إذاعة وتليفزيون

سارة أشرف: دراما رمضان 2025 .. “ولاد الشمس” و”الشرنقة”، عملان يغردان خارج السرب!

سارة أشرف

بما أن الفنون جميعها تحلق وتدور في نفس المدار، حول كوكب واحد وهو الإبداع، وبما أن شهر رمضان هو موسم المسلسلات(مرئية وإذاعية) وإن كانت المسلسلات الإذاعية مهدور حقها أمام الدراما المرئية، بل حتى أمام الإعلانات، التي أصبح لها تقييم خاص بها عاماً بعد عام، ولكن يمكننا أن نتحدث عنها في مقال منفصل.


على الرغم من أن البرومو، الذي يسبق المسلسل، والبوستر الخاص به كان يلاحقنا، سواء على شاشة التلفزيون، أو التليفون عبر السوشيال ميديا، إلا أننا وكنوع من الوجاهة، اِنتظرنا الحلقة الأولى من كل مسلسل كالعادة؛ لوضع صورة واضحة للتوقع والتحليل، بل حتى للمفاضلة، وفي النهاية كل شخص مسؤول عن اختياره للعمل/ الأعمال الفنية التي يرافقها طوال الشهر الكريم.


الشرنقة..تشويق دون ابتذال!

يأتي مسلسل “الشرنقة” مفسداً لنا في لعبة الانتظار والترقب، حيث بدأت منصة watch it عرضه قبل بدء رمضان بيومين، ليبدأ رمضان، وفي حوزتنا ثلاث حلقات من المسلسل، وهو بطولة أحمد داوود ، مريم الخشت، محمد عبده، صبري فواز،علي الطيب، تأليف عمرو سمير عاطف، الذي كانت بدايته بكتابة (بكار) وأعمال فنية للأطفال، ومِنْ ثَمَّ انتقل للإثارة والتشويق في أعمال للكبار، أحببت أن نذكر أن كاتب المسلسل كتب للطفل، ومُدرك جيد للشخصية الطفولية من حيث رسمها، والأسئلة التي تدور في عقلها، وعليه جعل من حازم (أحمد داوود) طفلاً كبيراً، محاسباً، ولكن طموحه المادي ورغبته في أن يكبر ويخرج من الشرنقة، تجعله يُقدِم على عمل فاسد، فالشرنقة هنا أصبحت تُعَبِّر عن التواضع المادي، الذي يعانيه حازم، كحال كل الطبقة المتوسطة، وأيضاً عن سذاجته، وعدم فهمه لأمور حياتية بسيطة، وبالتالي تصبح أزمة البطل هي أزمة فلسفية من تلك الأزمات، التي تُعَدُّ دروساً للنضج والتعلم، فالخروج من الشرنقة يتطلب صعوبة وصبراً وصراعاً .


“الشرنقة” من إخراج “محمود عبد التواب”، الذي يحاول مع كل حلقة إثبات أن دلالات الموضوع المنوط، والأبعاد النفسية للبطل لا يُعَبِّر عنها الحوار المنطوق بين الشخصيات وبعضها فقط، فالصورة بداية من البوستر، الذي يحمل صورتين لأحمد داوود؛ دلالة على الشخصيتين الظاهرتين، الأولى حازم المحامي البسيط، والثانية للثري الذي يخوض المغامرات، ويتاجر بالمخدرات، وهو العالم الموازي، الذي يخلقه حازم عبر أحلام اليقظة، ولكن المزج والتعمق مع الشخصية الثانية يجعلنا نتوقع المزيد في الحلقات القادمة، خصوصاً أنه بادر بالكتابة، وأخبرنا أنها أحلام يقظة، ولكن ظهور الشخصيات من حلم حازم للواقع والخلط بينهما، يجعل المشاهد في حالة ترقب وتشوق لحين ظهور الplot twist في وقتها المناسب، وامتداد الخط بين ما هو حلم، وما هو واقع يجعلني اسأل هل يوجد أي تشابه بين “الشرنقة”، وفيلم “أحلام حقيقية”؟
إلى أن تأتي الحلقة الثامنة بالحل، وتسليط الضوء على نوع جديد من المخدرات، مما يعني أن كل ما شاهدناه من حلقات سابقة كان تمهيداً وتحضيراً لأزمات جديدة؛ سيواجهها البطل للخلاص والخروج من الحفرة، فها هو قدر البطل يعافر للخروج من الشرنقة؛ يقع في دوحديرة كما يقول المثل المصري الشعبي.


كنت أتمنى فقط التركيز مع نهاية الحلقة، وبداية الحلقة التي تليها، فكلمة مسلسل تأتي من السلسلة أي شيء يكمل بعضه عبر حلقات، فنهاية الحلقة الثانية بظهور محمد عبده كعميل يراه حازم، أي ليس مجرد شخصية خيالية من نسج خياله، كان المنتظرأن يتم إكمال هذا الخط في الحلقة التالية، أو عدم ظهوره مبكراً من الأساس، ولكن عزيزي المشاهد كل تأرجح وشيء تظنه خاطئاً في الكتابة في هذا المسلسل تحديداً هو خادع، لأنها الطريقة المثلى لإيضاح الحدوتة كما يسردها بطلها في عقله، البداية لمدة خمس حلقات نعيش مع حازم وأحلامه، التي نظنها أحلام يقظة، تنتهي مع موت الابن، الذي يُعَدُّ كعقاب قدري لحازم على عمله غير القانوني، والتواء في الحبكة (plot twist) بأن كل ما رأيناه لحياة حازم نظنه الشخصية ، التي خلقها حازم أنها أحلام يقظة أيضاً، وما بين التفكير في أن العقاب أكبر بكثير من الخطأ، وبين تلاشي وجود حازم من الأحداث، ونعيش مع الثري غير مدركين خطة الكاتب فيما هو قادم، يضع مسلسل “الشرنقة” نفسه في خانة التشويق والإثارة دون إبتذال، بل حتى يجعل المتفرج مُشاركاً بالتحليل في كل حلقة مترقباً للقادم.


في الإعادة إفادة !

يغيب عن أفضل المؤلفين وضع خطة للعمل الفني، بمعنى وجود فكرة مثيرة وثرية في ذات الوقت، ينجرف وراء الفكرة، ويكتب العمل راسماً الشخصيات، واضعاً أحداثاً وبهارات يعشقها المتفرج، ناسياً التسلسل، وأن العمل في النهاية محكوم بعدد حلقات معين، ومشاكل الكتابة، التي بلا خطة؛ هي السبب وراء المط والإطالة في بعض الأعمال الفنية، أو حتى السبب في جعل المتفرج يجري مع البطل طوال حلقات المسلسل وراء أشياء واهية، خطوط فرعية غير متماسكة، وأحداث لملء فراغ عدد الحلقات، وصولاً لآخر حلقتين اللتين يتم فيهما الحل الجهنمي الأسطوري، وهو عيب يتلافاه كاتب “الشرنقة” عبر وضع الخطة بسلاسة، فعلى مدار الخمس حلقات الأولى؛ تم تعريفنا بالبطل، وأزمته ليست الأزمة المادية فقط، وإنما الأزمة النفسية، مستخدماً المخرج أدوات في الصورة كالمرآة، ولوحة بها سلم نهايته السماء، والسُّحُب، ولكن ألوانها رمادية، وعالمها مخيف، بل حتى استيقاظ البطل مرعوباً من أحلامه، رغم التأكيد على أن البطل يحلم أحلام يقظة، مع بعض المشاهد، التي تجعلنا كمتفرجين نظن أنها بسبب عالم الأحلام والتيه، في حين أنها مشاهد تأسيسية للخمس حلقات المنتصف؛ حيث يعود المخرج بتقنية الفلاش باك لهذه المشاهد، التي سبق ورأيناها مقتطعة؛ كي يُكملها دون أن يستغل الفكرة ويُطيل، بل يستخدمها كمن يقول انظر جيداً، فليست الأشياء كما بدت، واضعاً لنا أزمة جديدة للبطل؛ كي نُكمل للخمس حلقات الأخيرة متسائلين عن نهاية هذا الطريق، الذي سلكه حازم، هل هناك فرصة للرجوع، ولتصويب الأخطاء؟


ولاد الشمس .. منورين زي الشمس

حين ترى برومو المسلسل تتساءل عن العنصر النسائي، وهل وجود “محمود حميدة” مع شباب كثيرين؛ حتى وإن كانوا “طه الدسوقي” مع جماهيريته، و”أحمد مالك” مع تطور أدائه وتنوعه، كفيلين لجذب المشاهد لهم؟
إلى أن تأتي الحلقة الأولى، وتجيبك بأن قصة المسلسل، التي من داخل دار الأيتام، والاحتكاك المباشر مع هؤلاء الأطفال، وما يكابدونه من عناء مع صورة مزيفة لأب ليس سوى مستغل لهم، بل حتى المشاهد التأسيسية، التي تعرفنا بها على الشخصيات عبر تعليق صوتي لـ (مفتاح) “طه الدسوقي” والصورة المرئية، عبارة عن مشهد مطاردة بوليسية للأربع شباب أبطال العمل، أو دعنا نَقُلْ أبطال الميتم؛ لأنهم يأخذون على عاتقهم عملية إنقاذ الإخوة الصغار من الميتم، ومن الأب “محمود حميدة”، تصوير المشهد ونهايته الكوميدية، الموقع الذي نرى به شوارع القاهرة مبهرة سواء الحسين، أو وسط البلد، أداء الممثلين والحوار بينهم، بل حتى المشاهد، التي بلا حوار، كمشهد ظهور بابا ماجد “محمود حميدة” الذي يبدأ بظهور عبيد (مينا أبو الدهب) أحد الفنانين من قصاري القامة، يخطف العين والقلب بأدائه التمثيلي، تكوين وتتابع المشهد، ومشهد التأديب المنفرد، الذي ينتهي بانتحاره، كلها لمسات ومشاهد مؤثرة؛ تجعلنا نتعاطف مع الشخصية.


منديل وقصة من وحي الخيال

التنويه الذي في بداية المسلسل بأن العمل من وحي الخيال، وأي تشابه مع الواقع هو محض صدفة، في كل مرة يظهر هذا التنويه على الشاشة في أي عمل فني، تخبرنا عقولنا أن هذا تحايل من أصحاب العمل الفني؛ لتفادي مشاكل رقابية، أو أي مشاكل أخرى، وأن ما سنراه هو أحداث تحدث في الواقع، وليست تشابه!
بل حتى ملامح وملابس أطفال دار الشمس، تؤكد على واقعية التشابه مع أماكن عديدة لا تعتني بالأطفال الموجودة بالدار، لينتهي بهم الأمر مثلهم مثل أطفال الشوارع، وهو ما يبرر الطريقة الشعبية، التي يتحدث بها مفتاح، وولعة بطلا العمل، بل ومنقذو باقي الأطفال داخل الدراما، كما لو كانوا ينقذونهم من سجن كتعة العصر الحديث، فكتعة فيلم العفاريت أصبحت قديمة، وها هو “محمود حميدة” يقدم كتعة نمطية، ولكنها مستحدثة، يستمع لذوقه الخاص من الأغاني، وهي أغاني مصطفى رزق، يضع نفسه في خانة المثقفين.

لكن بتسلسل الحلقات نجده شخصاً يشبه البالونة، فهو مليء بالهواء ليس إلا، متمسك بمنديله، الذي يخبئ به زيفه، وعدم بكائه وتعاطفه في مواقف تتطلب منه هذا، منديله الذي منذ الحلقة الأولى كان سبب أزمة كبرى لتأديب شخص ينتحر، والذي يكون كضربة قاضية له حين يحرقه مفتاح أمام عينيه، دلالات تجعلنا نتساءل عن ما سبب أهمية المنديل لـ (بابا ماجد/ محمود حميدة) ، ولم يكتفِ الكاتب بهذه المفردة، بل يضع التفاح الأحمر في أعيننا كمتفرجين، في المرة الأولى كإغراء لمفتاح كي ينصاع، ولكنه يُعيدها، وفي المرة الثانية يؤكد على نفس الفكرة مبرزاً إياها أكثر فأكثر، جاعلاً الأبطال يقولون له ” التفاح دا حلو أوي تقولش جايبه من الجنة!” ، في حين أنه يؤكد على أن جنة دار الشمس طالما يقودها بابا ماجد، ليست سوى سجن للأطفال مُعَبِّراً عن هذا بأغانٍ هي أشعار “أحمد فؤاد نجم”، كما لو كان يخلق عالماً موازياً، ودلالات عن واقع المتفرج المصري البسيط، الذي يحلم بالسفر طوال الوقت كما لو كان خروجاً من السجن، في ظل حاكم يرسم الجنة لمن يعيشون فيها.


الصراع بين الطرفين يلزمه ذكاء وتبريرات أكثر تطوراً، فيا فرحتنا بالإبهار البصري، والدلالات الفلسفية دون الإحكام في التفاصيل المكتوبة، فاللهاث وراء ملف يؤذي بابا ماجد، ليس ذروة محكمة البناء، الملف ليس بطلاً ما دمنا نعرف ما بداخله، ولكن الأبطال هم الأربع شباب، الذين يشبهون سلاحف النينجا الأربعة.
بالوصول لهذه النقطة يمكننا القول إن “الشرنقة”، و”ولاد الشمس” هما العملان اللذان يغردان خارج السرب هذا العام.


★ناقدة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى