إذاعة وتليفزيون

محمد القلاف: كيف قدمت “حياة الفهد” شخصيات الأم المسيطرة بين العصا والقرار؟!

 

محمد القلاف
يُعد حضور الممثلة القديرة حياة الفهد، علامة فارقة في المشهد الفني الخليجي والعربي، لا سيما في تجسيدها المتقن لشخصية “الأم المُسَيْطِرة”، والتي تكررت في عدد من أعمالها الدرامية، ومن أبرز هذه الأعمال: “خالتي قماشة”، “سليمان الطيب”، وأخيراً مسلسل هذا العام “أفكار أمي”.
ورغم وجود تناص واضح في الإطار العام للشخصية في هذه المسلسلات الثلاث، فإن حياة الفهد، اِستطاعت أن تُبرز الفروقات الدقيقة بينها، بحيث لا يشعر المشاهد بتكرارٍ أو ملل، بل يرى في كل واحدة منها شخصية مستقلة بطباعها وأسلوبها.
يتجلى التشابه الأبرز في تمركز شخصية “الأم” بصفتها محور السلطة داخل العائلة؛ فهي الآمرة الناهية، صاحبة الكلمة العليا والقرار الأخير، تمارس نفوذها دون تردد، وتستند في حضورها وهيبتها إلى رمز أساسي: العصا.

رمزية العصا: ليست العصا هنا مجرد أداة تُستخدم للتوكؤ من قِبَل كبار السن، بل تتحوّل في هذه الأعمال إلى رمز درامي بالغ الدلالة، يحمل معانٍ تتفاوت باختلاف السياق الدرامي لكل مسلسل.
في “خالتي قماشة” تبدو العصا رمزاً تقليدياً ذا طابع اجتماعي ساخر، يعكس موروثات وعادات الأجيال السابقة؛ حيث ترتبط العصا بالهيبة والنصح والزجر المغلف بالمحبة.

في “سليمان الطيب” يكتسب استخدام العصا طابعاً أكثر صرامة، فهي امرأة مقعدة تسعى لفرض أوامرها دون نقاش، وسط قالب كوميدي لا يخلو من الجدية.
أما في “أفكار أمي” فيأتي حضور العصا أعمق وأشد دلالة؛ إذ تتحوّل إلى رمز للسلطة الأنثوية المطلقة، وتجسد تحكُّم الأم في مصير عائلتها ضمن إطار درامي حديث، يعكس واقعاً جديداً، ومن أبرز مظاهر هذا التحكم، على سبيل المثال، وضع كاميرات مراقبة في السيارة، في تناص واضح مع الكاميرات المزروعة في بيت “قماشة”.


فروق جوهرية: رغم اتحاد هذه الشخصيات في جوهر السلطة والتسلط، فإن دوافعها وسياقاتها تختلف:
في “خالتي قماشة”، تبدو الأم حنونة رغم شدتها، تُمارس سلطتها من باب الخوف والحب.
في “سليمان الطيب”، تحكمها هواجسها حول مستقبل ابنها وأمواله، فتسعى للسيطرة على حياته الزوجية والعملية.


أما في “أفكار أمي:، فهي أم محبة، لكن من منظورها الخاص، تفرض أفكارها بوصفها الصواب الوحيد.
هذا النموذج من “الأم المُحبة المتسلطة” يعيد إلى أذهاننا شخصية “ماري بارون”، الجدة المتحكمة في حياة أولادها وأحفادها، والتي تمزج بين الاستبداد والمحبة، كما تذكرنا بشخصية “مامي ديست” في الفيلم الأمريكي (1981)، التي تُمارس القسوة باسم الانضباط والحب.

الخلاصة: على الرغم من تكرار قالب “الأم المسيطرة”، فإن “حياة الفهد” قدّمت أداءً متجدداً في كل مرة، واستطاعت أن تُضفي على كل شخصية نكهتها الخاصة، وعمقها الدرامي المميز، وهذا ما يبرهن على براعتها كممثلة متمرسة، قادرة على التنقل بين الشخصيات المتشابهة بإبداع لا يُستهان يه.


★ناقد ـ الكويت.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى