مسرح

رنا حافظ:في مسرحية “لو ” …كيف يوقعنا الحرمان في الخطايا ؟!

رنا حافظ

لما استعصى الشيطان، ففقد نوره، لم يسعَ إليه بقدر ما سعى لنزع النور ممن حوله، وقيل في حادثة خروج آدم من الجنة: إنها مجرد حادثة غيرة، وقيل: إنها مجرد انتقام، ولكن ألم يكن ذلك حرماناً؟ ألا يمكن أن يكون قوله” أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين” ما لا يرمي إلى الاستحقاق بقدر ما أراد به أن يصف شعوره بالحرمان من حقه، أأراد أن يُسْجَدَ له كما سُجِدَ لآدم؟ أم أنه لم يعرف أصلاً الحرمان، حتى وجد التقدير قد جيء به إلى آدم؟

والحق أن الرواية القرآنية لقصة آدم لهي مبعث للكثير من التفكير من منظور “الحرمان” كونها تتكرر حتى الأزل، لقد امتلك آدم كل ما كان في الجنة، ومع ذلك قال: لو أني أكلت من الفاكهة التي حُرمتُ منها! فيردُّ الشيطان في نفسه: لو أنني كنت مكان آدم!، ونحن نردِّدُ: لو أننا وُجِدْنا في الجنة، أو على الأقل لم نوجد من الأساس!

في مسرحية (لو) التي عُرِضَتْ أمسِ ضمن العروض التجريبية في مهرجان “باكستيج” خلال اليوم الثالث الموافق الرابع من شهر نوفمبر 2025، مستهدفة صراع النفس بين الخير والشر، وامتزاجها بين هذا وذاك في صيرورة واحدة، وسُوط (الضمير) بينهما يضرب على وتر النفس الإنسانية، هل سيتحمل الإنسان ضربات الحرمان، التي تغلي عروقه أم ينصاع كما انصاعت جيوش قبله لرغباتها وشرورها؟

قامت المسرحية على مبدأ التماثل العكسي ذي الجانب الدلالي، سواء على مستوى التكوين البصري، فنرى الخشبة مقسومة إلى نصفين متساويين: الأبيض على اليمين ممثلاً الخير(القناعة) بسرير وعلّاقة ملابس بيضاء إضافة إلى الكرسي، يقابله الأسود ممثلاً الشر(القنوط)، أو حتى على المستوى النصي؛ حيث يصور أمامنا الحدث الواحد فيمرر على أحد الجوانب، ومِنْ ثَمَّ يعرض مرة أخرى على الجانب الآخر؛ لنختبر الطبيعة الإنسانية ما بين هذا وذاك.

أياً كانت الأحداث الاعتيادية، التي يتعرض لها الجانبان، فالأمر ليس بذي أهمية بقدر الفكر، الذي يعرضه كل جانب منهما؛ حيث يتسلل من الجانب “الشرير” صوت مُشَوَّهٌ مكسور، إن صح التعبير يمكننا أن نطلق عليه الصوت المتعطش للخير، صوت جائع يعاني الحرمان لا بسبب شيء إلا بسبب فكره العقيم.

وظهر الكثيرون ممن وَصَفُوا الأشرار وبالأخص السيكوباتيون المضطربون بـ”عديمي التعاطف” مثلما جاء في مشهد المتسول، الذي جاء يسأل الصدقة، ولكن الحقيقة – كما جاء على لسان الباحث “ماثوي تيلبرت” – أنهم يفتقرون إلى الكفاءة الأخلاقية، فأفعال السيكوباث يمكن أن تُعبّر عن ازدراء، أو قسوة حقيقية، حتى وإن لم تصدر عن فهمٍ أخلاقي صريح.

الأمر أشبه بمن حَدَّ نفسه في دائرة نفسه، فلم يفهم ما دونها، وآخر يشمل بكلماته ومشاعره الآخرين، حتى يفهم الجوهر والذات الحقيقية، فمن حَدَّ نفسه ظل يصارع الماضي بأخطائه، ويؤنب نفسه، بل ومن أحبوه بصدق على محبتهم، أو حتى تقديم العون لهم، أما الآخر، من كان علمه وعقله قد اتسع لما هو أبعد من رؤياه، قد سبقت يده القول، فأعملها ليبني بها المستقبل، ولم يقف على الأطلال يندب حظه لما جرى له.

في نهاية المسرحية، عندما وقعت حادثة التعدي وما نتج عنها من طفل بريء، كانت التربة الطيبة كفيلة بأن تشفي المصاب، بينما تكفلت الأرض القاحلة بأن تسلب الطفولة براءتها، وتحوِّل البذرة(الطفل) إلى علقم مُرٍّ، فشجرة مسمومة، تقتل زارعها.

تلك النظرة ولو أنها تبدو تشاؤمية، لكنها تقع ضمن نطاق المنطق، ولكن الواقع – في جملة أحداثه – يخرج عن نطاق منطقنا الطبيعي، ذلك الأب القانط إن مارس قنوطه على ابنه، ففي الأغلب لن ينشأ مجرماً، بل سيخلق طفلاً مثالياً، يحمل العديد من العُقَدِ العدوانية، محاولاً أن يخلق منه صورة للشخص الذي تمناه، أو على الأقل يحقق من خلاله ما لم يستطعه هو ، أي يستخدم هذا الطفل كوسيط بينه وبين مبتغاه، وهذا ما يطلق عليه الرغبة المثلثة، وهي النظرية، التي وضعها الناقد الفرنسي “رينيه جيرار”، والتي تقوم على فكرة أن الرغبة الإنسانية ليست مباشرة، بل تَمُرُّ عبر وسيط، وهذا الوسيط يتبعها السبيل، إما إعجاباً أو خوفاً، وكلاهما بلا وعي، فإن فاق لوعيه فض الحلقة، وانتهى.


★ خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية ـ الكويت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى