شيماء مصطفى: “عالمي الهادىء” لإسماعيل وهدان.. بين ثقل الفرض وخفة الاختيار.


شيماء مصطفى ★
لو لم تكن تساق إلى الحرب ، هل كنت ستظفر بعالم هادىء؟ ماذا لو ألقينا بهذا التساؤل على مسامع كل من زُج بهم في نيران الحروب وويلاتها ، هل سيملكون إجابة أكثر منطقية مما لامسوه وخاضوه من تجارب جعلتهم آخرين غيرهم ؟ أم ستكون إجاباتهم تحمل بين ثناياها العديد من المبالغات لتضاهي حجم التجربة التي لا يستوعبها سوى من خاضها؟ والأخطر هل حقًا إذا لم تساق إلى الحرب هل كنت ستظفر بعالم هادىء؟ أم ستكتشف هشاشة الحياة وفراغها؟
“ إلاما سأعود؟ هل أعود ليتم إرسالي إلى الحرب مرة أخرى ، دون سلاح، ودون خطة ، ودون قيادة؛ لأكون كبش فداء لوطن هش؟”
في رواية ” عالمي الهادىء لإسماعيل وهدان” والصادرة عن دار روافد اختار إسماعيل وهدان أن يجيب عن هذه التساؤلات من خلال عدة تقنيات منها:
ـ السرد عبر الروي بضمير المتكلم من خلال شاهد عيان خاض التجربة، حتى وإن كانت زاوية واحدة بصرية لكنها مصدر أولي من جهة ومن جهة أخرى ليثبت أن الرواية رواية نفسية في المقام الأول قبل أن تكون مروية ناجٍ أو بالأحرى شاهدٍ من أرض المعركة، وقد دلل على هذا التوجه من خلال طمس معالم المكان والزمان لتجريد التجربة وتعميمها ولتعميق الرمزية التي أحدثت مفارقة مع العنوان ، إذ أن الصراع في جوهره صراعًا نفسيًّا قبل أن يكون صراعًا خارجيًّا.
“ كيف تترك كل هذه الأرانب الوديعة ها هنا..وتترك مسالمة دون أن يصطادها أحد؟… ليأكلها الثعالب أو الذئاب أو الجوارح، أو حتى البشر”
ـ الاعتماد على بعض المونولوجات الطويلة لكشف الخلفيات الاجتماعية والصراعات الشخصية، وليؤكد من خلالها على أن هناك تجارب نجبر على خوضها، تبلورنا وتعيد تشكيلنا.
“أتعلم.. عندما كنت صغيرًا، وعدت نفسي أنني لن أموت قبل أن أرسم ، وعدت نفسي أنني لن أموت قبل أن أرسم لوحة تضاهي جمال كل شيءٍ في هذا الكون…… لكن مع الوقت، علمت أن الرسم ليس مكتوبًا له أن يكون طريقًا للحياة. هو وسيلة للقدرة على استمرارها. لذا وعدت نفسي بلوحةٍ واحدة فقط، لا أكثر.. فقط لكي لا أترك هذا العالم بدون أن يعلم أنني أحببت الرسم”
ص 68 في النسخة الإلكترونية على أبجد.
كما أفصح من خلال حوار الراوي مع رادن في صفحة 81 عن كراهية شديدة من الطرفين للحرب.
” أنا لست محاربًا، أنا لم أقتل لوطن، ولا دين، ولا شعب، أنا حاربت الحرب نفسها”
وقد وظف ذلك لإبراز طبيعية البشر في المزايدة بمجاراة النص القرآني ” أنا أكثر منك مالًا وأعز نفرًا” ولكن هنا كانت المزايدة في الألم. فقد حاول كل من رادن وجِرم من خلال حوار بسيط المزايدة على بعضهما أيهما أكثر ألمًا رغم خسارتهما.
” أنت لم تكره الحرب أكثر مني، أنت لم تجرب ألم اليقين بأنك ستموت الآن”
أما فيما يخص “عالمي الهادىء” الذي تصدر غلاف العمل كعنوان، يجعلنا نتساءل عن ماهية العالم الهادىء: هل هو ما قبل إجباره على الذهاب إلى الحرب ؟أم ما بعد الذهاب لرادن والعمل معه بعدما منحه فرصة ثانية فأصبح العالم الجديد الذي انتمى إليه عالمه الهادىء ليؤكد على أن الوطن هو آخر نقطة ينتهي عندها تفكيرنا في الهروب؟
وعن لفظة العالم فقد تم ذكرها في أغلب المواضع ـ سبعة مواضع ـ داخل النص مقرونة بالنهاية ” ولكن من أفضل المواضع التي نجح الكاتب في توظيف هذه المفردة تلك المقرونة بالتغيير الحقيقي الذي عرضه من خلال تجربة الراوي البطل لتبدأ بتغيير نفسك قبل أن تطمح لتغيير العالم لأن الهدوء الحقيقي ينبع من الداخل.
“إذا لم أغيره سأحاربه”
وعن كلمة الهادىء فوردت في سياقات عدة ” المدينة الساحلية الهادئة ، الحياة الهادئة ، المعسكر الهادىء” فقد ارتبطت بشكل أكبر بالطبيعة الجغرافية أكثر من ارتباطها بالنفس البشرية لاسيما في البداية كون البطل لم يكن في البداية ليعثر على سلامه الداخلي، ومع ذلك فقد كان لديه أمل وتطلع إلى حياة مغايرة حتى وهو داخل ميدان القتال.
“ قابلت أسطورة حقيقية سأعيش لأحكي عنها”
ورغم دقة الكاتب في ذكر بعض التفاصيل وتوظيفها إلا أن الاستعراض اللغوي من خلال بعض المفردات لم يكن موفقًا لا من حيث الدلالة وحسب بل أيضًا من كونها لم تعد تستخدم في النصوص المعاصرة كـ: سرمدي، صمت هنية، دلف إلى الغرفة جيش كامل، وحملونا إلى الخارج.
فعلى سبيل المثال يستخدم الفعل دلف للتعبير عن الدخول بتريث وتثاقل، ولكن هل جيش كامل يدخل غرفة بتريث؟ بمعنى هل جيش كامل يمكن أن يخشى اقتحام غرفة بها بضع أفراد؟ ولهذا كان من الأفضل لو وضعنا الفعل اقتحم بدلًا منها، أو حذفنا كلمة كامل من الجملة.
فضلًا عن بطء الإيقاع في بعض المواضع التي طغى فيها السرد الوصفي على الحدث، كما جاءت بعض المونولوجات فلسفية طويلة حول مفهومي جدوى الحرب والحياة بطريقة يشوبها بعض التكلف ، فضلًا على أن التركيز على التجربة الذاتية تغافل عن تفاصيل الحرب الواقعية.
ورغم هذه الهنات إلا أن العمل رحلة مهمة وثرية كتبت لتضعنا أمام عدة تساؤلات حول الحياة والحرب وأنفسنا، كما وضع القادة أمام تساؤل ربما لو سأله لجنوده، يتراجع عن قرار الحرب: هل حقًا تريدون الذهاب إلى أرض المعركة ؟ ليجيب أحدهم إجابة تتأرجح بين ثقل الفرض وخفة الاختيار.
★سكـرتيـرة التحـريـر.




