شيماء مصطفى: جولة في رأس ناقدٍ شهير.
شيماء مصطفى ★
تطالعنا المنصات الرقمية كل لحظة بالعديد من المقالات النقدية، منها ما يلامس عقولنا، ومنها ما يخاطب إنسانيتنا، ولكن يظل مقاله الوحيد العالق بذاكرتنا، والأشهر على الإطلاق.. فمن منا لا يعرف أنطوان إيجو ؟!
لنقرأ بصوته:
“كثيرًا ما يُعدُ عمل الناقد من أسهل الأشياء، فليست به مخاطرة ،لا نخاطر بشيء، ونستمتع بالتحكيم.
كثيرًا ما ننجذب للنقد السلبى، ما أمتع النقد السلبي لمن يكتبه! ولمن يقرأه، لكن الحقيقة المرة التي يجب أن نواجهها أنه وبكل المقاييس أحيانًا أتفه الأشياء التي ينتجها الأخرون قد تزيد أهمية عن كل ما نقول، لكن المخاطرة الوحيدة التي يتعرض لها النّاقدُ هي عندما يتحمس ويدافع عن الجديد، فالعالم لا يرحب بالمواهب الجديدة أو التغيير والجديد يحتاج لصديق.
بالأمس اختبرت شيئًا جديدًا، وجبةً لا مثيل لها من مصدر لا يتوقعه أحد ، ولنقل أن الوجبة والطاهي أثبتا أن فكرتي المسبقة عن جودة الطهي بالغة التواضع لقد هز كياني بشدة، في الماضي لم أخفِ رفضي لعبارة (الطبخ للجميع)، ولكنني لم أدرك ما كانت تعنيه سوى الآن، ورغم أنني مازلت أرى أنه لا يستطيع أي شخصٍ أن يصبح فنانًا عظيمًا لكن الفنان العظيم قد يأتي من حيث لا نتوقع” .
كيف فك ريمي شفرة أنطوان إيجو ؟
المشاهد المتأمل لفيلم الفأر الطبَّاخ، لا يكتفي بالحبكة، بل يظل متفحصًا لباقي عناصر العمل من ديكور، وإضاءة وغيرها، حتى وإن كان العمل كرتونيًّا موجههًا بالأساس للصغار، فما بالك لو اكتشف الصغار أنفسهم أن ريمي استطاع معرفة وجبة إيجو المفضلة (خلطبيطة بالصلصة)، كونه هو وأسرته قبل التهجير من ساكني نفس البيت الذي قضى فيه إيجو طفولته، يظهر هذا في المشاهد الأولى من الفيلم، وفي المشاهد الأخيرة بتقنية الفلاش باك ، حين عاد إيجو للوراء حيث طفولته فالمنزل هو المنزل، وقطع الديكور هي نفسها، وما تقوله الكاميرا، لا حاجة له بالحوار.
الطبخ للجميع!
” الطبخ للجميع” العبارة الأشهر للشيف جوستو، والتي يدور الفيلم حولها، فإيجو يرفض العبارة شكلًا وموضوعًا، وريمي بفطرته سعى لتصحيح المفهوم لدى إيجو، ليخرج من محدودية مفهوم جوستو واقتصار الطبخ على البشر فقط كونهم المخلوقات الوحيدة التي تجيد الطبخ، وتأكل الطعام المطبوخ، ليعطي ريمي للمفهوم شمولية واتساعًا، فريمي ليس طبَّاخًا ماهرًا وحسب، بل متذوقًا جيدًا أيضًا، لا يرضى بالفتات، ويفضل الطعام المطبوخ.
هل العمل تطبيقًا لنظرية جاردنر؟
ويعد العمل نموذجًا تطبيقيًّا لنظرية الذكاءات المتعددة ( Multiple Intelligence) ، وهي نظرية وضعها عالم النفس “هاورد غاردنر” عام 1983م وتشير لوجود العديد من الذكاءات المتعددة، كالذكاء البصري المكاني والموسيقي، وانبثق من النظرية عدة ذكاءات فيما بعد، مزجت بين الموهبة والذكاء، فنجد الفأر الطباخ يروض ويوجه لينجويني، ونجده فنان بارع في الطبخ، وله طقوس وشعائر يمارسها حين يطهو وكأنه يقود أوركسترا.
وعي بالصناعة وإلمام بزمام الأمور
استطاع صُناع العمل إحكام السيطرة على العمل، والإلمام بكافة التفاصيل بداية من شكل إيجو وهيئته، حتى مكونات أكلته المفضلة.
يقول أنطوان إيجو: ” أنا مش بحب الأكل، أنا بعشقه”؛ للدلالة على حبه الشديد للأكل، ومع ذلك لا نجده نهمًا يلتهم كل ما يقدم له، ولا يأكل بطريقة مقززة تثير الاشمئزاز، بل على العكس يأكل بتريثٍ، طبقه غير ممتلىء، حتى وجبته المفضلة (خلطبيطة بالصلصة ) جعلتها ديزني من الخضراوات: الكوسة والطماطم والباذنجان؛ لتعرف صغارنا ضرورة تناول الخضراوات.الكوسة بالتحديد اختيار موفق كون الأغلبية من الكبار والصغار لا يضعونها ضمن نظامهم الغذائي رغم فوائدها الكثيرة.
التكوين الجسدي للناقد إيجو، كان أكثر من رائع؛ ليمحي التصور المسبق المرتبط بأن كل من يحب الطعام لا بد وأن يكون بدينًا، فإيجو الناقد العاشق للطعام، يأكل بكميات قليلة، ولديه جسد نحيف متناسق.
تفصيلة أخرى رائعة أجادها صناع العمل ارتبطت بأنف إيجو، حيث جاء رسم الأنف للشخصية لتدل على الصلة الوثيقة بين التذوق والشم، فكل متذوق بارع لديه حاسة شم جيدة.
كل هذه التفاصيل إضافة إلى الدبچلة المصرية للعمل ساهمت في الانتشار الواسع، فظل العمل عالقًا بأذهاننا تمامًا كما ظلت الخلطبيطة بالصلصة عالقة على أطراف الطفل إيجو، حتى وبعد أن صار الناقد إيجو الشهير، الذي تنتظر مطاعم فرنسا تقييمه لها، ويحفظ مقاله الأشهر الكبار والصغار.
فيلم (الفار الطباخ) أو (خلطبيطة بالصلصلة) أو (Ratatouille)، هو فيلم أنمي (رسوم متحركة) أمريكي، أنتجته شركة بيكسار، ووزعته شركة والت ديزني.
تم إنتاجه عام 2007م، وحظى بنجاح باهر في مختلف أنحاء العالم، وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة لعام 2007م ، وهو من إخراج “براد بيرد”.
★ناقدة-مصر.