مي الدماصي: (رضا).. من نختار الشغف أم لقمة العيش؟
مي الدماصي★
لكل شخص حبه وشغفه الخاص بالحياة، يختلف من شخصية لأخرى، قد يكون موهبة مألوفة، وأحياناً يكون شيئاً غير مألوف، وغريب لدى الآخرين. لكن المؤكد أن لكلٍ منا شئ محبب، يأتي علينا الوقت الذي نقف أمامه عاجزين حائرين، هل نكمل الطريق الذي بدأناه وأحببناه، بكل مصاعبه ومشقته ونجاحه وفشله؟ أم نبحث عن ذاتنا، في دائرة الحياة العملية الروتينية لكسب العيش، وتأمين مستقبلنا، دون شغف وحب لما نعمل؟ وأحياناً يكون ذلك الشغف متعلقاً بالانتماء، فنقف عاجزين أمام انتمائنا، والبحث عن مصلحتنا، أمام ذلك العجز، يقف رضا، أو كريم بطل العرض المسرحي “رضا”، فرضا وكريم، وجهان لعملة واحدة، فكيف ذلك؟
قدَّم العرض المسرحي “رضا” فكرة المسرحية، داخل مسرحية، حيث يبدأ العرض بتجسيد حياة رضا لاعب كرة القدم بالإسماعيلية، ولكن أثناء سير أحداث العرض، يخرج “محمد جبر” مخرج العمل من بين الجمهور، فيكسر حالة الإيهام، ويصعد على الخشبة، ليتحدث مع الممثلين عن العرض في شكل طريف، لنجد أنفسنا أمام مسرحية داخل المسرحية، ونجد شخصية كريم بطل العرض، الذي يجسد شخصية رضا، وهنا يحدث الربط بين المسرحيتين، فتتوازي حياة كريم، مع حياة رضا الشخصية التي يلعبها، فكلٌّ منهما يعاني نفس الشيء، مع اختلاف بسيط، فرضا كابتن الكرة المحترف بالإسماعيلية، والذي يعتمد عليه ناديه، وأهل الاسماعيلية جميعاً، ليجلب لهم البطولات، ويسعدهم بالمكسب، أمام الفرق والأندية الأخرى، يقرر- رغم حبه الشديد لناديه، ولأهل محافظته، الذين ساعدوه كثيراً أثناء مشواره الكروي- أن يترك النادي الإسماعيلي، ويذهب للنادي الأهلي، لتأمين مستقبله بوظيفة ثابتة، وبمرتب أعلى، بعد رفض النادي الإسماعيلي تحقيق ذلك له بسبب الروتين.
أما كريم، فعلى خط موازٍ، يظهر بين مشاهد مسرحية رضا بين الاستراحات، وتغيير المشاهد، وهو حائر، لنكتشف أنه قرر – رغم حبه الشديد للفن والتمثيل- أن يسافر إلى إحدى دول الخليج، لكسب المال ومساعدة أهله.
وفي كل قصة يوجد الطرف الآخر، الذي يشجع كل منهما على عدم الاستغناء عن حلمه، والصبر عليه، حتى يتوافق كسب المال، وتأمين المستقبل، مع فعل ما يحب.
وقد تم ذلك التوازي في الأحداث بشكل مبسط جداً وسهل، دون خلط الأحداث، ودون أن يفقد المتلقي خيوط إحدي القصتين.. بل على العكس كان المزج بينهما، وبالأخص في نهاية العرض، واضحاً وسلساً، يربط بين الحدثين ونهايتهما، دون الخلط بينهما، وكذلك دون تعقيد يربك المتلقي، مما جعل النص مترابطاً، ذا حبكة قوية وحوارات مناسبة لكل قصة، مع اختلاف شخصياتها.
جاءت أحداث مسرحية رضا، بتكنيك الفلاش باك، أو استرجاع الماضي، أما عن المسرحية الأساسية، بطولة كريم، فكانت تتجسد في الزمن الحاضر فقط، ولم يؤثر ذلك التكنيك والأزمنة المختلفة للعرض، على وضوح وتسلسل الأحداث، فقد تم تسلسل الأحداث بشكل سلس جداً، واستطاع المخرج من خلال عناصر العرض المختلفة، مثل الديكور، وتنوع أداءات الممثلين، والمكياچ، التفرقة بين الأزمنة في الماضي والحاضر، كذلك تمكن الممثلون من فعل ذلك، فنفس الممثل يجسد الشخصية في عدة أزمنة، ولكل زمن لغة جسد، وطريقة تحدث وحوار مختلفين، فمن خلال المكياچ ولغة جسد الممثلين، وطريقة حوارهم، يظهر التقدم بالزمن مع تقدم الأحداث بكل سلاسة .
المبهر منذ اللحظة الأولى لفتح الستار، عنصر الديكور، والأكثر إبهاراً هو تغييره عدة مرات بين المَشَاهد، ليعود من منظر إلى آخر بسلاسة، وفي وقت قصير، فلا يجبر المتلقي على الخروج من حالة العرض، فكانت قطع الديكور واقعية معبرة، عن كل مشهد ومنظر بمكانه وزمانه، المحدَّدَين داخل العرض، وأيضاً اختلاف الطبقات، وهو ديكور غير تقليدي رغم اعتماده على البانوهات الخشبية، إلا أن بعض المشاهد، كان بها ديكورات مفاجئة مثل مشهد المعدية، فمن قطع حديد بسيطة، تم تكوين شكل المعدية، لتكون أقرب إلى الشكل الواقعي، كذلك منظر المقهي رغم تكراره في العديد من المسرحيات، إلا أنه كان واقعياً، وبشكل مميز ومختلف، مكون من مستويين داخل وخارج المقهى، ليكون أكثر واقعية.
لم يكن الديكور فقط هو المعبر عن الزمان، بدقة وواقعية، كذلك كانت الأزياء، فمنذ الظهور الأول للمثلين، تأخذك الأزياء إلى فترة الستينيات، وهي الفترة التي تدور خلالها أحداث المسرحية، حيث ذُكِرَ على لسان إحدى الشخصيات، في أحد المشاهد، أنهم بعام ١٩٦١، كذلك تناسبت الأزياء مع أبعاد كل شخصية، فشخصية الصحفي، ليست كشخصية لاعب الكرة، وليست كشخصية بائعة الكشري.
فقد اجتمعت جميع عناصر الصورة، لتخدم المنظر المسرحي بشكل جمالي وعملي، واكتملت تلك الصورة من خلال التكوينات، التي أعدَّها المخرج بأجساد الممثلين، لتكون صورة جمالية ذات معانٍ، تخدم المعنى المراد من النص والعرض المسرحي.
كما صُنعت بعض الاستعراضات، لتضيف إلى العرض شكلاً يكمن جماله في بساطته وحركاته، التي تتناسب مع الممثلين وقدراتهم الجسدية، فكانت جميع العناصر، موظفة في أماكنها المناسبة، وربما هذا ما جعل منها متكاملة ومتناسقة، فكونت صورة مبهرة، رغم بساطتها.
المؤثرات الصوتية، هادئة تتناسب مع الحدث، الذي تصاحبه بخفة، فتسحب المتلقي دون إرادة منه للدخول في حياة رضا، فيصعد، ويهبط معه، ويفرح بفرحته، ويحزن لحزنه، وتشتته.
في النهاية عاد رضا إلى ناديه وأهله بالإسماعيلية، رغم مغريات الحياة الجديدة، التي كان سيبدؤها.. كذلك رجع كريم عن قراره بترك المسرحية، وكان مقابل ذلك، توفيق لم يكن في الحسبان، فما كان من صبرهم على ما أحبوه، وأعطوه من عمرهم، إلا أن أعطاهم ما يستحقوه، حتى وإن كان متأخراً.
تلك كانت رسالة العرض، ليس لرضا، أو لكريم فقط، وليست الرسالة تخص كرة القدم، أو التمثيل بشكل خاص، إنما هي رسالة تعبر عن كل شخص، وعن الصراع الداخلي المستمر، بين العقل ومخاوفه من المستقبل، وبين القلب وشغفه، تجاه ما يحب وما ينتمي إليه.
وقد قالها المخرج داخل أحداث العرض بشكل مباشر “المسرحية مش عن الكرة، المسرحية عن الناس والكرة اللي في دماغ الناس” فرغم مباشرة الرسالة، ولكِنْ وضعها في منتصف الأحداث، شكل مبرر درامياً، يجعلها مقبولة.
فقد عبر جبر والملواني، عن مشكلة إنسانيه عامة، من خلال نموذجين مختلفين، لكنهما يعبران عن كل واحد فينا.
رضا
تأليف: أحمد الملواني، إخراج: محمد جبر، تمثيل الفرقة القومية المسرحية بالإسماعيلية، استعراضات: أسامه مهني، ديكور وملابس: سماح نبيل، أشعار: طارق علي، موسيقي: رفيق يوسف، مكياج: ماجا. |
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ ناقــدة ــ مصــر