تشكيل

منتهى عيسى: حين تستسلم الطبيعة لريشة العبيدي

منتهى عيسى★

‎ سأتناول هنا واحدة من لوحات الرسام العراقي منيرالعبيدي التي طالما جذبتني إليها بقوة من حيث بناءها ولغتها التعبيرية البليغة، تلك هي لوحات الفنان العراقي منير العبيدي، ومنها هذه اللوحة، فالفن ما هو إلا عملية إبداع، لأشكال قابلة للإدراك الحسي، فبحكم نشأة الفنان وسط طبيعة ساحرة، فقد تركت بصمة قوية على جُلِّ أعماله، فامتازت لوحاته بألوان دافئة غنية، تفيض عاطفة، وتنم عن وعي جَمالي، مع خبرة أدائية في تطويع، ومعالجة الشكل دون تلعثم أو ركاكة.

‎تبدو اللوحة التي لم يعطها الفنان اسماً كسائر أعماله، رغبة منه في ترك مساحة فَضفاضة، تُتِيح للِانفعال أن يكون نقياً فطرياً حراً، من كلمات تُضيق الخناق، أو تَفرض حيزاً محدوداً للحركة، في مفاصِل اللوحة، دون تَعثر بأُطر مُسبقة.

‎أنت تقف أمام مساحة قُسمت بخط عرض، إلى فضاءين متماثلتين تقريباً (سماء وأرض)، يفصلهما خط عرض داكن نوعاً ما، سيأخذ الفنان عينيك الى قلب اللوحة، أو مركز ثقلها، يُلقيها عند جذع الشجرة الممسك بالأرض بقوة، ثم يجعلك ترتفع إلى أعلى، مع انحناءة الجذع للأعلى، حيث تَفَرُّعُ الأغصان، وتصاغرها أمام هجمة إيهامية، من ريح تعصف من الجهة اليسرى، تقاوم مع هذه الأغصان الصغيرة، التي تَكاد تَسمعُ تَكَسُّرَ بعضها، وانجرافها مع التيار العاصف، ثم تجد نفسك متسمراً في الأرض، مع  الجذع الصلب المرن مرةً أُخرى، في حركة دائرية لا تنقطع، تُثبتك هناك، في توليفة حركية، يشوبها التوتر والصراع المستمر بين (الأعلى والأسفل، والموت والحياة، والِاستسلام والمواجهة) بإمكانك أن تستشعر رطوبة التراب تحت قدميك، وسط استسلام الطبيعة، ورضوخ مكوناتها الحية لأبدية الصراع، الذي أنت جزء لا يتجزأ منه.

‎منير العبيدي فنان تشكيلي، وكاتب، وناقد عراقي، ولد عام ١٩٤٩ في قَرْيَةٍ تُطِلُّ على ضفاف نهر ديالى هي قرية (بهرز)، وهو ثَريُّ المُنجز، حيث أقام العديد من المعارض الشخصية في العراق، ومن ثم في المانيا، كاتب يُشار إليه بالبنان، حائز على جوائز دولية لقصص قصيرة، ومقالات سياسية ونقدية، في مجلات عربية ودولية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

★ فنانة تشكيلة، وقاصَّة ــ العــراق

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى