تشكيل

عزيز ريان: الرسم بالضوء في مشهد الفوتوغرافية المغربية الجديدة

تقابلات: بؤرة ضوء تنبعث من قلب شفشاون بعيون ابنيها: عدنان حقون وعزيز أسعود

عزيز ريان★

شهدت قاعة “كاليري بيرلوتشي” بمدينة شفشاون المغرب معرضاً للصور الفوتوغرافية لكل من الفنانَيْن: عدنان حقون وعزيز أسعود، من الفترة الممتدة ما بين 21 أكتوبر 2022 إلى 21 نوفمبر 2022، وأطلق على المعرض اسم “تقابلات”.

تقابلات، هي محطة فنية عبارة عن “وجه لوجه” لمواجهة، أو لجدلية جمالية لتوجهات فوتوغرافية متعارضة، ومختلفة من هنا وهناك.

هي تقابلات تتعارض وتتصارع عبر مجموعة صور مختارة بعناية، تنقلنا لمعنى المسار الفني الذي ينتقيه الكاليري، باختيار معاني إستيتكية، تطغى على الصور المتوازنة، وغير المتوازنة في البحث عن المميز الجميل.

هي مقاربة لا تعتمد على حدود للصور، لكنها تثور نحو اللانهاية للإمكانيات، التي تحدد الأساليب الجمالية الخارجية، لتحقيق غنى التحليل والتذوق.

عبارة عن عملية متبادلة: ذهاب وإياب تتحقق للإطار الداخلي للصور، والإطار الخارجي المتخيل، تيسر التأويلات السيمولوجية والبصرية، والتي تعرض في لحظات البهاء المشهدي، هي قصة نعيشها من خلال الأعمال الضوئية، والتي أنتجها الفنانان عدنان وعزيز، بالقبض على الزمن المنفلت.

نجح الفوتوغرافيان في وضعنا أمام الصور الميكروسكوبية، لكون من الأحلام من صورة إلى صورة، تتحد في الشوارع، كواكب المدينة، بدون أن تنقل الصورة إلى إطار عابر، بل تصنع فضاء للحياة.

لمحة عن الصورة: عرف فن التصوير تطوراً تاريخياً مشهوداً له، لكنه يبقى الفن والعلم، الذي يرسم به الفنان عمله عبر الضوء، والذي هو البطل في التقاط الأشياء، والشخوص، والأماكن على شكل صورة، فما هي ماهية الصورة؟

ماهية الصورة: الصورة أكثر المفاهيم دوراناً واستعمالاً في مجالات الفنون السمعية البصرية، عالم الرقميات، باعتباره من أكثر المصطلحات غير المستقرة أحياناً.

إن عملية التعريف تتسم بالغموض تارة، وبعدم الدقة والتداخل تارات أخرى، وبالرغم من أن مصطلح الصورة جديد بعالمنا العربي، فإنه لازال يثير الكثير من الإشكالات والقضايا المتشابكة، التي ستسعى إلى رسم معالم دقيقة واضحة.

 وبتعدد الاتجاهات والحركات والمدارس الفنية، التي أولت الصورة مكانة متميزة في الإبداع، مما جعلها مركزه الأساسي، بل مكونه الأساسي بحسب المناهج والنظريات.

فأصل الكلمة: صور بالمنجد، صوَرهُ: جعل له صورة وشكلا ورسمه ونقشه/صُوَر لي: خيل لي، وتصور له الشيء: صارت له عنده صورة وشكل، الصورة جمها: صُور وصِوَر وصُورات: الشكل. (المنجد في اللغة الطبعة العشرون، دار المشرق لبنان ص:440)

وبنظرة على موقع ويكيبيديا نطالع: وهناك أنواع من الصور، كالصور ذات بعدين مثل الصورة الفوتوغرافية، أو أحد عروض الشاشة، كما توجد أيضاً الصور المجسمة ثلاثية الأبعاد ومن أمثلتها التماثيل (تمثال) والصور يمكن التقاطها عن طريق بعض الوسائل البصرية مثل الكاميرات والمرايا والعدسات والتلسكوبات والميكروسكوبات وغيرها من الوسائل الأخرى، كما توجد أيضاً بعض الوسائل والظواهر الطبيعية، التي تساعد في التقاط الصور، مثل العين البشرية، وظاهرة انعكاس الأشياء على أسطح المياه، ومن الممكن أيضاً أن يتسع إطار مصطلح صورة، ليشمل أي شكل ذي بعدين، مثل الخرائط والمخططات والرسوم البيانية الدائرية والرسومات التجريدية، ومن خلال هذا الإطار الأوسع لمصطلح الصورة، فإن الصور يمكن نقلها أيضاً يدوياً، وذلك عن طريق الرسم والتلوين والنحت، كما يمكن أن يتم نقلها آلياً عن طريق الطباعة أو تكنولوجيا الجرافيكس المستخدمة في الكمبيوتر.

“صَوَّرَكُمْ” “صُوَرَكُمْ” ” صَوَّرْنَاكُمْ” “يُصَوِّرُكُمْ” نسجل حضورها بالقرآن الكريم.

أما بالمسيحية، الصورة حاضرة بشكل طاغٍ عبر أيقونات مريم العذراء أو المسيح.

والهندوس يعتمدون على صور للآلهة في وضعيات مختلفة، ومرئية للتعبد.

وبمعجم اللغة العربية المعاصرة: الصورة المائية: (فن) رسم أو لوحة استخدمت فيها الألوان المائية.

صورة متحركة: رسوم يدوية تحرك بسرعة، لتبدو حركات شخصياتها طبيعية، وتسمى الصور المتحركة، وتعرف الصورة بأنها: الهيئة أو تركيب الأشياء، وتتكون الصور في جوهرها من أجزاء أو أقسام من الخبرة البصرية، التي تجري معالجتها.

كلمة صورة باللغة الفرنسية image  إلى اللاتينية imago.

وهي أنواع كثيرة: البصرية، الذهنية، الخيالية، اللاحقة، الذاكرة، الضوئية، الرقمية، الافتراضية، والمتحركة..

الصورة إذن عبارة عن رموز بصرية (أشكال وألوان) تشكل مجتمعة رسالة اتصال بصرية مؤثرة محملة بدلالات ايحائية، تملك قدرة كبيرة على التوغل في نفسية مستقبل هذه الرسالة.

إنه عصر ثقافة ما بعد المكتوب أي عصر الصورة، والمجتمع الفرجوي.

لا أحد سينكر المعركة التي تدور رحاها اليوم بين الدول الكبرى وهيمنتها على الدول الفقيرة هي معركة السيطرة على الصورة، بشتى أشكالها ومختلف معانيها، بدءاً بالصورة التلفزيونية، عبر القنوات الفضائية، والصورة السينمائية، وأفلام الكارتون، وصولاً إلى الصورة في مجالات الإعلانات، وكتب الأطفال، وهي جميعاً ليست محايدة، بل تحمل أهدافاً، ورسائل، وبالتالي وجب علينا معرفة حقيقة مفهوم الصورة، وفهم لغتها، وفك رموزها، حتى يمكن التعرف على ما يبث لنا وما حولنا من صور.

أما لفظة الفوتوغرافيا فنلخص تعريفها: الفوتوغرافيا مشتقة من Photografeinأأ وتعني باليونانية الكتابة بالضوء، إذن، الأثر وهي ما يتركه الضوء فوق الورق.

لمحة عن ظهور فن التصوير: أول كاميرا كانت تسمى بالغرفة السوداء، والتي استعملت في القرن الرابع قبل الميلاد من طرف الفلكيين، هذه الكاميرا الغامقة لم تعد محمولة في القرن السابع عشر من طرف الرسامين والتشكيليين.

في سنة 1816 أضاف المواد الكيمائية (ملح الفضة) Nicéphore وهو أبو التصوير كما يعتبره البعض، وفي 1826 حصلت نيتس على أول صورة بطرق تقليدية وقتها وفي ساعات طويلة، أكمل الفرنسي Daguerre  الذي أكمل بحثه، وقلص هذا الزمن، ومنذ الثمانينيات بدأت الصور أهمية تضع مكانها في المشهد، وقد غيرت الصورة الرقمية المفهوم وخصوصا الزمن.

الصور المختارة بتقابلات: شعرية لوحات “تقابلات” لا يمكن التفرقة بينهما مناطقة بين لغة بصرية عليمة، ولغة تعبيرية، باستخدام “معنى المعنى” واستخدام رمزي، أو علمي للغة البصرية، واستخدام إنشائي انفعالي للغة هذه الصور، التي تثير في المشاهد المتلقي ميزات، وحالات مزاجية، ورغبات، ومشاعر وانفعالات، عبر دلالات إشارية تواصلية مع المتلقي.

هو تقابل بين منهجين متصارعين في استخدام اللغة الضوئية الفوتوغرافية، تكمن في تقابلات عديدة في التحليل، والحدس، واللغة، والفن، والتمييز في الأعمال المشاركة المختارة بين اللغة الرمزية واللغة الانفعالية، هو نوع من تعميق موقف كل فنان، وحتى المولع بالصورة وقضايا الإنسان.

علاقة بين الفن والعلم والجمال في علاقة تتأسس على ما يمكن نعته بـ “إبداعية إنسانية”، يمكننا القول إن المعرض يضم أعمالاً تعلن منذ البداية صفتها الجمالية، وحتى الأدبية من خلال اعتماد جمالي، وأدبي معترف به كوجه وكنص ما، أي اِزدواجية تقدم معلومات عن الإنسان، والمكان متميزة بأسلوبها الفني، فالصورة هنا بمنحًى فني لها قدرة تامة على حمل المعرفة والتعبير عنها، لأنها صورة قادرة على تحريك مشاعرنا وتعريفنا بالعالم، واصفاً هذه المعرفة ضمن شكل خاص به، فمحاولة النقد الفني مجال رحب فيه الكثير من اللبس مثل أن نقول: إن هذه الصورة جملية، كما لو أن “الجمال” صفة، وليس كائناً في شيء مادي، بل متعلق بحالة شعور، وعبرات ذاتية معينة لكل فنان، ولكل مشاهد.

فالصورة في عقلنا هي حفر أولي لصورة لها معنى، بدون أن نحتاج إلى شرحها، باعتبار مساسها بذواتنا، وعملها مع وجودنا الإنساني.

إننا أمام معرض بمثابة ألبوم أو يشكل كاتالوجاً تاريخياً لمدرستين فنيتين، بعقل حالم جلي وقائم، بتقنية الحالم، ليحين الوقت، لنشعر بالحنين والاشتياق للفكر المنظم للغاية، صيرورة الفكر، ومستقبل الفكر، وإعادة بناء العقل.

يضيء لنا الفنانان طريقاً جديداً عبر العلاقة بين الضوء والفراغ، وتلك النشاطات الإنسانية التي تمثل نوعاً من الانفصال عن الحياة، والعاملة على تحولات تفصل فيها بين الفكر، والفعل باستخدام العقل والخيال، الذي من خلاله ننفتح على عالمنا ووجودنا الإنساني.

إننا إذن، نوجد ما دمنا نلتقط صورة أعمال تمتاز بلغتها الرمزية، والانفعالية التي تعتمد أسس علم الرياضيات بالنظر إلى الناحية الجمالية، نجد فيها قيم تركيبية شبيهة برموز رياضية، يتحدد فيها الممكن بالواقع، فما يحكم الرياضي بإمكانه، ويستطيع تحقيقه الفوتوغراف.

 إن الممكن يجانس الواقع أو الكائن، هنا نحن أمام إمكان من الإمكانات التي تخلق حول شكل صورة ببعدها المحدد بإطار، والتي تنتمي إلى الأصل وظاهر الواقع،  والحقيقة أن اللغة الفوتوغرافية بالمعرض تعبير أصلي عن التنوع والاختلاف، بقدر الارتباط وعلاقة الجوار(المجاورة)، باهتمامهما بالضوء كما الريشة الساحرة، صور شعرية وشاعرية تعلمنا أن “نقيم” على تراب هذه الأرض، بمعنى علينا أن نتعلم من خلال الفنانَيْن كيف “نقترب” من التراب واللوغوس والضوء، أي ما حقيقة الأشياء والموجودات، وبالتالي من كل الوجود الذي يتجلى في هذه الأعمال.

على أن هذا التشابه بين كلٍ من الرؤيتين، لا تجعلنا نتوهم أن ثمة تطابق بين رؤية عدنان بجهده الفني الشاعري الفني، ورؤية عزيز، وجاء الهدف مختلفاً عند كليهما، وبَيِّنَاً وتعبيراً عن الواقع، بإبداع لغة تصويرية جديدة تتمثل في لغة الاختلاف، أو هدفاً وجودياً يكشف حقيقته المتجلية من خلال أسلوب الموجود في الوجود، والحاضرة في اللغة، أو بالأحرى اللغة هي وجود حاضر في الكلمات.

ما هي الوظيفة الميتافيزيقية الأساسية للواقعي؟  فالوجود يتعالى على المعطيات الحسية المباشرة، اقتناعاً بأن الواقع الحسي متضمن ما هو أكثر من مجرد واقع معطي مباشرة، هنا الفن كقوة مؤسسية (خيال) متجسد في أشكال، وصور واضحة الاتصال، باعتبارها موضوعات لإدراك الآخر، هي وحدات قوة مؤسسة كالمماثلة والهوية، تظهر في الفن الفوتوغرافي، بوصفه شكلاً من أشكال المجاز، وبوعي الاختلاف فينا نبدعه خلال قراءتنا للصورة، هو اختلاف يولد فينا عن طرف القراءة، على أساس أن التصوير يكون حاضراً بوصفه “بناء للغموض”.

إن قراءة صورة ما، يعد حدوث خبرة بهذا الغموض، بتلك الصور المتراكبة، وبالتفسيرات المتعددة، ولكن هذا التراكب يتضمن اللا استمرارية، الوعي بالمعاني المختلفة في الصورة، فعندما تقرأ صورة ما، فإنك تكشف عن معانٍ وآلات مبطنة فيها، بحيث تظهر(اللامقول) من خلال ما يقال لنا، فعندما نقرأ صورة ما، نكون منفصلين عن تفسيرات، تهتم بتحليل بنية الصورة ومعانيها، لنكون متمسكين بالاختلاف،  فالبناء المركب للصورة يهب للعقل، النموذج الغربي لنقاط الإحالة، بحيث يصبح الملتقي على وعي بالمعاني المختلفة للصورة، وبالطبع فإن الفن الفوتوغرافي من أعطاه خبرة، بالإحالة الذاتية الإبداعية، فعندما نقرأ صورة ما بهذا الأسلوب، فإننا نسلم بالوعي الخالص، يحررنا من سجن التقليدي، والمتشابه، وننطلق في الاختلاف وانفتاح الوجود.

فالفنان هو اللغة، هو الوجود في نصف الانفتاح، فالداخل والخارج يتدفقان معاً ولا ينفصلان. فلا تمييز بين الذات الخارجية الظاهرية لعدنان، والذات العميقة لعزيز.

 الأكيد أن كل صورة تقول غير ما تظهر، لا وجود لما هو خارج الصورة كنص فني، بل الوجود نفسه حاضر في نص الصورة، وعلينا كمشاهدين أن نبحث عن معانٍ خفية، قد تبدو متناقضة مع ظاهره، وعلينا الكشف عن المعنى الحقيقي المرجأ باستمرار، والمنتج باستمرار.

تفكيك: قراءة غير مباشرة، بل تنتج عملية فعلية للتصوير الذي يقوم على إظهار، وتملك المعنى الوحيد، وإنما يولد عملية استعارات.

هنا علاقات زمانية كائنة بين إيقاعات في الأعمال الفنية بالمعرض، تجعلنا نشعر بحركة (الجملة الموسيقية)، ونحن نشاهد الصور كمقطوعة موسيقية، عبارة عن سيمفونية اللحظات، فيجعلنا نشعر بالجمل الصور التي تموت، والأبعاد التي تنتهي، وتنتقل إلى الماضي، فالإيقاع يخمد بالقياس إلى التركيب السيمفوني للصورة، التي تستمر داخلياً.

فالتصوير مراحل، وجمل فنية، ووقفات وسكنات، ينتقل شيء ما من السابق إلى اللاحق حتى يشكل الكل وحدة، ويسمى بالفعل واحداً، ومن خلال الإيقاع الضوئي، يمكننا فهم هذا الاتصال للانفصال، فيتجاوز الإيقاع الضوئي الصمت بنفس الأسلوب، الذي يقطع بين الموجود الفراغ الزمني الذي يفصل اللحظات، على أساس تغير ما، واقع بالفواصل الزمانية الإيقاعية بين الضربات الإيقاعية، يكون كما في الشعر لعدم التوافق الضوئي.

نحن أمام لحظة شاعرية، أمام الصور أكثر من مجرد وعي بالتناقض الوجداني، بل بتناقض وجداني دينامي، مثير ونشيط بخفة، يصعد الوجود، أو يهبط، يضفي عليه قيمة تحمل كلمات ورموز: طفولة، حقول، ضوء، ظلام، سواد، الاهتزاز..) كل هذا غناء من العالم أو الحياة الذي يرد التناقض الوجداني للتضاد، ويرد التزامن للمتتابع.

وعليه، إن الصورة عند كل من الفنانَيْن تُعَدًّ صوراً، تضم مفاهيم وأشياء، تبدو مضادة في الواقع، وغير قابلة لأي تأليف أو حد وسط، تضمها في وحدة واحدة مؤتلفة، في تلك اللحظة الفوتوغرافية، أو في ذلك الزمن التصاعدي الثابت، الذي لا يتبع القياس تمييزاً له عن الزمن المشترك زمان الحياة الأفقي، الصورة والصورة المتخيلة عندهما، كما سنلاحظ بوصفها احتفالاً دائماً بميلاد الخيال، أو بإبداع الخيال لصورة، وهو ميلاد محمل برسالة ودعوة للإنسان، لكي ينصرف عن الواقع الطبيعي المدرك وهمياً، والواقع المادي المدرك نسبياً، ويحيا المتلقي في عالم إنساني من جديد يصبغه بهدوء الصورة، يجب فهمها في جديتها ومباشرتها، وبأسلوب مقدر للمتلقي الواعي لصوره المتخيلة النتاج، لوصف نشاط إدراكي.

الخيال هو الطريق الوحيد لبلوغ العالم الإنساني، الذي تتدفق فيه صورنا المتخيلة، التي تقول لنا ما يجب أن ننصت إليه.

هو معرض يفجر بدلالات ومعانٍ باسترجاع كلمة: روح، الروح المالكة لضوء باطني، وضوء داخلي لا يدرك سوى الرؤية الباطنية.

ما علينا إلا الحضور أمام الصورة، ويتيح لها أن تتحدث، كي تفصح لنا عن ماهيتها، باعتبارها علامة على وجود جديد، هي كاشفة للعالم، فالعقل عندما يتعامل مع الصورة، سيقوم بالبحث عن معنى ثابت لها بنوع من التفكير، وهو معنى ثابت يخفق في أن يتواصل مع حياة الصورة المتجددة، المجاز مجرد صورة معادة مهمته إعادة الإنتاج، نهاية الإبداع.

 إن الخيال عند عدنان وعزيز ليس سوى الوجود الإنساني نفسه، هو الذات منقولة في الصور، بصور تحمل علامات ذاتية.

الخيال يرى ما لا يراه العقل، خيال تقابلات ثلاث مستويات: خيال شكلي، وخيال مادي، وخيال حركي.

نلاحظ أن هذا التقابل (العدناني) و(العزيزي) بين صورهم الشكلية، وصورهم المادية، ما هو إلا إعادة صياغة لفظية للعلاقة بين الإدراك الحسي والخيال، الذي يتعامل مع عناصر الطبيعة ويعيدا إبداعها وإحياءها.

هندسة الطفولة، هندسة الأماكن، جماليات المكان.

للصورة واقع مزدوج: واقع نفسي، وواقع فيزيقي ميتافيزيقي.

الأماكن في الصور بوصفه صورة متخيلة، المكان ليس برؤية كلاسيكية وفهم ميكانيكي آلي للمكان، يقود إلى هندسة غير مأهول، فلم يختزل المكان في أبعاده الهندسية والجغرافية، بل ويمتد إلى أبعاد سيكولوجية وسمات إنسانية.

 (شفشاون، ساحات، أماكن شعبية..) فكرة المكان في عملهما الفني يتجاوز المكان المتسم بالخصوصية، وملامح المدينة المألوفة، ليصل إلى جوهر الصورة كعمل فني، المكان الأليف يصبح شاعرياً عند إعادة إبداعه، عن طريق الخيال المبدع كصورة فوتوغرافية، تبعث فينا ذكريات الطفولة، وشاعرية نتأملها، لمنحها صفات إنسانية، وأبعاد سيكولوجية.

الصور تتحدث، لغة تتحدث بالصور، صوت الفنان، هو صوت صورة العالم، الفنان يحرر الصور من كونها أداة تعبير أو مجرد إشارة أفكار وأشياء، بل انفتاح الصورة في ماهيتها ذاتها، فالمصور الحقيقي بوصفه ذا لغتين (مزدوج) إذ يتحدث لغة “المعنى” ولغة “الصورة”.

لعب الطفل المصور في المعرض: فرويد أعطى وصفاً لأصول هذا اللعب في أطروحاته، محققاً لمبدأ السعادة، فاللعب عند فرويد هو أسمى فعل حر لدى الطفل، فيه يتيح لخياله الانفصال عن أمه عن طريق إبداعه لعبة جديدة، يعوض بها غياب أمه، بحيث تصبح اللعبة الجديدة رؤية تمثيلية عن غياب وحضور الأم، اللعب إبداع من الطفل، والمبدعان عدنان وعزيز إبداعهما محقق للانفصال عن الواقع، والدخول في عالم الخيال بوصفه أسلوباً خاصاً في إظهار المسافة بينه وبين البراءة، وحضور الأم بشكل، وغياب بأشكال آخرى.

ختاماً، إن الاهتمام بالعملية الإبداعية بالصورة التي هي نتاج المبادلة الجمالية بين الفنان والطبيعة، فالصورة هي نتاج الخيال المباشر، هي “شيء” يخاطب خيالنا، ويثير ذكريات طفولتنا وأحلامنا، لنتأمل الجمال الفني في كل عمل فني لذاته، وليس لدلالة خارجية. الفوتوغرافيان ساحران، من أهم مميزاتهما، هو التحكم في الضوء والإطار.

 الضوء هو: مادة التصوير الأساس، توابل أساسية لصورة ساحرة لكل من عدنان وعزيز، ويتحكم في جمال النهار في المشهد أو البورتريه، كلما ترك الوقت للضوء للدخول، وكلما كانت كمية الضوء أكبر، كلما كانت الصورة أوضح، زمن دخول الضوء ضئيل جداً.

 والإطار بكل صورة هو: اختيار فني، يقدم جزءاً من المشهد، ويخفي جزءاً آخر، والفنانان وحدهما يقرران ما يظهراه وما يخفياه، تاركين للخيال المتلقي للإبحار بعيداً أو قريباً، وخصوصاً قيمة كل من عدنان وعزيز فنياً داخل المدينة، والمغرب، وعالمياً خصوصاً في نضالهما بالعدسة، خلال جائحة كورونا، وكيف نقلا للعالم صوراً إنسانية، لمجهودات أخلاقية كونية مبهرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ كاتب وناقد ــ المغــرب

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى