مسرح

بدر الأستاد: في ” قمرة” الهزاع…نحن جميعا مذنبون؟!

 

بدر الأستاد★

في كل عام يُخَرِّجُ المعهد العالي للفنون المسرحية العديدَ من الطاقات الشابة المتميزة، وخاصة في الإخراج ، من هؤلاء المخرج الشاب “هاني الهزاع”، الذي صنع له اسماً ضمن أسماء المخرجين المتميزين في مهرجان الشباب عاماً بعد عام.
أحبَّ “هاني الهزاع” المسرح السوداوي، وقدَّم له العديد من الأعمال في هذا النمط ، ليجىء عرضه الأخير ” قمرة” تماشياً مع هذا النهج، بَدءاً من ديكوراته، التي تكررت خاصة في الديكور المتحرك، والتي ورغم تكرارها إلا أنها تحمل بصمة خاصة، كما ظهرت بتوهج مع نجوم العرض في مسرح الدسمة.


فمن تأليف عبد الرزاق بهبهاني، وبطولة عبد الله البلوشي ، وعبدالرحمن الفهد ، ومهدي دشتي ، وحمد الكندري.
اِفتُتِحَ العرض في البداية بمجموعة من الاستعراضيين، وهم يُحيون ميلاد طاغية جديد ، أو إنسان جديد، سُرعان ما يتحوَّل المشهد إلى غرفة الاعتراف مابين القسيس، والمذنبين مطلقاً صيحته بأننا جميعنا مذنبون، حتى حين نشكي ذنبنا لمن هو أساس الذنب.
فرغم أن النص لا يحمل رمزية مباشرة للقسيس ، ولكن يتضح ذلك في البداية في ظل وجود الأسماء الأجنبية، وخصوصاً فكرة الاعتراف للقسيس، والتي هي من أكثر الأفكار الدارجة في الدين المسيحي، ولكن هناك علامة استفهام مابين القسيس ..؟؟ وفكر الرجل الشرقي ..!!
في بداية مشهد الاعتراف، الذي أدَّاه “حمد الكندري” ، الذي أبدع في الأداء، وهو يُعَبِّرُ عن ابنته القاصر، التي زَوَّجها لرجل كيير في العمر، فرغم قساوة الاعتراف، إلا أن “حمد” لم يُعَبِّرْ عن حزنه بطريقة ميلودرامية فجة ، رغم حواراته المليئة بالشَّجَن، وخصوصاً أن “حمد الكندري”، اِشتُهِرَ في دعمه لزملائه الفنانين، ولكن في هذه المسرحية، تَفَرَّدَ “حمد” ليبرز طاقته الفنية، وبالفعل استطاع أن يُعَبِّرَ ويُوصِلَ مشاعره مبتعداً بشكل تام عن الميلودرامية ..الفخ الذي يقع فيه بعض الفنانين، ليظن أنه يستطيع أن يؤكد مؤهبته.

ثم ينتقل المشهد، ليبين أن القسيس لديه نفس الذنب ..!! وهنا علامة استفهام على هذا المشهد ؟؟؟
يتحوَّل المشهد بعدها إلى اعتراف آخر، وهو الزوج الذي يكتشف خيانة زوجته، ولكن رجولته لا تسمح له بذلك، فهو يحمل أفكار الرجل الشرقي المسلم، بعيداً عن القالب المسيحي، الذي اعتمده العرض ، فالفكر المسيحي مختلف في تناول وضع الزوجة، التي يمكن أن تشاركه في منزله و ماله، ولكن حوار الزوج كان يوضح فيه، أنه هو صاحب المال وهو صاحب المنزل، فابتعد ابتعاداً تاماً عن خط العمل المنتمي للديانة المسيحية .

وسُرعان ما يتحوَّل أيضاً إلى مشهد فلاش باك يتضح فيه أن زوجة القسيس أيضاً خائنة، وهنا علامة استفهام في النص: كيف لقسيس أن يكون متزوجاً، وأن يكون لديه ابن ..؟؟ فالقسيس عليه أن يكون غير متزوج، وخصوصاً حين يكون دارساً علم اللاهوت!.
أما عن المشهد، الذي مَثَّله “مهدي دشتي” فرغم ابتعاده في البداية عن الميلودرامية، إلا أننا لا نعلم لِمَ لجأ لها في النهاية، ظناً منه أن الابداع في مخاطبة الوجدان بدل العقل، ويدخل في المبالغة في التعبير الذي يضعف أدواته، وهو يُصِرُّ عليه معتقداً بأن الجمهور سيعتبره موهوباً لو فعل ذلك !!!
أما الشخصية التي جَسَّدها “عبدالرحمن الفهد” ، الذي كان يعطي أكثر من تفسير، وهو يحاسب القسيس، فتارة نجدها تُمَثِّلُ الضمير، وأحياناً كانت تعطي بُعداً آخرَ، كون القسيس هو الذي يصلي للرب دائماً، فكانت تعطي أبعاداً فلسفية ، فحتى ما يتم اكتشافه بأنه هو الروح، التي قتلها، لِيُبَرِّئَ نفسه من جريمة.

ورغم أننا ضد الميلودرامية في الأداء، إلا أننا نتفق في أدائه الميلودرامي، حينما كان يخاطب والدته، ولكن لا يستطيع إيصال ما يُشْعِرُ كونه روحاً، فكم من المؤلم حينما نريد التعبير عن ما بداخلنا ، ولكن لا أحد يسمعنا، فكانت الشخصية هي روح تُمَثِّلُ أرواحنا جميعاً.
الديكور المتحرك، والتكرار مابين مشهد وتوضيحها بأن القسيس له ذنب، هذا التكرار أصبح واضحاً للجمهور؛ لذا لم يكن هناك من داعٍ للتكرار ، ثم إن الحوار بَيَّنَ بأن القسيس هو القاتل ، فلماذا تم توضيحه مجدداً في مشهد فلاش باك ( كان الأفضل أن يتم إيضال الفكرة بمشهد تعبيري )
السينوغرافيا أعطت بُعداً فنياً جمالياً على شخصية القسيس، فكان الفاصل بين المذنب هو باب أشبه بالزنزانة ، فكان يعكس شخصية القسيس السجين للذنب الذي فعله.
حيث في النهايه تقوم شخصية القسيس – التي مَثَّلَها عبدالله البلوشي – بالانتحار.

الفكرة التي يأخذها العرض، بأننا جميعنا مذنبون، وأن الاعتراف هو الحل للتخلص من الذنب ، فالشخصيات تشعر بالراحة بعد الاعتراف بالذنب ..؟؟ لكن السؤال المطروح ; هل الانتحار هو الحل للتخلص من الذنب كما فعلت شخصية القسيس التي كانت هو وراء كل الخطايا والذنوب؟
رغم اسم العمل( قمرة ) الذي يُعطى لنور القمر، وكأنه يقول بأن كل ما احتك الظلام ضوء القمر هو بصيص للأمل، و في نهاية العمل كان الاستعراضيون يحملون ضوءاً ، وكان أيضاً لإيصال فكرة الأمل.

هاني الهزاع

النص يحمل عدة تأويلات، وخصوصاً أن شخصية القسيس تعطي أبعاداً جميلة ، وخصوصاً بأننا غالباً ما نُسْقِطُ الذنب على الشيطان، فهل من نطلب منهم الصلاة من أجلنا هم الشياطين أنفسهم ؟ هنا نجد معنى آخر، و أن الإنسان هو شيطان نفسه.
ختاماً ، أبدع “هاني الهزاع” في عرضه، رغم تكرار السوداوية وفكرة الديكور المتحرك ، ولكن النص يحمل عدة تأويلات ، وهذا ما يُمَيِّزُ عرض “قمرة” ، إضافة إلى أن إيقاع العمل، كان متماسكاً طوال العرض، مع انسجام الممثلين مع بعضهم البعض.


★ناقد ـ الكويت.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى