عباس الحايك: مهرجان المسرح الخليجي بالشارقة والصورة المفترضة
عباس أحمد الحايك★
اِنتهى مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي في دورته الرابعة بحلوه ومره، بجماله ودهشته، بإخفاقاته، وأدعي أني من المتابعين جداً، والمتحمسين لهذا المهرجان، رغم أني لم أحظ بحضور أية دورة من دوراته، رغم مشاركتي ككاتب في الدورة الثالثة بالعرض المتوج بجائزة أفضل عرض (مدق الحناء) لفرقة مزون العمانية، ومن إخراج يوسف البلوشي، ورغم عدم حضوري، إلا أنني لا أترك أي خبر، أو تفصيل مهما كان عن المهرجان، إلا اطلعت عليه منذ نسخته الأولى.
كانت لي ملاحظات، حاولت أن أوصلها لإدارة المهرجان بعد دورته الثانية، أو لنقل اقتراحات لم تكن غايتي من إرسالها ــ للإدارة ــ إلا لعشقي الكبير للشارقة، وكل ما تقدمه للمسرح العربي، فهي المدينة التي كان لها الفضل أولاً علَي، فمنها انطلقت في عالم المسرح الحقيقي بعد سنوات من تجارب متعثرة، فالشارقة كانت المحطة الأولى لاكتشاف عوالم المسرح، التي كنت أقرأ عنها في الكتب والمقالات، بعد فوزي بجائزة الشارقة للإبداع العربي في دورته الخامسة ـ مسار المسرح ـ عن نصي (فصول من عذابات الشيخ أحمد)، وبعدها اختيار المخرج العراقي الكبير الراحل قاسم محمد للنص، ليقدمه ضمن مهرجان أيام الشارقة المسرحية، ولكنه اختير أن يكون دراماتورجاً للعرض الذي أخرجه الفنان حسن رجب، وأدى أدواره الفنانون، أحمد الجسمي، وعبد الله صالح، واحمد عبد الرزاق، وآلاء شاكر وغيرهم، المسرحية التي حضرها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة في افتتاح الأيام 2003، وأثنى على نصها لاحقاً.
كل هذا يجعلني أكن للشارقة مزيداً من الامتنان، فهي مدينة المسرح والثقافة، مدينة فعلاً لا تهدأ، وهذا ما جعلني أكتب عن المهرجان لإدارته.
بعد دورتين من المهرجان، بدا أن هناك تراجعاً في مستوى العروض، مما شاهدناه عبر اليوتيوب، أو عبر ما قرأناه في وسائل التواصل الاجتماعي، أو التغطيات الصحفية للمهرجان، كما أن خلافات طفت على السطح في أكثر من بلد عربي، وكان عنوانها استحقاق مشاركة هذا العرض، أو غيره، اعتراضات ورفض، وهذا ما حدث أيضاً في الدورة الأخيرة، ولن أعرج على هذا الموضوع بسبب الحساسية الكبيرة، التي تسبب بها اختيار العروض من قبل الجهات المعنية في كل بلد خليجي.
والمسرح يفترض أن يكون منصة فرح وقبول، لا منصة خلاف واختلاف، ولن أخوض أيضاً في دواعي الخلافات، والتسابق المحموم للمشاركة في هذا المهرجان، فهذا التسابق ليس غايته المسرح، وتقديم تجربة مسرحية مستحقة، بل ثمة أسباب أخرى، يتداولها المسرحيون فيما بينهم.
الاقتراح الذي تقدمت به للمهرجان، كان أن تطلب الإدارة من وزارات الثقافة، أو الجهات المعنية في كل دولة خليجية، التقدم بثلاثة عروض، أو أكثر لكل دولة، شرط أن يقوم اختيارها على المنافسة والأفضلية، ثم تخضع العروض جميعها للجنة مشاهدة محايدة، عربية أو خليجية، لتختار أفضل ستة عروض بواقع عرض لكل دولة، وهنا تكون الإدارة مشاركة في اختيار أفضل العروض، التي ترفع من قيمة هذا المهرجان الفنية، بحيث لا تكون المشاركات شرفية، كما حدث في بعض الدورات، وأن تكون العروض خاضعة لمعايير عالية فنياً، تضعها إدارة المهرجان.
هنا كما أعتقد نضمن للمهرجان، تجاوز الإخفاقات على مستوى ما قدمه من عروض، كما حدث في الدورة الأخيرة، وهو ما أشار إليه بعض النقاد في مقالاتهم حول المهرجان وعروضه.
ربما يكون الاقتراح تدخلاً في عمل إدارة المهرجان، ولكني أوصلته، وما زلت عند رأيي أن المهرجان، يمكن أن يعلي من قيمة ما يقدمه من عروض، بوضع معايير صارمة للمشاركة، وأن لا يترك الأمر مرهوناً باختيارات الجهات المعنية لكل دولة، فالمهرجان ليس مضمار سباق، يحصد الفائز من خلاله جائزة مالية كبيرة، بل يفترض به أن يكون خلاصة ما أنتجه المسرح الخليجي، من عروض وتجارب مسرحية، حتى لا يعتقد أن المسرح الخليجي توقف عند ما قدمه هذا المهرجان، وكلنا نتفق على أن لا تجارب لافتة في المهرجان في دورته الأخيرة.
هذا المهرجان هو الصورة المفترضة لكل مسرحي خليجي، هو الخلاصة، هو القيمة العليا للمسرح في الخليج، هو الصورة الناصعة التي يفترض أن تكون ناصعة.
أكتب هنا عن المهرجان لأبدي حسن نيتي تجاهه، وأنا على يقين أن كل من كتب عن المهرجان، منذ أول دورة وحتى الآن، لم يكتبوا إلا محبة، فكما تفتح الآذان على اتساعها للمداحين، فلتفتح الآذان أيضاً لكل رأي يخالف المدح، وكل رأي ناقد لا بد أن يوضع في الاعتبار، فالمهرجان أمانة وضعها راعي المسرح في الخليج والوطن العربي الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حفظه الله في يد إدارته، ونحن معهم، وكلنا معهم بعيداً عن التجميل والتطبيل والمراوغة.
أتمنى أن تكون الدورة القادمة، دورة مختلفة، تتجاوز الإخفاقات بعد دراستها، ووضع اليد على أي إخفاقة.
ننتظر المهرجان حضورياً، أو عبر الوسائط، لا بأس، فالمهرجان قيمة المسرح الخليجي التي سنكون سندها دائماً.
ـــــــــــــــــــــــــــ
★ كاتب مسرحي ــ السعوديــة