منة الله حازم: “قلب الكون” عندما يُحَرِّفُ مسرح الهواة النص!
منة الله حازم ★
هل كان يعلم دانتي أليجيري عندما بدأ بكتابة واحدة من أعظم الملاحم الإيطالية أن مينوس، حارس بوابة الجحيم سيكون هو من يجذب الصالحين إلى الجحيم، وأنه سيكون من أتباع لوسيفر الأقوياء، الذين يبعثون الشر فى نفوس البشر الضعيفة؟.
قدمت فرقة جمعية بور سعيد للفنون المسرحية، على مسرح السامر، مسرحية “قلب الكون” للكاتب المسرحي أشرف عتريس، والتي تُعتبر من أهم مؤلفاته المسرحية، التي كانت تدور حول رحلة دانتي للجحيم، والمطهر،ثم إلى الفردوس؛ ولكن بطريقة درامية خاصة بأشرف عتريس، والتي اعتبرها بعض النقاد أنها تشبه المسرحية الشعرية بسبب أنها يغلب عليها الطابع الشعري العامِّيِّ الذي كان يتقنه عتريس. فالنص المسرحي يدور حول سين، الذي يجد نفسه في غابة، ويضطر أن يمر بالعديد من المراحل، وهو يبحث عن وطن، وإجابات لتساؤلاته عن الحياة التي تغيّرت؛ تنتهي المسرحية دون أن تتبين لنا الإجابات بشكل كامل، فالمسرحية ذات فصل واحد؛ ولكنها تنقسم لستة مشاهد، يمر من خلالها سين، بعدة مراحل (الشبكة- بركة الدم- كهف الندم- قصر الكرم- السجن-المحكمة).
وبعد أن تعرَّفنا بشكل مُبَسَّط على النص المسرحي يجب أن نلقي نظرة على العرض، الذي قدمته فرقة من فرق الهواة خلال مهرجان مسرح الهواة فى دورته ال 20، والذي قد جذب انتباهي من المعلومات التي كتبت عن العرض أنه من تأليف أشرف عتريس، وإخراج أحمد السمان، مما كوَّن لي صورة أننى سوف أرى النص على خشبة المسرح؛ ولكن مع بعض التغييرات البسيطة، التي تناسب الزمن المعاصر، ورؤية المخرج الخاصّة؛ ولكني تفاجأت عندما أدركت أن النص حدث به العديد من التعديلات التي غيّرت مجراه.
فبالنسبة للمكان فقد اختار أشرف عتريس، أكثر من مكان في نصه، أما المخرج فقد قرّر توحيد المكان، وهذا يقع تحت رؤية المخرج الخاصّة، ولا يوجد به أي مشكلة، حيث كان الديكور ينقسم إلى مستويين الأول والأعلى هي بوابة الجحيم التي كان يحرسها مينوس، وأمامها عرشه، والذي يُعتبر أيضاً تمثيلاً لعرش إبليس، وعلى جانبي خشبة المسرح منصات التعذيب، التي يجلس عليها المعذّبون؛ ليتلقوا عقابهم فى بركة الدم، مثل المشنقة، ومنصة لصلب المُعذب، وبعض الحجارة.
حيث كان يتم استخدام جهاز البريجكتور؛ لتصور شكل الجحيم والعذاب، الذي يقع على البشر، ففي بداية المسرحية نرى شكل القمر والعتمة، التي يعيش فيها البطل والمعذّبون، بجانب الإضاءة التي كان يغلب عليها الضوء الأحمر، وهي إضاءة نارية ثابتة على المسرح تحت عرش مينوس؛ لتؤكد على مكان بوابة الجحيم، ثم تدرجات لبعض الألوان الأخرى، مثل الأخضر والبنفسجي والبرتقالي؛ التي عند دمجها يظهر الحالة النفسية، التي يعيشها البطل.
أما إذا نظرنا لباقي العرض نجد أن هناك بعض المشاهد المحذوفة، التي جعلت العرض يختلف عن النص الأصلي بشكل كبير، ففى البداية يبدأ مينوس، بتعريف نفسه، وقوته؛ لنعتقد أنه هو إبليس نفسه، ونجد سين، مستلقياً على الأرض ملتفاً بكفن أبيض، وكأنه قد مات، والآن جاء وقت الحساب، حيث يحاول مينوس، أن يجعل نهايته هو الجحيم، ويقنعه أنه من المعذّبين، من خلال تجسد مينوس، فى شكل والد سين؛ لنرى أن جريمة سين، هى قتله لوالده التي صوَّرها له مينوس، وهذا يتنافى مع مقدمة النص الأصلي، الذي يبدأ بمونولوج على لسان سين، فى الغابة.
هذا بالإضافة إلى تغيير بعض الأدوار، مثل شخصية غزال الصياد، الذي يتواجد بشكل دائم في النص الأصلي منذ ظهوره مع البطل سين، ولكن في العرض يظهر في مشهد واحد، ثم يترك البطل، وقبل خروجه يتحول من مساعد للخير إلى تابع لمينوس، الذي كان يمثل الشيطان، أو أحد أتباع إبليس.
حتى شخصية مينوس، التي رأيناها على المسرح، اِختلفت بنسبة كبيرة عن النص الأصلي، وكأن للعرض بطلين هما مينوس وسين، وهذا أيضاً كان يختلف عن النص الأصلي، فكان مينوس، طوال العرض يحاول أن يقنع سين، أن البشر مذنبون، ويجب أن يُعذبوا، وأن على البشر إذا أرادوا أن يُرحموا من العذاب، فيجب عليهم طاعته.
وكان من الأفضل أن يتم ذكر أن النص مستوحى، أو مأخوذ عن نص أشرف عتريس، مما يناسب رؤية المخرج والزمن المحدد للعرض.
وما سبب لي التشتت أثناء العرض، ومن أكبر عيوبه هو الصوت، حيث كنت لا أستطيع أن أستمع لنصف الحوار في المسرحية، وما تحليلي هذا إلا من خلال ما قد رأته عيني من الصورة البصرية، والقليل من الجمل التي استطعت سماعها رغم جلوسي في الصف الثالث الأمامي، فكان من الأفضل أن يتم اختبار مستوى الصوت قبل العرض، بجانب توظيف بعض الشخصيات؛ التي لم أفهم رؤية المخرج لها، فقد كانت من ضمن الشخصيات شخصية الأم، التي تتذكر مع ابنتها ذكريات حياتهم الجميلة في وطنهم، والغريب رؤية فتاة صغيرة في السن تمثل دور الأم، التى تفتقر كل معالم الأمومة في الشكل والجسد، فهي فتاة صغيرة كيف لها أن تقوم بدور أم لفتاة يتراوح عمرها من ٥ لـ ٧ سنوات تقريباً.
العرض لم يبتعد عن قضايا النص التي ناقشها عتريس، مثل قضايا الوطن العربي من احتلال وظلام، وقضايا إنسانية وفلسفية؛ ولكن تم تطبيقها بشكل يجب أن يتم تعديله مرة أخرى، مع كامل احترامي لكل القائمين على العرض، فقد استطاعوا إيصال اجتهادهم وموهبتهم، أرى أن لديهم الكثير؛ لتقديم الأفضل والأفضل؛ لنراهم مرة أخرى في عروض جيدة.
★ناقدة ـ مصر.