شهد إبراهيم: في “العيال فهمت” إرث السلطة الأبوية، وإعادة إنتاج نفسها.
شهد إبراهيم ★
في “العيال فهمت” إرث السلطة الأبوية، وإعادة إنتاج نفسها.
ما نزرعه في نفوس أبنائنا اليوم، نحصد ثماره غداً، فمن نشأ تحت ظل سلطة قاسية، غالباً ما يجد نفسه ـ دون وعي ـ يعيد تكرارها مع أبنائه، معتقداً أنها السبيل الوحيد للتربية، فيتحول هو الآخر إلى المتحكم الرئيسي، ويساهم في تهميشهم تماماً، كما تم تهميشه مسبقاً، فتستمر تلك الحلقة الصغيرة، حلقة القمع.
يقول إحسان عبد القدوس: “الخطيئة لا تُولد معنا؛ ولكن المجتمع يدفعنا إليها” .
على هذه الخلفية يمكن النظرإلى “العيال فهمت” ، وهي مسرحية موسيقية استعراضية، مستوحاة من الفيلم العالمي “صوت الموسيقى” قدَّمتها فرقة المسرح الكوميدي، تأليف كلٍّ من (طارق علي ـ أحمد الملواني)، وإخراج (شادي سرور) إنتاج البيت الفني للمسرح.
في الحقيقة القصة قُدِّمت بأشكال متعددة، سواء في السينما، أو المسرح، فالجدير بالذكر أن استعراض بعض الأعمال المشابهة التي تعكس الديناميكيات المعقدة بين السلطة والعلاقات الأسرية، فنجد من تلك الأعمال (نص رحلة يوم طويل إلى الليل ـ موسيقى الحي الشرقي ـ العيال كبرت ـ اِمبراطورية ميم) وغيرها من الأمثلة، ولكن بينما تتفق الرؤى، تختلف الطرائق.
وتدور الأحداث حول “عاصم” وهو رب الأسرة، والذي عانى قديماً من قمع والده له، الغائب عن أعيننا، الحاضر بتأثيره على تكوين شخصية “عاصم” حيث دَفن حلمه في أن يصبح ممثلاً، مفضلاً أن يكون طياراً، وتزوج “عاصم” من امرأة تُدعى “معاذ”، فارقت الحياة مبكراً، وتركت له ثمانية أطفال ، ليكون مسؤولاً عن تربيتهم، ولكن..هل يمكنه تجاوز تأثيرات سلطة أبيه، وعقد الماضي دون أن يعيد تكرارها مع أبنائه؟!
يقوم رامي الطمباري “عاصم” بتحويل أبنائه إلى كتيبة، وكأنهم جيشٌ، وهو قائدهم، وكان له جدية وصرامة في الأداء اِستطاع بحرفية ان يُخرج منها جانباً كوميدياً مضحكاً، ويستعين عاصم بـ عبد المنعم رياض “زكريا”؛ ليساعده في تربية الأبناء نظراً لما بينهما من صلة قرابة بعيدة، وقد كان عبد المنعم لديه قدرة على التلوين في الأداء، بين الجد والهزل، وعفويته في الأداء، وكأن الحوار لم يستند إلى نص مسبق، أما رنا سماحة “نغم” فكان لها أداء صوتي ممتاز، وخفة حركة على المسرح، ولكنها ما زالت تحتاج إلى محاولة في إحكام أدائها التمثيلي، ولن ننسى الحديث عن الأبناء وهم (أيبك ـ شوكت ـ قسمت ـ جودت ـ عصمت ـ همت ـ نعمت ـ معاذ) فقد تميز كلٌ منهم في دوره بطاقة مبهجة، ولكن بالنظر لدور “الجار” فعلى الرغم من أن لوجوده مفارقات كوميدية، إلا أن عدم وجوده لم يكن ليُحدث لنا خللاً بالبناء الدرامي الخاص بالعرض.
والمسرحية تعتمد على كوميديا الموقف لا “الإفيهات”، فمؤخراً أصبحت الكوميديا تتوارى خلف فن الاستظراف، فيقوم صُنَّاعها بالخلط بين الكوميديا ومعناها العميق، وبين الاستظراف، “فالموت سهل، والكوميديا صعبة” كما قال الممثل العالمي (إدموند جوين)، فهي تحتاج حرفية للإضحاك، والتي نراها في العرض بوضوح، ووعي كبير من صُنَّاعه، فلم تُقدم تيمة المسرحية بنصائح ووعظ، وإنما بدلالات تُعبر عن هذا بتضافر جميع عناصر العرض.
الديكور
وكان الديكور لـ (حمدي عطية) عبارة عن منظرين، المنظر الأول وهو منزل الطيار “عاصم” والذي نجد فيه دلالات طوال الوقت على سيطرته، فقد علق على الجدار لوحتين لرسمة طائرة، وخريطة العالم، كما نجد في المقدمة بوابة إلكترونية، والتي تُعبر عن الحزم والشدة، التي يتبعها الأب مع الأبناء، أما المنظر الثاني والذي يظهر في نهاية العرض، وهو خشبة مسرح يُعرض عليها المسابقة، وقد تم توظيف الديكور بشكل بسيط، ونجد هذا في الساعات الأربع المعلقة فوق باب المطبخ، ليدل بها على أهمية الوقت واحترامه عند الأب، وبرز الديكور بأفضل شكل نتيجة لتداخله مع باقي عناصر العرض.
الإضاءة
فنجد الأضاءة لـ (محمود الحسيني)، تسقط بشكل بؤر ضوئية على صورة الطائرة المعلقة على الحائط، والتي تنقلب إلى صورته، في صراعه مع نفسه بعد تمرد أبنائه عليه، فتسقط إضاءة على صورته تشبه قضبان السجن، كذلك مشهد (نغم) وهي تجلس على مقعد الأم، وانها أصبحت الأن تحمل مسؤولية كبيرة تجاه الأبناء، فحققت الإضاءة بعض اللحظات الدرامية، وكانت مبهجة في الاستعراضات.
الملابس
أما الملابس فهي عنصر أخر يعبر عن السيطرة والهيمنة بشكل مرئي، فنجد الأبناء يرتدون أثناء وجود الأب ملابس مضيفي الطائرات، وحتى “زكريا” نجده يرتدي قميصاً وبنطلوناً كلاسيكياً، وفي حالة عدم وجوده، يرتدي الأبناء ملابس تشبه شخصية كل فرد، فبذلك قام بتطويع العنصر بشكل مناسب لإبراز فكرة السيطرة والحكم، ويُذكر أن الملابس لـ (شيماء محمود).
موسيقى واستعراضات
ولم تأتِ الاستعراضات والأغاني كمقاطع منفصلة؛ بل كانت تتكامل مع الأحداث والشخصيات، وكانت مُصمَّمَةً بشكل مبهج ومنضبط، وكان تصميم الاستعراضات لـ (دارين وائل).
أما عن الموسيقى، فكانت مناسبة للموقف الغنائي بالإضافة إلى إثقال كل شخصية بآلة مختلفة في اللحن الموسيقي تعبر عن شخصيتها، فنجد البنت التي تريد أن تصبح مصمِّمة أزياء تؤدي بألحان رقيقة، وآلات وترية ناعمة؛ تشبه ما تود أن تكون، على النقيض نرى “أيبك” وهو الذي يريد أن يصبح مُغني راب، نجده يتغنى ومعه موسيقى بها آلات إيقاع، ونفخ كثيرة، بالإضافة إلى أغنية النهاية التي تضمنت مؤثرات صوتية مثل التصفيق والطَرْق بالقدم، وهذا ليس اعتباطاً؛ بل إن أنواع الموسيقى الجماعية في المسابقات عادة ما تتضمن ذلك، وبالتدقيق في تلك التفاصيل الصغيرة من قِبَل (أحمد الناصر) جعلت موسيقى العرض مناسبة للأحداث، وبناء العرض، الذي ينتهي بأغنية معلِنة عن ولادة جيل جديد قادرٍ على التعبير عن أحلامه، يستطيع كسر حلقة القمع المستمرة.
★ طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.