★شيماء مصطفى
تعرفتُ على الأدب الخليجي والكويتي تحديدًا منذ عام 2013م، قرأت للراحل إسماعيل فهد إسماعيل، والراحل ناصر الظفيري، وسعود السنعوسي، وسعد الچوير، والبحريني أمين صالح وغيرهم، قرأت لسعداء الدعاس، وحلا الدعاس، وأسماء الدعاس، وباسمة العنزي، ومنى الشمري، وبثينة العيسى، واستبرق أحمد وغيرهن.
أما عن الأغنية الخليجية فتعرفت عليها قبل ذلك بكثير، فقد كان جدي -رحمه الله – من عشاق اللون الخليجي في الغناء والمغربي أيضًا، أتذكر جلوسه لساعات وهو يسمع عوض دوخي، سليمان الملا، عبد الله الرويشد، عباس البدري.
واظبت على سماع الأغاني التي يفضلها كنوع من الوفاء لذكراه دون النبش عن السيرة الذاتية لأي من المغنين أو الشعراء أو الملحنين،
إلى أن أخبرني الكاتب «حسام مصطفى إبراهيم » في إحدى دورات اللغة على منصة (باز) أنه من الخطأ قولنا: بدون شك، والأفضل أن نقول :” دون شك، أو من دون شك، أما بدون فهي خطأ تمامًا، فكلمة بدون تُطلق على عديمي الجنسية في الكويت، استشهد على كلامه بقول الله تعالى:” ليس لها من دون الله كاشفة” سورة النجم.
تساءلت ماذا يحتاج الوطن لنثبت انتماءنا إليه؟
أن نتغنى بأمجاده؟! أم نولد على أرضه؟! أم ندفن فيه؟! أو ربما لنكتب بلغته، وننطق بلهجته؟! وإن كنا قد قمنا بكل هذا فلماذا لا يمنحنا صك الانتماء ؟!
مات ناصر الظفيري وحيدًا بين ثلوج مونتريال، وعاش ورحل عباس البدري دون هُوية ودون تكريم، ربما يكون غير مشهور لدينا بمصر ، ربما لما تلتقط أذنك اسمه ذات يوم
.ولكن إذا كنت خليجيًا، أو تضيف إلى ذائقتك اللون الخليجي، لا بد من أن تمر على عباس البدري ، الذي ظهر على الساحة الغنائية مطلع السبعينيات، ليس لأنه غنى بالخليجية -لهجته-200أغنية، ولكن بالتأكيد سمعت عن أغنية “خليجية ” التي اشتهر بها، وبسبب نجاحها الذي يعتبره- على حد تعبيره- نقمة أكثر من كونه نعمة؛ نظرًا لعدم الالتفات لباقي أغانيه التي تتميز بجودة اللحن والأشعار أيضًا.
صحيحٌ أن قلبه حمل غصةً وحزنًا لمعاناته من التهميش وتجاهل التكريم ولمرضه، إلا أنه وحتى لحظاته الأخيرة كان منتميًا للأرض التي نبت من ترابها وترعرع وعاش ومات ودفن فيها، يقول في إحدى لقاءاته” الكويت هي بنتي، هي أمي، هي أهلي، الكويت ليس عندي محبوب غيرها).
تنوعت أغاني «عباس البدري» بين الوطنية والعاطفية، ظهرت المرأة في أغانيه بشكلٍ استثنائي، بدا غزله لمحبوبته على الطريقة البدوية والتراثية القديمة على نهج جميل بن معمر ( جميل بثينة)، وقيس بن الملوح ( مجنون ليلى).
شارك عباس البدري في أوبريت (جسر المحبة الكويت)، من تأليف الشهيد«فائق عبد الجليل»، وألحان الشهيد «عبد الله الراشد»، بالتعاون مع غريد الشاطىء و«رباب» و«عبد المحسن المهنا»، وتمثيل «مريم الغضبان، و«علي المفيدي»، و«إبراهيم الصلال»، و«يوسف درويش». لم تكن أغنية (خليجية) وحدها الأشهر في مسيرته، فهناك أغنية ( غالي غالي لو يبعد) التي نالت من الشهرة الحظ الأوفر حيث تغنى بها الكثيرين كماجد المهندس، وفؤاد مسعود، وإلهام المدفعي.
أهم ما يميز «عباس البدري» برأيي ليس صوته الطربي الذي لا يختلف عليه اثنان، ولكن آصالته وتقديره للون الغنائي الذي يمثله، فرغم انجراف البعض وراء التكنولوجيا والحداثة في الغناء، ورغم سعي المطربين للتواجد والظهور بألوان غير متسقة مع طربهم لضمان الاستمرارية إلا أنه ظل متمسكًا مُحافظًا عما آمن به، مكتفيًا بما قدَّم، فالأغنية من منظوره عملٌ متكامل حيٌّ يتفاعل معه، والموسيقى جزءٌ أصيل لا ينسلخ عنه، والكلمات منتقاة بعناية لا تتشابه وكلمات أحد.
شي ءٌ آخر يميزه تمثل في إصراره على تقديم ما يليق به خاصةً في بدايته بأغنية، (سامرية) مع الملحن « ابراهيم الصولة» – وهو لمن لا يعلم ملحن النشيد الوطني لدولة الكويت – فرغم أن الأغنية لم تحقق النجاح المنتظر حينها، إلا أنه لم ييأس، ولم يكف الملحن «إبراهيم الصولة» عن التعاون معه.
فضلًا عن وفائه وحديثه الممزوج بالفضل والامتنان لكل من تعاون معهم من شعراء وملحنين إيمانًا منه بأن النجاح عملٌ جماعي أسهم فيه كل من تعاونوا معه.
حتى الذين اختلفوا معه، أو ابتعدوا عنه، لم يذكرهم بسوء، كذلك في مرضه الذي تسبب في رحيله، فكان متصالحًا معه.
لا أنكر أنني شعرتُ بشيء من الانتصار حين وجدت الصحف والمواقع المصرية تكتب خبر وفاة الفنان( الكويتي) عباس البدري عقب رحيله، تساءلت هل لا يعرفون حقًا أنه بدون؟ أم يعرفون ولا يريدون أن يشغلوا القراء بقضية إنسانية قد تصعقهم وتزيدهم بلاءً فوق البلاء؟ لا يهم بالنسبة لي إن كانوا يعرفون أو لا، المهم أنهم قالوا الكويتي ( عباس البدري) في عناوين أخبارهم.
تعاون «البدري » مع العديد من الشعراء والملحنين منهم: إبراهيم الصولة، عبد الله الراشد، فائق عبد الجليل.
ومن أشهر أغانيه ” خليجية”، “غالي”، “قمر كنها”، “منها لله”، “توك حسيت بالندم”، “يا عشير فقدته “، “نهواه”، و”أذكروني بخير”.
رحل عباس البدري قبل أيام عن عامر ناهز ال78 عامًا، تاركًا إرثًا غنائيًا تغنى به المغنين الشباب في حياته، وبعد وفاته، وستظل أغانيه الجميلة التي تركها في قلوب كل من سمعها يومًا أو دندن لحنها أو ردد كلماتها.
★ ناقدة-مصر.