فنون وآداب اخرى

شيماء مصطفى: ” مطبخ مصر” .. يكشف أسرار الطعام المصري!

 

شيماء مصطفى ★

هل سبق وتساءلت عن أصل أكلة تسللت رائحتها إلى أنفك، وداعب طعمها أطراف لسانك؟ هل سبق وتتبعت أصل كل ما تشتهي من طعام؟

بلغة تقريرية تتسق وطبيعة الموضوع، يقوم معتز نادي في كتابه (مطبخ مصر) الصادر عن دار معجم للنشر والتوزيع، بجولة سريعة دون ترانزيت داخل الشوارع والمطابخ والحكايات من مصر القديمة وحتى عصرنا هذا، ساردًا بعدة تأويلات متباينة سر مسميات الأكلات المصرية الشهيرة،  قد يظن القارىء من العتبة القرائية الأولى (العنوان) أن الكتاب يتضمن العديد من الوصفات لأشهر الأكلات المصرية، ولكن مع القراءة سيجده يندرج تحت علم الأنثروبولوچيا ( علم النفس الاجتماعي)، فربط بين الأطعمة المختلفة ، والعادات والتقاليد التراثية، فكما تعبر الفنون عن ثقافات الشعوب وقيمها، كذلك الأطعمة جزء من ثقافة الشعب وهويته.

حمل غلاف الكتاب جانبًا تراثيًّا ، فتلامس في حميمته مع تمثال نهضة مصر لمحمود مختار، متجسدًا في المرأة التي تحمل على رأسها قفة محملة بثمار طازجة دون الحاجة إلى الإمساك بها، وإحدى اليدين حاملة لوعاء طهي، كاشفًا غطاء رأسها عن قرط  تراثي، وفي الخلفية شمس ونخيل، فإذا تعاملنا مع الغلاف بمنأى عن العنوان، سنجده مصر التي نعرفها.

يضم الكتاب عدة مقالات مجمعة للصحفي معتز نادي،  استطاع من خلالها أن ينقل لنا صورًا حية للمطبخ المصري فتجاوزت الحيز الجغرافي الضيق للمطابخ المصرية، ورغم أنه استعان معظم الوقت -كما ذكر- بمحرك البحث جوجل باعتباره صديقًا له، وكما نعلم جميعًا أن ليس كل ما نجده على جوجل موثقًا به، فهرب نادي من هذا الفخ حين وضع أمام القارىء جميع التأويلات والمصادر التي اعتمد عليها في مقالاته تاركًا  له حرية البحث والتنقيب، قبل تبني أحد الآراء، نقطة أخرى أضفت على الحديث البسيط نوعًا من المصداقية بين الكاتب والقارىء تمثلت في صدمة للقارىء حين يكتشف أن بعض الأكلات الشعبية التي يفضلها ليست مصرية الأصل.

شمل الكتاب عدة فصول موجزة وطريفة في آن واحد وهي:  طباخ الأرض، أكل العيش مر، ملوخية الوزيرة ، الخطة الثلاثية، كشري ابن بطوطة ، لحمة الغلابة، نزاعات وخلطات، كنافة عرابي، كنت مشغولًا بصيد الاستاكوزا، سيدة الموائد ، كنافة عرابي، شتاء المخروطة، شاي وقهوة، الأكل ثم الخطاب الديني ، فتة البهجة، رسالة المانجو، زمن الكورونا ، وغيرها.

وقد كانت الفصول جميعها متضافرة، ربطت الطعام والمشروبات بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضًا، كما أضفت الأمثال الشعبية عن الأكل نوعًا من الدعابة.

أهم ما يميز هذا الكتاب أنه حوّل الافتراض إلى واقع ملموس، إذ وضع بعض الشرائح المجتمعية أمام افتراض، فكان السؤال كالآتي:  ماذا لو كان رئيس الجمهورية ضيفًا في بيتك؟ ماذا ستقدم له؟

أجاب الجميع، وتحولت مأدبة الطعام في منازلهم لفيض من الكرم دون بذخ – رغم ضيق الحال-  وكعادة المصريين في الحديث على الطعام، وبعفوية يُعرفون بها، باح كل منهم بما يريد لبلاده من خطوات تدفعهم للأمام، وكانت المفاجأة حين تحولت هذه الدعوة الافتراضية التي طُرحت على المواطنين لواقع تمثل في دعوة القصر الرئاسي هؤلاء البسطاء لتناول  الطعام مع الرئيس، كرد كريم على العزومة الافتراضية.


لعب معتز نادي في مطبخ مصر على العقل الجمعي لدى المصريين، وذلك في اختيار الوصفات والمشروبات التي لدى كل منا ذكريات معها، وادخرناها لنقُصّها على الأجيال القادمة، كما عمل استخدام لغة محايدة، وكذلك الوصفات، فصنع تواشجًا بين كل الأجيال، والفصول، فإن كنت من عشاق الأجواء الرمضانية ستجد بعض العادات والأكلات التي تذكرك بالشهر الفضيل، وإن كنت ممن يتابعون صراعات السوشيال ميديا بين محبي الشتاء ومحبي الصيف، ستجده ذاكرًا  للأطعمة والمشروبات التي يتميز بها كل فصل، فلا يترك جانبًا من شخصيته، بل منا جميعًا.

ورغم بعض الهنات التي كانت من حين لآخر تكسر الإيقاع المتسارع للنصوص كبعض المفردات التي تشعرك بأنك في جلسة حكي لا أمام سلسلة مقالات، إلا أنه كتاب خفيف، ننصح بقراءته الشباب الذين تكتظ بهم مطاعم الوجبات السريعة، وتملأ بطونهم المياه الغازية، فتفتك بهم في صمت وتحرمهم من لذة الحكايات.


★سكرتير التحرير.

 

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى