاهد المأساوية؛ لذلك كان صدور الأغنية في هذا الوقت ، هو صدور مفاجئ، وتذكرة لأنفسنا بأن ” الأرض أرضك يا فتى ..هذه البلاد بلادنا”


طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى