زهير عبد الكريم ★
إلى: الهيئة الدولية للمسرح، الهيئة العربية للمسرح، اتحاد الفنانين العرب، رؤساء المهرجانات العربية الدولية.
يبدو مدخل المقال صادماً، وفي ظاهره متناقضاً؛ لكنه الحقيقة المؤسفة، وماذاك إلا لعدم قدرتنا على تشخيص واقع المسرحيين الناشطين، والمنغمسين في هذا الفن المحبوب لدينا، فما هو الواقع دون تزويق ورتوش؟
هل تعلمون أننا المسرحيين مازلنا نعيش أوضاعاً حرجة اقتصادياً؟ وفي غاية التعقيد – من كوننا نمارس المسرح – هذا الإرث القديم، وممَّا لا شك فيه أنَّ صناعة أي عرض مسرحي تتطلب جهداً كبيراً، وزمناً طويلاً من فريق العمل، الذي من الممكن أنْ يستغرق أياماً، أو شهوراً، أو سنواتٍ، وذلك حسب ظرف كل فريق، أي أنَّ هذه المهنة تُعدّ من المهن ثقيلة الصنع، ونستخدم فيها الطاقة بغزارة، والروح البشرية، إلا أننا بوصفنا مسرحيين لم نتعامل مع هذه المهنة، رغم احترافنا لها باعتبارها صناعة، شأنها أن تخدم صانعيها، بحياة كريمة خالية من العوز، وتبعدنا من خطوط الفقر، لذا؛ ما أحوجنا إلى تفكير يذهب بنا إلى استخدامها كصناعة! وطالما أنَّ لدينا القدرة على إنتاج بضاعة جيدة، تتوج بالجوائز في المهرجانات، فلا شك أننا ممارسي هذه المهنة نستطيع أن نفعل الكثير، لكن المسرح لايزال يعيش في عزلة عن جمهوره، وهذا حسب الدراسات، والمقاربات مع صناعة السينما، فنجد أنَّ الفروقات بين المسرح والسينما، وهما يُعَدَّان من الصناعات الثقافية الثقيلة، والكبيرة، إلا أن السينما استطاعت أن تقفز بالمشتغلين بها إلى بر الأمان الاقتصادي، بينما لا يزال المسرح والمسرحيون يعانون الفقر، وشح فرص العمل، فنجد أغلب المسرحيين يلهثون سريعاً إلى العمل في السينما
ولننظر معاً ماذا تقول رسالة الهيئة الدولية للمسرح (تسعى الهيئة الدولية للمسرح (ITI) وهي أكبر منظمة للفنون الأدائية في العالم تأسست عام 1948 على يد خبراء المسرح، وفنون الرقص إلى جانب منظمة اليونسكو، إلى إيجاد مجتمع، تزدهر فيه الفنون الأدائية والفنانون، وتعمل الهيئة الدولية للمسرح، على دعم أهداف اليونسكو في تعزيز السلام، والتفاهم المتبادل، وتدعو إلى حماية، وتعزيز أشكال التعبير الثقافي، بغض النظر عن العمر، أو الجنس، أو العقيدة، أو العِرق، على الصعيد الدولي والوطني في مجالات تعليم الفنون الأدائية، والتبادل الدولي، والتعاون، وتدريب الشباب)
فهل نحقق ذلك بالمهرجانات فقط، أم بجعل الآمال المسرحية واقعاً يمشي بين الناس، وكيف يتم ذلك، ونحن نعاني شظف العيش؟ فهل نقف أم نسعى معاً، لخلق فرص عمل أوسع، ونفكر بعقل جمعي، مستندين على قوانين متفق عليها من خلال المؤسسات، كالهيئة الدولية للمسرح، الهيئة العربية للمسرح، اتحاد الفنانين العرب، وذلك لعدد من الأسباب أولها أن العمل بالسينما أجوره كبيرة تحقق مدى أوسع في المشاهدة مع جمهور متعدد الثقافات، بل ذهبت السينما وصانعيها إلى خلق فضاءات أخرى باستحداث منصات رقمية تعزز من فرص وجودها لدى عامة الجمهور، وخلقت لنفسها فضاءات اقتصادية تجعل عجلة إنتاجها تدور بلا توقف، وهذا ما يجب علينا ـ صناع المسرح ـ الانتباه إليه، وإعادة النظر في أنماط تفكيرنا؛ لنعزز مهنتنا، ونضمن استمراريتها، بل فكّ هذه العزلة بيننا وبين الجمهور.
فلننظر معا كيف ترى الهيئة الدولية للمسرح هذا الأمر: (تتصور الهيئة الدولية للمسرح عالماً يمنح الفنون الأدائية أهمية وقيمة عالية) فهل يمكن أن يتم هذا دون أن تنشر العروض الأدائية في بقاع الأرض المختلفة، ومن أحق بالدعم لإنجاز هذا الهدف غير الأعمال التي رأت لجان التحكيم من النقاد والخبراء أنها الأفضل، ولكن هل يملك هؤلاء المبدعون القدرة على إنتاج هذه الأعمال بمعزل عن الثلاثي المذكور أعلاه!؟ لكي نصل إلى تصور الهيئة القائل: (عالماً يمكّن الفنانين من العمل، وتقديم أفكارهم الإبداعية للجماهير) ولننظر إلى الهيئة وهي تقول: (عالماً تستثمر فيه الجهات المحلية، والإقليمية والوطنية، وكذلك الجهات الراعية والمانحة في الفنون الأدائية، وتموّل المنظمات والمؤسسات والفنانين في كافة مجالات المسرح وفنون الرقص والمسرح الموسيقي المتنوعة) وبالنظر للعبارتين نصل إلى جوهر ما نسعى إليه وفي قولنا تستثمر إشارة واضحة لزيادة رأس المال العامل في هذه الصناعة وزيادة للدخل القومي لتلك المجتمعات أي إنعاش اقتصاديات مجتمعاتنا ومما لا حاجة للحديث فيه الاستثمار الإنساني والروحي في الثقافة المسرحية.
ولا يفوتنا أيضا دور هذه العملية الانتاجية والتسويق للأعمال المسرحية الفائزة في المهرجانات في تحقيق ما تصبو إليه الهيئة (عالماً يتوفر فيه التعليم المتعلق بتقنيات الفنون الأدائية والمواضيع ذات الصلة على جميع مستويات التعليم – من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية والجامعية) وهو ما يقود لما تسعى إليه الهيئة (عالماً تستخدم فيه الفنون الأدائية – وبالأخص المسرح- لخدمة المجتمعات في مجالات التنمية وتعزيز التفاهم المتبادل والسلام في مناطق الصراع وجميع أنحاء العالم عالماً يتميز بتعزيز الابتكار وصون التنوع الثقافي والاختلاف في التعبير)
وهذا أيضا ما تسعى إليه الهيئة العربية للمسرح في إطارنا العربي من رغبة في إشاعة الثقافة المسرحية والفنون في بلادنا وسيلة للتقارب وجعل الحياة أكثر إنسانية.
ــــــــــــــــــــــ
★ مخرج وباحث ــ السودان