سينما

شيماء مصطفى: (سُكَّر) لهبة مشاري حمادة.. معالجة سينمائية تفتقد التفاصيل!

شيماء مصطفى★

حين أعرف  أن رواية ما سيتم معالجتها بشكل سينمائي أو حتى درامي يتبادر لذهني سؤالٌ لا يشبعه إلا قراءة الرواية ” هل هذه الرواية عملٌ يستحق؟”، ولا أعني بسؤالي التقليل من جهد الآخرين، ولكن أعني هل الرواية مكتملة البناء، متقنة الحبكة، ملائمة لطبيعة القضية التي تتناولها لنراها على الشاشة؟ وإن كانت كذلك فكيف ستتم المعالجة؟ وما هي المعايير التي تتم على أساسها تلك المعالجة؟ فهناك عشرات الروايات التي سبق وتم معالجتها بصورةٍ ضعيفة مهترئة.

قبل أيام طُرِحَ فيلم (سُكر) بطولة« ماجدة زكي» و «حلا الترك» ومعالجة سينمائية وحوار للكاتبة الكويتية «هبة مشاري حمادة»

والفيلم مأخؤذ عن رواية ( صاحب الظل الطويل/ أبي طويل الساقين) للروائية الأمريكية «چين وبيستر»، وقد صدرت الرواية في عام 1912م أي منذ أكثر من قرن، والسؤال هنا هل رواية مثل هذه تؤسس لفكرة فارس الأحلام المنقذ الذي يأتي وينتشل فتاة من الملجأ لعالم مغاير تمامًا عما ألفته فكرة منطقية في عصر يتسم بالاستقلالية واعتماد الفتيات على أنفسهن أكثر من اعتمادهن على الآخر؟ عصر يرفض أن تظل الفتيات محشورة في بوتقة سندريلا التي تنتظر الأمير، فثار بشكلٍ ملحوظ على أغلب أعمال ديزني السابقة.

-هل هبة مشاري تعيد تدوير أعمالها السابقة أم ماذا؟صحيحٌ أن الرواية نفسها تم معالجتها عام١٧٩١م في فيلم ( ابنتي العزيزة) من بطولة «نجاة الصغير» وچان السينما وقتها «رشدي أباظة» الذي ينطبق عليه تمامًا عنوان الرواية صاحب الظل الطويل.ومن إخراج «حلمي رفلة»، وموسيقى« عمر خورشيد»، وحوار «محمد أبو يوسف» واتسم العمل حينها بطابع رومانتيكي أكده صوت نجاة الدافىء.تقاطع الفيلم نفسه في تيمة اليتم ومعاناة اليتيم داخل دور الأيتام مع عمل سابق لهبة مشاري نفسها ويحمل اسم (أميمة في الميتم) حتى الفيلم السابق تشابه إلى حد كبير مع فيلم (العفاريت) لمديحة كامل وعمرو دياب.

– توجه مشوشٌ وترويج مبالغ فيه .

وبالعودة لفيلم (سُكَّر) فلا تستطيع حقيقةً الوقوف على تصنيفه هل هو فيلم اجتماعي موجه للأسرةأم للصغار أم لليافعين؟ فالفيلم تضمن العديد من الممثلين العرب بمختلف

الأعمار وربما يكون ذلك هدفه الترويج وكسب أكبر قاعدة جماهيرية من مصر« ماجدةزكي، ريهام الشنواني، محمد ثروت، معتز هشام، عباس أبو الحسن وياسمينا العبد» ومن البحرين «حلا الترك» ،ومن الإمارات« ديمة أحمد»، ومن الكويت «ماريا جمعة».شيء آخر تم تصديره في الدعاية للفيلم تمثلت في أنه أول وأضخم ميوزيكال غنائي استعراضي، والحقيقة ربما يكون ذلك بالنسبة لمنصة (شاهد) التي تردد في بداية الترويج للعمل أنه مسلسل سيتم عرضه كحلقات على المنصة، ولكن إذا توجهنا إلى صناعة الأفلام فلا يمكن أن نعتبره أكبر عمل غنائي استعراضي فقد سبقه العديد من الأفلام المصرية أبرزها: فيلم (أضواء المدينة) بطولة «شادية»، و«أحمد مظهر» وإخراج «فطين عبد الوهاب» وألحان «بليغ حمدي»وكثير غيره.

– تيمات مستهلكة.

وإذا تناولنا الموضوع من حيث تيمة تناولها فيلم وهي الثورة والتمرد على مديرة الدار المتسلطة« رتيبة/ماجدة زكي» التي لها من اسمها نصيبًا في الثبات على رأيها وتسلطها وروتينية قراراتها وإن كانت على خطأ، فإن التيمة هذه تم تناولها في فيلم يتشابه معه ويفوقه استعراضًا، فيلم ( أربع بنات وضابط) بطولة «نعيمة عاكف »و«أنور وجدي»، بموسيقى «منير مراد» حيث التمرد على مديرة الإصلاحية المتسلطة من خلال استعراض ” العدس الليلة ليلة عيده” بمشاركة نعيمة عاكف ولبلبة ورجاء يوسف وعواطف يوسف ووداد حمدي.

وكذلك فيلم (غرام في الكرنك) بطولة « محمود رضا» و «فريدة فهمي». فالاستعراضات التي قُدمت للفيلم ما زالت فرقة رضا للفنون الشعبية تقدمها حتى الآن، وإن كان المقصود أن من يقوم بالاستعراضات صغارًا فقد سبقتهم «فيروز» في عدة أفلام منها: دهب، فيروز هانم، ياسمين.

بدا العمل مهترئًا في معالجته فلا تستطيع أن تمسك خطًا دراميًا يتطور وتتصاعد معه الأحداث، حيث تجد نفسك ممزقًا ومشتتًا داخل عدة قضايا كالتنمر على شخصية بطاطا، وحمامة، مع سطحية النظرة لشخصية جزرة وكأن المثقف واليقظ دائمًا ما يرتدي نظارة ويمسك كراسة أو كتاب فتستشعر وكأنك أمام كونان وليس جزرة.وتهميش نجيبة/ريهام الشنواني وتعبيتها لتعليمات رتيبة بشكل مزعج، كما بدت بشكل أقرب بشعرها ونظراتها وحركتها المرتخية من « سيبيل تريلاوني» أستاذة علم التنجيم في سلسلة أفلام هاري بوتر.وبخصوص « معتز هشام» طارق رغم أنه ربما يكون الوحيد من بين الأبطال الصغار واليافعين الذي له أكثر من تجربة من خلال مشاركته في أكثر من مسلسل درامي على سبيل المثال ( ليه لاء)، (أبو عمر المصري)، (الاختيار)، إلا أن دوره لم يتجاوز نمطية حامي حمى الديار، كم تم إقحام نقطة شغفه بالساحرة المستديرة كمحاولة لجذب فئة من عشاق اللعبة من اليافعين.

وحتى حلا الترك/ سكر فلا هي فاطمة/ نجاة الصغيرة التي تقع في حب من تبناها شريف سعد الدين/ علي علي علي/ رشدي أباظة فترصع الفيلم بالمزيد من الغناء، ولا هي نعيمة عاكف في أربع بنات وضابط التي تخطف الأنظار باستعراضاتها المميزة، ولا هي سالي فتاة الكرتون التي تعيش في الملجأ وتعاني من ناظرته، كما أنها ليست چودي بطلة الراوية التي تدور حولها الرواية، فإن كانت حلا بطلة الفيلم ويحمل الفيلم اسمها فأين المساحة التي خصصت للدور؟ وأين الحبكة والصراع؟ فحتى الأفلام الاستعراضية لا تخلو من الحبكة والصراع وشاهدنا ذلك في فيلمي (أضواء المدينة) و(غرام في الكرنك) ، أما فيلم (أربع بنات وضابط)، ربما تشابه دور ماجدة زكي/ رتيبة مديرة بيت الأيتام في شدتها وتلذذها بالعقاب مع دور «نجمة إبراهيم» مديرةالإصلاحية في الفيلم نفسه.ربما حاول صناع العمل التخلص من كلاشيهية البطل الواحد فلم نجد حلا بمفردها ولكن هذه المحاولة أوقعتهم في فخ الاهتراء.فبدا التأثر واضحًا ببعض الأعمال المصرية كإطلاق اسم بالاليكا/محمد ثروت سائق رتيبة، باسم «عزيز عثمان» في فيلم (لعبة الست) بطولة «نجيب الريحاني»، و« تحية كاريوكا » فطريقة ثروت وهو يستنكر نسيانهم إياه : “هل نسيتم بلاليكا؟” ذكرتني بعزيز نجيب وهو ينطق اسمه :”محمود بالاليكا”.

تأثر صناع العمل بمسلسل (الكبير أوي) أيضًا فبدا تمثال رتيبة/ ماجدة زكي في فناء بيت الأيام كرمزية للتسلط والاستعباد والاستبداد بالرأي كالتمثال الموضوع في حديقة بيت الكبير.

ولا ننسى اللمسة الهوليودية النابعة من المؤثرات البصرية في بيت الأيتام التي تشعرك وكأنك في (هوجورتس) مدرسة السحر الشهيرة في سلسلة أفلام هاري بوتر.فعلى غرار قول أهل قريش قديمًا” نأخذ من كل قبيلة رجلًا” أخذ الفيلم من كل عمل تيمة، فبدا العمل فاقدًا لنكهته فلا تلتقط ذائقتك خطًا دراميًا واحدًا مكتملًا وخالصًا.

تفصيلة لا مبرر لها مطلقًا تمثلت في أغنية « الأربعاء» حين بدت فتيات بيت الأيتام يضربن بعضهن البعض بمخدات من ريش نعام، فإن كانت حالتهن يُرثى لها، ووفقًا لكلمات الأغنية التي بدأت ملتزمة بالوزن والقافية في مطلعها على حساب المعنى، مرورًا بقول: ” يرقع ملابسك الرثة دفء الأصدقاء” فكيف يمزقن وسائد من ريش النعام ، وفي نفس الوقت ملابسهن رثة بحاجة للترقيع وليست للاستبدال.؟ مفارقة غيرمنطقية .حتى في أغنية (رتيبة تدب) بدا بطاطا وكأنه يحاول تخئبة جرذ صغير ليوحي صناع العمل بأن رغم معاناتهم إلا أن قلوبهم تستع لتستوعب حيوانًا، فحتى هذه التفصيلة ذكرتني بويزلي صديق هاري بوتر بسلسلة الأفلام الشهيرة،حاول صناع العمل استغلال نجاح بعضهم في أعمال زين ولكنهم تناسوا أن صناعة السينما تتجاوز صناعة الاستعراضات في الإعلانات، ربما يحسب لهم أن أغلبهم جاءوا بخلفية مسرحية.

قدّم العمل عددًا متنوعًا من الاستعراضات والأغاني من كلمات « هبة مشاري حمادة » بألحان متميزة« لإيهاب عبد الواحد » وهذا العمل لم يكن التعامل الأول لهما معًا فقد سبق وتعاونا في مسرحية « لا شيء أبدًا كزين»، بالتعاون مع « حلا الترك» أيضًا.

كما أنك لست بحاجة لأن تكون متخصصًا لتلتقط أذنك ركاكة اللغة الفصحى والمخارج غير الصحيحة للأصوات.

أما على مستوى الموسيقى التصويرية « لخالد الكمار» في أفضل ما في العمل على الإطلاق وقد سبق له العمل في أعمال درامية مميزة كمساعد لبعض مؤلفي الموسيقى التصويرية كمسلسل( أفراح القبة ) عن رواية « نجيب محفوظ » وإخراج « محمد ياسين » ومسلسل ( ليالي أوچينى).

وبخصوص المونتاج «لأحمد حافظ» فقد كان مميزًا أيضًا، وقد سبق له العمل في مسلسل (تحت الوصاية) المونتير من بطولة«منى زكي» و« أحمد خالد صالح».

وعن الملابس فرغم روعتها وبساطتها وتناسق ألوانها وعدم إزعاجها للعين وتناسقها مع الرؤية البصرية إلا أنها لا تتسق مع البيئة العربية لا في الشمال الإفريقي ولا في الجزء الآسيوي.

-فيلم أم اسكتشات؟

ينتهي العمل ولا تستطيع أن تخرج بشيء غير الملاحظات، لكنه فتح الأبواب المغلقة للعودة للاستعراض في الأفلام.

ورغم انتظاري للفيلم إلا أنه كان مخيبًا للآمال، ولا أعرف ماذا سيقدم صناعه في الجزء الثاني، إذا كان الجزء الأول منه بهذا الخواء؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

★شيماء مصطفى -ناقدة- مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى