سينمامشاركات شبابية

أسماء طارق: هل كسر pathaan أفق التوقعات؟

أسماء طارق

ربما لم تحظ السينما الهندية بمكانة كبيرة لدينا في مصر إلا لوجود نجومنا المفضلة، فكنت أنا واحدة من هؤلاء الذين انجذبوا للسينما الهندية، بسبب ممثل هندي أصبح من المفضلين لدي، وهو من دفعني للانغماس في مشاهدة أعماله السينمائية خاصةً، وباقِيْ الأعمال بشكل عام، وهو الممثل المبدع المخلص لحرفته SHAH ROUKH KHAN والذي ينطلق إلينا بأحدث أعماله السينمائية لعامنا هذا2023وهو فيلم: PATHAAN

شاروخان لم يسلم منها؟!

بعد آخر فيلم قام به منذ عام 2018 فيلم ZERO، من ضمن الأسباب التي أدت إلى توقف شاروخان عن الظهور، كانت جائحة كورونا التي لم يسلم منها مما أدى لأصابته بالفيروس، بعدها بدأت الإعلانات التشويقية لفيلمه القادم باثان، وقد أثار هذا الخبر سعادة وحماس جميع محبيه، هذا الفيلم من بطولة النجمة DEEPIKA PADUKON والنجم JOHN ABRAHAM، وإخراجSIDDHARTH ANANAD، وعلى الرغم من الصورة النمطية المأخوذة عن السينما الهندية، بخصوص الأداء المبالغ فيه غير العقلاني، والنمط المتكرر في الثيمات، والنهايات السعيدة، وانتصار قيم الخير على الشر، إلا أنه ينبغي البحث والمتابعة للأعمال المختلفة، لأننا بالتأكيد سنجد مجموعة من الأعمال التي تكسر القاعدة، وتغير مفهومنا عن السينما الهندية، سواء من خلال الأداء، أو التيمة، أو الإخراج، أو النهاية، بالطبع لا تخلو الأفلام الهندية من  الغناء، والرقص الاستعراضي، الذي يفصل بين المَشَاهد، وقلما استغنى الفيلم عن الغناء والرقص، حيث يتميز الغناء والرقص بالطابع التراثي.

 واجه هذا الفيلم العديد من الآراء المختلفة المنقسمة، ممزوجة بطابع النقد، حتى ولو كان ممثلنا المفضل، وطابع الانحياز النابع عن الأهواء، وحب شاروخان، لذلك سنعرض تلك الانتقادات وأسبابها، ونحاول إعطاء إجابة لسؤالنا المطروح في البداية، مع عرض ملخص للأحداث.

بوليود بنكهة هوليودية

من أهم العناصر التي وجدت في ساحة الإبداع الفني، عنصر الإعلان الدعائي، أو كما هو شائع بالإنجليزية بمصطلح “trailer” وهو عبارة عن إعلان قصير به مقاطع، أو مشاهد من الفيلم، هذه المشاهد يتم اختيارها بعناية، وليست بشكل عشوائي، فيجب أن تتميز بالغموض، والإثارة، والتشويق، كي تجعل الجمهور في حماس، وانتظار لمعرفة الأحداث، وكانت من ضمن المشاهد المروجة، مشاهد الأكشن والأغنية، التي تجمع بين شاروخان وديبكا، من هنا تفجرت الآراء النقدية حول الفيلم بشكل مبدئي، وكان السبب هو الانسلاخ عن الهوية التراثية المعروفة عن الرقص الهندي، فمعظم الرقصات التي تؤدى في الأفلام، تتميز بالزي الهندي المشهور لدى الممثلات، وهو الساري الهندي، ويعتبر ساتراً للجسد بأكمله، فهناك الساري غير الكاشف تماماً للجسد، وهناك شكلٌ آخر يظهر منه الخصر فقط، بالإضافة للحركات الخاصة بهم، التي تخلو من الإيماءات التي توحي بغواية الرجل، فنجد طابع الأغنية، والحركات الراقصة في الفيلم، تشبه الطابع الهوليودي، وقد انجرفت الأفلام الهندية في الآونة الأخيرة، للتطبع ببعض سمات الغرب في فنهم، حيث تؤدي ديبكا حركات هوليودية، أي بها إيماءات توحي بغواية شاروخان من أجل خداعة، ثم نجد أن الرقصة نفسها التي تجمع بين شاروخان وديبكا بها حركات لا تتناسب مع الهوية البوليودية، ولكنها مستوحاة من الغرب، خاصة أن نوعية هذه الأغاني الاستعراضية غير معتادة في أعمال شاروخان، وبالطبع هناك العديد من الجمهور، وخاصة المصري كان معترضاً على الأغنية واعتبرها إسفافاً، ومحاولة لتقليد الغرب، وتم رصد ذلك من خلال تعليقات الجمهور على إعلان الفيلم في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن هناك البعض الآخر، يرى أنه لا بأس في ذلك، وهذا الأمر لم يؤثر على حماس، واستعداد الجمهور لمشاهدة الفيلم.

تدور أحداث الفيلم عن باثان وجيم العميلان السريان لدى الهند، ولكن جيم لم يعد عميلاً لدى الهند، بل أصبح خطراً كبيراً يهدد الهند بأكملها، وأصبح ضد المنظمة السرية الخاصة به لينتقم منهم، ومهمة شاروخان في الفيلم هو اللحاق بجيم كي يقطع عليه جميع فرص تدمير وطنه، بعد أن أصبح عميلاً لباكستان، والتي يوجد عداء بينها وبين الهند، وتظهر ديبكا في شخصية “روبي” في الفيلم، لنكتشف أنها عميلة سرية أيضاً لدى باكستان، يستخدمها جيم “جون أبراهام” لخداع باثان في البداية، ثم تنقلب الموازين بعد اكتشاف شاروخان لخداعها، و في إطار يسوده العديد من مشاهد الأكشن، نكتشف سبب انقلاب جيم عليهم، ورغبته في الانتقام،  وصولاً إلى محاولة تدميره للهند من خلال لقاح الجدري، الذي أعاد تدويره ليصبح هو نفسه فيروس الجدري، ومن هنا تنقلب الموازين أيضاً سواء لشخصية روبي وللدكتورة  نانديني الممثلة DIMPLE KAPADI وفريقها في المعمل بعد أن تمكن جيم من تنفيذ خطته عليهم أولاً، ويستمر باثان في اللحاق بجيم إلى أن يتمكن باثان من تعطيل القنبلة المحملة بالفيروس، ومن ثم قتل جيم، أي انتصر الخير على الشر، هناك العديد من المشاهد التي تبرز أيضاً تأثر سينما بوليود، بسينما هوليود منها مشاهد الأكشن، التي دارت بين جيم، وباثان، وروبينا، ورجال جيم، بالإضافة لاستخدامات الدراجات النارية.

هل خيب الفيلم آمالنا؟

في حقيقة الأمر كان أمراً متوقعاً بنسبة كبيرة، أن نرى العديد من المشاهد، التي تتسم بالطابع البوليودي المبالغ فيه، وغير العقلاني بالنسبة للجمهور، والذي سبق ورأيناه في العديد من الأفلام، قصة وحبكة الفيلم أيضاً، لم يكن بهما أي تجديد، بل تتشابه تيمته مع ثيمات، تم تقديمها من قبل، في أفلام تتناول فكرة الجاسوسية، والعملاء الضد، والقضية بين الهند وباكستان، كل ما في الأمر، هو تغيير طاقم العمل، وإضافة عنصر خطر مختلف، ألا وهو فيروس الجدري، على الرغم من أن فكرة نشر فيروس للانتقام، تم تقديمها في فيلم هندي للممثل هيريتك روشان في فيلم “كريش”، ولكن كانت قصة بعيدة عن الجاسوسية، وهذا التوقع كان من بداية نزول الإعلان الدعائي، الذي ظهرت فيه مشاهد الأكشن المتعارف عليها مثل: ضرب البطل من عدة رجال، وفي لحظة غامضة، ينطلق البطل ليقضي عليهم جميعاً، ومشهد الضرب على القطار أثناء السير، والقفز من عربة لعربة، وهذا يُدعي المشاهد الكليشيه، لذلك ذكرت في المقدمة أهمية عنصر الإعلان الدعائي، الذي يعطي لنا انطباعاً مبدئياً عما سنشاهده، ومع أحداث الفيلم نتمكن أيضاً من توقع النهاية النمطية، وهي انتصار الخير على الشر، وإنقاذ الوطن، ولكن النقطة الفارقة هنا تتمحور حول تساؤل يترك للجمهور للإجابة عليه، وهو.. هل كان جيم لديه حق الانتقام بتلك الوسيلة، وتدمير الهند كلها؟ أم كان يكتفي بالانتقام من جماعته فقط؟

وهل وُفِقَ المخرج في جعل النهاية، هي النصر للوطن، أم كان يستحق التدمير؟ هل هو فيلم نمطي؟

من المعروف عن مفهوم النسق المضمر في نظرية النقد الثقافي، أنه يختص بالنصوص المسرحية، التي يختلف ظاهرها عن باطنها، كذلك هو الأمر بالنسبة للفيلم، قد يبدو الفيلم لنا أنه نمطي، وشاهدنا قصته في أفلامٍ كثيرة، ولكن من الظاهر أن هناك رسالة بعينها ترغب السينما الهندية في إرسالها وترسيخها، وهي القضية التي لازالت بين الهند وباكستان، بسبب أحقية إقليم كشمير المتنازع عليه بينهما، تلك القضية هي محور العديد من الأفلام الهندية، والنهاية تكون دائماً مقصودة، وهذا ما أكده لي فيلم باثان، ووضع المسلمين الباكستانيين في خانة الإرهاب دائماً، ولم يكسر هذا الحاجز إلا فيلمان فقط فيلم بطولة شاروخان هم “MY NAME IS khan”عام 2010 وتناقش قصته أحداث 11سبتمبر حيث الهجوم الإرهابي على أمريكا، والذي انقلب الأمر بعدها، وأصبح العرب المسلمون في نظر الأمريكان جمعيهم إرهابيين، ولكن كان هذا الفيلم دفاعاً عن المسلمين، والفيلم الثاني للممثل سلمان خان عام 2015 BAJRANGI BHAIJAAN الذي ناقش هو أيضاً قضية الهند وباكستان بشكل صريح، ولكن بهدف الدعوة للصلح، وعدم اضطهاد كلٍ  منهما للآخر، أو التحقير من شأن بعضهم البعض، ولكن فيلم باثان تبني الفكر السائد عن المسلمين، وبخاصة الباكستانيين، والتي أساسها قضية كشمير بين الهند وباكستان، التي لازالت قائمة بلا حل حتى اليوم، مما أدى لحدوث كثير من النزاعات،  بين الهند وباكستان، أصبحت القضية هي التيمة المحورية في العديد من الأفلام، التي تقتصر نهايتها على النصر لدولة الهند على باكستان الإرهابية، من وجهة نظرهم

 والجدير بالذكر ظهور الممثل سلمان خان كضيف شرف في الفيلم في وسط ونهاية الفيلم بشخصية تايجر، الذي قام بها في فيلمه” ek tha tiger” والذي تتشابه قصته مع فيلم باثان، فيما يخص الجاسوسية والعملاء الضد، وفي المشهد الأخير بين سلمان وشاروخان نستشف رسالة أخرى من خلال الحوار، الذي دار بينهما، حول استحالة تركهم الدفاع عن وطنهم، وأن الوطن دائماً في احتياج لهم، لذا سيستكملون عملهم، أي ليس هناك أي فرصة لتخلي الهند عن قضيتها.

هل يشفع حب شاروخان؟

تتضح الإجابة بالطبع على سؤال البداية، لقد تمسكت بالأمل بعد مشاهدة الإعلان الترويجي، كي يتم كسر أفق توقعاتي ولكن وبكل أسف، لم يكسر الفيلم أفق توقعاتي، بل التحم مع ما ترسخ في أرشيفي الذهني للسينما الهندية، رغم أداء كلٍ من شاروخان يليه جون، تليه ديبكا في بعض المشاهد الدرامية الخالية من المبالغة، بالإضافة أن شاروخان أثبت بجدارة قدرته الفائقة على التلون الفني، فالمعروف عن معظم أفلام شاروخان أنها تتميز بالطابع الرومانسي، وهذا هو سبب حب الجمهور له، حتى أنهم أطلقوا عليه لقب “ملك الرومانسية” فهو يمتلك قوة أداء تضعه في خانة مميزة عن غيره، أداؤه خالٍ من المبالغة، وتمتزج فيه الفكاهة، والدراما، والجدية، والشر، والرومانسية، وكل ذلك بحرفية عالية، كذلك يذكر ذلك لأداء كلٍ من جون أبراهام، وديبكا بادكون في مشاهدهما الدرامية خاصة، بالإضافة أن المخرج كان موفقاً في اختيار طاقم العمل، حيث تجمع علاقة انسجام بين الممثلين الثلاثة، خاصة أن كلاً منهم مثل مع الآخر في أفلامٍ سابقة، كما يجدر بالذكر أن لقطات افتتاحية الفيلم، تمثل عنصراً مهماً في تحميس المتفرج، وإثارة انتباهه، فقد وفق المخرج في لقطات ظهور كلٍ من شاروخان، وأبراهام بالخصوص من خلال لقطات قريبة، ثم الكادر الكامل، لتقديم كلٍ منهما، والتركيز على تفاصيل بعينها، تعطي انطباعاً عن الشخصية.

 قد يشفع حب الجمهور لشاروخان عن فقدان الأمل، ولكن لن يشفع النقد الفني على أمل أن تعوضنا السينما الهندية، بعمل سينمائي يكسر أفق التوقعات، وعلى أمل أن يتأنى شاروخان والفنانون ذوي الثقل في اختيار الأعمال، وبالطبع المؤلفون والمخرجون، فهم من يحملون على عاتقهم العبء الأكبر، هذه التجربة تصلح لترفيه العقل فقط، وليست تجربة تضيف لأرشيفنا الذهني عملاً مختلفاً، ينطلق بنا إلى أفكار، ومشاعر جديدة.

ـــــــــــــــــــــــــ

كاتبة ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى