مسرحمشاركات شبابية

آية سيد: (شابوه).. هل تقبل ان تكون غنيا وتافها؟!

آية سيد سعد الدين★

 “نعرف جميعاً أن الفن ليس حقيقة، إنه كذبة تجعلنا ندرك الحقيقة” هكذا عبَّر بيكاسو عن الفن، فالفن يعمل على عرض الواقع أمام المتفرج، حيث  يخاطب لاوعي الشعوب، لكي يتم المساهمة في تشكيل ثقافة، وتفكير المجتمع.

وعلى الرغم من القيمة التي يمتلكها الفن، إلا أن هناك عدم إدراك لهذه القيمة، أو النظر إليه كرفاهية.

بعض مُدَّعِيْ الفنِ، استغلوا هذه الفرصة من أجل الشهرة والمال، وبالتالي نسي الفنان دوره الحقيقي في تثقيف المجتمع، وانغمس مع ما هو سائد.

قُدِّم العرض المسرحي “شابوه” بمركز الإبداع الفني بدار الأوبرا، ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري، بدورته السادسة عشرة، يذكر أن العرض المسرحي “شابوه” من تأليف وإخراج أحمد محيي، ومن إنتاج صندوق التنمية الثقافية، تحت إشراف المخرج خالد جلال.

يدور العرض المسرحي حول الأعمال الفنية التجارية، التي تفقد عنصر الفكرة وقضايا المجتمع، وتسعى لتحقيق المال، ويبحث أبطالها عن تحقيق الشهرة والثراء، على الرغم من أن هذه الأعمال ليست بجديدة على العالم المسرحي، لكنها أصبحت موجودة بكثرة، كما أنها صارت مصدر تهديد لكل مبدع يحمل موهبة، بالإضافة إلى تأثيرها السيء على الجمهور، والذوق العام.

يبدأ العرض المسرحي، باستعراض غنائي راقص، على أنغام أنشودة الفن لمحمد عبد الوهاب ، يؤدي الاستعراض فتاة ترتدي فستاناً ملكيأً، وتضع تاجاً على رأسها، وفي وسط الانغماس في الاستعراض الراقص، يظهر أسفل الفستان، الحذاء الخاص بهذه الفتاة، والذي لا يتناسب مع الفستان الملكي، حيث الحذاء ينتمي إلى الوقت الحالي عكس الفستان، لنكتشف أنها ليلى ابنة أمين، المسؤول عن المسرح، يفرض عليها أمين، خلع الفستان قبل أن يشاهدها أحد.

ثم نتعرف على الشخصيات المسرحية الأخرى، عبد الرحمن (ميشيل ميلاد) المؤلف، حازم (محمد المحمدي) الممثل الشهير، هايا (أميرة عبد الرحمن) الممثلة الجذابة الشهيرة، أمين (عادل الحسيني) المسؤول عن الأعمال المكتبية في المسرح، وبتصاعد الأحداث، نكتشف أن هؤلاء الأشخاص الأربعة، كانت تجمعهم علاقة صداقة مقربة، وفرقة مسرحية واحدة على خشبة مسرح الجامعة، ولكن بمرور الوقت سلك كل واحد منهم طريقاً مختلفاً عن الآخر، عبد الرحمن قرر أن يستمر في كتابة نصوصه المسرحية، التي تحمل أفكارأً وقضايا، ولكن الحظ لم يكن حليفه، على عكس حازم وهايا، اللذين أصبحا من أهم الفنانين، ولكن ذلك على حساب موهبتهما، فقد استغنيا عن موهبتهما لإرضاء المخرج، الذي يُدعى شادي (أحمد محيي)، والمنتج، الذي يُدعى سليم (محمد حسيب)، أما عن أمين، فقد استسلم، وتخلى عن موهبته الفنية.

توضع الكراسي على خشبة المسرح بشكل متباعد عن الآخر، حيث إن هايا وعبد الرحمن يجلسان في كراسٍ متقاربة نوعاً ما من بعضها، ونلاحظ النظرات بين الاثنين، وطريقة التحدث بينهما، لنكتشف بتصاعد الأحداث، علاقة الحب التي كانت تجمع بينهما، وباتخاذ كل واحد لطريقه ينفصلان، أما حازم فيجلس في تعالٍ، ممسكاً هاتفه المحمول في يده طوال أحداث المسرحية، يقوم بتصوير نفسه باستمرار، ويدل ذلك على اهتمامه بالشهرة، ومظهره الخارجي، أما شادي المخرج، فيرفض الجلوس على الكراسي التي يجلس عليها الممثلون، بل على كرسي مخصص له، كما يظهر اهتمامه بهاتفه المحمول، ورغم أن المفروض ان يكون مخرج العمل الفني،  ذا شخصية قوية، لكن شادي شخصية ضعيفة، يعمل في هذه المهنة، لتحقيق المال، وشراء أفخم المنازل، والسيارات.

يكتشف عبد الرحمن، الموهبة الفنية الموجودة عند ليلى، عندما يستمع لها وهي تغني، ويلمس الإحساس الفني لديها، فيقوم بتمثيل النص المسرحي كما هو مكتوب مع ليلى، في بؤرة ضوئية صغيرة، ولكن في الخلفية، والمستوى الأعلى من المسرح، يقوم حازم وهايا وشادي، بتمثيل النص بطريقة رديئة، لا يمكن أن تنتمي إلى المسرح والفن، فيظهر للجمهور الاختلاف في الطريقتين.

تم استخدام تقنية الفلاش باك، أو الرجوع إلى الماضي في العرض المسرحي، وذلك لتوضيح العلاقة، التي كانت تجمع عبدالرحمن وهايا وحازم وأمين، وتم تمثيل ذلك على المستوى الأعلى من خشبة المسرح، كما تم استخدام تقنية الميتا مسرح، أو المسرح داخل المسرح،  من خلال النص المسرحي الخاص بعبد الرحمن، والعرض الأساسي، وقد كان الممثلون يوجهون حديثهم في بعض الأحيان إلى الجمهور، مثل حديث شادي عن تأجيل العرض، كل هذه التقنيات تعمل على كسر الإيهام، حتى لا ينغمس المتفرج في أحداث العرض المسرحي، ويربط بينه وبين الواقع، الذي غلبت عليه هذه النوعية الرديئة، من العروض المسرحية بسبب الاهتمام بالمال، والشهرة فقط .

الملابس في عرض “شابوه” توضح التفاوت بين الشخصيات، فمثلًاً ملابس هايا وساندي، ملابس تظهر ملامح الجسد، لا تتناسب مع المكان والوقت، كذلك المكياج الخاص بكل واحدة منهما، فهو مكياج مفتعل وزائد، على عكس ليلى، التي ترتدي ملابس عادية، ولا تبالغ في المكياج.

 أما ملابس حازم فهو يرتدي قميص يبرز عضلات جسده،  ليجذب انتباه المعجبين إليه كما يعتقد، على عكس عبد الرحمن، الذي يظهر من ملابسه أنه شخص غير مهندم، لا يهتم بالشكل الخارجي.

جاء ديكور محمد زكريا، بسيطًاً نظراً لطبيعة خشبة مركز الإبداع، فقد كانت الخشبة مقسومة إلى مستويين، المستوى الأعلى،  تدور فيه الأحداث الدخيلة على العرض المسرحي، كالأحداث السابقة، ومكتب المخرج، أما المستوى السفلي، فقد كان قريباً إلى الجمهور، وقد ساعد ذلك على رؤية الأحداث بوضوح.

اِستعراضات شيرين حجازي ، كانت متناسبة مع العرض ، وأغاني هذه الاستعراضات من ألحان أحمد كيكار، وكلمات أحمد محيي، وقد انقسمت إلى نوعين، النوع الأول والذي كانت تؤديه ليلى، اِستعراضات فنية راقصة، تبرز موهبة ليلى التمثيلية والغنائية، بينما كان النوع الثاني، اِستعراضات شعبية، لا ننكر طلب هذه الأغاني الشعبية، أو ما تسمى مهرجانات، من قبل فئة معينة، لكنها لا تتناسب مع لغة المسرح.

كان للإضاءة دور مهم بالعرض المسرحي، وذلك من خلال استخدام بؤرة الضوء، في اللحظات الشاعرية والعاطفية، وللتركيز على بعض الشخصيات واللحظات، ومن أهم اللحظات المهمة بالعرض، التي تم استخدام الديكور والإضاءة بها بشكل متقن ، المشهد الذي قام فيه حازم بتمثيل مونولوج خاص بشخصية كاليجولا، فيتحول الديكور الخلفي إلى سماء ذات نجوم، لتوضيح التشابه بين شخصية كاليجولا، الذي أراد الوصول إلى القمر، وبين شخصية حازم، الذي أراد الوصول إلى النجومية.

في نهاية  الصراع الفني، يدرك كلٌ من حازم وهايا، قيمة الفن والمسرح، ويقرران العمل على النص المسرحي لعبد الرحمن كما هو مكتوب،  فيتخيلانه دون قيام المخرج والمنتج بتعديله، وتقدم المسرحية بنهاية العرض المسرحي، في صورة استعراض غنائي راقص، ولكن سوف يظل هناك من يَدَّعِيْ الفن، ويؤثر على الجمهور تأثيراً سلبياً، وقد ظهر ذلك من خلال شخصية ساندي، الشهيرة على موقع التيك توك، والتي تذهب مع المنتج، وتتركهم، حتى تحديد موعد البروفة.

نجح الممثلون في تجسيد الشخصيات المسرحية، وتقديم الأدوار بشكل مختلف، والدخول في الشخصية، والتعرف على أبعادها وملامحها، كما قدَّم المخرج أحمد محيي، فكرته المسرحية في إطار كوميدي، وذلك لكي يستطيع السخرية من هذه الأعمال الفنية المبتذلة.

شابوه

تأليف وإخراج: أحمد محيي، تمثيل: محمد المحمدي، ميشيل ميلاد، أميرة عبد الرحمن، عادل الحسيني، محمد حسيب، ألحان المهدي، مريم محروس، ديكور: محمد زكريا، استعراضات: شيرين حجازي، موسيقى: أحمد كيكار، ميكاج: نادين عبد الحميد، ملابس: شيماء القاضي.

ــــــــــــــــــــــــــــ

★ باحثة ماجستيــر ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى