بحوث ودراساترواية

هايل المذابي: المقاومة الثقافية وصناعة الوعي المناهض للتمييز العنصري

رواية "طعم أسود.. رائحة سوداء" نموذجاً

 هايل علي المذابي★

عند التفكير في الظلم التاريخي الذي لحق بالعرق الأسود، يذهب الذهن إلى الزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية، في حقبة سابقة، وإلى ضحايا نظام الفصل العنصري البائد في جنوب إفريقيا.

إلا أن كثيراً من الناس قد يفاجؤون عند قراءة رواية الكاتب اليمني علي المقري “طعم أسود.. رائحة سوداء” حين يكتشفون أن ثمة واقعاً مشابهاً، وربما كان أشد مما عرفه هذان البلدان، كان يجري لزمن طويل في بلد عربي، وبشكل رهيب من الظلم، والجهل، والأنانية، ومن الإجرام أحياناً.

رواية علي المقري التي جاءت في 119 صفحة متوسطة القطع، وصدرت عن “دار الساقي” في بيروت، رواية مؤثرة، وجارحة تنقلنا إلى عالم الطبقات المغلقة و” المنبوذين” في الهند، وتنقلنا إلى حي “باريو مالقه” حارة المهمشين في المغرب، وتنقلنا إلى معاناة فئة “البدون” المهمشة في الكويت، وتنقلنا إلى العوالم المهمشة المرمز لها بـ (07) في جنوب المملكة العربية السعودية.

 وأرهب ما في هذا التمييز، الذي ترسم الرواية عالمه المزري، أنه متغلغل في عمق الذات الشعبية، وأنه شكل على مر التاريخ مفاهيم ومعتقدات، اعتبرت لدى كثير من الناس حقائق، بل مسلمات، أسوارها الأفكار المسبقة، والحقد، فضلاً عن مصالح مادية للطبقات، أو الجماعات التي تستغل شقاء الآخرين، وترسخ تعاستهم باسم الدين، أو باسم الوطن.

وحول كل ذلك حياة المظلومين إلى استسلام، إلى “قدرية”، تجعلهم يذوون ويسيرون في طريق الموت، على الرغم من انغماسهم في لذات على رأسها الإغراق في طقوس جنسية، بدت كأنها الوسيلة الوحيدة للتعويض، ولجعلهم يشعرون بالحياة.

أما المعاملة القاسية ضد فئة المهمشين، فيتم سحبها من هذا المربع دائماً، وتعميمها على جميع مربعات الفئات المحكومة باللون الأسود، ويمكن رؤيتها بوضوح في التعاملات مع اللاجئين الأفارقة في اليمن، والمولدين أيضاً، فتعبير “خادم” يتم تعميمه بكل ما يمكن أن يحمله من صفات، أطلقت أولاً على مجتمع المهمشين “الأخدام”، وكل ما يروى عنهم، إلى فضاء كل من لونه أسود، حتى ولو كان من خارج هذه الدائرة، وخارج هذا المحيط، محيط شريحة “الأخدام”، ونجد وصفاً لهذه المعاملة الذائعة الصيت، للاجئين الأفارقة في اليمن، والمولدين على حد سواء، في رواية هايل علي المذابي “مهاجرون بلامنأى” في موضع يقول: “في معظم الأحيان لا يمكن أن تتعدى كرامة الإفريقي في المجتمع اليمني أكثر من حصوله على مهنة ماسح زجاج للسيارات، أو العمل في شركات التنظيف، التي تتعاقد معها الهيئات، والمؤسسات، والشركات الكبرى.

 أما المولدون، فخياطون في معمل كبير في بدروم (قبو)، يتم دفنهم للعمل فيه حتى آخر رمق في حياتهم، إنهم كمن يحتمي بالبنى السفلية ساعات القصف أوقات الحروب، حتى لا يتأذى من الاشعاعات النووية التي تتوافق هنا، مع منهجية التخلف في العادات، والتقاليد، والعنصرية، والتعصب، وتعاملاتها التي تتسم بها الطبقات الدنيا في معظم المجتمعات العربية.

ولطالما كانت هذه الأنواع من المعاملات مسوغات كافية لنشوء، وتكوين عصابات، وسماسرة في مصلحة الهجرة والجوازات، والأحوال المدنية، تتكسب مبالغَ عظيمة من هؤلاء اللاجئين، حين يستخرج لهم هويات تثبت انتماءهم وجنسيتهم اليمنية، لإنقاذ كرامتهم من العنصرية الاجتماعية، والارتقاء بمستواهم الاجتماعي، للحصول على مكانة أفضل، في الوظائف والمعاملة”(1).

هذه الرواية عن المهمشين ازدهرت في المنطقة العربية في السنوات العشر الماضية، حين كشفت التحركات الشعبية في العديد من الدول العربية عن الشرائح الفقيرة، والعاطلة عن العمل، والفئات المنبوذة في مجتمعاتها، وعن شرائح كانت تعاني التمييز، في بعض المجتمعات العربية، وتلك الفئات المعارضة المثقفة التي كانت تنحاز للمعارضة في وجه الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية، كما كشفت عن شرائح تعاني التّمييز العُنصُريّ، والتهميش بسبب اللون، كما أن مشهد العشوائيات،  وسكان المقابر في كل بلد عربي، يؤكد وجود المهمشين، ناهيك عن ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يتعرضون للتهميش منذ 76 سنة، ومنذ أكثر من عشر سنوات، ملايين اللاجئين من أكثر من دولة عربية، ليشكلوا شريحة ضخمة يفوق عدد سكانها عدد سكان بعض الدول، ما يؤكد اتساع رقعة التهميش، والمهمشين في العالم العربي.

تماما كما يكتشف الكاتب اليمني أحمد زين الشيء ذاته في روايته “حرب تحت الجلد” حين يحكي قصة صحفي يمني، يعتزم كتابة تقرير استقصائي عن المهمشين السود في صنعاء، لصالح مجلة أجنبية، ليكتشف تهميشاً واسعاً لفئات مختلفة من الشعب.

والرواية العربية بالفعل قد تطرقت للمهمشين منذ زمن، من خلال المغربي محمد شكري، ونجيب محفوظ، ومحمد البسطامي، وصنع الله إبراهيم وإبراهيم أصلان من مصر، وإميل حبيبي وغسان كنفاني من فلسطين، إلا أن الرواية العربية المكتوبة ما بعد 2010 أخذت منحى آخر للحديث عن المهمشين، وركزت على جانب العدالة الاجتماعية، والقهر السياسي، حيث إنه وفي الأعوام الأخيرة الماضية، ركزت على الاضطهاد الديني والسياسي، التي تكاد تكون ملحوظة في أكثر الروايات العربية الصادرة في هذه الفترة (2).

وكما ذلك المنحى نجد علي المقري يقص عن فئة المهمشين بسهولة ومرارة مفجعتين، تحملان طعم الأسى إلى نفس القارئ، كما تحملان إليها غضباً عارماً.

عالم رواية “طعم أسود.. رائحة سوداء” هو عالم هذه الفئة المهمشة التي تسمى “الأخدام” بما فيه من شقاء وظلم، أفراده من ذوي البشرة السوداء، وقد قيل إنهم تاريخياً استعبدوا بطريقةٍ أو بأخرى، ثم أُبْقُوا في عبودية لم تعد رسمية، بل اسوأ من ذلك.

يورد علي المقري بشكل قصصي من خلال روايته آراءً وأبحاثاً في موضوع “الأخدام” وأصلهم، ويتحول بعض “الأخدام” إلى أنصار لجماعات يسارية خاصة في عهد سالم ربيع علي، الملقب “سالمين”، ولإن الإطار الزمني للرواية يمتد من 1975 إلى 1982، فإنها تشير أيضاً تصريحاً وضمنياً إلى البرنامج الِاجتماعي للحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب، الذي هدف إلى محو التراتبية الطبقية، على أسس مساواة عادلة، وبالتالي دمج “الأخدام” في خضم التيار اليمني العريض.

 كما أن هذا الإطار الزمني له دلالة خاصة، فإنجازات تلك الفترة في مجال المساواة الاجتماعية لا تزال تحظى بتقدير وتذكر النخبة اليسارية في اليمن، يقول أحمد سيف حاشد في ورقة من مذكراته نشرها على صفحاته الشخصية بشبكات التواصل الاجتماعي: “…في عدن وتحديداً في السبعينيات على الأرجح، تم إلغاء أسماء المحافظات الست المكونة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية واستبدالها بالأرقام.. عدن المحافظة الأولى، ولحج الثانية، وأبين الثالثة، وشبوة الرابعة، وحضرموت الخامسة، والمهرة السادسة، وتم منع نسب الأسماء إلى المناطق أو إلى القبائل.. خطوة كانت في الطريق الصحيح.. تم إلغاء لقب الجوفي، والحسني، والمهري، وغيرها من ألقاب كبار أسماء قادة البلاد، ومع ذلك، وبسبب الصراع السياسي في النصف الأول من الثمانينيات انقلب الحال، وتم التحريض، والتعبئة المناطقية بفجاجة، وعلى نحو جرّار، ثم تم تعميدها بالدم والدموع..”(3).

والمعنى من ذلك أن التمييز العنصري، يجد طريقه دائماً في البيئة المتخلفة، فحتى لو تم إلغاء الألقاب وإسقاطها، فذلك لا يعني أن إلغاءها سيمنع التمييز، وهناك الكثير من الأمثلة مثل (07) التي يرمز بها إلى شريحة المهمشين في جنوب السعودية، وفي اليمن أعتقد أن الفكرة في رمزية الأرقام 110 و220 وغيرها، كانت وليدة التمييز العنصري في فترات ازدهار الوعي لدى الحكومة.. وكل هذا يثبت شيئاً واحداً هو أن القانون بمفرده لا يمكنه صناعة وعي جمعي، ولكن يجب أن يرافق القانون وعي على المستوى الجمعي، ويمكن تحقيقه من خلال التثقيف، والتوعية، بالإضافة إلى مراقبة ذاتية على المستوى الفردي.

 ومما توحي به الرواية حول ردة فعل “الأخدام” تجاه اصلاحات فترة السبعينيات من قبل اليساريين، أنها أفرزت وعيين إلى السطح(4): الأول وعي الفئة المطلعة والواعية بالأفكار الماركسية من طبقة “الأخدام”، وهذه الفئة توافقت طموحات اليسار ــ فيما يخص المساواة الاجتماعية ـــ مع أفقها، ولاقت القبول المطلق من جهتها للبرنامج، ولكنهم يمثلون أقلية بالنسبة لهذه الطبقة، ووعي آخر تم إفرازه أيضاً على السطح، وهو وعي اللامبالين بحدوث تغييرات من عدمها، واللامكترثين لشمول التغيير لهم من عدمه، ولعل بينهم معارضين لمشروع الحزب كذلك، وهذا الوعي تمثله طبقة “الأخدام” العاديين، وهم من يتقبلون وضعهم الاجتماعي كما هو دائماً، دون مقاومة رمزية، أو مادية، وهنا إشارة إلى أن طبقة “الأخدام” المهمشة ذاتها تتنوع على طبقات أيضاً، وفي حالة الفئتين تقاطع مع قضية مارتن لوثر كينج، الذي انقسمت شريحة السود في أمريكا في عهده إلى فئتين الأولى مناصرين، والأخرى معاديين، وكان أكثرهم ممن ينطبق عليهم وصف العاديين، بل ويتجاوزه إلى المجرمين أيضاً، وقد نجا مارتن لوثر كينج من محاولة اغتيال بفتاحة علب حادة طعن بها على متن باص نقل، كان يستقله من قبل امرأة سوداء، لكن المحاولة الثانية لاغتياله قد نجحت بالفعل، هذه المحاولات قامت بها فئة العاديين الذين دافع عنهم أيضاً مارتن لوثر كينج.

ضمن أجواء وتفاصيل ومناخات الفئة الثانية، وهي ذات الوعي اللامبالي ببرنامج المساواة الذي روج له اليسار، يبني علي المقري فضاءات روايته، ويدور محلقاً في فلك هذا الفضاء وما ينطوي عليه، فذهبت الرواية لإبراز الصور النمطية، والأساطين المتداولة عن “الأخدام” وحياتهم “الغرائبية”.

ورغم أن الاعتقاد السائد والمتداول الرائج، كثقافة وموروث حول طبقة “الأخدام” لدى اليمنيين بأن “الأخدام” عموماً طبقة متوحشة غير متحضرة، ويفتقرون إلى النظافة، ولا يمارسون الشعائر الدينية، ويأكلون موتاهم، ويمارسون العلاقات الجنسية دون انتقاء، أو ضوابط، إلا أن رواية المقري لم تنكر هذا أيضاً، وذهبت في سرد حيثياته كجزء أصيل من ثقافة هذه الطبقة، من خلال إعادة إنتاج هذه الصفات في سلوكيات الشخصيات المتخيلة في الرواية، كشخصية عائشة، وشخصية رباش.

ولتبيان محتوى الرواية، ومدى ما يمكن أن نجده فيها، كفعل يبحث عن إيجاد حالة مغايرة في الوعي الجمعي، لنتحدث عن تفاصيل “طعم أسود.. رائحة سوداء” بموضوعية أكبر، ولنأخذ هذه المستويات الثلاثة، العنوان، ثم المتن الحكائي، ثم اللغة.

  • العنوان

يمثل العنوان في حد ذاته، صيغة دالة للتعبير عن واقع الحال الذي لم يتغير على الرغم من مرور الزمن، السارد يطرح إشكالية الهوية كثيمة أساسية للنص الروائي بكامله، مشهد الصراع بين الهويات في عصر تفكك وانحلال سياسي واجتماعي شامل، تتسم كل هوية بسمة مجتمعية اقصائية قائمة على التمايز والاختلاف، فلقد سيطرت إشكالية الهوية بسرد تعاقبي بضمير المخاطب، أي سرد يضع بطله في صورة ضمير المخاطب، ويكون هذا البطل عادة هو الشخص الوحيد الذي يُرَى العالم من بؤرته، كما أنه هو أيضاً المروي عنه في العمل على وجه العموم،  وتُحكَى القصة في أغلب الأحوال في الزمن الماضي، وبعض الأشكال تتضمن كذلك استخداماً متكرراً للزمن الشرطي، والزمن المستقبل.

 إن بحثي يرسم الاتجاهات، ولا يحدد شروطاً ثابتة؛ ذلك أن السرد بضمير المخاطب شكل بالغ المرونة، وكينونته الخاصة تتجنب أي ثبات على واقع النص منذ البداية وحتى نهايته، وجاءت هذه الإشكالية لتحدد ممكنات التعايش من خلال سرد متلازم وشفاف، ولعل الاستهلال الأول لهذه الإشكالية، جاءت في المفتتح الأول من النص في هذا المقطع الدلالي: أمام محكمة لا تسمح عادة للأخدام بدخولها، حتى وإن كان لحضور جلسات تعقد لمحاكمة أهاليهم، يدخلونها فقط حين يقبلون كخدام فيها يكنسون القاعات والغرف من الأوراق، التي يرمي بها الكُتَّاب والمتقاضون، وينظفون الأوساخ، التي تتناثر من الأحذية والأفواه…”(5).

المشهد بالنسبة له مشهداً مأسوياً صارخاً، قد بث رسالة معبرة، هي صرخة إنسانية مدوية، في عالم ساد فيه الإقصاء والتهميش، حيث شارك هو فيه الجميع، وكانت تلك هي المحطة الأولى للعبة السردية.

وأول ما يلفت النظر – كما يقول الدكتور عبد الحكيم باقيس- عن عنوان رواية علي المقري (طعم أسود.. رائحة سوداء) شعرية التركيب اللغوي للعنوان، في انحرافه بالتعبير عن اللغة الشارحة إلى اللغة الاستعارية، وخروجه من مألوف التعبير إلى التعبير غير المألوف، واشتغاله على آلية التنافر الدلالي في مخالفة علاقات التركيب الإسنادي، والمنطقي بين مفردات العنوان، فالطبيعي أن يلائم النعت المنعوت، والنعت ـ كما يذكر ابن عقيل ـ هو “التابع المكمِّل متبوعه بيان صفة من صفاته”، أي أن يوصف الطعم بالمرارة أو اللذة، أو الحلاوة وغير ذلك مما تدركه حاسة الطعم، وأن توصف الرائحة بأنها طيبة أو عطرة، أو حتى كريهة، ونحو ذلك مما يدرك بحاسة الشمِّ، أما وصف الطعم والرائحة بالسواد، فهو خروج عن مألوف العلاقة في التركيب، بحيث تتشكل علاقة جديدة، تقوم على بناء الاستعارة التي ستعمل دلالات اللون الأسود على توليدها، بحسب السنن، ورمزية اللون الأسود في الثقافة، كالقبح، والبشاعة، والظلم، والشر، والحزن، والظلام..، وستلفت النظر بنية التكرار اللفظي للأسود، التي ستؤدي إلى منح الأسود مساحة أوسع في فضاء العنوان، إيذاناً بتمدد ظلاله من عتبة العنوان إلى دهاليز النص، ويتابع باقيس تحليله، فيؤكد أن خروج تركيب العنوان عن مألوف العلاقات اللغوية، يوازي خروجاً للنص عن مألوف موضوعات الخطاب الروائي اليمني، فهو يتناول بجرأة بالغة موضوعاً مسكوتاً عنه، يتصل بالحياة الخاصة لمجتمع السود، أو ما يطلق عليهم اسم (الأخدام) الذين يشكلون مجتمعاتهم الصغيرة على هوامش المدن، وينظمون حياتهم بأسلوبهم الخاص بعيداً عن الآخرين، وتُروى تفاصيل الحياة الخاصة لهؤلاء السود، من خلال عين شاب صغير من طائفة غير قبلية (المزينين) يهرب برفقة حبيبته إلى (المحوى) الذي يعيش فيه “الأخدام” قرب مدينة كبيرة، فتصبح رحلة السارد الذي جاء من خارج مجتمع “الأخدام” رحلة كاشفة عن هذا العالم المسكوت عنه، وعن طبيعة طقوسه وتقاليده الخاصة، وكاشفة عن علاقة الرفض المتبادل بين “الأخدام” وبقية المجتمع في الخارج، الذي تسوده التقاليد القبلية المدعمة بموروث، وميثولوجيا تحرم الالتقاء بالأخدام، مثل المشاركة في الطعام أو التزاوج، وبموروث تاريخي كبير من الصراع، والكراهية المتبادلة، تذهب الرواية في تناوله نحو الاقتراب من السرد التأريخي، لبعض الوقائع التاريخية التي تعرض فيها السود في اليمن للمهانة، وللقتل بسبب العرق، واللون الأسود، وتتناول الحدود الفاصلة بين مجتمع “الأخدام”، والمجتمع القبلي الذي يعيشون على أطرافه، والذي لا يسمح لهم بالتعايش معه إلاّ في حدود مساحة صغيرة، تحكمها نظرة الاستعلاء، وبالمقابل تتناول الرواية تفاصيل الرفض الذي يبادله “الأخدام” للمجتمع القبلي حين يرفضون كل تقاليده، ونظامه الاجتماعي، ليصنعوا لأنفسهم تقاليدهم، ونظامهم الاجتماعي الخاص المتضاد (المتنافر) مع نظام، وتقاليد المجتمع القبلي الذي يحيط بهم، ليصل الرفض حدّ التحرر من كل شيء، حين يتمسكون فيه بأسوب حياة تختلف عن كل ما يسود خارج مجتمعهم، رفضاً لهذا الخارج الذي ينظر إليهم من خلال قيمه الخاصة، التي لا تسمح لهم إلاّ بالبقاء في الهامش، ولأنه قد فرض عليهم العيش في هذا الهامش، فقد راحوا يشكلونه، ويعيشونه كما أرادوا هم لا الآخرون،  ما يعني أن بنية التنافر الدلالي بين مفردات العنوان، ستتحول في النص إلى تنافر، وتضاد اجتماعي بين عالمين مختلفين منفصلين(6).

وكما تتموقع في فضاء العنوان ثلاث مفردات تتصل بحواس رئيسة، هي؛ الطعم، والرائحة، واللون، سيشكل فضاء النص انتشاراً واحتفاءً كثيفاً بهذه الحواس، عندما يتحول السرد إلى مدونة للحياة اليومية لطائفة “الأخدام”، التي تسودها العناصر المادية، والحسية المتصلة بالجسد، وحواسه المختلفة، حيث الانهماك في اللذة المرتبطة بالجسد هي المحور الذي يشكل العلاقات فيما بينهم ومع الآخرين، وينفتح السرد على لغة سردية صادمة لذوق القارئ المحافظ، ووصف موغل في تناول العلاقات الجنسية، ومتع الجسد، كالرقص، والألعاب التى يشكل الجنس موضوعها، والانهماك الكبير في تفاصيل الحياة الخاصة، التي تسودها الروائح المختلفة؛ روائح الجسد الغارق في اللذة والشبق الجنسي، ورائحة العرق، ورائحة الدم، ورائحة الخمر.

ولأن الرواية خطاب أيديولوجي في مجابهة الخطاب التقليدي، فقد عمل منذ عتبة العنوان على خرق النمط المألوف، ولو على مستوى التركيب اللغوي، ومفاجأة القارئ بهذه الصيغة الاستعارية، التي ستظل تتردد في النص، أولاً حين تكثف الرواية خطابها في جملة في غاية الوجازة والدلالة، وكاشفة عن مغزى العنوان، تأتي على لسان إحدى “الأخدام” أثناء تعبيرها عن الشعور بالحزن، عند سماع نبأ مقتل الرئيس (سالمين) الذي منح “الأخدام” حقوق المساواة، إذ تقول: “نشتي من يحترمنا كما نحن، ويحترم ثقافتنا، ويحترم لوننا، طعمنا الأسود، ورائحتنا السوداء”، ثم في عبارة أخرى، ترد في نهاية الرواية على لسان السارد، عندما يصل تعاطفه مع عالم السود إلى رغبته في أن يصبح جزءاً من عالمهم الخاص، الذي لا يكفي الدخول إليه، بمجرد تتبعه لخيط رائحة الجسد الأسود، والانجذاب للجسد، وشهوته التي دفعت به أولاً إلى الدخول في عالمهم قائلاً “ماذا عليّ أن أفعل، وأنا الذي وجدتني ذات يوم منجذباً إلى الطعم الأسود، والرائحة السوداء؟ “، وبهذا التكرار يفشي النص مدلول عنوانه، الذي يحمل خطابه في مواجهة متلقيه، وفي خرقه للمألوف على المستوى التعبيري، وعلى مستوى مضمون الخطاب الروائي، فالطعم الأسود، والرائحة السوداء هي صيغة استعارية لأسلوب الحياة التي يتمسك بها “الأخدام” في مواجهاتهم (7).

  • المتن الحكائي

تتشكل بنية الرواية بمشاهد متواترة تفصح عن بعض زوايا ومحاور التجربة النصية والرؤية، كما تتمحّور كل رؤية نصية من خلال الراوي المخاطب، وهو السارد، والراوي، والحاكي، والمتحرك في جميع الأنحاء من منظور العليم ببواطن الأمور، التي شكلت جانباً مهماً في نسيج النص،  وتتواتر عتبات النص المختلفة المتمثلة في عناوين أجزاء من البنية النصية، والبنية المشهدية، كل ثيمة انتقالية تشير إلى حادثة، حدثت له على أبعاد انخرطت جميعها في هذه البنية النصية، بعضها جاء واقعياً متماهياً مع الذات، وحوار لا ينقطع، مع الهروب باتجاه الحياة العاطفية المحمومة بالجنس.

(أنزلتني من على صدرها إلى أمامها، كبست أنفي، وكل رأسي بين نهديها المشدودين، والمبللين بالعرق، راحت تمسح شعر رأسي وتضمني، أحاطت خصري بيدها، وجذعي الأسفل إلى بطنها، وأدخلت رجلي بين فخذيها، بقيت تقلبني من جوارها إلى فوقها، ومن فوقها إلى جوارها، بسرعة خلعت سروالها وفستانها، وبتوتر شديد، نزعت عني ملابسي وإذ غاص جسدي الصغير في جسدها الصاخب (8).

هذه الهواجس والوساوس العاطفية الجياشة المحمومة بالجنس، جاءت رامزاً للمكبوت داخل ذات البطل، وهو ما يظهر في الكثير من المقاطع العاطفية، التي تشكل ملاذاً للبطل في الرواية من حالة غياب الحضور في الواقع الاجتماعي، والتهميش الذي تعيشه شريحة “الأخدام” عموماً، وهذا يشكل دوراً مهماً، في تأطير وبلورة السرد الروائي، في نسيجه، ومفرداته، ونسقه الخاص، ورصع بها الكاتب الأجزاء المختلفة من أقسام نصه الروائي، جاءت جميعها مواكبة لما كان يستحضره الكاتب لا شعورياً.

يأتي الحب في رواية علي المقري بوصفه القوة الأساسية في عملية التغيير الاجتماعي: إنه الحب الذي يدفع فتاة من الطبقة الدنيا في المجتمع (من طبقة المزاينة) إلى أن تهرب مع حبيبها من قريتهما إلى محوى زين الذي يعيش فيه الأخدام، وكان من استهلالات بدأت بها الرواية جرى في مدينة تعز، وهو محاكمة “رباش العبد” الذي تجرأ على أن يحب فتاة، فاتُهِمَ “بالخيانة واغتصاب، وانتهاك حرمة إحدى الأسر الكريمة”.

أما بطل الرواية عبد الرحمن، والذي أعطي لاحقاً لقب “أمبو” أي الذي ليس أسود، وإثر علاقة أقامها مع “الدوغلو” وهي فتاة من فئة “المزينين” المهمشين، هرب معها إلى “محوى الأخدام” وهم السود في اليمن، في المحوى الذي يبدو لنا هنا مثل مستوطنات السود، التي كانت معزولة في جنوب افريقيا، تسوده علاقات حرة، وتمحي أشكال التفرقة، والمحوى هو ذاته الغيتو Ghetto والغيتو هو وصف غربي أمريكي أوروبي لمكان “معزل أو منبذ” سابقاً يتم فيه عزل الأقليات العرقية، وبالذات العوائل السوداء، وأي شخص أسود أو داكن البشرة، يشبه السجن، ويعيشون أبشع حالات الفقر، والظلم، والجوع، ويقابل الغيتو في اليمن “المحوى” كما أسلفت، والذي تعيش فيه شريحة “الأخدام” معزولة عن السياق الحياتي للمجتمع بذات تفاصيل الغيتوات؛ ويمكن النظر في أغاني الراب في أصوات المقاومة الثقافية الأمريكية مثل أغاني 2Pac Shakur والتي تصف معاناة هذه الفئات داخل الغيتوات، وتشرح كيف يصنع التمييز العنصري الجريمة في المجتمع… وقد بدأت هذه الغيتوات في بريطانيا منذ عصر آخر مليكاتها من آل ثيودور في عصر شكسبير تماماً، بعد ان ماتت هذه الملكة “أليزابيث” مسمومة، واتهم في قتلها طبيبها اليهودي بتدبير الأقلية اليهودية، فوضع جميع اليهود حينها في غيتو، وأجبروا على ارتداء قلنسوات حمراء، تمييزاً لهم داخل المجتمع، ويومها كتب كريستوفر مارلو مسرحيته “يهودي مالطا” أو يهودي البندقية، وكتب مثله شكسبير مسرحيته “تاجر البندقية”، وكلاهما  كتب تعبيراً عن الحادثة.

أما الحياة في “عشش” “المحوى” أو أكواخه البائسة الصغيرة، فلنسمع ما كتب المقري عنها بأسلوبه الهادئ، وببساطة جارحة تكاد تتحول إلى دراسة اجتماعية كتبت بشعرية صفراء أحياناً.

قال بلسان “امبو” الشخصية الرئيسة “ابن شموس مات بعد أن بقي يبول دماً لمدة أسبوعين، وكان في الثامنة من عمره تقريباً، كأذية بنت المسفوح في العشة المجاورة لعشة شموس كانت أكبر – ربما في العاشرة- ماتت بعد سعال دام لأشهر، وقالوا إنه السل، بدأت سنة حزينة كان الشتاء كعادته مليئاً بأخبار موت الاطفال المفزعة، الصيف جاء أيضاً ومعه البلهارسيا والملاريا.”

وأضاف “لم يكونوا في العشش يرهبون الموت حين يعلمون موت رجل أو امرأة بلغا الثلاثين من عمرهما، أو أقل من ذلك ببضع سنوات، يعتقدون أنها كافية لعمر الخادم، وأفضل له من بقائه، وهو يعذب من الامراض التي تهاجمه طوال عمره، وتصبح صعبة الاحتمال بعد سن الخامسة والعشرين، وأصعب بعد الثلاثين.”

لقد كانت الرواية في منحاها، هو تداخل ما بين الشعوري / اللاشعوري، والتي تحمله الشخصية المحورية للنص، حالة خاصة من حالات النفسية المكبوتة في ذائقة، تتماهى فيها الذات مع عدة قضايا، وإشكاليات وجدت نفسها تطرح على صعيد النص، وفي بنية فنية في إدراك عدة محاور حياتية، عبر شخصية البطل، ومحنته الغرائزية، وقد جاء النص في بعض تحولاته، وتنقلاته النصية مستخدماً عدة ثيمات حياتية، اشتغل عليها النص، تواجدت بصور مختلفة عبر المكان والزمان، الذي تواجدت فيه الشخصية في مراحل سنية مختلفة، وعبر تجربة حياتية مليئة بالزخم الاجتماعي، والسياسي بسرد، يأخذ فنيته من محاولة الكاتب الاشتغال على الناحية النفسية للشخصية، التي شغلت واقع النص، ونسيجه بهذا الطرح من العلاقات، والهواجس، والبوح، الذي شكل هذه البنية الفنية لهذا النص الروائي المتميز..

فالسرد يقدم لنا منذ البداية بطلاً مسكوناً بالقلق والأسئلة، من خلال التأمل الذي يشك في كل الثوابت، التي تقيم وتحرك عالماً قاسياً لا جدوى من إصلاحه، مسجلاً أحداث هذه الوقائع، وملاحظاته عليها، وعلى من حوله الذين لن تستوقفهم هذه الحياة سوى الأشياء العادية اليومية المرتبطة بالعمل وظروفه، والحياة ومشاكلها اليومية، والتغير في الواقع الاجتماعي، والسياسي، والصراعات اليومية المألوفة في عالم من الأحداث، والشخصيات ذات البني الاجتماعية.. الشخصيات كما قدمها السارد، شخصيات في طبيعة تكوينها، وفي سلوكها اليومي، وفي ردود أفعالها تحيا حياتها في قلق، وحيرة، وتساءل، وبؤس، بل ويأس من إمكانية تغير الحال، تهدأ في لحظة أسئلة الوجود، التي امتلأ بها البطل النموذجي للعقاب.. لماذا…؟

  • اللغة

إذا كانت الكتابة الأدبية عموماً لعبة تخيلية طقسية ، يحاول الكاتب فيها، ومن خلالها التحرر من الشروط المعتادة للزمان والمكان، فإنها هنا، وبالإضافة إلى ذلك تتلبس بعداً انطولوجيا – سوسولوجيا، يتولد عن محاولة الكاتب، إعادة تأويل معاني وجوده، ومصيره الذاتي في اتجاه الخلاص من آلام الحلم غير المتحقق، أو التخفيف منه قدر الممكن والمستطاع، هنا تحديدا تتحول الكتابة إلى عملية ترحال دائم بين هذين العالمين، في محاولة يائسة لامتلاك أحدهما، والتموضع أو الاستقرار فيه، نعم لا وطن للمنفي، هذا المهيمن في النص، نظراً لأن الأمر يتعلق بـ “مذكرات”، لكن هيمنة هذه اللغة ــ في مستوى البنية الظاهرة، أو السطحية، للنصفي متن جسد النص ــ تكشف عما تحاول الذاكرة طرح القضايا، التي نركز عليها هنا، وإن كان نصها يطرحها علينا من خلال شفراته، أو من خلال “لا وعيه” كما يمكن للقراءة النقدية الحديثة، أن تعيه،  وتكشف عنه.

وبصيغة أخرى نقول: إننا هنا أمام تمييز إجرائي، تبرره، وتسمح به قراءتنا المسكونة بهواجسها، ومشاغلها “الراهنة” وبعيداً عن مقصدية الكاتب المعلنة من الكتابة، وسنرى لاحقاً إلى أي مدى تسمح لنا عملية تفكيك لعبة الكتابة في هذا النص، وموسومة حتماً بآثار العنف، فهي في جوهر الأمر، جزء من تجربة التّمييز العُنصُريّ كمعاناة دائمة يعيشها، البطل الذي تحول طوعاً أو كرهاً إلى تجربة العزلة، لابد وأن ينبني على شكل من أشكال التوتر الشديد “والمؤلم، الأولى تشده نحو الماضي المخزون في شكل رموز وصور، هي كل ما تبقى من تلك الحياة الحميمية المنتقدة، وتجذبه الثانية نحو الحاضر!!

من الأسئلة التي تختصر كثيراً مما في الرواية، يجسد الحلم الهاجس المسكون به كثير من أفراد هذه الطبقة، سؤالاً نقل من متنها إلى غلافها هو “هل يمكن للطفل الأسود “عبده عيشة” أن يدخل المدرسة، ويتعلم مع التلاميذ أن اللون الاسود في العلم يرمز إلى عهد الظلام البائد، وإلى كل ما هو قبيح وبشع وسيء..” هنا تتقاطع الرواية مع ذات الحلم الذي ظل هاجساً لدى زهرة في رواية “المنبوذون وسكان الأرض“(9) لرياض معطاس، حيث تحلم أن ينخرط “الأخدام” في المجتمع، أن تعيش فئة “الأخدام” كبقية الناس أحلامها هذه بعيدة عن التحقق، تتمنى أن تتلقى ابنتها التعليم في مدرسة تعامل فيها كبقية الطالبات.

 إنه حلم مارتن لوثر كينج في خطبته الشهيرة: “لدي حلم أن أطفالي الأربعة سوف يعيشون يوماً ما في دولة لا تطلق فيها الأحكام عليهم للون بشرتهم، بل لشخصياتهم”(10). والواقع أن العلم كان واحداً من المحرمات الكثيرة على جماعة “الأخدام”.

ويصبح هذا الأمر أيضاً من قبيل الأحلام، حين تكتظ فضاءات الوطن بروائح التّمييز العُنصُريّ السوداء.

ويعبر المقري على لسان إحدى الشخصيات عن حالة القاع التي يمكن أن يصل إليها الفرد، الذي تمارس ضده فنون التّمييز العُنصُريّ، فجعل بطله يحدثنا عن شخصية بارزة أخرى هي “سرور”: “كان سرور يتحدث، يسأل ولا يجيب، كأنه أنا وكأنني هو، كأنه آخر تخلى عن سرور، أو سرور تخلى عن آخر، كأنه غيره أو لا شيء، أنا قرطاس في أرض، حفنة غبار، كومة قش، إنه هو أنا، أنا لا شيء، أنا حذاء معلق، حذاء مقطع مرمي في زبالة، أنا زبالة، البقايا إخوتي، العلب الفارغة بيوتي، لا أنا بيتها، أنا علبة فارغة، علبة مدعوسة في طريق”(11).

هذا النمط من النصوص “الهامشية” يشكل اليوم “ظاهرة” أدبية، تتسع باستمرار مكونة تياراً أدبياً قوياً، وطليعياً بكل المعايير.

ولقد أحدث علي المقري من خلال روايته رَجَّة قويّة في الوعي الجمعيّ الذي اكتشف أنّه، من خلال رواية المقرّي إنّما يعيد اكتشاف تلك البيئة التي تعيش بالقرب منه، لكنّه لا يعلم عنها شيئاً، أو أنّه وعي جمعيّ، بتواطؤ مشترك، تعامل مع تلك الطبقة الاجتماعيّة الأدنى (طبقة “الأخدام” ذوات البشرة السوداء) كأنّهم كائنات غير موجودة أصلاً، أو غير مرئيّة بالعين المجرّدة، في علم النفس يسمون هذا النوع من السلوكيات بسلوك القطيع Behavior of herd.

 إن أكثر الناس فهماً لنظرية سلوك القطيع، هم البارعون في مجال التسويق، والمجتمع في تعامله مع هذه الفئة المهمشة، ينتهج نهج التسويق، فالمسوقون، يعتبرون من النظرية التي تقول إن الإنسان في حالات الخوف، والطوارئ، ينتهج سلوك القطيع، ولنتخيل أن هناك مبنى عملاقاً يحترق، وهناك مخرجان آمنان في العمارة، لكن أول شخص يتجه نحو أحد المخارج، هو الذي يقرر لكل الهاربين مخرج هروبهم، حتى لو لم يتسع للجميع، إلا أنهم يستمرون في التدافع والتدفق نحو المخرج، في حين أن المخرج الآخر آمن أيضاً، لكن أحداً لا يلقي له بالاً، لإن غريزة القطيع الذي يهرب من الوحش تسكنه، وبالتالي فإن الوحش وَفقاً للأعراف الاجتماعية، التي سادت، وجرى تداولها هو هذه الفئة “فئة المهمشين”، ويتضح أكثر أن أول من أطلق عليهم هذه الصفة التي يجري تداولها، وَفقاً لرواية “المنبوذون وسكان الأرض” لرياض معطاس على لسان أحد أبطاله الذي يقول:” لا تزال زهرة تتذكر حديث والدتها الذي سمعته من جدها وتلقاه عن أجداده عن تاريخهم في اليمن (في الأصل لسنا أخداماً، نحن يمنيون من أصول حبشية، يعود تاريخنا في اليمن إلى السنة التي احتل الأحباش اليمن بقيادة أبرهة الحبشي، بعد الاحتلال خرج كثير من الأحباش من اليمن، من تبقى فيها هم أجدادنا، اتخذوا تهامة موطناً لهم عاشوا فيها، اعتنقوا الإسلام، نصروه في كثير من المواطن، في الإسلام عاش أجدادنا سواسية لا فرق بين أبيض وأسود إلا بالتقوى، في عهد الدولة الزيادية كان لقومنا مكانه، وعندما بدأت تضعف، كان الأحباش قد تمكنوا من مواضع كثيرة في القيادة (نجاح الحبشي) كان له سلطة على الأحباش، كانوا يعدونه زعيمهم برغم أنه كان موظفاً عند قائد حبشي يدعى (مرجان الحبشي)، حيث استغل نجاح موالاة الأحباش له، وقام بالتخلص من قائده مرجان، ومنافسه (نفيس) ــ اللذين كانا قد قتلا الأمير عبدالله بن أبي الجيش أمير آل زياد ــ بعد أن تخلص منهما، استغل حالة الضعف التي وصلت إليها الدولة الزيادية، واستخدم الأحباش في حروبه حتى استولى على دولة آل زياد، وأنشأ دولة باسمه (دولة آل نجاح) في عهد نجاح تولى قومنا حكم مناطق عديدة في الساحل الغربي في تهامة وزبيد، لكنهم اضطهدوا السكان الأصليين، واستولوا على أراضيهم، ونهبوا ممتلكاتهم، واتخذوا كثيراً منهم عبيداً وخداماً، لقد تمادوا في طغيانهم لدرجة اغتصاب النساء، فثار السكان الأصليون بقيادة رجل يدعى (علي بن مهدي الزبيدي) فهزم نجاح، وأسقط دولته، وحكم على قومنا أن يكونوا خداماً للمجتمع، وزعهم على كل البلاد، وجعل منازلهم خارج المدن والقرى، وهو أول من أطلق علينا اسم (أخدام)(12) ومنذ ذلك القرار ونحن نعيش منبوذين متناثرين في أطراف المدن والقرى، حتى الذين يعيشون داخل المدن اليوم، يقطنون في تجمعات سكانية قذرة، وغير صحية بالقرب من المستنقعات، وأماكن تجمع القمامة والسوائل، وحتى لا ينافس “الأخدام” أحداً على أماكن تجمعاتهم القذرة داخل المدن، أطلقوا عليها (المحاوي) والمحوى هو موضع الكلاب(13)..

وهذه الحالة التي ينتهجها الوعي الجمعي تجاه هذه الشريحة، تشير في توجهاتها إلى ذات التّمييز العُنصُريّ، الذي ساد في ألمانيا، والدول التي سعى هتلر للسيطرة عليها قبل فترة الحرب العالمية الثانية، حيث تم تصنيف فئة المرضى والمجانين، تصنيفاً عنصرياً، حيث إن وجودهم يعيق حركة تحسين النسل، التي نادت بها دولة هتلر، وقوانينها، وكان لا بد من عملية فصل عنصري، ضد فئة المجانين والمرضى بكل أطيافهم، وتم تعميم ذلك على جميع الأطباء في المستشفيات، والعيادات، وبالمثل على جميع المواطنين، ووَفقاً لدرجة المرض، يتم التعامل مع الحالات، فمنهم من يتم عزله عن المجتمع، ومنهم من يتم اخصاؤه وتعقيمه، حتى يمنع من الإنجاب،  ومنهم من يجب قتله، وقد تمثلت هذه الأفكار في أعمال فنية كثيرة، منها فيلم الدراما الألماني “Never Look Away 2018”.

وهذا الفصل العنصري يتم نتيجة أوهام موروثة حول هذه الفئة من البشر، حيث يتعامل الوعي الجمعي مع طبقة “الأخدام” “مثلما جرى التعامل مع الجنون في العصر الكلاسيكي، بحسب تعبير ميشيل فوكو، على اعتبار تلك الطبقة المتدنيّة في التراتب الاجتماعيّ، طبقة مجنونة تعبّر عن اللاعقل، من خلال تصرّفاتها الشاذّة عن السلوك الجمعيّ المتّفَق عليه في العرف العام، وتصل بجنونها إلى مرتبة الحيوانيّة، “ولهذا لم يترك المجانين يمارسون جنونهم بكلّ ما أمكن من حريّة، بل شيّد بيوتاً للعزل، ليصبح المجنون مرادفاً للمذنب، وتكبّل يداه بالقيود، ويوضع خلف القضبان من أجل حماية محيطه الاجتماعيّ من تلك الشراسة، والعنف اللذين يتميّز بهما، وسلوكيّاته التي تعتبر غالباً مصدراً لخطر كبير”(14).

هذا القمع الذي يمارس ضد طبقة “الأخدام” دفعهم إلى تكوين حياتهم الخاصّة إلى جوار الحياة الأخرى، التي تدور في منطقة مجاورة لهم، وعلى الرّغم من حقيقة تشكّل المجتمع اليمنيّ على هيئة طبقات اجتماعيّة متفاوتة، بسبب التراتب المذهبيّ، والقبليّ، والمناطقيّ، وأخيراً بسبب التراتب المادّي، وهي تراتبيّة فئة جديدة طرأت بسبب نشوء ظاهرة الأثرياء الجدد، الذين برزوا إلى سطح الحياة الاجتماعيّة، مستغلّين حالة الفساد السياسيّ، والماليّ التي حصلت في اليمن، ولا تزال خلال الثلاثين سنة الأخيرة، لكنْ، في واقع الأمر تبدو هذه الطّبقات الاجتماعيّة، جميعها في حالة وفاق وتناغم، كأنّما قد وقّعتْ فيما بينها وثيقة عيش مشترك، تحترم بموجبها كلّ طبقة حدود الطبقات الأخرى، ومصالحها، ممّا خلق حالة اتصال فيما بينها، لكنْ تبدو طبقة “الأخدام” فئة غير موجودة تماماً على الرّغم من وجودها الفعليّ، ككتلة بشريّة، ولو كانت وضيعة (في نظر الآخرين)، هي طبقة غير مرئيّة ولا أثر عمليّاً لها.

ليس هذا فقط، إذ خلقت هذه العزلة، التي تُركت طبقة “الأخدام” بداخلها لقيام الطبقات المجتمعيّة الخارجيّة، حالة سمحت باختراع قصص، وحكايات غير منطقيّة تتحدّث عنهم، وأصبحت بسبب غياب العقل، والمنطق، أو تراخيهما قصصاً وحكايات متبادلة بين أفراد المجتمع الأصحّاء، وعلى مختلف مستوياتهم، مثل حكايات تقول إنّ طبقة “الأخدام” لا يقومون بدفن موتاهم، ولكنّهم يأكلون جثثهم، حكاية كهذه لم تخضع، كما هو ظاهر، لأيّ فحص أو اختبار عقليّ، لأنّ أفراد المجتمع بالأساس، يريدون تصديقها بغرض خلق وسائل للتسلية، وإزهاق الوقت، وهذا لا يمكن أن يحدث إلّا في عقول كسولة لا تريد تنشيط حالها(15).

وتتقاطع رواية علي المقري “طعم أسود.. رائحة سوداء” مع كثير من الأعمال العربية التي أنتجت في العقد الأخير، حيث إن جزءاً كبيراً من القصص، والروايات في الوقت الراهن، أصبحت تستحوذ على فئة المهمشين، كالفقراء، والجُياع، وغيرهم من الفئات الذين لم يحظوا من قبل بكل هذا الحضور داخل تلك النصوص الأدبية، هؤلاء أصبحوا مهمشين بسبب الأوضاع العربية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية الراهنة، معتقدين أنه بذلك يمكن لهذه الروايات، والقصص أن تصل إلى عدد كبير من القراء، والمشجعين، وتصنع وعياً حقيقياً حيال قضية التّمييز العُنصُريّ.

كما أن رواية طعم أسود رائحة سوداء” تذهب في أهدافها، إلى ذات الأهداف التي تذهب إليها أعمال روائية عربية، مثل رواية “ترمي بشرر للسعودي عبده خال، إذ تعد “ترمي بشرر” كما في “طعم أسود رائحة سوداء” صوتٌ للمهمشين، فشخصياتها نادراً ما تكون في دائرة الضوء، وهي شخصيات بائسة، مشوهة، شبه معدمة، تقدم لك نمطاً مغايراً تماماً للمتوقع في مجتمع، ارتبط اسمه بالثراء، والروح المحافظة،  فهي ترفع السجاد الفاخر لترينا ما كنس تحته من قاذورات، لم تستطع أن تخفيها ديكورات القصر البديعة، ولا تمكنت عطوره النفاذة من تغييب رائحتها القذرة.

وحول أبعاد ظاهرة رواية المهمشين، يمكن القول إن المجتمعات العربية والإسلامية أصبحت بكاملها مهمشة، فظاهرة المهمشين هي تعبير واقعي على كل ما يحدث في تلك المجتمعات من حروب، ومجازر، وتهشيم للأوطان، إذ إن التاريخ أصبح يعيد ويكرر نفسه، مثلما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ومن يقرأ رواية “الغثيان” للكاتب جان بول سارتر، سيلاحظ من خلالها أن التعبير واضح، وواقعي على ظاهرة المهمشين، الذين أصبحوا بلا مأوى وبلا مأكل.

ولا يمكن الفصل بين ما يكتب في الرواية العربية، وما يحدث في أي دولة عربية أخرى، كسوريا، وليبيا، التي أصبح شعبها يعيش حالة من الحزن والعذاب اليومي، بسبب ما يحصل من قتل، ودمار، وتخريب، وكل ذلك يعود إلى الجماعات الإرهابية التي تحوّل هذه الساحات إلى ساحات معارك ودماء، كما أن بعض هؤلاء الروائيين، يعتقدون أنهم من خلال كتابة هذا النوع من القصص أو الروايات، ينالون الشهرة السريعة والواسعة(16).

وتتبع رواية المهمشين أسلوباً لإظهار الواقع الأدبي، الذي يمتاز بقيمة ذات أصل، حيث إن الأدب بكافة تفرعاته الجديدة لا يمكن حصره، كما أن فك الحصار عن الرواية العربية في السنوات الأخيرة، أدى إلى أن تحلق في سماء كل دولة، وتجوب أرجاء العالم بضعفها وقوتها، ومن خلال هذا الانتشار، شعر الكتّاب، والرواد العرب بالتهميش، لأن في عهدهم لم يلعب التسويق دوراً مهماً، كما أن الكاتب المخضرم، لم يحرك قدرته في تسويق ذاته، أما في الوقت الحاضر، فإن الكاتب يلعب دوراً كبيراً في تسويق ذاته، وإن لم يكن المحتوى يستحق ذلك.

إن رواية المهمشين اليوم هي رواية الواقع العربي بامتياز، بما خلفته التحولات الكبرى، والحروب، والثورات في المجتمعات العربية من تناقض، وتفاوت في المستوى المعيشي، وبروز واقع قاس، ومؤلم، ومشتت، يمثله الإنسان العربي المغترب أو المهمش في بلاده، والذي يعاني وطأة الفساد، والفقر، والمحسوبيات، وفحش ثراء الأغنياء، وحضور المهمشين في بعض الروايات العربية بات بارزاً جداً، وقد تمكنت بعض الروايات من الوصول السريع للقراء وبترويج لافت، خاصة حين تنال جائزة ما، كما حدث مع رواية “ساق البامبو” للكاتب الكويتي سعود السنعوسي، و”ترمي بشرر” للكاتب السعودي عبده خال، فقد نالت هاتان الروايتان جائزة البوكر العربية، وتعتبران صوتاً واضحاً للطبقة السفلى في المجتمع، والتي لا يلتفت إليها الآخرون، كذلك في رواية “الخبز الحافي” للكاتب المغربي محمد شكري، والتي تمثل شخصية تائهة مغيبة، وممعنة في الفقر، والجوع، والإدمان، فشخصيات رواية المهمشين عامة هي شخصيات بائسة، ومشوهة، وشبه معدمة، وتقدم نمطاً مغايراً تماماً للمتوقع في مجتمع ارتبط اسمه بالثراء، والروح المحافظة.

أما النهايات في رواية علي المقري، فلا تقل فجيعة عن البدايات وما بعدها، حصة هؤلاء المساكين من ” التطور” اتخذت الشكل التالي “زحف البيوت الاسمنتية نحو العشش يزيد من قلقنا، جرافات كثيرة سبقتها، لم يكونوا يستأذنون أحداً من “الأخدام” في هدم عششهم، ومسح الأرض لتكون صالحة للبناء، قالوا إن تجاراً كباراً اشتروا الأرض من أصحابها، الذين لم يعرفهم أحد…”

وتماما كما في رواية “ملذات طوكيو” للكاتب الياباني دوريان سوكيغاوا، حيث تتناول حياة المهمشين الذين لا حول لهم ولا قوة، فيصف الكاتب فيها شعور، كيف يمكن لك أن تكون ضحيةً لشيءٍ لم تختره أو حتى ترتكبه، كيف تُنبذ لسنوات، ويظل عقابك مستمراً حتى بعدما ينتهي كل شيء، ويمر العمر دون أن تدري به، فقط عبثية القدر من أهدرت حياتك، ولم تمنحك سوى صنع الحلوى بطريقةٍ مذهلة، وفوق ذلك تصف لك طريقًا للامتنان، بأن الفرصة أتيحت لك، لتتذوق جمال تلك الحلوى الغنية بخلاف نهاية حديث بطل رواية “طعم أسود.. رائحة سوداء” الذي يقول ” أنا حذاء معلق، حذاء مقطع مرمي في زبالة، أنا زبالة، البقايا إخوتي، العلب الفارغة بيوتي، لا أنا بيتها، أنا علبة فارغة، علبة مدعوسة في طريق..” تقول السيدة يوشي إحدى شخصيات رواية “ملذات طوكيو” المريضة بالجذام: أيًا كانت أحلامنا، سوف نعثر بالضرورة ذات يومٍ على ما كنا نبحث عنه، بفضل الصوت الذي يقودنا، أنا على قناعة تامة بذلك، فالحياة ليست عبارة عن زيٍ موحد”، وهنا إشارة إلى الفهم الذي يفضي إلى نبذ التّمييز العُنصُريّ القائم على النمط الواحد، واللون، والمعتقد، والعرق الواحد، فيشير إلى أهمية التعددية، وضرورة قبول الآخر، واحترامه.

ومثلما تنتهي مسرحية “ليل العبيد” للكاتب السوري ممدوح عدوان بحقيقة مفادها، أن التّمييز العُنصُريّ والعبودية لم تنتهِ بمجيء الإسلام، ولكنها بشكل ما أعادت إنتاج ذاتها بمعطيات ثقافية جديدة، وهنا نلمس أن تحقيق الوحدة اليمنية، وتعاقب الحكومات لم تعمل حتى على تخفيف حدة مظاهر التّمييز العُنصُريّ، الذي يمارس ضد فئة المهمشين، بل وربما أنها عملت على ازدياد تداعياته حدةً، أو أنها أعادت إنتاجه بمعطيات جديدة.

يؤخذ على رواية “طعم أسود.. رائحة سوداء” عدم الالتفات إلى مسألة اللون، حيث يرتبط التمييز العنصري، الذي يمارس ضد هذه الفئة باللون البرتقالي، في السياق الاجتماعي اليمني على الأقل، وذلك لإن الأغلب منهم يعملون في قطاع النظافة، والبدلة التي يرتديها عمال النظافة لها لون برتقالي، لذلك فدلالات هذا اللون اجتماعياً مرتبطة بهم ودالة عليهم؛ تماماً كما نجد في أغاني لويس آرمسترونغ في ستينيات القرن الماضي حيث كان اللون الأزرق، هو الثيمة الأبرز فيها جميعاً، ولويس آرمسترونغ الذي اشتهر بأغاني الجاز، اشتهر أيضاً بأنه الصوت الفني المقاوم للتمييز العنصري، الذي كان يمارس ضد فئة السود آنئذٍ، ولسان حالهم، وأرجِّح أن ثيمة اللون الأزرق في أغانيه، ترتبط بلون بناطيل الجنز الزرقاء،  وبدلات الصيانة الزرقاء، والتي كان السود يرتدونها مسترقين مستعبدين، يعملون في الحقول، والمناجم، والمصانع، نظراً لثمنها الرخيص، ثم لمتانتها، وقدرتها على التحمل لما يفرضه الجهد الشاق، ومن هنا كان حضور اللون الأزرق في أغاني لويس آرمسترونغ تعبيراً عن الفقر والحزن والشقاء والتمييز العنصري، تماماً كالدلالات الاجتماعية للون البرتقالي في المجتمع اليمني المرتبطة بمظاهر الشقاء، والحزن، والفقر،  والتمييز العنصري، الذي يمارس ضد فئة الأخدام أو المهمشين.

إنها تجسد فكرة نظرية الارتباط الشرطي الكلاسيكي، لعالم النفس السلوكي الروسي “إيان بافلوف”.

المراجــــع

  1. هايل علي المذابي، مهاجرون بلا منأى “رواية من زمن الحرب”، المركز الديمقراطي العربي، برلين، 2021م، ص 71-72.
  2. أنور الخطيب في تصريحات نشرتها صحيفة “الخليج” الإماراتية، منصة كتارا للرواية العربية.
  3. أحمد سيف حاشد، ورقة من مذكراته بعنوان “عهد منحط وزائف ومتعفن”، نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وموقع يمنات، 2021.
  4. بتصرف: د. عبد السلام الربيدي، تَخَيُّل وطنٍ بديْل، النزعة الإنسانوية في الرواية اليمنية المعاصرة بوصفها رؤية لإصلاح اجتماعي وسياسي، دراسة منشورة على موقع أكاديميا، pdf.
  5. رواية طعم أسود.. رائحة سوداء، علي المقري، دار الساقي، بيروت، ص 10.
  6. عبد الحكيم محمد صالح أحمد باقيس، العنوان وتحولات الخطاب في الرواية اليمنية، موقع أبجد، نقلا عن موقع نبيلة الزبير.
  7. عبد الحكيم محمد صالح أحمد باقيس، العنوان وتحولات الخطاب في الرواية اليمنية، المرجع السابق نفسه.
  8. رواية طعم أسود.. رائحة سوداء، علي المقري، دار الساقي، بيروت، ص 17.
  9. رواية صدرت عام 2021 عن مركز دال للدراسات بصنعاء.
  10. مارتن لوثر كينج، خطبة “لديّ حلم” “I have a dream”، منشورة على اليوتيوب في تسجيل مرئي.
  11. علي المقري، رواية طعم أسود، رائحة سوداء، دار الساقي.
  12. من المرجح أن أصل لفظة “أخدام” قد نقلت عن الحضارات القديمة وتحديداً الإغريقية، فقد أشار اليونانيون القدماء إلى العبيد بأكثر من كلمة، فأشار كل من هوميروس وهيسيود وثيوجنيس ميغارا إلى العبيد بكلمة δμώς / dmôs. ولهذا المصطلح معنى عام، ولكنه يستخدم على الأخص للإشارة إلى سجناء الحرب الذين أخذوا غنيمة، أو بعبارة أخرى، صاروا من المملوكين ، وفي الفترة الكلاسيكية، استخدم اليونانيون بكثرة مصطلح ἀνδράποδον /andrápodon، والذي يعني حرفياً:  “من له قدما رجل”، وذلك في مقابل τετράποδον /tetrapodon، “ذوات الأربع” أو الثروة الحيوانية ، والكلمة الأكثر شيوعاً هي δοῦλος / doûlos، وقد ظهرت صيغة مبكرة منها في نقوش ميسينية على شكل do-e-ro، وذلك في مقابل (ἐλεύθερος / eleútheros) أي “رجل حر” ، ويمكن أن يستخدم الفعل δουλεὐω، وهو لا يزال موجوداً في اليونانية الحديثة بمعنى: يعمل، مجازيًا للتعبير عن صور أخرى من السيادة، مثل سيادة مدينة على أخرى، أو سيادة الوالد على طفله ، وأخيراً، استخدم مصطلح οἰκέτης / oikétês بمعنى “الذي يعيش في منزل”، للإشارة إلى خدم المنازل، وقد استُخدمت مصطلحات أخرى أعم لا تفهم إلا في سياقها مثل: θεράπων / therápôn- وكانت تعني “مرافق” في زمن هوميروس، (فقيل عن باتروكلاس أنه therapôn أخيل، وعن مريونس أنه therapôn ايدومينيوس)؛ كما استخدمت في العصر الكلاسيكي بمعنى:”خادم”. وἀκόλουθος / akólouthos- وهي تعني حرفياً “التابع” أو “الذي يصاحب”، واستخدمت صيغة التصغير منها ἀκολουθίσκος للإشارة إلى صبيان الخدم ، وπαῖς / pais- وتعني حرفياً “الطفل”، وقد استُخدمت بمعنى “خادم المنزل الصبي”، كما استُخدمت بوصفها صيغة إهانة للإشارة إلى البالغين من الخدم، وσῶμα / sôma- ومعناها الحرفي “الجسد”، وكانت تستخدم في سياق الحديث عن العتق أو التحرير، بعد ذلك ارتبطت كلمة خادم بلون الجسد الأسود ، أي تجردت من صفة المُسْتَرَّق الذي كان لونه يحتمل الأبيض والأسود ، وتحديداً منذ بدايات عصر الاستعباد في العالم الجديد الذي كان العبيد يجلبون فيه من إفريقيا.
  13. رواية المنبوذون وسكان الأرض، رياض معطاس، ص 4.
  14. جمال جبران، عن المُهمَل والهامشي في روايات علي المقرّي، بِدَايَات، العددان ١٨-١٩ خريف ٢٠١٧ / شتاء ٢٠١٨م.
  15. جمال جبران، المرجع السابق نفسه.
  16. روائيون: قضايا المهمشين وأحلامهم تهيمن على الكتابة العربية اليوم، موقع كتارا، 4 مايو 2016م.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ كاتب وباحث ــ اليمــن

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى