أسماء طارق: بيت روز.. هل يمثلنا نحن النساء؟

أسماء طارق★
يقابلنا على مواقع التواصل الِاجتماعي، العديد من المنشورات والفيديوهات من قبل الرجال خاصة، يقولون فيها إن المرأة كائن غير مفهوم، ومعقد المشاعر، وأنها دائماً مساقة لهرموناتها الأنثوية، مما يضع المرأة في بؤرة مليئة بعلامات الِاستفهام، لطالما كانت هذه هي الغريزة الربانية، التي وهبها الله للأنثى من المشاعر الفياضة المشتبكة ببعضها البعض، لا تحتاج سوى أن يستمع لها الآخر، يستمع لكل الدوافع والأفكار والمشاعر المختلطة، يستمع للصراعات النفسية، ومدى التحمل والصبر، فالحكي أو البوح هو المنفذ الوحيد لإطلاق سراح أرواحنا، وأفكارنا المحتبسة في مظهرنا الخارجي، ولكي نستمع ونُسمع، كان (بيت روز) هو المأوى، الذي تحررت فيه تلك الصراعات والمشاعر المختلطة.
هذا العرض من تأليف وإخراج محمود جمال حديني، وتمثيل سالي سعيد، وسماح سليم، ونادية حسن، وهاجر حاتم، ومريم عيد، ديكور وأزياء هبة الكومي.
هل تمكن حديني من التعمق في مكنون المرأة:
في جو يسوده مجموعة من الِاشتباكات والصراعات الفكرية والشعورية، وإبراز مجموعة من قضايا المرأة في المجتمع، تظهر لنا أربع صديقات يلتقين ببعضهن في كافيه يسمى (بيت روز)، فنجد شخصية (سحر) المرأة المتزوجة صاحبة الشخصية الفكاهية، و(منار) الفتاة الرقيقة، التي قررت مقابلة صديقاتها لِاتخاذ قرار يصعب عليها اتخاذه بمفردها، و(نوران) الفتاة التي تجاوزها سن الزواج، و(سارة) صانعة محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال جلسة بها مزيج من التناغم والمرح تارة، والِاختلاف والحزن تارة اخرى، تظهر لنا كل شخصية بما تحويه من مخاوف، وتناقضات، وحزن، ومعاناة، ومقاومة وأماني متعلقة بكل شخصية منهن، وكل ذلك من خلال الحكي، حيث تستمع كل واحدة للأخرى، وحين نستمع نحن أيضاً، نشعر وكأنهن انعكاس لأنفسنا في مرآة الواقع، وكأنهن مغناطيس يجذبنا معهن في ضحكاتهن نضحك، وفي بكائهن نبكي، وحين تنطق إحداهن جملة ما، تقف عندها عقولنا ونستشعرها، ونقول حقاً هذا ما نشعر به، على الرغم من أن الفئة العمرية للنساء المستهدفة، هو سن الثلاثينيات المعروف بالتحولات الشعورية والفكرية والهرمونية، إلا أن الحكايات والمواقف والأفكار التي تم سردها، قد تمكن حديني من التعبير عنها بما يناسب مختلف الفئات العمرية، كما ذكرت في المقدمة أن الفكرة المغلوطة عن النساء، تجعل العديد من الرجال يقرون بصعوبة فهم المرأة، إلا أن حديني بتميزه المعتاد في التأليف، واختياراته الواقعية للفكرة، تمكن من الِاستماع الخالص لصوت المرأة الداخلي، بكل ما تعانيه وتصارعه، وتمكن أيضاً من الوصف الدقيق لمجموعة المشاعر المتضاربة بداخلهن، من خلال الجمل والمواقف الدرامية بشكل واقعي غير مبالغ فيه، وساهمت مجموعة العناصر الأخرى في تعزيز الحالة الواقعية للعرض.
(بيت روز) يرحب بنا:
نحن أمام تجربة درامية مختلفة في شكلها عن الدراما التقليدية، فعند دخولك لحضور العرض، ترحب بك فتاة بابتسامة مشرقة، فتستشف من ملابسها أنها النادلة، لأنك أيضاً ستجد نفسك داخل كافيه، تحيط بك مجموعة من الطاولات، والكراسي، وشاشتي تلفزيون، تشاهد عليهما فيلم الباب المفتوح، وفي المنتصف طاولة أربع الصديقات أي أننا بداخل مسرح الغرفة، حيث يحيط الجمهور بالممثلين، مما يعزز شعور التواصل بين بعضهم البعض، فعنصر الديكور قد تم توظيفه بحرفية، بما يخدم فكرة العرض والرسالة المراد إيصالها، وفكرة تجمع أربع الصديقات في كافيه يُدعى (بيت روز) يوحي لنا أنه أنسب مكان للبوح فيه عن حقيقة ما بداخلهن، والتحرر من القيود، التي صنعنها لأنفسهن، بعيداً عن منزل كل واحدة منهن.
عنصر الأداء التمثيلي كان واحداً من أقوى، وأصعب العناصر تنفيذاً، نظراً لعدم الحركة في محيط المسرح، فالأداء مقتصر على جلوسهن على طاولة في منتصف المسرح، حيث ارتكز الأداء علي الِانفعالات الداخلية المختلطة لكل واحدة منهن، تلك الِانفعالات هي التي أعطت لنا انطباعاً عن كل شخصية، وعن ماضيها ودوافعها، التي أدت لتكوين شخصيتها الظاهرة، ومن العناصر المميزة القوية أيضاً التي ساهمت في إعطاء انطباعات وتحليلات عن الشخصية، عنصر الأزياء، فقد وفُقت هبة الكومي في اختيار زي كل شخصية بما يناسب سماتها الدرامية، فنجد شخصية (سارة) صانعة المحتوى على السوشيال ميديا، التي تحث النساء على التصدي للرجال، والدفاع عن حقوقهن دائماً، والتحلي بالقوة، وأنها ليست دائماً في احتياج لرجل يكملها، وتوضح من خلال حديثها أنها شخصية جريئة وقوية، فتميزت ملابسها بالألوان الساخنة، مثل اللون الأصفر، بالإضافة لأناقة ملابسها، التي توحي بمكانتها الاجتماعية، وعلى الرغم من هذا الشكل الظاهري لها، إلا أنه مع تصاعد بعض المواقف الدرامية (لسارة) مع صديقاتها، نكتشف الشخصية الحقيقية الداخلية لها، وأن هذا التظاهر بالقوة والجرأة، يختبئ في ثناياه امرأة تشعر بالخوف من الفشل والكسرة مرة أخرى، فهي مثل أي امرأة ترغب في الشعور بالحب وتكوين الأسرة، ولكن علاقاتها الفاشلة في الزواج، دفعتها لتقييد نفسها في شخصية جامدة لا تكترث لمشاعرها، فهي شخصية بداخلها اضطراب في الثقة بمن حولها، أو خوف من كشف حقيقتها الكامنة، التي ستُفْقِدُهَا بالطبع مكانتها، التي عرفها الناس بها، وقد تمكنت من تأدية هذا الِانفعال حين انفجرت غضباً على صديقتها (منار)، بسبب اعتقادها أنها سجلت لها كلامها، هذا التحول الذي يصدمك في شخصيتها، ويجعلك تتعاطف معها في الوقت ذاته.
وتقابل شخصية (سارة) شخصية (سحر) المرأة المتزوجة الأم التي نستكشف أيضاً من حكيها وانفعالاتها، أنها تحيا حياة زوجية روتينية، مع زوج تقليدي يرغب في أن تقطع علاقتها بصديقتها (سارة) خوفاً من أن تكون سبباً في تدمير أسرتهم، ومن خلال التصادم بين (سحر) و(سارة) في بعض الحوارات الدرامية، نعلم أن (سحر) هي أيضاً ظاهرها غير باطنها، فعلى الرغم من أنها الشخص الفكاهي في الجلسة، إلا أنها تحمل بداخلها حزناً ورتابة من حياتها الزوجية التعيسة، فهي ترغب في أن تُحيي بداخلها شعور الِانطلاق والتخلص من الوضع الذي وصلت له مع زوجها، وفي ذات الوقت ترغب في الحفاظ على أسرتها، هذه هي الأنثى، وعنصر الملابس أيضاً، أكد على شخصية (سحر) الروتينية، فظهرت ترتدي حجاباً وبلوزة وتنورة، وقد تميز أداء (سحر) الِانفعالي سواء في الجانب الفكاهي، أوفي لحظات الحزن والغضب، اللذين هما شعوران متضاربان تماماً، ولكنها تمكنت من تأديتهما بحرفية.
ننتقل لشخصية (نوران)، تلك الفتاة قليلة التجارب، التي لم تتفتح عيناها الورديتان على قبح الحياة، فهي تعاني من انتقادات لتأخرها في الزواج، فنظراً لطبيعة معيشتها، التي كونت شخصيتها نجدها أيضاً تعبر عن قضية مهمة جداً، مازال المجتمع يعمل على نشرها، وهي نعت الفتاة بالعانس، إذا لم تلحق بقطار الزواج، هذا الأمر الذي يسبب ضيقاً، وصراعات، واضطرابات لدى المرأة، ويجعلها في بحث دائم عن رجل تتزوجه، لدرجة تصل إلى قبولها لأي شخص مهما كانت سماته، ولكن نجد أن (نوران) تعبر عن مكنونها الداخلي، أنها بالفعل في احتياج لوجود نصف آخر يكملها، ولكن ليس أي رجل، بل رجل تشعر معه بالأمان، يغمرها بالحب والِاحتواء، وحين نتأمل هذه الحالة، نجد أنها تعبر عنا جمعياً، هذه هي الأنثى، بمنتهي البساطة.
أما شخصية (منار)، التي تم الاجتماع من أجلها في الأساس، لمناقشة قرار ذهابها لمقابلة العريس، هي تعبر عن فئة كبيرة من الفتيات، اللاتي يصلن لمرحلة من التشتت، خاصة في موضوع زواج الصالونات، لأنه نابع عن أسباب كثيرة، فليس من السهل على المرأة اتخاذ قرار مهم مثل ذلك، خاصة أن طريقة التفكير في هذا الموضوع في العصر الآني، تختلف كثيراً عن الماضي، وتواجه (منار) تخبطات كثيرة في هذا الموضوع، نظراً لِانقسام أراء صديقاتها، ويمكن للمشاهد استنتاج رأي كل شخصية في هذا الموضوع.
عنصرا الموسيقى والإضاءة لعبا دوراً مهماً في تعزيز الحالة الشعورية لكل شخصية، حين تحكي وتصف مشاعرها الخاصة، فتنوعت الإضاءة ما بين اللون الأصفر، الذي يشير للإضاءة المعروفة في معظم الكافيهات، واللون الأبيض، الذي يشكل بؤرة الشخصية أثناء التعبير عما بداخلها، بمصاحبة الموسيقى المتناغمة مع تلك الحالة.
هل يتشابه العرض مع مسلسل (حكايات بنات)؟
مع تتابع الأحداث، وجدت أن هذا العرض يذكرني بمسلسل (حكايات بنات) الجزء الأول، نظراً للحالة التي اختلط فيها الِانسجام بالمشادات والتناقضات، هي نفس الحالة بين أربع الصديقات في (حكايات بنات)، ونجد أيضاً بعض السمات الدرامية، التي تتشابه بشكل ما، مع شخصيات العرض، فنجد مثلاً شخصية (حورية فرغلي) في المسلسل تشبه (سارة) في العرض من حيث المكانة الِاجتماعية، والجرأة، والقوة، والضعف في نفس الوقت، وشخصية (ريهام أيمن) تشبه شخصية (نوران) في قلة التجارب وشعور التردد، وشخصية (صبا مبارك) تقابل شخصية (سحر) من حيث المرح والِاحتواء، و(دينا الشربيني) تقابلها شخصية (منار) في ترددها في بعض الأحيان، وفكرة التجمع في الكافيه، يشبه نفس مشاهد التجمع في المسلسل أيضاً، والذي اعتمد فيه أيضاً على وصف لجميع المشاعر والصراعات، بداخل كل شخصية فيهن.
أمازال هناك أمل؟
(بيت روز)، أو يمكن القول قلوب روز كما قالت (سارة) في وصفها لمشاعرها “قلبي كان زي اللون الروز” كان اختيار الِاسم موفقاً، ويتماشى مع فكرة وحالة العرض، فقلوب النساء حقاً تشبه اللون الوردي المفعم بالحيوية والشعور، ولكن بمجرد إصابتهن بخيبات أمل وتصادمات بالحياة، يبهت رونق هذا اللون، و لكن من ناحية اخرى، مازال هناك أملٌ في البوح بكل ما يدور بداخلنا، وهناك بالتأكيد من سيستمع لنا، ويدرك ماهيتنا، فقد اتخذ حديني خطوة الاستماع لتلك المشاعر والصراعات، وقدمها لنا ببراعة وسلاسة، بطريقة تتلاحم مع الجمهور، وخاصة النساء، ويمكن القول والرجال أيضاً، لأنهم بالطبع أدركوا، وسيدركون الكثير من هذا العرض.
ومن الإشارات المميزة في العرض، تشغيل فيلم الباب المفتوح في شاشتي التلفزيون، حيث يتناسب مع حالة الشخصيات، التي تعبر عن محاولة المرأة للصمود في مجتمع متناقض، يمثل ضغطاً عليها، ويضعها في قوالب اجتماعية تقيد ماهيتها، وتسبب لها كل هذه الِاضطرابات، نجد عدم ذكر شخصية النادلة كثيراً، وذلك بسبب مساحة دورها الصغير، تلك النقطة فقط تؤخذ على المؤلف المخرج، كان من الممكن إضفاء مساحة أكبر لها.
وأخيراً شكل العرض تناغم بجميع عناصره، فيمكننا أن نرى ذاتنا في مرآة المجتمع، دون خوف أو قيود، ومازالت لدينا الفرصة لحب طبيعتنا، كما خلقها الله سبحانه، دون الحاجة للتظاهر بشخصيات زائفة، وما دُمنا قادرين على تكوين ذاتنا، وتقبلها، سوف تظل قلوبنا باللون الروز.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ كاتبة ــ مصــر