محمد الروبي: الـ”ديو دراما”… خدعة كبرى تم تمريرها على أنها “مصطلح”.


محمد الروبي★
( الناقد الكبير محمد الروبي رئيس تحرير مجلة مسرحنا ، يخص مجلة نقد x نقد بوجهة نظره المغايرة حول” الديودراما ” عبر مقال ينشر للمرة الأولى)
نعم، هكذا أقولها دون لفّ أو دوران: إن مصطلح “الديودراما” هو أكبر خدعة لغوية دخلت المسرح العربي في السنوات الأخيرة.
خدعة ساذجة، مكشوفة، لكنها – ويا للعجب – وجدت طريقها إلى المهرجانات، والبوسترات، ولجان التحكيم، والحوارات التلفزيونية، وكأنها حقيقة أكاديمية لا تقبل الجدل.
ولأن السكوت في هذه الحالة نوع من التواطؤ، فلا بد من قولها بصوت واضح:
لا يوجد في العالم مصطلح اسمه Duo Drama ، لا في كتب المسرح، ولا في الجامعات، ولا في أدبيات النقد.
هذا المصطلح… مُختلَق، نُحِتَ في لحظة فوضى، ورَوَّجَ له من لا يُفَرِّقُ بين الوصف والمفهوم.
ولمن لا يعرف ، أو يعرف ويتجاهل ، فإن المصطلح الغربي الذي تم خطفه وتحريفه هو Two-hander play، وهو مجرد وصف عددي لمسرحية من شخصيتين، لا أكثر.

وصفٌ يمكن لأي طالب في السنة الأولى أن يعرف أنه وصف تِقني، لا نوعاً فنياً، ولا مدرسة، ولا تياراً.
لكن بعض هواة البريق قرَّروا تحويل هذا الوصًف البريء إلى “مصطلح” عربي جديد.
ولأننا نعيش زمناً تُمرَّرُ فيه الأخطاء إذا صيغت بإنجليزية جذّابة، فقد وجد الـ” ديودراما” بيئة مثالية للانتشار… والضحايا: جمهور ومسرحيون وأساتذة جامعات، قَبِلوا به بلا سؤال.
الأكثر إيلاماً في هذا الأمر هو السؤال: كيف يسمح أستاذ مسرح لنفسه بالمشاركة في مهرجان عنوانه الأساسي “خطأ”؟ كيف يبرر ذلك أمام طلابه؟ أمام قارئ بسيط؟ أمام ناقد مبتدئ؟
أم أن الدِّقَّةَ الأكاديمية تسقط عندما تأتي “دعوة” مختومة بالشعار الرسمي للمهرجان؟
ولنسألْ هؤلاء سؤالاً فاضحاً آخر:
إذا كانت مسرحية الشخصيتين اسمها «ديو دراما»، فماذا سنسمي مسرحية الثلاث شخصيات؟ ” تريو دراما”؟ والأربع؟ “كوارتيتو دراما” والعشر؟ “ديكا دراما”؟
هل سنحوّل المسرح إلى جدول رياضي؟ أم إلى لعبة كلمات متقاطعة؟
أعرف مسبقاً أن هناك من سيتبجح ويسأل : (وماذا عن المونودراما ؟) أليست نوعاً مسرحياً يعتمد على العدد واحد ؟ لا يا سيدي ، المونودراما ليست فقط لأنها قائمة على شخصية واحدة ، بل هي تحمل فلسفة درامية كاملة : اِعتراف ، وخطاب داخلي، وعلاقة خاصة مع الجمهور ، وتقاليد مسرحية ممتدة.
المونودراما شكل فني له جذور وفلسفة وتاريخ.
أما “ديودراما ” فلا تمتلك أياً من هذه الجذور، هي فقط محاولة لتسمية شيء لم يحتج يوماً إلى تسمية، إنها مجرد اصطناع، يبيع الوهم تحت شعار “الاِختلاف”.

الحقيقة المؤلمة هي أن هذا المصطلح انتشر، لأنه وجد جمهوراً لا يسأل، ونقاداً لا يعترضون، وأساتذة لا يريدون إزعاج “العلاقات العامة”.
ولذلك أقولها بوضوح: الـ”ديو دراما” ليست مصطلحاً ، بل هي علامة على أزمة أكبر، أزمة تفريغ المصطلحات من معناها، واستبدالها بفقّاعات لتسويق مهرجانات بلا أساس.
وأخيراً أقول وأمري إلى الله :إن لم نسارع بالتوقف عند الغريب والشاذ من الأسماء وفضحه، سنجد أنفسنا غداً أمام “كوادرو دراما” و”بنتا دراما” و”أوكتو دراما” و..و.. وكلها ستُباع على أنها “مدارس مسرحية جديدة” تُبنى عليها مهرجانات مسرحية جديدة، يستفيد منها مهرجانيون جدد مالاً و سلطة.
★رئيس تحرير مجلة مسرحنا




