سينما

منى علي: قراءة في فيلم “everything everywhere all at once”

منى علي★

يحكي الفيلم عن أسرة بسيطة من المهاجرين الآسيويين إلى الولايات المتحدة، تمتلك الأسرة المكونة من الأم والأب والابنة والجد، مغسلة تديرها الأم بطلة الفيلم، ويساعدها زوجها، وتكون نقطة بداية انطلاق الأحداث، عند ذهاب الأسرة لمصلحة الضرائب، لتقديم حسابات المغسلة، للموظفة المسئولة، وثم تبدأ أحداث الفيلم في التصاعد وشخصياته في التحول ويبدأ عرض عوالم موزاية للعالم الذي رأيناه في مشهد البداية وهو منزل الأسرة ومكان عملهم.

تدور الأحداث في أجواء من الفانتازيا والتجريب، وتعتمد في تصاعدها على أشياء خارقة للطبيعة، أشياء لم تحدث، ولن تحدث.

 اِعتمد صناع العمل على الخيال المطلق والرمزية، أسلوباً لحكي فكرة الفيلم شديدة البساطة والوضوح، ويدفع الفيلم بالمشاهد نحو حالة شعورية من عدم الفهم، وتشويش الرؤية طوال الأحداث، وحين نكون على مقربة من النهاية، يُظهر لنا صناع العمل الرسالة بشكل مباشر، في جملة حوارية واضحة على لسان أبطال العمل، وكأن هذه الصورة المعقدة كثيرة التفاصيل صنعت، لتقول شيئاً بسيطاً هو أن الحب والحوار، هو التواصل السلمي بين البشر، والتفاهم بين الأجيال، محاولة احتواء الشباب بكل ما يملكونه من تمرد، وتوق للتجريب، ورغبتهم الجامحة في البحث عن الجديد، كل ذلك هو ما يصنع المعجزات ، ويجعل لحياة البشر معنى، رغم محدوديتها الزمانية والمكانية، فهو يطرح معاني فلسفية عميقة، ولكن من خلال جمل حواريه بسطية وواضحة.

تجرى الأحداث في ثلاثة فصول (كل شيء، في كل مكان، الكل في الوقت ذاته)، وفق قواعد الفانتازيا، التي وضعها صناع العمل، وقد جاءت تلك القواعد منسجمة، في خلق أكوان موازية للكون الواقعي، الذي يعيش فيه أبطال العمل، وصنع آليات للتنقل بين تلك الأكوان، بارتجال أشياء غريبة غير مألوفة، والأزياء الغريبة لسكان الأكوان الأخرى لتميز بينها، وجعل هناك تنوعاً في الصورة.

اِقتطاع مظاهر الحياه اليومية من ارتباطاتها الزمنية والمكانية، وعرضها داخل أطر تجريبية بطريقة الفانتازيا، خلق شخصيات الفيلم وأعطاؤها قدرات قتالية، وتَميز البطلة (إيفلين وانج)، التي لعبت دورها (ميشيل يوه) بالوعي الأخلاقي، فهي رفضت قتل ابنتها (جوي)، التي لعبت دورها (ستيفاني هسو) حتى مع إيهامها بأنها شخصية أخرى تريد أن تؤذيها، وتبع ذلك رفضها للقتل، أو التعامل بعنف مع باقي الشخصيات، فهي اختارت أن تتعامل بلطف مع العالم، مستمعة لنصيحة زوجها (وايموند وانج)، الذي لعب دوره (كي وي كوان)، الذي طالما تعامل مع العالم بلطف، كان يظنه الجميع أنه ضعف، ولكن يتكّشف في النهاية أنها الطريقة المُثلي للتخلص من المشاحنات، ولصنع عالم هادئ، مليء بالحب والتفاهم بين كل من يعيشون فيه.

ينتمي فيلم “كل شئ في كل مكان في وقت واحد”، للفئة التجريبية، التي تمرد روادها في مطلع القرن العشرين على الواقع، فنزعوه من سياقه المادي، وحولوه في أفلامهم، إلى عالم من الأحلام.

 اِبتعد صناع الفيلم عن طرق السرد التقليدية، المتبعة في الأفلام الروائية من وجود قصة وحبكة، وقدموا لنا فيلماً متحرراً من هياكل وقيود السرد المعتادة، وتبنوا تقنيات مبتكرة في الحكي، من خلال فانتازيا الرمز، وتوغل الصورة في عوالم متخيلة، وامتزجت المؤثرات المرئية مع المؤثرات الموسيقية، والأداء الحركي (الأكشن)، للممثلين في صناعة فيلم عبثي مجنون، ولكنه ساحر، يقدم وجهة نظر شديدة الرقة، عن ذلك العالم القاسي، الذي نحيا فيه اليوم، ولا نجد لحظات يلتفت فيها أحدنا للآخر، ليقول له شيئاً لطيفاً، فدائماً نحن مشغولون وقلقون، نحمل مشاعر مضطربة، فيأتي الفيلم ليرسل لنا إشارة، بكيفية التغلب على تلك المشاعر البشرية المتضاربة، والتغلب على الشر.

حصد الفيلم سبع جوائز أوسكار هذا العام، أفضل فيلم، ونالت بطلته الماليزية (ميشيل يوه) جائزة أفضل ممثلة، وأصبحت أول ممثلة من أصل آسيوي، تنال تلك الجائزة، وحصل (كي وي كوان) وهو أمريكي من أصل فيتنامي على لقب أفضل ممثل لدور ثانوي، وهو أول دور له، بعد ابتعاده عن التمثيل لمدة عشرين عاماً، وفازت (جيمي لي كيرتس) بجائزة أفضل ممثلة لدور ثانوي، وحصد الفيلم كذلك جوائز أفضل مخرج، وأفضل سيناريو أصلي، وأفضل مونتاج.

ويعد هذا العمل تجربة مُميزة، ظهر فيه الإبداع في عدة جوانب، وبشكل خاص في المونتاج، الذي لم نشعر بحركاته، بالرغم من انتقال الصورة بشكل سريع ومكثف، بين العوالم المتوازية، والمعارك الكثيرة في الفيلم.

ــــــــــــــــــــــــ

★ كاتبـة ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى