محمد فهمي: ما السر وراء إعادة “حديث الصباح والمساء”.. دائمًا؟
محمد فهمي ★
من الغريب أن يتم إعادة عرض مسلسل درامي في الألفية الأخيرة، ويلقى نفس الإقبال والترحيب من المتابعين، مثل عرضه في المرة الأولى.
ماذا لو أخبرتك عن مسلسل يتم عرضه في السنة الواحدة أربع أو خمس مرات، على عدد من الفضائيات المختلفة، ويَلقى نفس الإقبال والمتابعة بشغف، في أقل التفاصيل الفنية للعمل الفني، وكذلك النقاشات الفنية عن أبطاله العاديين البسطاء، حتى لو مَرَّ على بثه لأول مرة 23 عامًا.
نعم، هو بالتأكيد ومَن غيره مسلسل ” حديث الصباح والمساء”، والذي يُعَدُّ واحدًا من أهم العلامات في الدراما المصرية على مدار سنين طويلة، وما زال يحتفظ بشعبية واسعة داخل مصر وخارجها.
الحكاية
هو مسلسل درامي مصري من إنتاج 2001، ومن بطولة كوكبة من النجوم أبرزهم عبلة كامل، ليلى علوي، دلال عبد العزيز، إبراهيم يسري، أحمد خليل، خالد النبوي، محمود الجندي، توفيق عبد الحميد، سوسن بدر، مأخوذ من رواية للأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ، على يد السيناريست محسن زايد، ومن إخراج أحمد صقر.
تدور الأحداث حول ثلاث عائلات رئيسية، ويتفرع منها أبناؤها وأحفادها، وكذلك تُسلط الأحداث الضوء على كل ما يدور داخل مصر من الحملة الفرنسية، وصولاً للتاريخ الذي تنتهي به الرواية، بكل التغيرات السياسية والِاقتصادية والاِجتماعية.
أصل الحكاية
كما ذكرنا مُقَدَّمًا أن مسلسل “حديث الصباح والمساء” مأخوذ من رواية تحمل نفس الِاسم للأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ، والتي نُشرت لأول مرة في عام 1987، وتناولت الرواية، عدة أحداث من خلال وصف السيرة الذاتية لكل شخصية، من شخصيات الرواية في سطور معدودة، وتنتهي حكاية الشخصية، لتبدأ شخصية جديدة بحكاية جديدة.
تَعَمَّد “نجيب محفوظ ” في روايته أن يُقدِّمها بشكل غير جديد، شكل مغاير تماماً لما هو مألوف في الروايات، فالرواية مقسمة أبجدياً وَفق أسماء الشخصيات.
وكذلك اهتم بدورة حياة الإنسان، منذ مولده حتى وفاته، وهي النهاية المحتومة لكل إنسان على وجه الأرض، فمن الممكن أن تُلَخَّص الرواية بالجملة الرائجة حتى الآن” أن حياة الإنسان تبدأ بصرخة، وتنتهي بشهقة موت”، مع اختلاف أعراقهم وأنماط حياتهم، فالنهاية واحدة وهي الموت.
رصد “نجيب محفوظ” حياة ثلاث عائلات كبيرة على مدار خمسة أجيال، فالشخصية الواحدة، ترى والدها وجدها وكذلك ابنها وحفيدها، متخللاً للحياة البسيطة بكل تفاصيلها وعلاقاتها.
نجح ” نجيب محفوظ” في جعل كل شخصية من أبطال الرواية، قريبة للغاية من ذهن القارئ أنه شاهدها من قبل، أو أنه واحد منهم، فالرواية تنتمى لمدرسة الواقع، وتُمَثِّل مرآة للمجتمع المصري وتاريخه الحديث، وكُتبت على شكل شجرة عائلة، والعائلات هي: (المراكيبي، المصري، القليوبي)
لم يترك “نجيب محفوظ” الفكرة الأهم في روايته، وهي فكرة الفقد الدائمة في حياتنا، مهما وصلت درجة ارتباطنا بهم، فنهايته قادمة لا محالة، كحال من سبقوه من قبل، سواء من عائلته أو أصدقائه.
مرة أخرى، ولِمَ لا!
كما ذكرنا أن المسلسل تتم إعادته أكثر من مرة خلال العام، ولكن في هذا المقال، نبحث معاً عن أسباب تعلقنا بتلك الأيقونة التليفزيونية، مع العلم أن الأحداث لن تتغير، والشخصيات كما هي، والنهاية مفتوحة إلى حد كبير، ماذا يتوقع المتلقي من تكرار تجربة المشاهدة مرة أخرى.
الشخصيات
كل حكاية لكل شخصية كفيلة أن تكون رواية مستقلة بذاتها، وكل منهم له سماته ودوافعه، فهناك من يؤمن بالأضرحة والمباركين وأولياء الله الصالحين، والسحر والجن، ومنهم من تحوَّل من الفئة المتوسطة إلى فئة الباشوات، ومنهم من يحمل التقوى والإيمان في طيات صدره، بجانب كفاح كل منهم في حياته، وارتباطه وعشقه لتراب وطنه، واحتفاظه بالعادات والتقاليد، التي تَلَقاها على يد عائلته.
الأحداث
تدور الأحداث حول الموت والحياة، وعن تغيرات الدنيا والنعم الزائلة، والحب والكُرْه والتناقض بين الشخصيات، وكذلك الروابط المتينة بين العائلات، التي تقف أمام أي عاصفة مهما اختلفت الفئة الِاجتماعية لكل عائلة، متناولة كل الأحداث السياسية، بداية من الحملة الفرنسية، وتاريخ محمد علي، وكذلك الثورة العرابية، وغزو الإنجليز لمصر، وثورة 1919، وكل الشخصيات التاريخية العظيمة والمؤثرة في تاريخنا ووجداننا، ولن نُغفل عبقرية السرد منذ البداية، حيث تعرض “النقشبندي ” لحادث خطير، فذهبت روحه بشكل مؤقت لعالم البرزخ، وتم منحه كتاب شجرة العائلة، ويبدأ في التعارف على كل عائلة منهم.
النهاية مفتوحة ومصير “جليلة”
كل حلقة ننتظر ما الذي سيَحُلُّ بكل شخصية؟، مَنْ سيغادر عالم الدنيا، ويترك جرحاً في عائلته وفي المتلقين؟، من سيَحُلُّ ضيفاً جديداً علينا، لمعرفة مغامراته وعلاقاته مع مَنْ حَولَه، وتفاصيل حياته؟، وفي الحلقة الثامنة والعشرين أسدل المخرج “أحمد صقر”، الستار على المسلسل الأكثر نجاحاً في تاريخ الدراما المصرية، وذلك بجلوس “جليلة” في المقابر بعد وفاة ابنتها “صِدِّيقة” وحفيدها “علي”، مستنكرة كل ما تَمُرُّ به من وفيات، ومواليد عاصَرَتها خلال حياتها، التي تجاوزت المائة عام.
لم يعرف المشاهدون مصير “جليلة”، وهي الشخصية الأكثر قربًا لهم؛ نظرًا لشدة بساطتها، ومدى تشابهها بأغلب الأمهات في البيوت المصرية، ولكن الرواية كشفت ذلك، أنها في أواخر خمسة أعوام لها بعد أن فقدت السمع والبصر، كانت تعرف أحبابها بأناملها، ويعيش معها عدد كبير من القطط، وقامت ابنتها “شهيرة” بخدمتها قدر المستطاع.
وفي إحدى زيارات أكبر بناتها “راضية” لها، وجدت القطط تموء وتتداخل بأسلوب غريب، ورأت والدتها ملقاة على الأريكة، مُسَلِّمةً الروح، بينما “شهيرة” نائمة في الدور الأعلى.
في النهاية كنا نُمني أنفسنا من صناع هذا العمل الدرامي الكبير، بتقديم جزء ثانٍ للعمل، ولكن أصبح الأمر في غاية الصعوبة؛ نظرًا لرحيل العديد من كوكبة النجوم المشاركين في هذا العمل الفني.
★خريج قسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.