مسرح

علاء الجابر: أسامة رؤوف يُشظي (ستوكمان) بحرفية!

علاء الجابر★

بحس غربي، شكلاً وموضوعاً، وبفضاء يستمد روحه من المسرح الحميمي، قدَّم المخرج (أسامة رؤوف) عرضه (ستوكمان) على مسرح الغد، بحضور جمهور محدود العدد، متفهم تماماً لمعطيات العرض، ومتجاوباً مع لحظات الصمت، بالهدوء التام.

منذ اللحظة الأولى، تشعر بخصوصية المكان، الذي انقسم لقسمين، الأول في المقدمة، عبارة عن غرفة ممثل في كواليس المسرح، يستعد لأداء دوره في مسرحية (عدو الشعب) لهنريك إبسن، المسرحية التي قال إبسن لناشرها: “أنا والدكتور ستوكمان منسجمان انسجاماً طيباً.. فنحن متفقان على كثير من الموضوعات، غير أن ستوكمان شخص مشوش أكثر مني” ورغم عدم شهرة تلك المسرحية كمثيلاتها، إلا أن بعض النقاد يعتبرها أعظم مسرحيات إبسن على الإطلاق.

مشهد من العرض

تعرية الشخصية

منذ بداية العرض تعرف أن المخرج اختار جواً حميمياً لعمله، ساعده في ذلك مكان العرض الذي يقترب من (مسرح الغرفة)، وقلة عدد الجمهور، وقربهم من الشخصيات، كما أن (غرفة الممثل) بتفاصيلها الصغيرة، وإضاءتها الأقرب إلى العتمة، تشعرك بحميمية اللقاء.

ومنذ البدء تشير المرآة إلى توجه المخرج، وأنه في سبيله إلى تعرية شخصية الممثل، فكنا أمام شخصية غير سوية، بل متشظية، هشة، قابلة للإنشطار، وإن بدت عكس ذلك في الدور، الذي تلعبه داخل النص، عبر شخصية (ستوكمان)، وتواجه من خلاله العالم بقوة، وكأن هذا الدور ما هو إلا تعويض عن الشخصية الضعيفة المواربة، التي تعيشها في الحقيقة.

أتقن المخرج فكرة (الانشطار)، عبر اللعب على تشظي الشخصية لعدة نسخ، وظهورها في أكثر من مكان، في نفس الوقت، الأمر الذي شكل متعة للمتلقي، وكم أعجبني ذكاء المخرج في عدم كشفه للحيلة الإخراجية، تحت وطأة العاطفة – أقصد هنا أثناء التحية الختامية – التي يضطر حينها بعض المخرجين إلى التعاطف مع الشخصيات الثانوية (الشخصيات التي لعبت دور الدوبلير في هذا العرض)، أثناء مراسم التحية الختامية، مما يفقد العمل سحره!

ياسر عزت

أداء انسيابي لياسر عزت

لعب العرض على ثلاثة خطوط درامية، شخصية (ستوكمان) في عرض عدو الشعب، ومواقفه التي عانى من أجلها، والخط الثاني تمثل في ظهور (ستوكمان) على الخشبة ومواجهته للممثل تارة، ولبقية الشخصيات تارة أخرى، والخط الأخير المتمثل في ظهور ابنة الممثل، وتعرفها على حقيقة والدها بعد سنوات من الإنكار، والتي أدت دورها بإحساس عالٍ (ريم أحمد)، التي استطاعت أن تسيطر على الشخصية ولم تذرف الدموع كما هو متوقع.

ولأن أساس العرض  يقوم على تشظي الشخصية ومعاناتها الذاتية لا الحدث، فقد اكتفى المخرج – ومن قبله المؤلف بالطبع-  بالتركيز على الممثل (الذي أدى دوره ياسر عزت) وتقلباته النفسية.

لم يحتج المخرج إلا إلى ثلاثة ممثلين لتوضيح فكرته بتعدد الشخصيات، وانشطار الأنا – حسب فرويد- بل أن بؤرة العمل كانت بين الممثل/ ستوكمان، وبين ابنته التي كانت تعيش حياة طبيعية، رغم قسوة ماضيها، ليجئ هذا الممثل، ويُلقي بقنبلته حين اعترف بها ابنة له، والذي يعبر بذكاء عن استمرار مواقفه الانهزامية على المستوى الشخصي، ومحاولة مزجها بدوره المسرحي.

قدم الفنان (ياسر عزت) أداءً انسيابياً للشخصية، تشعر بأنه يطبطب على كتفك في لحظات، ويمسك يديك في لحظات أخرى، حيث لامس روح الشخصية باقتدار، دون أن تتملكه.

ريم أحمد

شخصية ستوكمان

من جانب آخر، أرى أن الخط الدرامي بحاجة إلى الاشتغال بصورة أكبر على شخصية (ستوكمان)، خاصة وأن المخرج لعب على وتر إظهار الشخصية، أثناء أداء دورها في مسرحية عدو الشعب في خلفية القاعة، لكنه لم يركز عليها – مع أن عنوان المسرحية “ستوكمان” – واكتفى بالتركيز على الخلاف بين الممثل وابنته.

لعبت الإضاءة دوراً في التأكيد على الحالة الإنعزالية للشخصية، فكانت المناطق في أغلبها خافتة لغرضين؛ الأول حتى تعكس الحالة النفسية للشخصية، والثاني لمساعدة المخرج في قصديته المتعلقة بظهور (نسخ) عن الشخصية، التي سيكشف الضوء الساطع حقيقتها.

مشهد من العرض

طريقة سلسة

كان الديكور معبراً عن حالة الانقسام بشكل مكتمل، فقد قسم مصمم الديكور (حمدي عطية) الصالة إلى قسمين؛ القسم الأول في العمق، حيث تم فيه تجسيد المسرحية داخل المسرحية، حين يؤدي (ستوكمان) دوره في مسرحية “عدو الشعب”، والقسم الأمامي تم فيه تجسيد شخصية (الممثل) في غرفته الخاصة. وقد أوجد المخرج طريقة سلسة لتكرار ظهور الشخصيات المتشابهة وحركتها، وكذلك لدخول وخروج بقية الممثلين، وإن كنت أرى أن دخول عامل المسرح من صالة الجمهور، لا يمت للأسلوب الذي اختاره المخرج، وإن كنت التمس له العذر، لظروف صالة  العرض وضيقها؟!

مشهد من العرض

عرض منضبط

رغم بعض الملاحظات المتعلقة بالخط الدرامي للنص – الفائز بجائز ساويرس– خاصة في عدم استفادته من شخصية (ستوكمان)، ورغم أنني تمنيتُ أن تزداد وتيرة الإيقاع – قليلاً– حتى لا يهبط في بعض المناطق، إلا أننا كنا أمام عرض انسيابي في مجمله، عرض تشعر أنه متقن في أغلب جوانبه، اختار أن يقدم طروحاته دون انفعال أو مبالغة، كما أنه بحق عرض مرتب، ومنضبط إخراجاً وتمثيلاً، دون (كلكعة) أو زوائد، أو استعراض لمفردات الإخراج. يمثل نموذجاً غربياً في شكله، وأسلوبه، وأداء ممثليه.

تحية لجميع فريق العرض من المخرج الذي بذل جهدا واضحا للحفاظ على كينونة وشكل العرض، وآلياته المخفية عن الجمهور، وصولا للممثل ياسر عزت الذي قدم اداء متقنا دون انفعال زائد، وبقية الممثلين الذين أدى كل منهم دوره دون أن يبالغ أو يستعرض قدراته، وبقية عناصر العرض التي تضافرت لخروج هذا العرض المنضبط.

مخرج العرض أسامة رؤوف
ستوكمان

تأليف: ميخائيل وجيه، إخراج: أسامة رؤوف، تمثيل: ياسر عزت، ريم أحمد، محمد دياب، نائل علي.

ديكور: حمدي عطية، إضاءة: أبو بكر الشريف، ملابس: دينا زهير، مكياج: جهاد سعيد، موسيقى وألحان: رفيق جمال، دعاية وسوشيال ميديا: محمد فاضل، مخرجان منفذان: فاضل علي، تامر بدير، مكان العرض:مسرح الغد.

صور المقال بعدسة: مدحت صبري _ عادل صبري 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ رئيس التحرير

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى