مسرح

حيدر محمد الجعيفري: تجليات الميتالغة في النص والعرض المسرحي .

 

 حيدر الجعيفري★

(Metalanguage) تعني كلمة الميتالغة “ما وراء اللغة” أو “اللغة حول اللغة”. وهي مصطلح يُستخدم في اللسانيات والمنطق وعلوم الحاسوب لوصف لغة تُستخدم للحديث عن لغة أخرى.في اللسانيات: عندما نستخدم مصطلحات مثل “اسم”، “فعل”، “جملة”، أو “حرف جر”، فنحن نستخدم ميتالغة لوصف قواعد اللغة نفسها.

في البرمجة: لغة مثل Backus-Naur Form (BNF) تُستخدم لوصف قواعد لغات البرمجة، أي أنها ميتالغة تصف كيفية بناء لغة برمجية.

في المنطق والفلسفة: الميتالغة تُستخدم لتوضيح معاني العبارات أو مناقشة بنيتها، مثل التمييز بين الجملة (object language) والمستوى الذي نحلل فيه هذه الجملة (metalanguage).   

مجال المسرح حيث تم استخدام مفهوم الميتالغة في المسرح، سواء في   

ـ النصوص المسرحية أو في عروض الأداء، بعدة طرق، أبرزها: 

 الميتالغة في النص المسرحي يظهر استخدام الميتالغة عندما يتحدث النص المسرحي عن نفسه ، أو عن طبيعة المسرح. ويحدث ذلك من خلال:

المسرح داخل المسرح (Metatheatre)

عندما يحتوي العرض على مشهد يُظهر شخصيات تمثل مسرحية داخل المسرحية نفسها، مثلما في هاملت لشكسبير، حيث يقدم مشهد “الفأر المصيد” محاكاة للأحداث الرئيسية داخل القصة.

كسر الجدار الرابع: عندما يخاطب الممثلون الجمهور مباشرة ويعلقون على المسرحية أو على دورهم فيها، كما في مسرح بريخت الملحمي.

التلاعب باللغة المسرحية: عندما يناقش النص طبيعة اللغة المستخدمة في المسرح، مثل استخدام الحوار للتعليق على الحوار نفسه.

الميتالغة في العرض المسرحي

في الأداء المسرحي، يمكن أن تظهر الميتالغة في عدة عناصر، منها:

التعليق على تقنيات التمثيل: عندما يتحدث الممثلون عن أدوارهم أو يغيرون شخصياتهم علنًا أمام الجمهور.

الإشارة إلى طبيعة العرض: مثل كشف الإضاءة أو الأجهزة المسرحية لجعل الجمهور يدرك أنه يشاهد عرضًا وليس واقعًا حقيقيًا.

السخرية أو النقد الذاتي: عند استخدام المسرح كوسيلة لنقد ذاته أو تسليط الضوء على عناصره التقليدية.

في المسرح العربي

ومسرح توفيق الحكيم، وخاصة في مسرحية يا طالع الشجرة، نجد تلاعبًا بالزمن والحوار يعكس وعيًا بالعملية المسرحية نفسها.

في المسرح التجريبي والمسرح الملحمي عند سعد الله ونوس، حيث يستخدم أساليب مثل كسر الجدار الرابع والتعليق على النص المسرحي داخل النص نفسه.

في مسرحية “يا طالع الشجرة” لتوفيق الحكيم، يتجلى مفهوم الميتالغة بشكل واضح من خلال عدة جوانب، أبرزها:

الحوار الذي يناقش طبيعة المسرحية نفسهافي هذه المسرحية، يستخدم الحكيم الحوار كأداة لنقد وتحليل الفن المسرحي ذاته، حيث نجد شخصيات تتحدث عن اللغة، المعاني، والزمن داخل المسرحية بطريقة تعكس وعيًا ذاتيًا بالنص المسرحي.

التلاعب بالزمن والمكان بالمسرحية تتسم بطابعها الرمزي والتجريدي، حيث لا يوجد تسلسل زمني واضح للأحداث، مما يجعل الشخصيات تبدو وكأنها تعيش في عالم ميتافيزيقي يتجاوز الواقع المادي. هذا التفكيك للزمن والمكان هو شكل من أشكال الميتالغة لأنه يجعل الجمهور واعيًا بأن ما يراه ليس واقعًا بل تجربة مسرحية.

الشخصيات تتحدث عن اللغة والمعنى يستخدم الحكيم في المسرحية حوارات تطرح تساؤلات فلسفية حول المعاني، وكأن الشخصيات ليست فقط شخصيات درامية، بل أيضًا أدوات تحليلية للنص المسرحي نفسه. على سبيل المثال، قد نجد حوارات تدور حول معنى الكلمات أو كيفية إدراك الواقع عبر اللغة.

كسر الإيهام المسرحي يُلاحظ في المسرحية أن الشخصيات تتصرف بطريقة تجعل المشاهد يدرك أنه يشاهد عرضًا وليس قصة واقعية، وهذا يشبه تقنيات بريخت المسرحية التي تهدف إلى جعل الجمهور مشاركًا وناقدًا، وليس مجرد متلقٍ سلبي.

تداخل العوالم داخل المسرحية

في “يا طالع الشجرة”، هناك تداخل بين الواقع والحلم أو الخيال، حيث يجد البطل نفسه في عالم غريب وغير مألوف. هذه التقنية تجعل المسرحية تفكر في ذاتها، أي أنها تقدم نصًا يُحلل بنيته الخاصة، وهو جوهر الميتالغة.

توفيق الحكيم في يا طالع الشجرة يستخدم الميتالغة عبر تفكيك الزمن والمكان، طرح تساؤلات حول اللغة والمعنى، وكسر الإيهام المسرحي، مما يجعلها نموذجًا للمسرح الذي “يتحدث عن نفسه” ويجعل الجمهور جزءًا من عملية التأويل والفهم.

سعد الله ونوس هو أحد أبرز المسرحيين العرب الذين استخدموا  الميتالغة بطرق متعددة في نصوصه المسرحية، حيث جعل المسرح يتحدث عن نفسه ويكشف آلياته للجمهور. يتجلى ذلك في أعماله من خلال عدة تقنيات، أبرزها:

كسر الجدار الرابع ومخاطبة الجمهور مباشرةفي العديد من مسرحياته، مثل “مغامرة رأس المملوك جابر” والاغتصاب، تكسر الشخصيات الإيهام المسرحي وتتوجه مباشرة إلى الجمهور، مما يجعل المشاهدين ليسوا مجرد متلقين، بل مشاركين في الحدث. هذا شكل واضح من الميتالغة، حيث يصبح المسرح موضوعًا داخل المسرحية نفسها.

المسرح داخل المسرح (Metatheatre)

في “مغامرة رأس المملوك جابر”، يستخدم ونوس تقنية “المسرح داخل المسرح”، حيث يتم تقديم قصة داخلية موازية للقصة الأساسية. الممثلون يعيدون تمثيل الأحداث أمام الجمهور، مما يخلق وعيًا مزدوجًا: الشخصيات تدرك أنها في مسرحية، والجمهور يصبح واعيًا بأنه يشاهد عرضًا مسرحيًا وليس واقعًا حقيقيًا.

التعليق على طبيعة المسرح ودوره في “الملك هو الملك”، يناقش النص بشكل غير مباشر فكرة التمثيل في الحياة السياسية والمجتمعية، ويجعل الشخصيات تتحدث عن دورها في المسرح كما لو كانت تفكر في واقعها الخاص. هذا التعليق على طبيعة المسرح نفسه هو مظهر واضح للميتالغة.

الكشف عن البنية المسرحيةونوس يعمد أحيانًا إلى كشف آليات العرض المسرحي أمام الجمهور، مثل إبراز الإضاءة، تغيير الملابس أمام المشاهدين، أو جعل الممثلين يناقشون كيفية تقديم المشهد القادم. هذه التقنيات تجعل المشاهد يدرك أن المسرح ليس مجرد قصة تُروى، بل هو بناء فني يتم تحليله وتفكيكه أمامه.

استخدام السرد المسرحي 

في مسرحياته التجريبية، مثل “حفلة سمر من أجل 5 حزيران”، يخلط ونوس بين الدراما والسرد المباشر، حيث يتوقف الحدث الدرامي ليتم التعليق عليه أو إعادة تفسيره من قبل الشخصيات. هذا يجعل النص المسرحي لا يكتفي بسرد القصة، بل يناقش أيضًا كيفية تقديمها، وهو ما يُعد جوهر الميتالغة.

في أعمال سعد الله ونوس، تكمن الميتالغة في تفكيك الإيهام المسرحي، وجعل الشخصيات والجمهور مدركين لدورهم في المسرحية، إضافة إلى استخدام “المسرح داخل المسرح” والتعليق على طبيعة الفن المسرحي نفسه. كل هذه التقنيات تجعل أعماله ليست مجرد عروض مسرحية، بل أيضًا تحليلات نقدية للمسرح ودوره في المجتمع.

بالتالي الميتالغة في المسرح هي أداة قوية تجعل الجمهور واعيًا بطبيعة المسرح، وتساعد على كسر الإيهام المسرحي، مما يعزز التفكير النقدي والتفاعل مع العمل الفني.


★ناقد ـ العراق.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى