رأي

علاء الجابر: هدية العم عبد العزيز السريع القيِّمة!

علاء الجابر
وصلتني قبل أيام قليلة هدية قَيِّمَة من أخ وصديق أعتز به هو الأديب والمسرحي الكبير العزيز على قلبي، الأستاذ عبد العزيز السريع (أبو منقذ)، الذي تجمعني به علاقة وطيدة منذ سنوات طويلة، بدأت إبَّان العمل المشترك لنا في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، حين كان مراقباً للشؤون الثقافية فيه، وكنت حينذاك باحثاً في قسم ثقافة الطفل، ومِنْ ثَمَّ عملت معه في أحد مشاريع مؤسسة جائزة البابطين للإبداع الشعري، في بداية العمل على إصدار موسوعة البابطين للشعراء العرب، واستمرت العلاقة الطيبة، التي جمعتنا على المحبة والاحترام المتبادل؛ حتى اليوم.
اِستمراراً لذلك الود والاحترام، فوجئت بوصول سائقه الخاص محملاً بهديته، التي سعدت كثيراً بها، ممثلة بإصداره الجديد، عن دار كلمات للنشر والتوزيع ، تحت عنوان: 
“ثلاثية عبد العزيز السريع وصقر الرشود”، وذيل الإصدار بعنوان جانبي لثلاث مسرحيات كتبت بالاشتراك بين السريع، وصقر الرشود؛ “1 2 3 4 بم”، “شياطين ليلة الجمعة”، “بحمدون المحطة”، والتي أخرجها جميعها الرشود للمسرح، وعرضت في فترة السبعينيات .
ولعل من قرأ تلك الأعمال، يلحظ تميُّز أفكارها وجِدِّيَتِها، قياساً بعصرها؛ حيث تدور فكرة مسرحية “1 2 3 4 بم”، حول الصدمة، التي يعيشها الإنسان بعد عودته لملاذه الأول بعد غياب ثلاثين عاماً، ما الذي سيواجهه؟ وما هو ردُّ فعل المحيطين به!؟
أما مسرحية “شياطين ليلة الجمعة” ، التي انطلقت من استخدام كامل لجميع عناصر العرض المسرحي – خلاف ما كان سائداً تلك الفترة – عَبْرَ عرض عدة لوحات تتناول الحياة الاجتماعية في الكويت حينذاك، بجرأة كبيرة في كشف سلبيات العمل الحكومي، ومناقشة المعطيات السياسية السائدة حينها.


أما مسرحية “بحمدون المحطة” فجاءت لتغرد خارج حدود الوطن، وإن لم تبتعد عن هموم المواطن؛ حيث انطلقت شرارتها من فكرة للدكتور عبد الله النفيسي الأستاذ بجامعة الكويت حينذاك، تتناول حياة السائح الكويتي في لبنان، وفي (بحمدون) على وجه الخصوص كونها كانت المصيف المفضل للكويتين حينذاك، فالقارئ للنص المسرحي، يدرك منذ اللحظة الأولى كيف شكّل المكان؛ المركز الرئيس للأحداث، التي تناقشها المسرحية، سواء تلك المتعلقة بالمواطن الكويتي، أو تلك المتعلقة بمحيطه اللبناني، المتمثل في أهل (بحمدون) تحديداً، مما يؤدي إلى تصاعد درامي نتيجة العلاقات الإنسانية، وإشكالياتها.

نظرة السريع والرشود للمجتمع

من المعروف أن السريع والرشود، ينتميان إلى المسرح الاجتماعي، الذي كان سائداً في تلك الفترة، والذي يُعنى بطرح بعض القضايا، التي كانت تشغل مجتمع الكويت حينها، محملة بِالْهَمِّ السياسي، الذي يُغَلِّفُ الحياة العامة، كون الكويت قد نالت استقلالها قبل سنوات قليلة من تلك الحقبة، وشهد هذا الاستقلال، وبفعل تدفق النفط، وازدياد الدخل طفرة في حياة المواطن الكويتي، نجم عنها أن طفت على السطح بعض الظواهر الجديدة على ذلك المجتمع النامي، منها ازدياد السفر إلى الخارج، والانفتاح على الثقافات والعادات الأخرى، والتأثر السريع والمفاجئ ببعضها، ونقل بعضٍ من تلك الظواهر لداخل البلد، مما أدى لبعض الإشكاليات الإجتماعية، التي أثَّرَت في الأجيال المتعاقبة.

فكرة التأليف المشترك بين السريع والرشود .

ولأن فكرة التأليف المشترك بين السريع والرشود، تُشَكِّل حكاية بِحدِّ ذاتها، ومصدر تشويق للكثيرين، فإن الكتاب يتضمن في صفحاته الأخيرة، كيف ولماذا برزت ظاهرة التأليف المشترك بين الثنائي السريع والرشود، والتي اعتمدت على (الحاجة أم الاختراع)؛ حيث اضطر السريع أن يبحث عن نص بديل بوقت قياسي بسبب اقتراب افتتاح الموسم المسرحي، ولم يكن جاهزاً بين يديه غير نص “ضاع الديك” الذي كان يُصِرُّ على أن يكون بطله محمد المنصور، والذي كان – في تلك الفترة – مبتعث إلى لندن في دورة تدريبية.
هنا أجبره مجلس إدارة الفرقة على إيجاد نص غير النص المذكور، ولضيق الوقت، اِشترط على الفرقة أن يشاركه في تدبير النص، صقر الرشود، وهكذا كانت ولادة النص المشترك الأول “1 2 3 4 بم”؛ حيث نجح الاثنان في إنجاز النص بمدة ثلاثة أسابيع فقط، وتم كل ذلك في فترات الاستراحة في مكتبة القادسية العامة؛ حيث كان السريع أميناً عاما لها.
وأما الكتابة المشتركة لمسرحية “شياطين ليلة الجمعة”، فجاءت من فكرة بدأ السريع في وضع أولى خطواتها منفرداً، وحين قرأها على الرشود، أُعْجِبَ بها وأصَرَّ على أن يكون له وجوداً مشتركاً معه لبلورتها بالشكل، الذي ظهرت عليه فيما بعد.

عبد العزيز السريع و صقر الرشود

هكذا بدأ الاثنان الكتابة المشتركة في تلك المسرحية، التي نجحت بقوة؛ نظراً للإسقاطات، التي وجدها المجتمع شاخصة بشكل حقيقي وكبير أمامه، خلال فترة عرض المسرحية.
وانطلقت فكرة كتابة مسرحية “بحمدون المحطة” من فكرة التقطها صقر الرشود، الطالب في قسم الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة الكويت حينذاك، من أستاذه د.عبد الله النفيسي، الذي سبق له العيش لسنوات طويلة في لبنان، حين كان طالباً في الجامعة الأمريكية هناك، فكاشف الرشودُ السريعَ بالأمر، وعزما على الكتابة المشتركة بعد نجاحهما الكبير في العملين المشتركين السابقين.
ورغم وضوح الفكرة، وتشبُّع الاثنين بها نتيجة لمعرفتهما بالساحة اللبنانية؛ كونهما من عشاق قضاء الصيف في مصايف لبنان، إلا أن تنفيذ الموضوع أخذ فترة طويلة لكتابة النص، والوصول فيه إلى نظرية مفادها أن البساطة أقرب الطرق للوصول إلى قلب وعقل الجمهور، وبعد عرض المسرحية لاقت نجاحاً كبيراً.

رأي د.سليمان الشطي في الكتابة المشتركة.

كثيرة هي المقالات، التي كُتبت حول تجربة الكتابة المشتركة بين صقر الرشود وعبد العزيز السريع؛ حيث رصدت الصحف حينها، أهمية كبرى لتلك التجارب المشتركة، غير أن الأديب الكويتي المبدع د. سليمان الشطي، اِختصر تلك التجارب في عبارة مكثفة، في مقالة مهمة له جاءت في مجلة البيان، لسان حال رابطة الأدباء الكويتيين، حيث لخَّصَ الأثر بِدِقَّة حين كتب: “إذا كانت مسرحية ( 1 2 3 4 بم ) إطلالة من الماضي على الحاضر، ومسرحية (شياطين ليلة الجمعة ) إطلالة من الداخل على الخارج ، فإن مسرحية ( بحمدون المحطة ) تمثل إطلالة من الداخل إلى الخارج”.

د. سليمان الشطي.

الكتابة الثنائية في مسرحية (الصقر)

شخصياً لا يمكنني تجاوز الأثر، الذي تركته تلك النصوص، وتلك التجربة المشتركة، الأمر الذي عبَّرت عنه حينها في مسرحية (الصقر)، التي تم تقديمها على خشبة المعهد العالي للفنون المسرحية، بدعم ومساندة كبيرة من الصديق العزيز د. علي العنزي، الذي كان عميد المعهد العالي للفنون المسرحية آنذاك، كان جُلُّ تفكيري حينها أن أكتب السيرة الذاتية للمبدع صقر الرشود، بصدق وشفافية، فكان للعم عبد العزيز السريع، الدور الأكبر فيها، وكم شعرت بضيق كبير لعدم تَمَكُّنِ السريع من حضور العرض؛ حيث كان حينها يرقد في المستشفى الأميري، وحين زرته لأدعوه لحضور المسرحية، سعد جداً، ووعدني بالحضور رغم وجوده في المستشفى، لكن حالته الصحية تراجعت بعد ذلك، ولم يتمكن من الحضور، بل إن حالته استدعت سفره إلى الخارج في رحلة علاج طويلة، عاد منها ولله الحمد مشافى معافى .


نسأل الله له الشفاء الدائم، والعمر المديد؛ ليظل شمعة ثقافية تنير لنا، ولكل الأجيال الطريق؛ لنتذكر الدور الذي لعبه هذا المبدع الجميل طيب المعشر والخلق، رفقة المخرج العبقري- الذي أُحب – صقر الرشود ؛ حيث ساهما وبقوة في رفد الحياة الثقافية والمسرحية بالكويت، بالكثير من الأعمال، التي مازلنا نتذكرها حتى اليوم، والتي أفخر أنني عاصرت وشاهدت بعضها، وتجمعني بالكثير من صانعيها، وخاصة مبدعها العم “أبو منقذ”، علاقة طويلة كانت، ولاتزال حتى اليوم، مصدر سعادة بالنسبة لي؛ بحيث لا يَمُرُّ أسبوع، إلا ويكون بيننا تواصل، للاطمئنان على صحته، بل إن أخلاق “بو منقذ” تجعله في بعض الأحيان، هو المبادر بالسؤال، والتواصل معي رغم قيمته وقامته ومكانته الكبيرة، وهذا ليس بغريب على مثل هذا الجيل المتفرد، الذي تجمعني  بالكثير من رجالاته علاقة وطيدة أفخر بها.


★رئيس التحرير.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى