رأي

سارة عمرو: تلاقي المصالح الثائرة

سارة عمرو★

وسائل التواصل بين البشر موجودة مُنذ قديم الأزل…لكنها تختلف باختلاف العصور… ولقد شهدت المجتمعات على مدار العقود الماضية تطورات تكنولوجية سهلت على أفرادها الحياة، وجعلتها أكثر راحة ويسراً، ولكن ليس الأمر كله خير، فكما أن للتكنولوجيا أثاراً إيجابية، فإن لها في المقابل أثاراً سلبية عديدة، فهي لم تعد تقتصر على الأعمال الإلكترونية فى العمل والتقدم في الاكتشافات والاختراعات، بل أصبحت داخل كل منزل، وبيد كل فرد بجميع المجتمعات، وبجميع الأعمار، وبأشكالها المختلفة، لقد أصبحت التكنولوجيا سلاحاً ذا حدين، ففيها الأشياء النافعة التي سوف تعود علينا بالفائدة الكبيرة إن أحْسَنَّا استخدامها، وهي تتحول إلى كارثة، ولعنة إذا أسأنا استخدامها، حيث يحتاج جميع أفراد المجتمع إلى فهم الطريقة الصحيحة، التي يجب اتباعها عند استخدام وسائل التكنولوجيا المتعددة، لأن الكثير من العوامل التكنولوجية ساهمت في إحداث التغيرات الاجتماعية المختلفة، فقد أعرب مخترع أول جهاز هاتف محمول في العالم عن ذهوله من مقدار الوقت الذي يهدره المستخدمون حالياً على هواتفهم، وطالبهم بعدم الإفراط في استخدام هواتفهم المحمولة، ناصحاً بأن يستمتعوا ويستفيدوا من أوقاتهم وحياتهم بشكل أفضل، بدلاً من إهدار الوقت على الهواتف، بحسب ما نشرته صحيفة “نيويورك بوست”.. ومما يجدر ذكره أنه في عام 1973، وبينما كان العرب يحققون أعظم انتصار في التاريخ الحديث في حروب أكتوبر المجيدة، كان الأمريكي مارتن كوبر على موعد مع اختراع الهاتف المحمول.

وسنتحدث هنا في هذا المقال عن التأثير الإيجابي للتقدم التكنولوجي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، والتي من أهمها في وقتنا الحالي الهاتف المحمول، الذي أحدث طفرة في عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، خصوصاً مع ظهور وسائل التواصل الِاجتماعي المتعددة، أو ما يُعرف (بالسوشيال ميديا)… فبضغطة زر واحدة، يصل لملايين الناس حول العالم أخبار حادثة انفجار ما في قارة أخرى….أو فضيحة لرئيس ما في أحد البُلدان…أو أخباراً عن إرهاصات حرب عالمية ثالثة،  كما حدث فور هجوم روسيا على أوكرانيا…ففي غمضة عين كان الملايين من الناس حول العالم على معرفة، ودراية بالأحداث الجارية، وبقرار بوتين الحرب على أوكرانيا ….وقد اتخذت أوكرانيا ومن ورائها حلف الأطلسي من السوشيال ميديا سلاحاً أساسياً ضد روسيا، لشن حرب إعلامية لقلب الرأي العام، والعالم بأكمله، من خلال عرض المجازر، و جرائم الحرب التي ترتكبها روسيا على حد زعم أوكرانيا ومن يناصرها….وقد استقبل العديد من الناس تلك القضية على محملين:

الأول: اُناس استقبلوا الحرب بشكل ساخر، ليس سُخرية على ما أصاب أوكرانيا بالتحديد، ولكن كفكرة حرب عالمية ثالثة بشكل عام…منهم المصريون الذين لم تسلم من ألسنتهم وكتاباتهم تلك الفكرة…فعندما أصبح موضوع الحرب العالمية الثالثة (ترنداً) اِنطلق الشباب المصري يُغرد على تويتر وسائر منصات التواصل الاجتماعية الأخرى، بسلسلة من التعليقات الساخرة، والقصص المصورة، التي تُعبر عن حاله الحرب كالآتي:

وهناك اُناس قد رأوا ان الحرب ليست مادة للسُخرية، وأنه لا يجب أن نسخر من آلام وظروف الآخرين، خصوصاً بعد ظهور صور للشعب الأوكراني في مُعاناته أثناء إجلائهم، والتي تظهر خوفهم الشديد، ولنا في الشعوب العربية في لبنان والعراق وليبيا وسورية واليمن، الذين هَجَّرتهم الحروب، تجارب سابقة وآلام مشتركة من هذا القبيل.

على غرار الحرب العالمية الثانية، وبسبب الظروف السياسية، والعالمية، والِاقتصادية، اِرتفع سعر الدولار في مصر في مارس الماضي (2022)، ومازال في حالة تزايد…وعلى أثر ذلك أطلق رواد التواصل الِاجتماعي حملة ساخرة على تلك القضية بسبب غلاء الأسعار، وانخفاض قيمة الجنيه المصري عالمياً

لطالما كانت السوشيال ميديا بمنصاتها صوتاً لهؤلاء الذين لا يجدون الحق على أراضيهم حين يخذلهم الإعلام والصحافة…وهي الباب السري الذي ينفتح على كل أنحاء العالم ويصعب غلقه…. فقد حُلَّتْ بسبب السوشيال ميديا العديد من القضايا، والكثير من المشاكل، عندما أصبحت رأياً عاماً…لذلك يسعى كل مظلوم ليُحافظ على حقوقه، بنشرها على منصات التواصل، طلباً للمساعدة…وهذا تحديداً ما حدث في فلسطين ـــ في حي الشيخ جراح في عام ٢٠٢١…. الذي اُجْبِرَ سُكانه على التهجير القسري، بأمر من محاكم الِاحتلال، وترك منازلهم وأراضيهم لإسكان المستوطنين…حين فَجَّرَتْ منى الكُردي إحدى الشابات الفلسطينيات التي كانت عائلتها مهددة بالتهجير القسري القضيةَ في السوشيال ميديا، حتى أصبحت رأياً عاماً على مستوى العالم…

وبينما كان الإعلام العبري والغربي يُحاربها، كانت الشعوب تجول الشوارع بحثاً عن حقوق الفلسطينيين في بُلدان مُختلفة…. وردَّاً على ذلك، ازدادت جرائم الِاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني، فأصبحوا يصوبون أسلحتهم، وعنفهم تجاه المُصلين في المسجد الأقصى، وساحته حتى يعتقلوا ويقتلوا الناس، وكذلك الأطفال، فكان ردُّ المقاومة الفلسطينية في غزة بالقصف العنيف عليهم، فأصبحت حرباً يتحاكى بها العالم بأسره، لمدة لا تقل عن خمسة عشر يوماً فأكثر…. ما أن تضرب إسرائيل، حتى تردَّ المقاومة في غزة.

مظاهرات في شوارع فلسطين بأكملها، جرائم الِاحتلال، والمستوطنين ضد العرب، كل تلك الأحداث، والضغوطات، والمفاوضات انتهت بعدم التهجير لعائلة منى الكردي، وبعض عائلات الحي، لكن مازال قرار التهجير قائماً في ذلك الحي، فقضية حي الشيخ جراح لم تنتهِ، ولم تنصفهم محاكم الِاحتلال، ولن تنصفهم، وهناك العديد من الأحياء، والمناطق مثل حي الشيخ جراح تماماً، يتم تهجير أهلها قسرياً، ويُجبرون على هدم منازلهم بأيديهم.. كانت في ذلك الوقت منصات السوشيال ميديا ذات تأثير كبير في تلك القضية، حيث إن رواد مواقع التواصل، كانوا يدافعون، وينشرون عن فلسطين، وحي الشيخ جراح، والأقصى تحت ما يعرف في وسائل التواصل بالـ (هاشتاج)…بجانب ذلك لم تكن المواقع نفسها مُساعدة لذلك كثيراً، مثل موقع الـ Facebookالذي كان يزيل المنشورات المتعلقة بقضية فلسطين   وإرهاب الِاحتلال، بحجة مخالفة المعايير…حيث وصفته منى الكردي تلك الناشطة السياسية وبنت فلسطين، بأنه يئد القضية الفلسطينية…ولكنها قد انتشرت بالفعل، واتخذ رواد المواقع فعلاً إيجابياً بتقييم المواقع على الـ Appstore تقييماً سيئاً لذلك التطبيق، إلى أن انخفض تقييمه لنجمة واحدة.

هنا تظهر قوة السوشيال ميديا…الإعلام الجديد لهذا العالم، وهو الإعلام الوحيد الذي لا يستطيع تحريف مطالب الشعوب، وحقوقهم، فمن يرغب في تفجير قضايا، أو التعبير عن شيء لا يد لتلك المواقع لتُكمم أفواه الناس…وإنما للجميع كامل الحرية، في التعبير عما يُفرحهم أو ما يُزعجهم…. وهذا ما يفعله الكثيرون والفتاة فلسطين واحدة منهم.

فلسطين هي شابة، قد نشرت على أحد مواقع التواصل الِاجتماعي منشوراً، تشتكي فيه من تصرفات والدها، حيث حكم عليها هي وأخواتها بالتفرق في بُلدان مُختلفة، بسبب الحرب في فلسطين….فبالتأكيد فعل الأب ذلك بدافع الخوف، ولكن فلسطين الفتاة لم تكن ترغب في ترك أهلها، وبلادها، وهذا الحدث الذي قام به والدها، ولكن الحرب فعلياً أجبرتها على الهجرة وكان ذلك لصالحها…هي وأخواتها الأخريات التي استشهدت منهن واحدة، عندما قررت الرجوع، والعيش في بلدها بجوار أهلها…طرحت فلسطين تلك القضية على إحدى المجموعات في تطبيق الـFacebook محاولة البحث عن حلول، لتُقنع والدها، بأن ترجع لبلدها المُحتل.

وكما أن وسائل التواصل الِاجتماعي تواكب عصر السرعة والتقدم العالمي…. إلا أن هناك اُناساً يستغلونها في أمور سيئة لمصالحهم، كالترويج لخبر كاذب من أجل زيادة عدد المُشاهدات، ومواكبة ما يُعرف بـ (الترند) أو الظهور كبهلوانات، وتحويل أنفسهم لمسوخ من أجل جني الأموال فقط، وهناك من يرتكب جرائم بشعة كالِاتجار بالبشر، أو السرقة، أو تلفيق التُهم أيضاً….فهي كأي صناعة بشرية في العالم، لم تسلم من يد البشر….بجانب ذلك يرى البعض أن للسوشيال ميديا تأثيراً سلبياً، حيث إنها جعلت من التباعد الِاجتماعي الواقعي شيئاً مفروضاً…وأنها تبعث على الِانعزال عن العالم، وقد تُسبب اضطرابات نفسية، وتخلق شخصيات غير متزنة لشدة انعزالها….وبرغم ذلك مازالت السوشيال ميديا تكبر يوماً بعد الآخر، وتتوسع في مجال الإنترنت بمنصاتها التي تسعى للتطوير مُستقبلاً…حيث يسعى صُناع البرامج الِاجتماعية كالـ Facebook  وTwitter  وInstagram إلى التطور، وفتح آفاق جديدة لعالمهم….وظهر ذلك في أكتوبر الماضي، عندما أعلن مارك زوكربيرغ – مؤسس الفيسبوك، ومالك شركه ميتا (فيسبوك سابقاً) المسؤولة عن معظم منصات التواصل الِاجتماعي حالياً في مؤتمر Connect عن مشروع يُدعي (ميتاڤيرس)…  وميتا في اللغة اليونانية تعني: ما وراء، وڤيرس تعني: العالم، فيصبح المعني هو (ما وراء العالم؟) …. وهو عالم جديد افتراضي (خيالي) بأكمله مُشابهٌ تماماً للواقع، يعتمد بشكل كُلي على نظارات الـ VR وهي اختصار لـ Virtual Reality أي: الواقع الِافتراضي…. فنرى من خلال الفيديو الترويجي أن عالم الميتافيرس، هو عالم أشبه بالواقع، متنوع به كل النشاطات، التي من الممكن أن تتخيلها…وشخصيات هذا العالم هي شخصيات افتراضيه بتقنية الهولوجرام، والأڤاتار.

يمكنك تصميم منزلك، وبناء عقارات بنفسك…يمكن في هذا العالم استحضار الموتى، وإعادتهم افتراضياً بتقنية الهولوجرام…. يمكنك القيام بالعديد من الأنشطة، كأن تسافر وأنت في منزلك، لأي دوله تُريد، أو أن تُقابل صديقاً لك في اليابان وأنت في مصر…. ويُمكنك أن تُلاعب تلك الشخصيات الهولوجرامية عل أرض الواقع، من خلال استحضارهم بنظارات إلكترونية مُستحدثة، وتلعب معهم الرياضة، كلعبة كرة السلة، أو كرة القدم، أو تجتمع أنت وصديقك في دولة أخرى، لحضور حفل موسيقي حي لأحد المشاهير، وحولك العديد من الشخصيات الهولوجرامية.

والأفاتار…. الأمر أشبه بخلط مستويات الواقع بالخيال، وهو أمر يصعب حدوثه، لكنه ليس مُستحيلاً في ظل التقدم التكنولوجي.

يمكنك أيضاً الذهاب للفضاء، وأنت في منزلك بشخصيتك الهولوجرامية

كما يمكنك السفر للماضي، والتعرف على الحضارات القديمة كالحضارة الفرعونية، والحضارة الفينيقية، والحضارة البابلية، والحضارتين الإغريقية والرومانية، وغير ذلك من الحضارات الأخرى.

يمكنك أيضاً ممارسة العديد من الرياضات كالمُلاكمة، والرماية، والمُبارزة، كما يمكنك مبارزة شريك هولوجرامي، وفور انتهائك، تنزع نظارتك، فيختفي.

في هذا العالم يوجد مبانٍ وعقارات، ودول بحدودها تماماً، كما الواقع…ويوجد منصات مسؤولة عن ذلك، حيث تُحاكي تلك الدول، وحكوماتها بحدود أراضيها كالشركات الآتية:

(The SandBox – Decentraland – Cryptovoxels – Somnium Space) وهذا يدفع المُستثمرين على أرض الواقع، للِاستثمار في ذلك المشروع، الذي يُعد مشروع القرن المستقبلي، وذلك من خلال شرائهم لأراضٍ افتراضية، وعقارات، ومبانٍ، وهناك مشاهير بالفعل بدأوا في الِاستثمار، وشراء أراضٍ في الميتافيرس، بمبلغ يتراوح ما بين ٤٥٠ إلى ٥٥٠ ألف دولار، منهم مادونا، وسنوب دوغ.

يري البعض أن للسوشيال ميديا أضراراً كثيرة…وبظهور مشروع الميتافيرس، واتساعه مُستقبلاً، سيُسبب المزيد، والمزيد من الأضرار على المستوى الِاجتماعي والِاقتصادي والثقافي…حيث إن أضرار الإنترنت العادية، ستتضاعف بسبب ذلك العالم الِافتراضي، وستزيد من حدة العُزلة، والتباعد الِاجتماعي الواقعي، والانفصال عن الواقع…حتى الآن، لا نعلم أيَّ شيء جديد، سوى ما قاله مارك في الفيديو الترويجي لذلك المشروع، لكن يتوقع البعض أنه سيكون نقلة مُختلفة، وطفرة في عالم التكنولوجيا، وكما أن له إيجابيات، سيكون له بالطبع أضرار جسيمة.

ومن الممكن أن تندلع حروب بسببه، أو حتى من خلاله، فكُلُّ شيء حديث ومتطور، يندرج تحت بند التكنولوجيا، هو شيء مُسْتَغَلٌّ بالتأكيد…لذلك وحتى الآن، كل ما نملكه، بجانب التوعيه من أضرار التكنولوجيا الزائدة، هو الِانتظار، ورؤية ما سيحدث مستقبلاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

★ كاتبة ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى