منتهى عيسى: لحظات بريئة مشحونة بحس عاطفي
منتهى عيسى★
ولدت الفنانة الألمانية باولا مودرسون بيكر، في دريسدن بألمانيا في عام 1876، وتعتبر واحدة من أهم رواد التعبيرية، تميزت بمنتجها الغزير، إذ أنتجت خلال حياتها الفنية القصيرة 734 لوحة زيتية، وأكثر من ألف تخطيط، أي بمعدل لوحة كل أربعة أو خمسة أيام، توفيت الفنانة بعد أيام من ولادة طفلتها عام 1907، وهي لم تتجاوز 31 عاماً.
تشتهر أعمالها بإنسانيتها، فوجدت لها طريقاً خاصاً بلغة مرئية فريدة، وازنت فيها بين صرامة الكلاسيكية شديدة الكمال، ورهافة الحس التعبيري، فاهتمت بالتركيز على لحظات بريئة بسيطة مشحونة بحس عاطفي، وكثافة بصرية، وبُعد درامي، من خلال تصوير مشاهد طبيعية، إذ كانت ترى في الطبيعة أشكالاً بشرية، وكَتبت حين كانت ترسم الأشجار (هؤلاء هن نسائي المعاصرات) و(نسائي هنا براعمٌ تنتظر النمو).
ثم تحولت بعد ذلك الى رسم الفلاحات والعجائز والأمهات المرضعات، اِبتعدت في أسلوبها كلياً عن المثالية في تقديم المرأة، كشكل خارجي مثير مجبول برؤية نمطية مستهلكة، فكانت تُقدم شخوصها بطريقة مباشرة بعيدة عن البهرجة والتزويق، وذهبت لأبعد من ذلك، حيث تُعتبر من أوائل النساء المعاصرات، اللواتي رسمن صوراً ذاتية عارية، وأول من رسم مثل هذه الصور، وهي حامل.
كانت باولا الثالثة بين سبع أطفال، نشأ الجميع في بيت واسع نراه في أغلب لوحاتها.
وفي هذه اللوحة (لوحة أشجار البتولا ( Birch tree) تقف سبع أشجار أمام منزل بُني محمر، يتوهج نصفه الأيسر تقريباً بأشعة الشمس، بينما النصف الأيمن مُظلل بلون بني داكن، مع بنفسجي موزع بخشونة على السطح، ويتماهى مع ضربات عشوائية على الطريق الطيني الموازي، ركزت باولا على الأشجار المائل أغلبها إلى الجهة اليسرى، بقمم تكسوها كتل لونية من الأخضر الغامق لما يمثل الأوراق، فمهمتها هي تقطير التعبير البصري، والتأكيد على تقشف اللوحة، والِابتعاد قدر الإمكان عن التفصيل الممل، هنا نرى أن الأشكال مختصرة، والألوان موحية في وصف الأشياء، من خلال المشاعر التي تُثيرها، فنجحت في غَمر اللوحة بحيوية فريدة، مَيزت أغلب أعمالها.
ـــــــــــــــــــــــ
★ فنانة تشكيلة، وقاصَّة ــ العــراق