تشكيل

براء عضيبات: رحلة بصرية في لوحات الفنان الأردني طارق تيسير العتوم.

براء باسم يوسف عضيبات

الفن التشكيلي هو وسيلة بصرية للتعبير عن القيم الإنسانية والثقافية، حيث يتيح للفنانين تحويل مشاعرهم وأفكارهم إلى أعمال فنية تحمل في طياتها هويتهم وتجاربهم. في القرن الثالث عشر الهجري، بدأ العالم العربي يهتم بشكل متزايد بالفنون التشكيلية، متأثراً بالفنون السائدة في بلاد النيل وشمال الجزيرة العربية. وقد شهدت الفترة بين القرون العاشر والحادي عشر والثاني عشر تحولات كبيرة في مجال الفن، حيث كانت مرحلة محورية استطاعت من خلالها الفنون الحفاظ على عناصرها التقليدية في البداية، ثم تطورت بشكل تدريجي لتأخذ طابعاً مميزاً يعكس استقلاليتها وابتكارها. (بوكر، 2024)
يُعدّ الفنان الأردني طارق تيسير العتوم واحداً من الأسماء التي تعكس تنوع الفن التشكيلي الأردني، بأسلوبه الذي يجمع بين العناصر التقليدية والتوجهات الحديثة، مما يجعله موضوعاً جديراً بالدراسة والنقد. (حافظ، 2018).
تمتاز لوحات العتوم بقدرتها على الجمع بين البساطة الجمالية والتفاصيل المعقدة، حيث تأخذ المُشاهد في رحلة بصرية تعكس العلاقة بين الإنسان والبيئة المحيطة. تتنوع موضوعات أعماله بين ما هو مستوحى من التراث الأردني وما يُعبّر عن قضايا إنسانية معاصرة، ما يجعلها لوحة تفاعل بين الأصالة والحداثة.
يهدف هذا البحث إلى نقد الأعمال الفنية للفنان طارق تيسير العتوم، من خلال دراسة لوحاته واستكشاف التقنيات والأساليب الفنية التي يستخدمها. سيتم التركيز على العناصر الجمالية في أعماله، وطريقة توظيف الألوان والخطوط لإبراز الأفكار والمشاعر التي تحملها. بالإضافة إلى ذلك، سيتناول البحث تأثير البيئة الثقافية والاجتماعية على إنتاجه الفني ومدى انعكاس ذلك في التعبير البصري لأعماله.

الفن التشكيلي الأردني

في مقال نُشر في صحيفة الرأي بتاريخ 2 يناير 2010، استعرض الفنان مهنا الدرة، الذي يُعد من رواد الفن التشكيلي في الأردن، المراحل الأولى لتطور الحركة التشكيلية في المملكة. وأشار إلى أن بداية هذه الحركة تعود إلى فترة ما قبل منتصف القرن العشرين، حينما ساهم كل من الفنان اللبناني عمر الانسي والفنان التركي ضياء الدين سليمان في تعزيز الوعي الفني في الأردن. حيث وصل سليمان إلى عمان في عام 1930 بعد دراسته في فرنسا، وقام بإقامة معرض فني كبير في فندق فيلادلفيا عام 1938. كان هذا المعرض بمثابة نقطة تحول، إذ أسهم في تنشيط المشهد الفني المحلي.
وفي عام 1951، تم تنظيم أول معرض جماعي للفنانين الأردنيين من قبل اللجنة الفنية للمنتدى العربي، الذي أسسه الراحل إبراهيم القطان. شارك في المعرض مجموعة من الفنانين المبدعين مثل إحسان إدلبي، وفاليريا شعبان، وكوثر شاهد، ونهاية هاشم، وهشام حجاوي، ومهنا الدرة، ورفيق اللحام. وقد شكل هذا المعرض، في سياق تاريخي وثقافي محدد، بداية لظهور الحركة التشكيلية الأردنية بشكل جاد.
وفي نفس العام، تأسست “ندوة الفن الأردنية”، التي تعتبر أول تجمع للفنانين في الأردن. وكان الهدف من هذه الندوة تشجيع العمل الجماعي والتعاون بين الفنانين. وفي 1952 أيضًا، أسس الدكتور حنا الكيالي معهد الموسيقى والرسم في عمان، وكان الفنان الإيطالي أرماندو برونو يشرف على إدارة المعهد.
أواخر الخمسينيات شهدت إرسال الحكومة الأردنية لأول بعثة من الفنانين لدراسة الفن في الخارج، حيث تم إرسال كل من رفيق اللحام، ومهنا الدرة، وأحمد نعواش، وكمال بلاطة إلى أكاديمية الفنون الجميلة في روما. مع بداية الستينيات، بدأ هؤلاء الفنانين بالعودة إلى الأردن ليواصلوا نشاطهم الفني ويساهموا في تعليم الرسم في المدارس الثانوية.
ومع عودة هؤلاء المبعوثين، بدأ النشاط الفني يتزايد بشكل ملحوظ، كما تضاعف عدد المعارض الفنية في عمان والقدس، إضافة إلى تنظيم المحاضرات الفنية. في هذا السياق، بدأت وزارة السياحة الأردنية بالمشاركة في المعارض الدولية، حيث كان معرض نيويورك عام 1965 هو الأول من نوعه، وتبعه معارض في عدة دول مثل بغداد ودمشق وباريس وروما وكوبنهاجن وبرلين.
وفي عام 1966، تم تأسيس دائرة الثقافة والفنون التابعة لوزارة الإعلام، والتي كان هدفها دعم الفنون التشكيلية والمسرحية والموسيقى والأدب. هذا الدعم الرسمي أسهم في تطوير الحركة التشكيلية الأردنية، مما كان له دور بارز في تعزيز المشهد الثقافي والفني في المملكة. (وزارة الثقافة الأردنية)
لقد ظلَّ المكان الأردني يشكل ركيزة أساسية في التعبير الفني للعديد من الفنانين التشكيليين الأردنيين، الذين استعانوا بعناصره الطبيعية والإنسانية لتكوين أعمالهم الفنية. فبفضل تجسيدهم للتضاريس الجغرافية والخصوصيات الثقافية والاجتماعية، استطاع هؤلاء الفنانون أن يعكسوا تفاصيل الحياة اليومية التي تعيشها المجتمعات الأردنية، معبرين عن قيمها وتاريخها العميق. من خلال أعمالهم، أصبح المكان يمثل مساحة رمزية تتداخل فيها الذاكرة التاريخية مع الواقع المعاصر، حيث ينتقل الفنان بين تصوير الأماكن الواقعية، مثل المدن والقرى، وبين التجريدات التي تهدف لاستكشاف الهوية الفردية والجماعية للمجتمع الأردني.
إن حضور المكان في الفن التشكيلي الأردني يتجاوز كونه مجرد عنصر بصري، إذ يمتد ليشمل الارتباط الروحي والوجداني بين الفنان وبيئته المحيطة. فقد عمل العديد من الفنانين على إضافة بعد فلسفي لتمثيل المكان، معتبرين إياه ليس مجرد نقطة جغرافية، بل ككيان حي يتسم بالحركة والتفاعل، مؤثرًا بعمق في تشكيل هويتهم الفنية. وعلى هذا النحو، أصبحت أعمالهم بمثابة رحلات بصرية تدعو المشاهد إلى اكتشاف معالم المجتمع الأردني، حيث يبدو أن المكان ذاته يروي قصصًا مليئة بالعواطف والتجارب، ويعرض تقاطعات بين الماضي والحاضر، بين الفكر والحياة. (عصفور، 2012)

النقد الفني في الأردن

لقد بدأ النقد الفني التشكيلي في الأردن يتبلور مع بداية ازدهار الفنون التشكيلية في الساحة الثقافية الأردنية، وهو ما كان في السبعينيات من القرن الماضي، ثم شهد هذا المجال تطورًا ملحوظًا في الثمانينيات والتسعينيات. في بداياته، كان النقد التشكيلي يعتمد على الوصف الأدبي البسيط، ولكن سرعان ما انتقل إلى النقد الانطباعي، ليصل في نهاية المطاف إلى النقد التحليلي العلمي المتأثر بالمدارس النقدية العالمية المعروفة. هذا التحول في منهجية النقد يعود إلى تعدد المرجعيات الثقافية لكل ناقد ورؤيته الشخصية للحياة، فضلاً عن تأثره بالأطر الثقافية والصحفية السائدة آنذاك.
يمكن تصنيف النقد التشكيلي إلى نوعين رئيسيين، هما:
النقد الصحفي الإعلامي: الذي يتسم بالتركيز على التعريف بالفنانين وأعمالهم، الإعلان عن المعارض التشكيلية، وإجراء الحوارات مع الفنانين، بهدف تسليط الضوء على إبداعاتهم في الساحة الفنية.
النقد الثقافي الإبداعي: الذي يعتمد على الضوابط النقدية العلمية والأكاديمية، ويرتكز على تحليل الأعمال الفنية وفق معايير فنية وثقافية أعمق.
من الملاحظ أن كلا النوعين من النقد قد نجحا في إيجاد مكانة بارزة في الصحف والمجلات الثقافية، حيث قام النقاد بتطوير حوار ثقافي موسع حول الفن التشكيلي. من بين الأوائل الذين أسهموا في هذا المجال كان الفنان الراحل توفيق السيد، الذي بدأ الكتابة النقدية في الستينيات، وكذلك محمد البصراوي. في السبعينيات، انضم إليهم الفنان رباح الصغير، ثم في الثمانينيات والتسعينيات انخرط العديد من النقاد الأكاديميين مثل الدكتور مازن عصفور والدكتور إبراهيم أبو الرب في هذا المجال، بالإضافة إلى عدد من الفنانين مثل محمود عيسى موسى، إبراهيم السطري، وعدنان يحيى الذين أثروا النقد الفني في الأردن.
إلى جانب الكتابات النقدية، ظهرت العديد من المؤلفات التي ساهمت في إثراء المعرفة الفنية التشكيلية في الأردن، مثل كتاب “الفن التشكيلي المعاصر في الأردن” لذيب حماد، و”بانوراما الفن التشكيلي في الأردن” لمحمد أبو زريق وأحمد كوامله. كما تناول النقاد في مؤلفاتهم الشخصية الفنية لعدد من الفنانين الأردنيين مثل كتاب “متصوفة الفن والجمال” للفنانة الأميرة فخر النساء زيد، وكتب الأميرة وجدان علي التي تناولت الفن التشكيلي في السياقين الأموي والعباسي. بالإضافة إلى ذلك، قدم النقاد كتبًا عن كبار الفنانين الأردنيين مثل كتاب محمود عيسى موسى عن الفنان محمد مريش وكتاب محمد العامري عن الفنانة سناء كيالي. (وزارة الثقافة الأردنية)
تسهم هذه المؤلفات والمقالات النقدية في تشكيل رؤية أكاديمية عميقة للفن التشكيلي الأردني، كما تعمل على توثيق تطور هذه الحركة الفنية في السياقين المحلي والعالمي، مما يوفر قاعدة معرفية غنية للباحثين والمهتمين في هذا المجال.

نبذة عن الفنان طارق تيسير العتوم وسيرته الذاتية.
طارق تيسير عبد الحليم العتوم، فنان تشكيلي أردني مرموق، من مواليد مدينة جرش في عام 1976م. بدأ مسيرته الفنية بحصوله على درجة البكالوريوس في الفنون التشكيلية (رسم وتصوير) من جامعة اليرموك بين عامي 1995 و1999، حيث أسس قاعدة معرفية صلبة في الفنون التشكيلية. يشغل العتوم حاليًا منصب رئيس جمعية جرش للفنون التشكيلية منذ عام 2014، كما شغل منصب منسق وزارة الثقافة لمشروع “جرش مدينة الثقافة” لعام 2015. يعد العتوم من الشخصيات الثقافيا في الأردن، فقد أسهم بشكل فعال في العديد من المبادرات الفنية والإبداعية على مستوى المملكة.
بالإضافة إلى خبراته الفنية، عمل العتوم على تطوير الحركة الفنية في جرش من خلال تنظيم ورش تدريبية وعروض فنية لمختلف الفئات المجتمعية، بما في ذلك ورش خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة والمكفوفين.

الفنان طارق تيسير العتوم

شارك العتوم في معارض فنية هامة، منها معرض “Contemporary Artists from Jordan” في مدينة فينيسيا الإيطالية عام 2014، وعرض أعماله في العديد من المعارض المحلية والدولية التي لاقت تقديرًا واسعًا. كما شارك في العديد من المعارض الوطنية التي نظمتها وزارة التربية والتعليم، مثل المعارض التي رعتها صاحبة السمو الملكي الأميرة رجوة بنت علي ومعالي وزير التربية والتعليم الدكتور خالد طوقان.

في عام 2018 انطلقت مبادرة “حقوقنا واحدة” في مركز تأهيل مخيم سوف، بمشاركة الفنان طارق تيسير العتوم، وبالتعاون مع أعضاء جمعية درب جرش. تجسد هذه المبادرة في إعداد جداريات ورسومات تهدف إلى تسليط الضوء على مفهوم المساواة في الحقوق بين ذوي الاحتياجات الخاصة وأقرانهم في المجتمع، وذلك بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يصادف العاشر من كانون الأول من كل عام.

تم تنفيذ لوحتين فنيتين؛ الأولى تتناول الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها أي إنسان في المجتمع، بينما تعرض الثانية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، مُعبرة عن هذه الحقوق من خلال تعابيرهم الذاتية التي تنقل أحاسيسهم الحقيقية. وقد تم استخدام أسلوب فني مميز يجمع بين الألوان النقية والتقنيات الخاصة، مما منح هذه اللوحات بعدًا إنسانيًا عميقًا يعكس واقع هؤلاء الأفراد بأسلوب مفعم بالحب والعطاء.

وأعرب الفنان طارق العتوم عن أهمية هذه المبادرة، مشيرًا إلى ضرورة الاهتمام بهذه الفئة من المجتمع بشكل أكبر، وذلك في إطار التعاون المستمر مع مديرية ثقافة جرش التي تعنى بهذه الفئة منذ ثمانية أعوام. وفي ختام الفعالية، تم تكريم المشاركين في المبادرة من قبل الدكتور عقله القادري والفنان طارق العتوم، حيث تم تسليم الشهادات التقديرية للمشاركين تقديرًا لإسهاماتهم في هذا المشروع الفني الهادف. )حافظ، 2018.

الفنان طارق العتوم في مبادرة حقوقنا واحدة.

كما أطلق مبادرة “في كل بيت فنان” في عام 2019، وهي المبادرة التي تهدف إلى تعليم الفنون التشكيلية للأطفال وذوي الهمم من خلال ورش عمل ومعارض دورية.
في نفس العام شارك الفنان طارق تيسير العتوم في معرض الفن التشكيلي الذي نظمته رابطة جراسيا للفنون الجميلة وجمعية جرش للفنون التشكيلية في شارع الأعمدة، حيث قدم مجموعة من لوحاته الفنية التي تأخذ الزوار في رحلة من التأمل والتفاعل مع رسائل متعددة تعكس واقع الحياة والمجتمع. عرض العتوم أعمالًا تتميز بالدقة والتجريد، حيث نجح في توظيف الألوان والخطوط لإيصال رسائل إنسانية وفكرية عبر لوحاته التي تناولت موضوعات اجتماعية وثقافية.
وفي حديثه عن المعرض، أكد العتوم على أهمية إقامة مثل هذه الفعاليات في مهرجان جرش، لما لها من دور كبير في عرض الإبداعات الفنية وتقديم منصة لالتقاء الفنانين والجمهور، بالإضافة إلى قدرتها على تعزيز الهوية الثقافية المحلية. كما أشار إلى تميز هذا العام في المعرض بمشاركة عدد من الفنانين الجدد، وهو ما يعكس التطور المستمر للفن التشكيلي في الأردن.
مشاركة العتوم في هذا المعرض تؤكد التزامه المستمر بتطوير الحركة الفنية في جرش والأردن بشكل عام، عبر مشاركته الفاعلة في العديد من المبادرات الفنية والمعارض المحلية والدولية التي تساهم في إبراز الثقافة الأردنية وإيصالها إلى الجمهور بشكل مبتكر ومؤثر. العتوم، 2019.
في مجال الجداريات، عمل العتوم على تصميم وتنفيذ العديد من الأعمال الجدارية التي حملت رسائل ثقافية وتاريخية، وكان من أبرزها جدارية “ممر تاريخ الأردن” التي تم تنفيذها في مدرسة لبابة بنت الحارث في محافظة جرش، بمشاركة وزارة الثقافة. كما ساهم في إعداد العديد من الجداريات في مدن الطفيلة وجرش في الأعوام 2014 و2015 و2017 و2021.
من بين إنجازاته الكبيرة، حصل العتوم على العديد من الجوائز والتكريمات، منها الجائزة الأولى في الرسم والتصوير لمحافظات الشمال عام 2001، كما فاز بجائزة مسابقة “البتراء من عجائب الدنيا السبع” التي نظمتها منظمة اليونسكو عام 2007. كما حصل على منحة من وزارة الثقافة لإقامة أكبر عمل جداري للأطفال بمناسبة “عمان عاصمة الثقافة الإسلامية” في عام 2017. تم تكريمه عدة مرات من قبل صاحبة السمو الملكي الأميرة رجوة بنت علي، وذلك تقديرًا لإسهاماته الفعالة في المجال الثقافي والفني في الأردن، وكان آخر تكريم له في عام 2024.

 تكريم جمعية جرش للفنون التشكيلية للفنان طارق تيسير العتوم.

عُرف عن العتوم أيضًا اهتمامه البالغ بالفن كوسيلة للتواصل المجتمعي، حيث يسعى إلى إشراك كافة شرائح المجتمع في الفنون التشكيلية من خلال تنظيم المعارض التي تسهم في تعزيز الهوية الثقافية للأردن. واصل العتوم عمله الدؤوب في تعليم الفن وتوجيه الشباب نحو مجالات الفنون التشكيلية، حيث أصبح له دور بارز في إنشاء ورش العمل الفنية والتدريب على تقنيات مختلفة مثل النحت على الخزف وفن الكولاج.
على الرغم من النجاح الذي حققه على الصعيد الفني، فإن العتوم يسعى باستمرار إلى تطوير مجاله والتفاعل مع التحديات البيئية والفنية التي تواجه العالم اليوم. في عام 2024، أطلق العتوم أول مؤتمر في الشرق الأوسط بعنوان “المناخ والفن التشكيلي” الذي يعكس التزامه المستمر بالتفاعل بين الفنون والتحديات البيئية من خلال رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني.

نقد فني لأعمال الفنان طارق تيسير العتوم
في هذه الدراسة ينصب التركيز على تحليل ودراسة أعمال الفنان طارق تيسير العتوم من منظور نقدي فني. سيتم تناول أسلوبه الفني بشيء من التفصيل، مع تسليط الضوء على استخدامه المميز للألوان، ومعالجة التكوين، واستثمار العناصر الرمزية والموضوعات التي تشكل بنية أعماله. كما سيتم استكشاف الكيفية التي يوظف بها الفنان مفرداته البصرية للتعبير عن رؤاه الفكرية ومشاعره، إضافة إلى تقييم مدى تأثير هذه الأعمال في المتلقي وقدرتها على خلق تفاعل وجداني وفكري.

      لوحة فنية للفنان طارق تيسير العتوم

اللوحة تمزج بين عناصر الإنسان والطبيعة والزمن في تكوين فني يبدو رمزيًا وسرياليًا. الرجل الواقف على اليسار يتجه بنظره نحو الأفق أو البحر، وهو محاط بدرابزين معدني، مما يعطي انطباعًا بأنه يقف على متن سفينة أو شرفة مطلة على الماء. في المقابل، يظهر في الجانب الأيمن السفلي رجل آخر يجلس على الأرض في وضعية مائلة، وكأنه في حالة استراحة أو انعزال.
في الخلفية، تمتد لوحة أفقية لبحر هادئ تعلوه أشجار النخيل التي تضيف طابعًا استوائيًا أو طبيعيًا. السماء تبدو مزيجًا من ألوان متعددة تتدرج بين الأزرق والأصفر، مما يوحي بحالة انتقالية بين النهار والمساء أو ربما مشهد غروب.
العنصر البارز في اللوحة هو الساعة الكبيرة في الجانب الأيمن العلوي، التي تتجاوز حجمها المنطقي مقارنة ببقية العناصر، مما يجعلها محط الأنظار. عقارب الساعة تبدو واضحة، وتخلق شعورًا بتركيز اللوحة على مفهوم الزمن أو مروره.
الألوان المستخدمة تتراوح بين درجات دافئة مثل الأصفر والبرتقالي، ودرجات باردة مثل الأزرق والأخضر، مع توظيف الظلال والإضاءة لخلق أبعاد في اللوحة. تركيبة اللوحة متوازنة بين العناصر البشرية والطبيعية، مع وجود تباين بين الحركة الظاهرة في الرجل الواقف والثبات في الرجل الجالس. اللوحة بشكل عام تقدم تنوعًا في العناصر البصرية وتثير التساؤلات حول العلاقة بين الإنسان، المكان، والزمن.

تحليل شكلي

العناصر البصرية:
الأشكال:
يظهر شكلان رئيسيان للإنسان: الأول واقف على اليسار، والثاني جالس على اليمين. كلاهما مجسمان بطريقة تميل إلى الواقعية، بينما تبدو العناصر الأخرى مثل الساعة وأشجار النخيل أقل تفصيلاً.
الساعة: العنصر البارز في الجانب الأيمن العلوي، بحجمها الكبير وشكلها المستدير، تشكل نقطة جذب بصري وتبرز بوصفها رمزًا للزمن.
الطبيعة: يظهر البحر والنخيل في الخلفية، ما يخلق إحساسًا بالهدوء أو التأمل.

التكوين:
التوازن في اللوحة أفقي، حيث يتم توزيع العناصر بين الجانب الأيسر (الرجل الواقف) والجانب الأيمن (الساعة والرجل الجالس)، مع وجود البحر والنخيل في المنتصف لتوحيد المشهد.
الخطوط المائلة والعمودية في الدرابزين والساعة تخلق ديناميكية، بينما وضعية الشخصيات تضفي على اللوحة طابعًا تأمليًا أو ثابتًا.

الألوان:
الألوان دافئة في الخلفية (السماء والماء)، مما يخلق تباينًا مع الألوان الداكنة التي تحيط بالشخصيات والساعة.
الألوان الطبيعية (الأزرق، الأخضر، البني) تعزز ارتباط المشهد بالطبيعة، بينما تبرز الظلال الإحساس بالعمق.

الضوء والظل:
توظيف الضوء والظل يظهر بشكل واضح في الشخصيتين، مما يمنحهما بُعدًا ثلاثي الأبعاد. الظلال المحيطة تعزز الشعور بالغموض والتأمل.

الخطوط والاتجاهات:
خطوط الدرابزين توجه عين المتلقي نحو الرجل الواقف والبحر في الخلفية.
الخطوط الدائرية للساعة تسحب النظر نحو الجانب الأيمن من اللوحة.

الفراغ:
تم توزيع الفراغات بشكل متوازن، حيث تمتلئ اللوحة بعناصر رئيسية تترك فراغات متعمدة بين الشخصيات والساعة، مما يخلق إحساسًا بالمساحة والانفصال بين مكونات اللوحة.

الملمس:
الملمس يبدو ناعمًا في البحر والسماء، بينما تظهر خشونة بسيطة في الأرضية المحيطة بالشخصيات.

تحليل المعاني:
تحليل المعاني في هذه اللوحة يتطلب النظر إلى العناصر الرمزية والمرتبطة بها. كل عنصر في اللوحة يحمل معنى عميقًا يتفاعل مع الآخر ليخلق سردًا بصريًا متعدد الطبقات.
الشخصيات (الرجل الواقف والرجل الجالس):
الشخص الواقف يمثل الحركة والانتظار، ربما يشير إلى السعي أو التطلع نحو المستقبل أو الأفق البعيد. قد يرمز إلى البحث عن الأمل أو الإلهام، وهو في حالة من التأمل أو الترقب لما سيحدث.
الشخص الجالس يمثل الثبات أو الانعزال، مما يعكس حالة من الاستسلام أو التراجع. قد يشير إلى الشعور بالعجز أو الاستراحة بعد معركة طويلة، ويمثل الجانب الهادئ أو التأملي في الحياة.
الساعة الكبيرة:
الساعة، بحجمها غير المعتاد، تصبح العنصر الرمزي الرئيسي في اللوحة، مما يلفت الانتباه إلى الزمن. الساعة يمكن أن تمثل قيد الزمن الذي لا مفر منه، أو ربما ضغطه المستمر على الأفراد. توقُّف عقارب الساعة أو حجمها الكبير قد يرمز إلى إيقاف الزمن أو تضخيمه، مما يعكس كيف يمكن للزمن أن يؤثر على الشخصيات وعلى فهمهم للعالم من حولهم.
الطبيعة (البحر والنخيل):
البحر، الذي يظهر هادئًا في الخلفية، قد يرمز إلى الهدوء الداخلي أو السكون. في بعض الأحيان، قد يعكس البحر حالة من اللاوعي أو المشاعر التي هي في حالة تقلب داخلي، لكن لا يظهر ذلك بوضوح في اللوحة.
أشجار النخيل يمكن أن تدل على العزلة أو الانتماء إلى بيئة معينة، ربما تشير إلى الجذور أو إلى الهويات الثقافية التي تحدد الفرد.
التباين بين الضوء والظل:
الضوء الذي يسقط على الشخصيات يرمز إلى الوعي أو الإدراك، بينما الظلال يمكن أن تمثل جوانب مجهولة أو مخفية من الشخصيات. هذا التباين يعكس الصراع بين المعرفة والجهل، أو الظهور والخفاء في حياة الفرد.

التفسير:
المعنى الكلي للعمل الفني يعكس التوتر الدائم بين الأمل واليأس، ويطرح تساؤلات فلسفية حول طبيعة الزمن وأثره على الإنسان. الشخصيات التي تظهر في اللوحة تمثل نوعين مختلفين من الاستجابة تجاه الحياة: الرجل الواقف يرمز إلى الطموح، والحركة، والتطلع إلى المستقبل، في حين أن الرجل الجالس يمثل التراجع، والتأمل في الحاضر أو حتى الاستسلام للواقع. هذا التباين بين الحركية والثبات يتعمق مع ظهور الساعة الكبيرة في اللوحة، التي تصبح رمزًا لسلطة الزمن وحقيقته الثابتة، ما يعكس إصرار الزمن على الاستمرار في التقدم دون توقف. العقارب المتوقفة أو المتحركة للساعة قد تشير إلى حالة من التوقف أو الإبطاء للزمن، ما يؤدي إلى حالة من التوتر الوجودي بين الشخصيات ومحاولة التكيف مع مروره.
من جهة أخرى، الخلفية الطبيعية، التي تضم البحر وأشجار النخيل، تضيف بعدًا رمزيًا يرتبط بالهدوء والطبيعة الأم، لكن مع تلك الرمزية تظهر كذلك العزلة والانفصال بين الشخصيات والطبيعة من حولهم. البحر الذي يعكس الهدوء العميق قد يكون في واقع الأمر تجسيدًا للمشاعر الداخلية التي تخفيها الشخصيات، وهو بذلك يخلق نوعًا من التوتر بين الخارج الهادئ والداخل المتقلب. بينما النخيل قد يمثل الانتماء إلى بيئة ثقافية أو هوية ثابتة، يظل تأثيره على الشخصيات محدودًا.
عبر التكوين العام، يمكن استنتاج أن اللوحة تطرح تساؤلات حول كيفية تأثير الزمن على الإنسان؛ هل هو عامل محرّك للمضي قدمًا، أم أنه يؤدي إلى الشعور بالعجز والاستسلام؟ العلاقة بين الضوء والظل تبرز هذا التوتر بشكل واضح، حيث يرمز الضوء إلى الإدراك والوعي، في حين أن الظلال تمثل الجوانب الخفية أو المجهولة التي تكمن في أعماق الشخصية البشرية.
بالتالي، العمل يعكس حالة من التأمل الوجودي العميق حول الزمن، الهوية، والصراع الداخلي للإنسان، ويحث المتلقي على التفكير في كيفية التفاعل مع هذه العناصر في حياته الشخصية.

الحكم:
اللوحة تمثل تكاملًا فنيًا بين الرمزية والواقعية، حيث يتجسد من خلالها صراع داخلي بين الأمل واليأس، متمثلًا في الشخصيات المركزية. الرجل الواقف يرمز إلى الطموح والحركة، بينما الرجل الجالس يعكس الثبات أو حتى الاستسلام. هذا التباين بين الشخصيات يترافق مع الساعة الكبيرة التي تُعد العنصر الأبرز في اللوحة، حيث تشكل رمزًا للزمن وأثره الحتمي على الإنسان، مما يعكس معاناة الإنسان مع مرور الوقت وكيفية تعامله مع ضغطه المستمر. من خلال التكوين البصري المتقن، يتم توزيع العناصر في اللوحة بحيث يتم إبراز التوتر بين الشخصيات والزمن، مع وجود توازن بين الأشكال والألوان. الخلفية الطبيعية التي تضم البحر وأشجار النخيل تضيف بعدًا رمزيًا يعكس الهدوء والتأمل، ولكن هذا الهدوء يتسم بالانعزال، حيث يظهر وكأن الشخصيات في حالة من الانفصال عن محيطها. الضوء والظل يستخدمان بمهارة لإبراز الأبعاد الجسدية والنفسية، حيث يرمز الضوء إلى الإدراك والوعي، بينما الظلال تشير إلى الجوانب المجهولة أو المكبوتة في الشخصيات. الألوان المتنوعة تُظهر تباينًا حادًا بين الأجزاء المضيئة والمظلمة، مما يساهم في تعميق الشعور بالتوتر والدرامية في العمل. رغم الرمزية العميقة والموضوعات الفلسفية التي تطرحها اللوحة، قد يجد البعض أن تعقيد الرموز قد يؤثر على قدرة المتلقي في فهم الرسالة من الوهلة الأولى. كما أن توظيف الفنان للزمن كعنصر مركزي قد لا يكون جديدًا في السياق الفني، مما قد يقلل من التفرد الفني للعمل. ومع ذلك، تظل هذه اللوحة مثالًا مميزًا للفن الذي يجمع بين الجمالية والتأمل الفلسفي، مما يعكس قدرة الفنان على نقل رؤى عميقة حول علاقة الإنسان بالزمن والمكان.

     لوحة فنية للفنان طارق تيسير العتوم.

في هذه اللوحة، نرى تصويرًا لرجل مسن يجلس أمام طاولة. الرجل يرتدي قبعة زرقاء وثوبًا أحمر، بينما تتدلى لحيته الطويلة التي تحمل مزيجًا من الألوان البيضاء والذهبية. على الطاولة أمامه، توجد مجموعة من الكتب المفتوحة والأوراق، وإلى جانبها جمجمة. يد الرجل اليسرى تستند إلى رأسه، بينما تشير يده اليمنى باتجاه الجمجمة.
الخلفية مظللة بلون أخضر داكن، مما يخلق تباينًا واضحًا مع الألوان الزاهية للملابس والأدوات الموضوعة على الطاولة. التكوين العام للوحة يبرز الشخصية كعنصر مركزي، مع التركيز على التفاصيل الدقيقة للعناصر المحيطة به مثل التجاعيد، الكتب، والجمجمة.

 

تحليل شكلي
التكوين:
الشخصية تحتل مركز اللوحة، مما يعكس أهمية وجودها كمحور بصري. العناصر المحيطة بها، مثل الكتب والجمجمة، منظمة بشكل يوازن بين الجانب الأيمن والأيسر من التكوين، مما يعزز الشعور بالاستقرار.
الخطوط:
نلاحظ استخدامًا بارزًا للخطوط المنحنية في تفاصيل اللحية والملابس، مما يضيف حركة انسيابية. في المقابل، الخطوط المستقيمة التي تظهر في شكل الطاولة والكتب تعطي إحساسًا بالثبات والصرامة.
الألوان:
اللون الأحمر المستخدم في الملابس يبرز الشخصية ويوحي بالدفء، بينما الخلفية الخضراء الداكنة تُضفي عمقًا وتباينًا للألوان. الألوان الفاتحة، مثل الأبيض في اللحية والأصفر في الإضاءة، تعطي إشارات لمصدر الضوء وتعزز التفاصيل.
الإضاءة:
الإضاءة موجهة نحو الوجه والعناصر المركزية كالكتب والجمجمة، مما يسلط الضوء على التفاصيل الأساسية. الظلال المستخدمة خلف العناصر تساهم في خلق شعور بالعمق.
النسيج:
التفاصيل الدقيقة التي تظهر في ملمس اللحية وثنيات الملابس تضفي على العمل إحساسًا واقعيًا. ملمس الكتب والجمجمة مُصور بدقة، مما يعكس اهتمام الفنان بإظهار الخامات المختلفة.
النسب:
أحجام العناصر متناسبة ومتناسقة مع بعضها البعض، حيث إن الشخصية تحتل الحيز الأكبر، بينما تتوزع العناصر الأخرى بشكل لا يطغى على وجودها.
الحركة:
وضع اليد التي تشير إلى الجمجمة يخلق مسارًا بصريًا يبدأ من الوجه مرورًا باليد وصولاً إلى الجمجمة. هذا التنظيم يجذب انتباه المتلقي ويجعله يتنقل بين العناصر.

تحليل المعاني:
تحليل معاني اللوحة من منظور أكاديمي يتطلب النظر إلى الرموز والعلاقات بين العناصر باعتبارها تعبيرًا عن قضايا إنسانية وفكرية عميقة.
الشخصية المركزية (الرجل المسن):
الرجل في اللوحة يمكن أن يُنظر إليه كرمز للإنسان المفكر أو الباحث. ملامحه التي تجمع بين التأمل والتعبير الحزين قد تعكس تجربة عمر طويل مكرس للتفكير أو السعي وراء الحقيقة.
تقدمه في العمر يوحي بعمق التجربة الإنسانية، حيث يظهر كرجل تجاوز حدود الزمن ليكون شاهدًا على الصراع الأبدي بين المعرفة والفناء.

الكتب المفتوحة:
الكتب تمثل المعرفة المتاحة أمام الإنسان، وهي وسيلة لفهم العالم. وضعها المفتوح قد يدل على عملية مستمرة من التعلم والاكتشاف، في إشارة إلى عدم اكتمال المعرفة أو إلى أن الحقائق تحتاج دائمًا إلى تفسير وتأمل.
الجمجمة:
الجمجمة هنا ليست مجرد رمز للموت، بل قد تمثل عنصرًا للتأمل في حقيقة الحياة وفنائها. في السياق العلمي، الجمجمة تشير أيضًا إلى دراسة الإنسان، خاصة في مجالات مثل التشريح والطب، حيث تُعد أداة لفهم الجسد البشري.
العلاقة بين الجمجمة والكتب تدل على السعي العلمي لفهم الموت كجزء من الحياة، أو ربما محاولة فك شيفرة المجهول.
وضعية اليد والإشارة إلى الجمجمة:
اليد التي تشير إلى الجمجمة تُبرز العلاقة الوثيقة بين التفكير في الموت والسعي نحو المعرفة. الإشارة قد تحمل رسالة ضمنية تدعو للتفكير في المحدودية الزمنية التي تُفرض على البشر.
الخلفية الداكنة:
الخلفية الخضراء الداكنة تُضفي إحساسًا بالغموض والانغلاق. قد تشير إلى عمق الأسئلة التي تواجه الإنسان، أو إلى الظلام الذي تسعى المعرفة إلى تبديده.
التفاعل بين العناصر:
العلاقة بين الشخصية والكتب والجمجمة ترسم صورة متكاملة لشخصية تمثل طالب العلم أو الفيلسوف، الذي يجلس بين الأدوات المعرفية (الكتب) وبين الحقيقة الحتمية (الموت). هذا التفاعل يشير إلى جدلية الحياة والموت التي تواجه كل مفكر وباحث.

التفسير:
المعنى العام للوحة يكمن في التأمل الفلسفي حول جدلية الحياة والموت، مع التركيز على العلاقة بين الإنسان والمعرفة. من خلال الشخصية المسنّة، التي ترمز إلى الحكمة والتجربة، والكتب المفتوحة التي تعكس السعي المستمر نحو الفهم والتعلم، يتم طرح فكرة أن المعرفة هي الأداة الأساسية التي يسعى الإنسان لاكتسابها لمواجهة تحديات الوجود. الجمجمة، كرمز للموت، تعيد التأكيد على الفناء الذي يواجهه كل إنسان، ولكنها أيضًا تشير إلى دور العلم في فهم هذا الفناء.
اللوحة، بذلك، تحمل رسالة عميقة حول محدودية الحياة البشرية، ورغبة الإنسان المستمرة في البحث عن معنى في هذا العالم المتناهي، مع إدراكه أن سعيه نحو المعرفة هو عملية لا تنتهي، حتى في مواجهة الموت.
الحكم:
اللوحة تقدم رسالة فلسفية عميقة تجمع بين التفكير في العلاقة بين الحياة والموت والسعي المستمر للمعرفة. من ناحية إيجابية، الأسلوب البصري المستخدم في اللوحة يعكس توازنًا بين العناصر المختلفة، مثل الكتب والجمجمة، مما يعزز من العمق الفكري والجمالي للعمل. الألوان المتباينة والإضاءة المركزة على التفاصيل تساهم في جذب الانتباه وتوجيهه نحو المعاني الفلسفية وراء الصورة. هذا التناغم بين الشكل والمحتوى يتيح للمتلقي أن يتفاعل مع الرسالة حول محدودية الحياة وأهمية المعرفة في مواجهة الفناء.
من جهة أخرى، من الممكن أن يشعر بعض المتلقين بظلامية اللوحة بسبب التركيز على الجمجمة والموت كرمز مركزي. الخلفية الخضراء الداكنة والإضاءة الخافتة قد تساهم في خلق شعور بالكآبة أو التشاؤم. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون الرمزية المعقدة تتطلب تأملًا عميقًا لفهم المعاني بالكامل، مما قد يجعلها صعبة الوصول بالنسبة لبعض الأفراد الذين قد لا يتفاعلون مع هذه الرموز الفلسفية بشكل مباشر.

في هذه اللوحة، نرى تصويرًا لرجل في منتصف العمر يرتدي زيًا تقليديًا يعكس الطابع التاريخي. الرجل يعتمر قبعة سوداء عريضة، ويتدلى من أسفلها شعر بني طويل مموج. ملامح وجهه تحمل نظرة جادة ومركزة، مع لحية سوداء قصيرة تضيف إلى هيبته.

الزي الذي يرتديه يتميز بتفاصيل دقيقة، حيث نلاحظ أكمامًا مخططة بالألوان السوداء والذهبية، ووشاحًا باللون الأرجواني الغامق يلتف حول كتفه الأيمن وينسدل على صدره، مما يضفي لمسة ملكية أو رسمية على مظهره. يداه متشابكتان بهدوء أمامه، مما يشير إلى وضعية ثابتة ومستقرة.

الخلفية تبدو خضراء داكنة بتدرجات مختلفة، مما يعزز التركيز على الشخصية دون أي عناصر إضافية تشغل المشهد. الإضاءة مسلطة على الوجه والجزء العلوي من الجسم، مما يبرز تفاصيل الملابس وتعابير الوجه، بينما تتلاشى الأطراف في الظلال.

تحليل شكلي

التكوين: الشخصية تحتل مركز اللوحة، وهو أسلوب تقليدي يعكس أهمية الشخصية. وضعية اليدين المترابطتين تخلق تكوينًا مغلقًا، مما يمنح المشهد إحساسًا بالهدوء والتركيز على الشخصية.

الخطوط: الخطوط المنحنية في الشعر والملابس تضيف إحساسًا بالحركة والتفصيل. يقابلها الخطوط المستقيمة في القبعة والطيّات البسيطة للثوب التي تضفي ثباتًا ورزانة على الشخصية.

الألوان: استخدام الألوان الداكنة في الخلفية والملابس يعكس طابعًا جادًا. التدرج بين الأخضر الداكن والبني مع لمسات ذهبية وخطوط الأرجوان يخلق تباينًا بين الشخصية والخلفية، مما يبرز التفاصيل.

الإضاءة: تسليط الضوء على الوجه واليدين يركز الانتباه على تعابير الشخصية وتفاصيل الأيدي، مما يبرز الجانب الإنساني والعاطفي للشخصية.

النسيج: يظهر اهتمام الفنان بالتفاصيل الدقيقة، مثل ملمس القماش والخطوط الدقيقة التي تُبرز اليدين، مما يعكس حسًا واقعيًا في تمثيل المواد.

النسب: النسب هنا تُبرز الرأس واليدين أكثر من باقي الجسم، مما يُظهر أهمية تعبير الوجه وحركة اليدين كعناصر رمزية في العمل.

الحركة: القبعة العريضة فوق الرأس توجه العين للأسفل نحو الوجه واليدين، مما يخلق مسارًا بصريًا يبدأ من الرأس وينتهي عند الطاولة غير المرسومة.

تحليل المعاني
الشخصية المركزية: تعابير الوجه الجادة والمتأملة تشير إلى شخصية عميقة الفكر، ربما تعكس الحكمة أو القيادة. ملابسه المميزة تبرز مكانته الاجتماعية أو الفكرية.
اليدين: الأيدي المترابطة توحي بالترقب أو الصبر، وربما تشير إلى شخصية مفكرة تتأمل في مسار الحياة.
الملابس: الثوب المزخرف والخطوط الذهبية يعكس الثراء والاهتمام بالتفاصيل، مما قد يُظهر الشخصية كرمز للقوة أو المكانة الاجتماعية.
الخلفية: اللون الأخضر الداكن يُضفي إحساسًا بالغموض والعزلة، مما قد يعكس الحالة العاطفية للشخصية أو السياق التاريخي للعمل.

التفسير
اللوحة تُظهر شخصية غامضة يمكن أن تكون رمزًا للقوة أو الفكر. ملامح الوجه الجادة والملابس المزخرفة تشير إلى مزيج من القيادة والتأمل. الخلفية الداكنة تعزز هذا الانطباع، مما يترك المجال للمشاهد للتفكير في قصة الشخصية.

الحكم
اللوحة تتميز بتركيبتها المتقنة وتفاصيلها الدقيقة. استخدام الإضاءة والألوان يخلق عمقًا بصريًا ومزاجًا متأملًا. ومع ذلك، قد يكون عدم وجود عناصر تكميلية في الخلفية تحديًا لبعض المتلقين لفهم السياق الكامل للشخصية.

      لوحة فنية للفنان طارق تيسير العتوم .

في هذه اللوحة، يظهر رجل يرتدي ملابس بسيطة نسبيًا مقارنةً بالطابع الملكي أو النخبوي. الشخصية التي تصورها اللوحة هي لمارتن لوثر، المصلح الاجتماعي الشهير. ملامح وجهه تعكس التركيز والتأمل، مع نظرة بعيدة تحمل نوعًا من الجدية.
يرتدي لوثر قبعة داكنة وشالًا أسودًا يلتف حول عنقه، ويغطي صدره ثوب بني غامق يميل إلى الأحمر، مما يبرز تواضعه واهتمامه بالقضايا البسيطة والأساسية. يداه مشغولتان بعقد من الخرز الأحمر الذي يُمسك به، في وضعية تلمح إلى التأمل أو الصلاة. الخلفية خضراء بدرجات داكنة، مما يسلط الضوء على الشخصية ويعزلها عن أي عناصر أخرى قد تصرف الانتباه.

تحليل شكلي
التكوين: الشخصية موضوعة في منتصف اللوحة، مما يعطيها مكانة مركزية تعكس أهميتها. التركيز على الأيدي والوجه يجعل المشاهد يتوجه نحو التفاصيل العاطفية والتعبيرية في اللوحة.
الخطوط: الخطوط الناعمة في طيات الملابس وحواف القبعة تضفي إحساسًا بالبساطة، بينما تعزز حركة الأيدي المنحنية الإحساس بالهدوء والاستمرارية.
الألوان: استخدام اللون الأخضر الداكن للخلفية يمنح اللوحة إحساسًا بالاستقرار، بينما يخلق تباينًا مع الألوان الدافئة للثوب والعقد الأحمر، مما يركز الانتباه على الشخصية.
الإضاءة: الإضاءة مسلطة بشكل رئيسي على الوجه، مما يبرز تعابيره ويعطي انطباعًا قويًا عن الشخصية. الظلال الناعمة تضيف إحساسًا بالعمق.
النسيج: يظهر اهتمام الفنان بتمثيل ملمس الملابس من خلال الطيات والخطوط الدقيقة. العقد الأحمر يبدو بارزًا بملمسه المميز مقارنة بباقي العناصر.
النسب: الوجه والأيدي أكبر حجمًا نسبيًا، مما يبرز تعبيراتهما ودورهما في إيصال الرسالة. باقي الجسم يتراجع كخلفية لهذه العناصر المركزية.
الحركة: حركة اليد التي تمسك بالعقد تجذب العين مباشرة إلى نقطة التأمل، مما يدفع المشاهد إلى التفكير في رمزية العنصر الذي تحمله الشخصية.

تحليل المعاني
الشخصية المركزية: مارتن لوثر هنا يمثل شخصًا متأملًا ومكرسًا لفكرة الإصلاح. الملابس البسيطة تشير إلى تواضعه وانتمائه إلى عامة الشعب، بينما القبعة الداكنة تضفي على الشخصية طابعًا تقليديًا ومهنيًا.
العقد الأحمر: يمكن أن يمثل العقد نوعًا من الرمزية الدينية أو التأملية، خاصة إذا كان مرتبطًا بالصلاة أو التأمل. اللون الأحمر قد يرمز إلى التضحية أو الشجاعة.
الخلفية الخضراء: الخلفية الخضراء الداكنة تعكس نوعًا من العمق والهدوء، مما يشير إلى طبيعة الشخصية المتأملة والمصلحة.
وضعية الأيدي: وضعية اليدين مع العقد توحي بالتفكير أو الصلاة، مما يعكس الجانب الروحي العميق لمارتن لوثر ودوره كإصلاحي اجتماعي وديني.

التفسير
اللوحة تصور مارتن لوثر كشخصية مصلحة بسيطة ولكنها قوية. نظرة عينيه البعيدة ووضعية يديه تعبر عن التفكير العميق في القضايا الاجتماعية والدينية التي كانت محور حياته. الألوان الهادئة والإضاءة الموجهة تعزز هذا التأمل الداخلي، مما يجعل المشاهد يشعر باتصال مع الشخصية ومع رسالتها.

الحكم
تتميز اللوحة ببساطتها ودقتها في التعبير عن شخصية مارتن لوثر. استخدام التكوين المركزي والإضاءة المركزة على الوجه يعزز الرسالة الروحية والفكرية التي تحملها الشخصية. ومع ذلك، يمكن أن يشعر بعض المشاهدين بأن الخلفية الداكنة وقلة التفاصيل قد تفتقر إلى الإثراء البصري. لكن هذا التوجه يبدو مقصودًا من الفنان ليعكس بساطة وتواضع حياة لوثر ورسالة الإصلاح التي حملها.

الخاتمة:
في ختام هذه الدراسة، يتضح الدور البارز الذي يلعبه الفنان طارق تيسير العتوم في تطوير المشهد الفني التشكيلي الأردني. تعكس أعماله إبداعاً فنياً يدمج بين الأساليب التقليدية والحديثة، معبراً عن قضايا إنسانية معاصرة، مما يسهم في تعزيز مكانة الفن الأردني على الصعيدين المحلي والدولي.
وقد أظهرت الدراسة كيف يتفاعل الفنان مع البيئة الثقافية والاجتماعية المحيطة به، مستخدماً أساليب فنية مبتكرة توصل رسائل بصرية تحمل أبعاداً عاطفية وفكرية عميقة. يفتح هذا التحليل النقدي المجال أمام دراسات أوسع تسعى إلى استكشاف تأثير الفن التشكيلي الأردني في تشكيل الهوية الفنية العربية المعاصرة. وختاماً، تمثل هذه الدراسة خطوة نحو تعزيز البحث الأكاديمي في مجال الفنون التشكيلية، مع دعوة إلى مزيد من الاهتمام بالفنانين الأردنيين وأعمالهم المتميزة.

المراجع العربية:
بوكر، و. ع. (2024). الفن التشكيلي السعودي: هُوية وعالمية. مجلة الفن والتصميم، صفحة 1.
https://ifca.journals.ekb.eg/article_332821.html?lang=ar
وزارة الثقافة الأردنية. تاريخ الفنون في الأردن.
https://culture.gov.jo/AR/ListDetails/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86/113/1
عصفور، م. ح. (2012). قراءات في توظيف المكان في الفن التشكيلي الأردني. دراسات، العلوم الإنسانية والاجتماعية، 39(1)، 1.
https://academic.ju.edu.jo/m.asfour/Lists/PublishedResearches/Attachments/4/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA%20%20%D9%81%D9%8A%20%D8%AA%D9%88%D8%B8%D9%8A%D9%81%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B1%D8%AF%D9%86%D9%8A.pdf
حافظ، ه. (2018( مبادرات لدعم ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة بجرش. جريدة الدستور.
https://www.addustour.com/articles/1035869-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D9%88%D8%AF%D9%85%D8%AC-%D8%B0%D9%88%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%AC%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A9-%D8%A8%D8%AC%D8%B1%D8%B4

العتوم، ح. (2019) معارض الفن التشكيلي في شارع الأعمدة تستوقف رواد مهرجان جرش. جريدة الدستور.
https://www.addustour.com/articles/1088501-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%AF-%D9%85%D9%87%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%86-%D8%AC%D8%B1%D8%B4


★باحثة في مجال التصميم والتواصل البصري.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى