رأيمشاركات شبابية

طارق بن هاني: كلامٌ جميلٌ.

طارق بن هاني ★
“كلام جميل”. جملةٌ مؤلفة من كلمتين. كثيرًا ما تحضرُ على ألسنة المعلِّقين على الخطابات الثقافيَّة، مكتوبًا كان ذلك التعليق أو مقولا، وعلى الرغم من الدلالة اللطيفة التي تحملها لأوّل وهلة، فإنها ما تفتأ أن تثير توجُّسا عن المقاصد الكامنة وراءَها. فما الذي يعنيه مجرد قولنا: “كلام جميل”؟
ننظر إلى هذه الجملة، بوصفها جملة بليغة مُوجزة، قليلة الكلمات، واسعةُ الدلالات، وهي كذلك – نظريًّا – ولأنّها واسعة الدلالات، فإننا نحاول أن نقتنص بعضًا من دلالاتها، مستعينين بالسياق – التداولي – الذي يعين على فهم المَقُول، وموجّهاته، والدلالة القريبة التي ترشحها.
“كلام جميل”. عبارة يمكن أن يقولها شخص فتعني معنى محددًّا، ويقولها آخر لتعني تحديدًا آخر، وبحسب المقام فقد يقولها أحدهم في موقف فتدلُّ على معنى لا تدلُّ عليه في موقفٍ آخر، وهكذا… ولذلك، فإنَّ النتيجة التي نخلص عليها ابتداء أنّ ليس كلُّ “كلام جميل”، هو جميلٌ حقًّا بالمعنى الأستاطيقي.
أقول ذلك، لأن من العبارات ما يتحجَّر فيصير بروتوكولًا صوتيّا أصمّ (أي: بلا دلالة)، وينفصل عن ذات قائله ومقاصده فضلًا عن إحساسه الجماليّ، حتى لا ينمّ عن معنى أصلًا، لا جمالًا ولا قبحًا، سوى الابتذال، ولا أظن أن هذه العبارة – على شيوع استعمالها – إلا كذلك، وهو أمر مُقلق حيث يُعقد قران الجمال بالابتذال، وتعظم الكارثة حين تستعمل تلك العبارة في نسق اختزال الأطروحات شديدة التركيب وعميقة الفائدة، فتجعلنا أمام “كلام”، وكلام فقط، وأما “جميل” فهي إضافة غير موعيَّة، شأنها شأن بعض الخطابات التي تنفصل عن وعي أصحابها ومنظّريها وإن كانوا من أصحاب الألقاب العلميّة، هكذا يصير كل خطاب ثقافيّ ظاهرةً صوتيّة آنيّة، ينتهي أثرها بعد أن يجمع الحاضرون بأنه “كلام جميل”!


كاتب-عمان.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى