مسرح

ريم ياسين : ” العيال فهمت” ..هل (العيال) فقط التي فهمت؟

 

ريم ياسين ★

تظل السلطة الأبوية مسيطرة، ومتحكمة في مختلِف نواحي الحياة،  خاصة في المجتمعات العربية التي تخضع للذكورية في مفاهيمها، وعند ذكر الذكورية فلا ينطبق على المرأة فقط، وإنما أيضاً على تلك الناشئة التي تنجبها، وهي من أكثرالإشكاليات المطروحة على المستوى الفني، لما تشكل نتائجها من آثار سلبية على الأجيال بشكل خاص، والمجتمع بشكل عام.
والعرض من إخراج شادي سرور، وتأليف أحمد الملواني، وطارق علي، بطولة رامي الطمباري، عبد المنعم رياض، رنا سماحة، أحمد هشام، نور شادي، وغيرهم من النجوم الصاعدة.

كتيبة وليس أبناء!

يدور العرض حول ثمانية أبناء، ووالدهم، صاحب الشخصية المهيمنة، والمتحكمة في كل صغيرة، وكبيرة في حياتهم حتى أفكارهم الداخلية، فكان تعامله معهم كأنهم كتيبة في الطيران، وذلك تبعاً لوظيفته، التي تستدعي  السفر الدائم، مما سبَّب فجوة في كيفية التعامل مع أولاده كأب، وكان يعتقد أن تنظيم حياتهم من الجانب المادي؛ هو الصائب، حيث كان يحسب كل دقيقة ، وكل شيء بميعاد معين، ناسياً جانب العطف، والحنان، وهما من الصفات الأبوية الطبيعية، وهذا ما دفعهم في النهاية إلى تحطيم تلك القواعد بمساعدة ” نغم” مديرة المنزل الذي اختارها والدهم بنفسه؛ لمراعاة شئونهم في غيابه؛ لكنه لم يكن يعلم أنها ستقلبها رأساً على عقب.

عرض أكثر من قضية

ولم يَدُرِ العرض حول السلطة الأبوية، وحسب، فقد دخل في ثناياه خطوط أخرى، مثل الصراع بين الأجيال المختلفة، في الذوق الموسيقى، والملابس، فرأينا ملابس كل شخصية تختلف عن الأخرى حسب مكنوناتها، مثل “قسمت” مصممة الأزياء و”أيبك” المغني المستقبلي، كلٍ منهما بأزيائه يعبر عن أحلامه المحبوسة داخل جدران المنزل، على خلاف الأب “عاصم” الملتزم بنوعٍ من الأزياء ذات الطابع الكلاسيكي، والرسمي، والمهندمة، ذلك الزي الذي فرضه على أفراد بيته، كأنهم فرق عمل تحت التدريب، وذلك للدلالة على انخراطه، واستحواذ عمله على كامل عقله، على عكس “نغم ” صاحبة الأزياء بالألوان الزاهية، وذات الطبع الأنثوي، والنقوش المبهجة، ومن وجهة نظري ظهورها بتلك الملابس؛ لتأثرها بالبيئة التي نشأت بها، فوالدها ملحن معروف؛ ومن الطبيعي أن تنشأ، وتتكون على موسيقى الزمن الجميل، وتتأثَّرَ بقوالبه، وهذا الجانب كان يتعارض مع الفئتين المذكورتَين أعلاه، فنحب الجانب الشبابي، وموسيقى العصر المعاصر من مهرجانات وفن”الراب”، وكذلك الموسيقى الكلاسيكية، والأوبرالية من جانب “عاصم”؛ كأننا نرى ثلاث حقب زمنية، ويبقى السؤال من الذي تفوز قواعده في النهاية؟

تقنيات العرض

كما تضمن العرض الكثير من الدلالات السينوغرافيا؛   والتي تعزز من الحالة الشعورية لدى الجمهور؛ حيث تنوعت الإضاءة بين الإنارة العادية التي توضح ملامح الممثلين، وارتبطت بمشاهد ظهور”نغم” بالإضافة الصفراء للدلالة على أنها مصدر للامل، والتفاؤل، لكل أفراد الأسرة ليس الأبناء فقط؛ لأنها كانت الشخصية المحورية التي استطاعت أن تبرز هذا الجانب العاطفي من “عاصم”، وحركت مشاعره الراكدة منذ وفاة زوجته، وأيضاً كانت ملئاً لفراغ الحنان المفتقد من ناحية الأبناء للأم؛ لتنتقل من كونها مجرد مربية، ومنظمة إلى السماح لها بالجلوس على كرسي أمهم، وكان ذلك بمثابة كسر الحاجز بينهم، وتخطي حدود عواطفهم الداخلية، كأن “نغم” زرعت وردة في صحراء جرداء نَمْت في قلب كل شخص فيهم، وتطورت الإنارة بعد ذلك إلى الحمراء؛ التي تنذر بالخطر والتهديد؛ بعد رجوع “عاصم” إلى المنزل، وقد فات الأوان بذهاب الأولاد إلى المسابقة؛ ولكن كان المشهد بينه وبين “زكريا” الذي فسَّر للمتلقي سؤاله، لماذا شخصية “عاصم” بكل ذلك الجمود؟

لينتقل بنا إلى البعد النفسي والعقد الأبوية لدى “عاصم”، فكان إجبار والده على دراسة الطيران، وسلب منه حقه في اختيار مهنة التمثيل سبباً رئيسياً في تشكيل هذه الشخصية، وترسيخ الأفكار السلطوية لديها، وهذا ما أوضحته الإضاءة؛ بظلال أسوار السجن على صور “عاصم”، فماذا كنا نتوقع من سجين عليه أن يبني سجناً يُخلص فيه كبته في أولاد ذنبهم أنهم حالمون، وأكد على ذلك الديكور؛ فكان بداية من الصورالموضوعة في الأعلى للوالدين أن تبقى في مركز قوة، فالكل يخضع لتلك السلطة العليا، ولا نغفل عن الساعات الأربع في الحائط فكل خطوة بميعاد حتى التنفس، فالوالد متحكم حتى في ساعاتهم البيولوجية، وروتين يومهم، أما النوافذ كانت إحداهما بزجاج غامق، والأخرى بستار مغلق، كأنه عزل لتلك البشرية الحية في المنزل عن العالم الخارجي، وتبرير “عاصم” لذلك أنهم أطفال ما دام موجودين في المنزل، وأن عمرهم الذي يتراوح بين سن المراهقة،  وبداية العشرينات، هو مجرد رقم لا يعترف به، وهذا ما أثَّر على شخصية “نعمت”، التي تتملكها مشاعر الطفولة، بالرغم من كونها بالغة، ولكن عالم الأحلام، والرسوم المتحركة كان ملجأ لها عن هذا الحجر الحبيس ، وأكمل تلك اللوحة الفنية، عنصر الموسيقى، فكان عرضاً شبه غنائي، للتخفيف من حدة الموضوع المطروح ، وهذا ما سبّب نوعاً من كسر الإيهام، الذي ظهر منذ اللحظات الأولى من سلالم الخشبة.

كما ذكر أعلاه تنوعت بين الموسيقى الغربية، والشبابية، بالإضافة إلى أغاني المهرجنات، وأيضا تلك الأغاني التي تحمل معانيها دافع الاستمرارية كما في أغنية المسابقة، فكان الأبناء يقفون، ويغنون بترتيب يوحي بالسلم الموسيقي، وهذا ما طرح مسبقاً لنفس المجموعة (طارق علي ، وأحمد الناصر ، وشادي سرور) بنفس الثيمة في مسرحية “كتيبة نغم”، على مسرح الطليعة قبل أقل من سنتين، والفرق هنا إضافة “معاذ ” الذي يوحي وجوده بأن هناك تغييراً حاسماً في آخر السياق الدرامي.

في النهاية يكون أملنا الوحيد أن ننشئ أجيالاً كاسرة للقيود الأبوية بالدرجة التي يحققون فيها أحلامهم مهما كبِروا في أعمارهم؛ فالسن مجرد رقم؛ ولكن لابد من استغلال هذا الرقم قبل فواته كما قال الأديب الراحل الدكتورأحمد خالد توفيق: منذ طفولتي لم أجرب العيش بلا أحلام ، أن تنتظر شيئاً .. أن تُحرم من شيء .. أن تغلق عينيك ليلاً وأنت تأمل في شيء .. أن تتلقى وعداً بشيء .


★ طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى