تشكيلمشاركات شبابية

حنين سالمة: ثريا البقصمي…رحلة الحفر من صقيع موسكو إلى صهد الكويت.!

حنين ناصر سالمة★ 

من الجميل أن يعمل الإنسان ما يحب، ومن الأجمل أن يرى ممارسة غيره لما يحب، ليستمتع بالمشاهدة، ويتأمل جمال ما أبدعه الآخرون، فالموسيقي يحب الاستماع إلى الموسيقى، وليس فقط عزفها، وكذلك الرسام يحب أن يرى لوحات الآخرين، وليس لوحاته فقط.

لن أقول عن نفسي رسامة، ولكن يمكنني القول إن لدي بذرة رسامة صغيرة، فعندما كان عمري سنتين، لم أطلب من أمي أن تعلمني الكتابة، بل كان طلبي، وعلى وجه التحديد (ماما علميني أرسم سمكة)، أدركت أمي حينها شغف الطفلة ذات العامين بفن الرسم، والذي لازمني، لأهتم أكثر بالأساليب التي يتبعها فنانو الرسم في لوحاتهم، فمنهم من يرسم بفنجان القهوة، ومنهم من يحفر على النحاس، ومنهم من يرسم من خلال المعدات الحديدية كالبراغي، وما إلى ذلك من أنواع وأساليب، تتجدد بشكل مستمر دون توقف.

في يوم الإثنين 19 يونيو 2023 جاءني اتصال من د. سعداء الدعاس، تخبرني فيه عن معرض للفنانة التشكيلية الكبيرة، ثريا البقصمي (معرض لوحات الحفر).

ثريا البقصمي. شتاء موسكو 1975

 دون تردد مني سارعت بالذهاب إلى المعرض، فعلاقتي مع فن الرسم والنحت، أشبه بعلاقة أصدقاء الطفولة، تلك الصداقة، التي تدوم لسنوات طويلة، حتى وإن ابتعدت عنها، فهي مازالت صديقتك العزيزة.

يوسف العصفور، محمد القديري، حنين سالمــــــــــة، ثريا البقصمي، د. سعداء الدعاس، علاء الجابر.

حضر معي كل من د. سعداء الدعاس، وزوجها أ. علاء الجابر، وزميل دراستي يوسف العصفور، وعندما وصلت، استقبلني بِود محمد القديري زوج الفنانة ثريا البقصمي متسائلاً: “هل هذه المرة الأولى التي تزورينا  في المعرض؟” أجبت بحماس: “أجل”، فعرض علي أن يقوم بجولة برفقتي حول تلك اللوحات الجميلة، ليحكي لي القصص، التي تحملها كل لوحة منها، فلكل لوحة حكاية، وروح تعايشت مع تلك الحياة، هي ليست مجرد نقوش، أو حفر من خيال الفنان، بل هي قصص عاشتها الفنانة في مراحل حياتها، استنبطت منها رؤية معينة، حولتها إلى عمل إبداعي.

بدأنا جولتنا من لوحات الأستاذة ثريا الأولى في فن الحفر، والتي كانت بعضاً منها مشاريع، وأعمال دراسية قامت بحفرها ونحتها في سنواتها الدراسية، تحمل في جعبتها، قصة سنوات من حياة طالبة جامعية شغوفة في عملها.

حفر لينو 1982

كانت هناك لوحتان أثارتا اهتمامي، عن رجل وامراة من الجالية الإفريقية، وقفت أتأمل اللوحتين، فأخبرني زوجها، أن هذين الاثنين كانا يعملان في السفارة، عندما كان في السلك الدبلوماسي، ووجدت ثريا ثراء فنياً في هاتين الشخصيتين، فقررت  تجسديهما داخل لوحة، حفرت عليها شكلهما.

كما لفت انتباهي بعض النقوش على اللوحات أشبه بحجابات السحر، قال لي زوجها عن موقف طريف، وهو أنها ذهبت إلى أحد السحرة والمشعوذين، وطلبت منه حجاباً، مدعية أنها مهتمة بالسحر، كل ماكان يدور في ذهنها هو مخطط للوحتها القادمة، مباغتة في خطتها المشعوذ ليؤمن بجديتها، وفور إعطائها الحجاب قامت بفتحه، وحولته إلى عمل فني، أي أنها استخرجت من القبح جمالاً، جسدته كلوحة فنية، غير مبالية بترهات السحرة.

 ارض طيبة. حفر لينو 1999

سألني أيضاً في رحلتنا في المعرض عن سبب وجود شخصيات ثنائية متشابهة في أغلب لوحاتها، أجبت إني  أجهل السبب، فأخبرني أن لدى الفنانة ثريا أختاً توأماً (فريدة البقصمي) – وهي معلومة جديدة لي – وأن في ثنايا تلك اللوحات، سأجد دائماً روح الرسام متواجدة بطريقة، أو بأخرى.

صادف وجودنا في المعرض، وجود الكاتبة القديرة ليلى العثمان، والتي سعدت جداً بلقائها والتحدث معها، وفكرت في ذهني: “أنا أمام أناس عظماء، كم أنا محظوظة للقائهم”، وسعدت أكثر عند تعرفي على شخصياتهم اللطيفة جداً، والتي لا تعرف  الغطرسة، أو التكبر رغم قيمتهم الثقافية الكبيرة، بل كانوا جميلين في بساطتهم، وروحهم الماتعة.

كان لدي موعد عرض مسرحي، فأخبرتني د. سعداء، بضرورة الذهاب حتى لا أتأخر، ولكن كان داخلي طفلة صغيرة، تذكرني بصديق الطفولة الذي أحبه، الذي مهما ابتعدت عنه، فسأبقى شغوفةً به، تشدني الطفلة، التي بداخلي للبقاء في المعرض.

ثريا البقصمي، ليلى العثمان، د. سعداء الدعاس، حنين سالمــــــــــة.

بعد انتهاء جولتي في المعرض، أهدتني الفنانة ثريا كتاباً فيه صورٌ للوحاتها، وقعت في داخله إهداء لي، إهداء لامس قلب تلك الطفلة المتعطشة، وأصرت أن آخذ معي قبل خروجي قطعة (شيكولاتة)، بلطف وتواضع وكرم منها.

خرجت بحماس يملأ قلبي، مهاتفةً الدكتورة سعداء في ذات اللحظة، أخبرها بأني سأكتب مقالاً عن هذا اليوم الجميل، أعبر من خلاله عن جانبٍ من شخصيتي ، يعشق صديق طفولته القديم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ خريجة قسم النقد والأدب المسرحي ــ الكويــت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى