عامر الخفش★
مهرجان جرش للثقافة والفنون يقدم الفنان الشامل عامر الخفش، راقصاً في فرقة باليه المركز الثقافي الملكي!
لا …لم يكتب هذا العنوان سواء كخبر صحفي، أو حتى كمقال نقدي في أي من الصحف والمجلات الورقية حينها ….. وهذه كانت سابقة برحلتي الفنية من ناحية الإعلام، وتقاطعه معي حينها كفنان شاب معروف شقّ طريقه في إثبات حضوره في المشهد الفني ككل، لعاملين اثنين:
(الأول) هذا العرض الراقص كان من ضمن عروض مهرجان جرش للثقافة والفنون في الأردن، في دورة من دوراته السنوية في بدايات التسعينيات.
و(الثاني) لمشاركة نجمٍ (كما يقال) شهيرٍ…وفنانٍ شامِلٍ بهذا العرض الراقص، كواحد من راقصيه الأساسيين وهو أنا ….مع أنه تم تغطية الفعالية والعرض هذا صحفياً، ولكن بدون التوقف عند مشاركتي به أبداً …أو لنقل مشاركة النجم المحبوب هذا كراقص تعبيري، حيث كان هذا النوع من الرقص (الباليه – الباليه الحديث – الرقص التعبيري) حينها في الأردن، كما العديد من الدول العربية، إما غير موجود أو موجود، ولكن مقتصرٌ على الفتيات من طالبات معاهد الباليه تحديداً… فما بالكم إذن بمشاركة شاب كراقص، ولأول مرة …وهو ليس شاباً وراقصاً فقط… بل هو فنانٌ شهيرٌ أيضاً على الساحة! طبعاً لا سوشيال ميديا، ولا مواقع، ولا منتديات الانترنت كانت موجودة آنذاك، لتداول أي ما يتعلق بهذا الخبر، وخاصة مشاركتي كفنان له قاعدة جماهيرية، بعرض للرقص التعبيري، والباليه بشكل محدد.
الطريف هنا أنه وعلى الجهة المقابلة، كانت باقي مشاركاتي الفنية الأخرى، تحتل الأماكن البارزة الرئيسية في الصفحات الفنية آنذاك، في الصحف، والمجلات المعنية أردنياً وعربياً، أعمال فنية متنوعة مرتبطة بالتنوع، الذي كنت أتحرك به فنياً في المشهد الفني العربي، وبإصرار، وهدف محدد ببالي متجه إليه من وقتِ أن كنت على مقاعد الدراسة الجامعية …وهو تقديم نفسي (كمخرج) للساحة الفنية يوماً ما، ولكن بعد الانخراط العميق في تفاصيل هذه الصناعة، التي أنتمي اليها بشغف، وحب كبيرين.
نعم، فقد كنت في تلك الفترة، التي شهدت مشاركتي بهذا العرض الراقص في بداياتي، في أاوائل التسعينيات…وكنت محملاً بعمري الصغير ــ بالفن ــ جائزة مسرحية، أطلقت مرة واحدة فقط، ثم ألغيت، بسبب عدم وجود هذه الفئة المرتبطة بالجائزة بالشكل المطلوب، حتى تُشرّع وتبقى …جائزة درع الإذاعة والتلفزيون لأفضل ممثل مسرحي شامل عن مسرحية (سر الماورد) للمخرج الأردني العلَّامة خالد الطريفي، وفي دورة من دورات مهرجان المسرح الأردني للمحترفين حينها، يستطيع القارئ الاطلاع على العديد من الأعمال، التي شاركت بها في تلك المرحلة من بداياتي، وذلك من خلال موقعي الإلكتروني المرفق آخر السرد الأرشيفي هنا، ولكن، وبعناوين مختصرة هنا، كنت حينها المغني المعروف، والنجم الشهير صاحب ألبوم غنائي شهرته وصلت لكافة دول العالم العربي آنذاك، ألبومي الأول – ألبوم (هيلا يا رمانة – سنة 1992) والذي منحني شهرة واسعة جداً في العالم العربي ككل، والذي كان من إنتاج واحدة من أكبر شركات الإنتاج الفني خليجياً وعربياً….وهي شركة الخيول السعودية حينها…كذلك كنت ممثلاً تلفزيونياً، ومسرحياً نَشِطَاً على الساحة الأردنية، والعربية… وخاصة أنني كنت عضواً في فرقة الفوانيس المسرحية المعروفة…. كما كنت ماكييراً مسرحياً متوجاً بجائزة أفضل ماكياج في مهرجان مسرح الشباب الأردني الأول عن مسرحية (المتمردة والأراجوز) للمخرج الأردني حكيم حرب…. أيضاً كنت أعمل كمدير إنتاج، ثم كمساعد مخرج للسيدة المخرجة الأردنية سوسن دروزة في شركة (مرآة ميديا) المختصة بتصوير وتنفيذ الإعلانات التجارية التلفزيونية، والأفلام الوثائقية، وحملات التوعية…أيضاً كنت أستاذ مادة الدراما في ــ واحدة من أهم المدارس في عَمّان ــ المدرسة الأهلية للبنات… وكذلك في بعض من النوادي الصيفية بورشات عمل فنية خاصة بالأطفال، نعم… كنت غارقاً في هذا الضجيج الجميل المُتعب المُهلك، والماتع بنفس الوقت بالنسبة لي، وبإرادتي وبرغبة وإصرار…سواء من وقت أن كنت على مقاعد الدراسة الجامعية، حينما أخذت بيدي معلمتي حينها، وصديقتي الآن السيدة (زين غنما) لتقدمني للمشهد الفني المحترف في عَمّان كموهبة شابة واعدة، وأنا في نهايات سنتي الأولى من الدراسة الجامعية… أو حتى بعد تخرجي من الجامعة هذه (جامعة اليرموك الأردنية) بشهادة البكالوريوس تخصص رئيسي المسرح / وفرعي الموسيقى، من كلية الفنون الجميلة والآداب.
كان هذا الضجيج الجميل الذي دمغ بداياتي، مرفقاً بدعم معنوي مهم، وتشجيع وتحفيز من مبدعين مهمين بالمشهد الفني، آمنوا بموهبتي، وقدراتي حينها، واعتبروني دماً جديداً مختلفاً تحتاج إليه الساحة الفنية.
تجارب فنية مهمة دخلتها في بداياتي ساعدتني حقيقة لأن أفهم وأتعلم أكثر وأكثر، عن تفاصيل هذه الصناعة والفنون التي أعشق، ولأقدم نفسي للساحة الفنية العربية لاحقاً يوماً ما، ولو بعد سنين، حين جاهزيتي لذلك كمخرج …اسمه حينها (الفنان المخرج عامر الخفش) …لأكون قد حققت هدفي الأول … ولكي أستعد بعدها، وبعد ممارستي لعشقي هذا (الإخراج) جامعاً كل ما عشته، ومررت به كإنسان، وفنان شامل، ومخرج حينها، لأن أحقق هدفي الأخير، الذي أحب، وأرغب بأن أبقى تحت عنوانه، ولغاية الممات، وهو (الكتابة)…. شغفي الذي أتحرك به من خلاله الآن… الشغف بالكتابة نصوصاً للتلفزيون، والسينما، وحتى المسرح (من عروض مسرحية بفرجة مرئية كبيرة).
أحببت أن أغوص هنا في هذا السرد الأرشيفي لي في منطقة البدايات …وذلك لارتباطها بالموضوع الأساس في هذا السرد … حيث سأتوقف هنا فقط عند تجربة من النوع (الحرّاق) كما يقال بالعامية… تجربة حرّاقة كفلفل حرّيف ناري، وهنا أتكلم عن تجربتي الوحيدة من خلال مشاركتي (بالرقص التعبيري) وفي عرض لم أقدم وأشارك بتمثيله من قبل، لكنه عرضٌ يصب في خانة شموليتي كفنان …بعيداً عن تأثري، وقوقعتي داخل منظومة ومفهوم الشهرة والنجومية… وروميو الغناء… ودون جوان التمثيل ….والخ من هذه المُسميات، التي لم تكن تعنيني لا حينها، ولا بعد ذلك ….فني المتنوع، والشامل كان شغفي ومرادي، عزيزي القارئ ….فني الشامل، الذي كما ميزني على الكثير من الأصعدة، وأيضاً أتعبني في ناحية تفاعل وتعامل أهل المشهد الفني معي أولاً…والإعلام ثانياً …والجمهور ثالثاً، هذه الشمولية التي ستقودنا لموضوع هذا السرد الأرشيفي هنا …. الشمولية التي وصفتني بها يوما ما معلمتي في بداياتي بعالم الإخراج والإنتاج، وصديقتي الآن …المخرجة سوسن دروزة بـ: ! The Multitalented Multidisciplinary Artist
حاولت جاهداً أن أكسر الصورة النمطية المتعارف عليها، لنجم شاب شهير ارتبط قيد المتوقع والثابت والدارج برقبته مع بداية شهرته، ومن خلال نجاح ألبومه الغنائي الأول، والمذكور سابقاً نجاحاً كبيراً، وتألقه في أعمال درامية، ومسرحية، وغنائية لافتة …فنان قرر، وبقناعة تامة أن يقدم نفسه راقصاً تعبيرياً، عندما عرض عليه ذلك حينها، لكن من المهم وقبل الدخول بهذه المنطقة، والبعض من أخبارها، ومشاركتكم لعناوين طريفة وغريبة منها …دعوني إذن أتوقف عند عائلتي وبيئتي، التي خرجت منها…ألسنا كلنا نتاج بيئاتنا، وخلفياتنا الاجتماعية، والثقافية، التي تصاحبنا بشكل أو بآخر، حين تقديمنا لأنفسنا بمشاريعنا الإنسانية … الفنية، والأدبية، والعلمية، والعملية لاحقاً؟
أنا نتاج قصة حب بعد الزواج
أنا يا سادتي نتاج زواج تقليدي جميل، بين مايسترو في الصحة النفسية والفلسفة، والدي المرحوم الدكتور سامح الخفش …الذي خرج من مدينة نابلس العريقة في فلسطين (مسقط رأسه) يوماً ما، وهو الطالب المجتهد مبعوثاً من الحكومة الأردنية سنة 1963 لدراسة البكالوريوس في التاريخ – والماجستير في التربية بأمريكا من جامعة (Allegheny) في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، ليعود ليلتحق بوزارة التربية والتعليم في الأردن، حيث انتدب فوراً مبعوثاً إلى البحرين سنة 1967 ليشارك بتأسيس معهد المعلمين هناك، وتدريس التربية وعلم النفس، وهو العريس الجديد الذي وصل البحرين حينها مع عروسه الجميلة (أمي) ربيعة الكردي …الأردنية ذات الأصول الكردية (ديار بكر)، أبي الذي قام لاحقاً بتأسيس ورئاسة قسم الإرشاد النفسي في وزارة التربية والتعليم في الأردن في منتصف السبعينيات….شاغلاً مناصب عديدة حينها في الإسكوا، واليونيسيف، ولجان تربوية عديدة عربية ودولية… والذي عين لاحقاً مستشاراً ثقافياً في السفارة الأردنية في بلغراد – يوغسلافيا سابقاً…وكانت تابعة له في مهام عمله كل من بلغاريا، تشيكوسلوفاكيا سابقاً، ثم هنغاريا والبانيا في بداية الثمانينات، وليخرج من هذه المرحلة بشهادة الدكتوراه بالعلاقات الدولية من جامعة بلغراد العريقة سنة 1986 … تلك كانت مرحلة مهمة بحياتنا كعائلة عشناها … حيث كانت هذه التجربة الثرية ذات الأثر الهائل عليّ بسن المراهقة، ومن خلال معيشتنا بأوروبا الشرقية حينها، وذلك لطبيعة عمل أبي كدبلوماسي… تجربة أرست وتركت ملامح واضحة بي ….في الفنون والثقافات والحضارات…. ملامح قوية مختلفة جداً عن السائد، والمنتشر من الثقافة الغربية، وخاصة الأمريكية آنذاك
تجربة ثرية أثرت حقيقة في تكويني، كفنان لاحقاً، رجع أبي بعد تقاعده من الحكومة الأردنية إلى البحرين ، التي بدأ بها مسيرته المهنية، وتربطه بها، وبأهلها، والموجودين بها علاقة عشق، خاصة هو وأمي، ليعمل فيها في بداية التسعينيات خبيراً تربوياً في مجلس التعليم العالي، ومن ثم محاضراً غير متفرغ في جامعة البحرين…ترافقه دائماً رفيقة دربه (والدتي)…أمي التي كانت ذات شخصية مغايرة لأبي …معلمة المدرسة، ومن ثم مديرة مدرسة، وخريجة علم المكتبات يوماً ما … أمي الجميلة كما ممثلات السينما الشهيرات من رموز الجمال …. كانت كأنها مرآتي في البيت حينها، ولأصبح أنا، وكأني مرآتها لاحقاً، وأنا فنان محترف، أمي ذات الحضور القوي اللافت في المجتمع …شخصية فائقة النشاط… مسكونة بفنون التصميم، والرسم، وعالم التجميل، وحتى فنون الطبخ العربية والعالمية، أبي وأمي نسجا قصة حب، وهوى بحرينية خالصة في نقلتهما الحضارية الاجتماعية الثقافية، حينما قدما للبحرين عروسين في نهاية الستينيات، حيث ولدت أنا طفلهما البكر سنة 1968 في مستشفى السلمانية في المنامة…. وبين العديد من أصدقاء والديّ من الجنسين …من البحرينيين، والعرب، والأجانب….نعم، من هذا التعدد، والتنوع الثقافي، ولدت، وعشت أنا طوال حياتي، كما أخي الوحيد تامر …حيث كنا، وكما كل الاطفال والمراهقين، كما الاسفنجة التي تمتص الكثير من حولها، ومن كل البلاد، والثقافات، التي عشناها وعايشناها …ولكن برعاية ديموقراطية واسعة الأفق، وإشراف يعتمد على النقاش، ومن المايسترو الأول، والعلَّامة بالصحة النفسية في حياتنا…والدنا…رحمه الله… والذي كان يؤمن أننا أولاد الحياة …قبل أن نكون أولاده.
الراقص الوحيد بينهن!
تجربتي المختلفة تلك، كراقص تعبيري في عرض مميز لفرقة رقص باليه، ورقص تعبيري …مشاركة في مهرجان دولي في أوائل التسعينيات في الأردن – عمّان…حيث قدمت مع هذه الفرقة عرضين (جماهيريين) كراقص تعبيري، تحت راية مهرجان جرش للثقافة والفنون، العرض كان من تصميم مدرب، ومصمم الرقص العراقي علي ياسر، بعد أكثر من شهرين من التدريبات اليومية المضنية القاسية استعداداً للعرض الراقص بدون حوارات وتمثيل… في هذا العرض شاركت به بقناعة، بدون أي أجر مادي…تحت عنوان، دعم هذا النوع من الفنون الثقافية العالمية …ومن خلال لوحتين رئيسيتين به قدمتهما حينها…
اللوحة الأولى من أوبرا (كارمن) للمؤلف الموسيقي الفرنسي (جورج بيزيت)، حيث قمت بها بأداء دور الجندي (دون جوس)، الذي يقع وتحت إغواء متقن في هوى، وعشق الغجرية اللعوب كارمن، والتي لعبت دورها أمامي حينها الراقصة الأردنية المحترفة (هيا قمحاوي)، حيث تقوم كارمن بإغواء هذا الجندي، ليقوم بتهريبها من السجن …ولتنقلب حياته رأساً على عقب، ولينتهي من جندي مطيع، إلى مطلوبٍ للقانون، وخارجٍ عن العدالة
أما اللوحة الثانية، فكانت رقصاً تعبيريا على مقطوعة موسيقية شهيرة، للفنان العالمي (بيتر غابرييل)، وبمشاركة راقصة أمريكية محترفة (أذكر اسمها الأول فقط وكان … سونيا) … بالإضافة إلى راقصات الفرقة من فتيات أردنيات، من معهد ومدرسة باليه المركز الثقافي الملكي ….، وبلوحة كبيرة، تتحرك بها جميع الراقصات …معي أنا الراقص الشاب الوحيد…بينهن.
ترحيب بارد وخجل
بعد انتهاء لوحة كارمن في العرض الأول، وعند تحيتي للجمهور أنا وشريكتي في اللوحة هيا قمحاوي…لاحظت أن الجمهور بالعموم احتفى بحرارة بهيا، عندما قامت بتحية الجمهور، لكن أنا على خجل وبرود واضحين غريبين …حتى مع كوني (نجماً) شهيراً معروفاً … (كما يقال).
لم يكتب أي خبر في الصحافة حينها عن (مشاركتي) هذه، حتى مع بعض التغطيات الصحفية لهذه الفعالية، كفعالية محلية مهمة مشاركة في مهرجان عالمي، كمهرجان جرش للثقافة والفنون حينها…. وأقصد هنا توقعي بتغطية الصحافة هكذا حدث…. لحداثة الفكرة من ناحية وجود راقصٍ شاب بالفرقة…بغض النظر من هو، وقبل كل شيء…بينما بنفس التوقيت ذاك، كانت لا تتوقف الصحف والمجلات الفنية، عن عرض أخبار عن أي من أعمالي حينها كفنان.
لماذا تعامل الجمهور معي هكذا؟
مدرب الرقص في هذا العرض الأستاذ علي ياسر…كان دقيقاً جداً، ومسكوناً بالكمال …سألته إذا كنت قد قدمت أداء سيئا بعد العرض الأول، حتى يستقبلني الجمهور بالعرض الأول بهذا الجفاء والبرود، وأنا أيضاً المسكون بالكمال …كان رده بالعكس تماماً …وتحديداً: كنت متوقعاً منك أداء جيداً فقط، ومن بعد البروفة الجنرال، ولكنك فاجأتني بأداء ورقصٍ عاليين في الإحساس والحرفية… وهذا أثر الخشبة والجمهور عادة، على من يقف على الخشبة… لا تأخذ على خاطرك بالاستقبال البارد من الجمهور اتجاهك بهذا الشكل… معلش عامر …الناس ليسوا متعودين، أن يروا شاباً أو رجلاً (صناعة محلية عربية) يرقص بفرقة رقص تعبيري، ليس الرقص الشعبي المتداول (الدبكة) أو حتى رقص البريك دانس الدارج حينها، أو حتى رقص الديسكو الأشهر…. وخاصة أنك شكلت صدمة لهم، كونك نجماً معروفاً …لكن لو نظرنا للجزء الممتلئ من الكأس …. أنت (مشكور) أنك أول من أشعل هذه الجذوة، كيف كنا سنعرض اللوحتين المذكورتين بالعرض، لو لم يكن فيهما شابٌ راقص، لتتكمل الحكاية في كل من اللوحتين…. وأتمنى كمدرب ومصمم رقص، أن تفتح مشاركتك هذه الباب لراقصين شباب أخرين، حتى تكتمل العروض، التي نقدمها بوجود الجنسين بها، كما هي العروض الراقصة المحترفة.
بصراحة.. كان كلام الأستاذ علي ياسر قد أثلج صدري، فنزل برداً وسلاماً على قلبي…ووصلت لقناعة بخصوص رد فعل الصحافة والجمهور، أن الموضوع ببساطة يتلخص بـ (صدمة اجتماعية) … واجهها هؤلاء، حينما شاهدوني (أرقص) على الخشبة أمامهم …وبإتقان أيضاً لم يسمح لأي منهم بالتهكم والسخرية على أدائي، وتمكني مما أقدمه.
وخسرت المسلسل البدوي بعدها!
لاحظت حينها بعد العرض هذا، وطوي صفحته، برود العديد من المنتجين والمخرجين معي، وانصراف بعضهم عن طلبي للعمل معهم في أعمالهم كممثل …حيث كنت مرشحاً لبطولة مسلسل بدويّ – مدنيّ ضخم حينها، شهد عدداً من اللقاءات والاجتماعات بيني، وبين المخرج، وشركة الإنتاج تلك، وبعد الاتفاق شبه المنتهي، لأن أقدم الدور، وحسب رغبتهم بذلك، طبعاً ذهب الدور لفنانٍ آخر! رفضت حينها أن أجلد نفسي مع كل ردود الفعل السلبية الظاهرة، أو المخفية منها من الكثير حولي، لمشاركتي في العرض الراقص، وختم بختم ال (كائن الفضائي الذي وقع بالصدفة هنا …من كوكب آخر)! ولكن، ومن المهم ذكره هنا أنه، وبمقابل التعاطي السلبي معي مع البعض …. كان هناك تعاطٍ إيجابي جداً…. دعم نفسي، وفني ومعنوي، غير مشروطين، من عدد من الأساتذة والمبدعين الذين أعتبرهم أبطالاً في تجربتي الفنية في تلك الفترة (ملائكتي الحارسة) …. حيث الاحتواء، والتشجيع، واستفزاز جذوة الفن والتفرد في داخلي…لتبقى متوهجة.
حتى التصوير قاطعني!
كنت أتحسر حينها كيف يركض التلفزيون الرسمي لتصوير الكثير من الفعاليات المحلية، والعربية، والأجنبية المشاركة في مهرجان جرش…..ولكن بالطبع لم يكن حاضراً لتصوير هذا العرض المحلي الخاص تلفزيونياً، وحتى للفرقة المحلية الوحيدة، التي تقدم هذا النوع من الفنون ……بالتالي بقيت تجربتي هذه، وبكل ما فيها ذكرى فقط…مدعومة فقط بتصوير فيديو سيئ الجودة وعلى نظام ال VHS الذي كان الدارج والمعروف حينها…تصوير تم فقط لتبادل أعضاء الفرق الشريط لمشاهدة العرض … كما يحدث في أي حفل زفاف، أو نشاط مدرسي، أو عائلي حينها! للأسف أبي وأمي وأخي كانوا في البحرين آنذاك …ولم يحضروا العرض شخصياً.
كنت ماكيير نفسي!
في لوحة كارمن، كنت أرتدي بما يحاكي بدلة عسكرية، تناسب شخصية الجندي في القصة ….مع حذاء عسكري، لكن له كعب …وذلك لأجل الضرب أحياناً ببعض الحركات التي تحاكي رقص الفلامنكو الشهير، وعلى أرض المسرح، وبكعب الحذاء هذا أثناء تقديمي لهذا الدور…بينما في اللوحة الثانية ..كنت أرتدي ما يسمى بل (Leotard trouser) بلون اسود لامع كبنطلون …وكما يرتدي راقصو هذا النوع من العروض، وكما يرتدي بالطبع راقصي الباليه من الذكور …بينما في الجزء العلوي من ملابسي، وباللوحة الثانية هذه، كنت أرتدي قطعة أشبه بجاكيت قصير ضيق …. باللون الأحمر والأسود…كان وجهي بماكياج شيطاني، حسب روح اللوحة، وموسيقاها المذكورة (ماكياج نفذته بنفسي على وجهي، وكما طلب مصمم ومدرب العرض علي ياسر لضمان انسجام شكلي في اللوحة، مع شخصيتي كشيطان بها)، بينما شعري كان مشدوداً للخلف بِالجِل ….كنت بهذه اللوحة أشبه براقص في عرض عالمي ….لكن شكلي تحديداً باللوحة الثانية هذه، وبالبنطلون الضيق اللامع الذي كنت أرتديه، كان يحصدان بتعابير أشبه (بهلع) طريف على وجوه الكثير …سواء من غالب الجمهور الحاضر، أو العاملين من فنيين بالمسرح مكان العرض حينها…وهذا ما كان يثير ابتسامتي، وإصراري على المضي، بما أقوم به كفنان بالعموم، وعلاقتي مع مكوناتي كلها، والأهم راحتي في جسدي، ومع نفسي …مؤمناً أنه لا بد أن يأتي التغيير يوماً ما، بقبول هذا النوع من الفنون العصرية، طالما القبح ليس عنوانها، أي قبول هذه الحالة من الجمال والاحتفاء بها (فنون الرقص التعبيري للجنسين)…هذا الرقص المغاير عن الرقص الشعبي، والفولكلوري الجميلين أيضاً …لكن ليسا الوحيدين الموجودين فقط.
بماذا أفادني الرقص التعبيري؟
بعد سنوات …في منتصف الألفية، أي بعد مرور زمنٍ طويلٍ على هذا العرض الراقص الذي شاركت به كراقص …حضرت عرضاً لهذه الفرقة نفسها…. ومن خلال مدربتها، والمسؤولة عنها الآن السيدة المبدعة (رانية القمحاوي) …حيث كان هناك 4 شباب يرقصون بشكل جميل، وحِرْفِيَّة مع عضوات الفرقة من البنات، من الجيل الجديد الجميل … يتقدمهن راقصٌ بارعٌ جداً … هو الفنان الأردني- والراقص التعبيري المتألق أديب الدرهلي، وأيضاً الفنان العراقي المتألق بشار كاظم، وعلى أغنية (أنت عمري) لأم كلثوم …وبعرض مبهر ومتقن، ابتسمت حينها، وأنا في نفس المسرح، والقاعة التي قدمت أنا يوماً ما عليها اللوحتين الراقصتين المذكورتين، ونظرات الاستهجان والبرود باستقبالي بهذه المشاركة حينها….كنت فرحاً وسعيداً، بأنني لم أقف عند ذلك القيد الخانق لي كفنان، محددٍ بما يريد ويتوقع الإعلام، والجمهور مني! تجربتي هذه في عالم الرقص التعبيري، وكذلك الاستعراض والأداء الجسدي المدروس في بعض الأدوار المسرحية التي قدمتها، جعلتني أعيش الإحساس بالموسيقى بشكل مختلف حين سماعها… وحتى فيما أغنيه كمغنٍ… وخاصة بتجربتي في غناء الموسيقى التصويرية لبعض المسلسلات العربية الشهيرة، ومع الموسيقار الأردني المتميز (طارق الناصر) وكما في غنائي الصولو في المسلسل الشهير (الجوارح) للمخرج السوري القدير (نجدت أنزور) أو حتى في إشارة المسلسل الكوميدي (يوميات مدير عام) للمخرج السوري القدير (هشام شربتجي)…كنت أسجل صوتي بالإستديو، وجسدي كله يتحرك مع الموسيقى …وأذكر أن عدد مرات الإعادة في التسجيل في الإستديو كانت شبه معدومة، كنت أشعر أن صوتي كان يخرج من جسدي كله، وليس من صدري، أو رأسي فقط.
أيضاً ساعدتني تجربتي في الولوج إلى عالم الرقص التعبيري، في إضفاء خصوصية مختلفة على الأغنيات التي قمت بإخراجها كفيديو كليب، بعد أن بدأت الانطلاق بعالم الاخراج في عالم المنوعات، والوثائقيات لاحقاً بعد سنوات، حيث في الأغاني المصورة التي كان يتطلب السيناريو الخاص بها تواجد للرقص، والذي كان غالباً (رقصاً تعبيرياً) حسب رغبتي كمخرج …. كنت في هذه الأعمال ذات الفرجة المرئية، إما أن أقوم بنفسي بتصميم الرقصة في الأغنية المقصودة، وتدريب الراقصين عليها ….أو كنت أوجه مصمم الرقص الذي يعمل معي في الأغنية، كما أريد تماماً من الرقص بأن يكون في الأغنية المعنية هذه، بالإضافة إلى حرصي على تصميمي لملابس الراقصين، لمعرفتي بأهمية ذلك سواء لتوفير الراحة لهم بالرقص من خلال الملابس، التي يرتدونها بالأغنية…أو لأجل الشخصية الفنية النهائية التي ستظهر بها الأغنية المصورة هذه ككل… يحضرني هنا بعضاً من هذه الأعمال …فيديو كليب (أحب الليل) للقدير العلامة الفنان البحريني (خالد الشيخ) …وأيضا فيديو كليب (ليل الهوى) للمتفرد بحضوره الفني الفنان الاماراتي (عبدالله بالخير).
خطأ أصابني بالشلل!
تجربتي بالرقص التعبيري يوماً ما، مكنتني من فهم تكنيك الثبات بالجسد، والتوزان، ولغة الجسد بالعموم في يومياتي الطبيعية … حيث إنني قطفت هذا فعلاً لاحقاً! فبعد حادثة إصابتي الطبية الشهيرة، وتعرضي لخطأ طبي نتيجة عملية ديسك فاشلة في ظهري سنة 2011، في إحدى المستشفيات الشهيرة الخاصة بالبحرين، حيث أودى بي هذا الخطأ إلى الشلل النصفي مدة سنة، ولأصبح الآن، وبعد مروري بعدة علاجات طويلة، وأدوية ليس لها آخر (لم تنجح كلها فعلياً في شفائي التام) تركتني حاملاً إصابتي كرفيقة عمري للممات، وبوزن ضخم …بدأت حينها النبش عن علاقتي بجسدي، ولغته بشكل عميق، ومع هذا الظرف المعقد الذي أعيشه….طورت قابليتي مع ما هو ممكن من العلاجات الجسدية، لأن أصل لشكل وحضور خاصين بي، حينما أخرج خارج البيت، أو حين ذهابي الى العمل …شكلاً وحضوراً، يحققان لي الأمان حتى لا أقع أرضاً قبل كل شيء ….حضوراً يحاكي بطرافته، حضور الفنان البديع (شارلي شابلن) بعصاه الشهيرة، نعم ….عامر الخفش المسرحي، والراقص التعبيري، وشرارة النشاط…. يتحرك الآن غالباً مع عصاه الشهيرة المرافقة له حين خروجه خارج المنزل، ومع عصا أصبحت رفيقة عمري مع إصابتي الطويلة والمستمرة هذه …. عصا ألعب معها حالياً بعد سنوات من الإصابة الدائمة هذه، وبين حين، وآخر لعبة (معكِ غالباً لكن بدونِك أحياناً) …نعم! هكذا هي الحياة برأيي أعزائي …يوم لك، ويوم معك!
نعي واستهجان!
لاستكمال سخرية الوقائع بحياتي بمجملها …ومحدودية البشر، ولمعنى آخر فج، وسلبي للسوشيال ميديا، والتنمر …. حيث أذكر أنني تأثرت جداً وقت وفاة الفنان المصري – مصمم الرقص البديع (محمود رضا) في العاشر من يوليو 2020…. نعيته على صفحاتي المحدودة على السوشيال ميديا بالصورة، وبنعي يليق به، وبتقديري وحبي واحترامي الشديدين لتجربته المميزة مع فرقته (فرقة رضا) الشهيرة…. لا زالت أذكر ذاك التعليق على الفيس بوك تحديداً، وطبعاً من حساب من تلك الحسابات التي تحمل أسماء، مثل (الفارس المغوار) – (نجم سهيل) – (محرر المظاليم) – (كحل الليل) أو (تباشير الأمل) …. الخ حينما كتب، أو كتبت تحت النعي وصورة المرحوم الأستاذ محمود رضا التالي: إلى نار جهنم إن شاء الله، وأنت من بعده! أنتم وأمثالكم من علَّم شبابنا وبناتنا الرقص والخلاعة … أتنعي من أفسد المجتمع؟! ليس بالغريب عليك، وأنت كنت السباق بهذا!
قلت لنفسي حينها مبتسماً: يا سلام …. لابد أن (صاحب أو صاحبة التعليق هذا) من جيلي …لا أستبعد أنه كان، أو كانت من الحاضرين لعرضي الراقص ذاك …يوماً ما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
★مؤلف ومخرج – البحريــن