إذاعة وتليفزيون

منة الله حازم: كيف دمرت عمليات التجميل شخصيات”وتر حساس”؟

منة الله حازم★

في أحد لقاءات الفنانة “عارفة عبد الرسول”، تحدَّثت عن معاناة مخرج مسلسل “بالطو” في البحث عن فتاة بملامح طبيعية، لم تخضع لعمليات التجميل السائدة بين الفتيات، في ضوء هذا الحديث، لا أقارن بين أعمال أو ممثلات، لكنني أشير إلى الجريمة، التي ترتكبها بعض الفنانات بحق أنفسهن، منذ المشهد الأول في مسلسل “وتر حساس”، انصب اهتمام الجمهور على التشابه الكبير بين صبا مبارك، وإنجي المقدم، بسبب عمليات التجميل الواضحة، فقدتا تميُّز ملامحهما، مما ألقى بتاريخيهما المهني في طي النسيان.

عند عرض مسلسل “وتر حساس” (إخراج وائل فرج، وتأليف أمين جمال)، لم يكن النقاش حول القصة أو الحبكة، بل حول بطلاته صبا مبارك (سلمى) وإنجي المقدم (كامليا، أصبحت ملامحهما جامدة، خالية من المشاعر، مما حوّل المسلسل إلى مادة للسخرية، بدلاً من الانسجام مع الأحداث، وجد الجمهور نفسه يخلط بين الشخصيتين ساخراً، مع تعليقات مثل: “هما شخص واحد؟ شكلهم بيروحوا عند نفس الدكتور”.
أحداث المسلسل تعرض لنا جوانب من النفوس المريضة المحيطة بنا، وأظهرت كيف تغلب أنانية البشر مصالحهم الشخصية على القيم الإنسانية، مما يؤدي إلى انهيار العلاقات، وكما يوحي اسم المسلسل “وتر حساس”، فقد كان هناك خيط رفيع يربط بين العلاقات المختلفة، إذ تربط الشخصيات علاقات إنسانية وقرابات دم، لكنها تفتقد للأمانة والمصداقية.

القصة تدور حول ثلاث صديقات يبدين كالأخوات ظاهرياً، لكن خلف هذه الواجهة تخفي كل واحدة منهن مشاعر وسلوكيات سلبية، مثل الأنانية، الانتقام، والوحدة، فتسببت أنانية كامليا وغيرتها في قتل شقيقها الكبير زوج سلمى، بجانب تشويه سمعة سلمى نفسها، وتدميرعلاقتها بأختها؛ حتى علاقتها بزوجها رشيد (محمد علاء) تأثرت بأنانيتها، مما دفعه للوقوع في حب سلمى، تتصاعد الأحداث؛ لتظهر الأنانية كمرض اجتماعي يهدد العلاقات، وليس مجرد سمة فردية.
ولم تكن كامليا بمفردها فكان مازن (أحمد جمال سعيد) شقيقها مثال أخر للأنانية والوحشية، الذى استغل فتاة وثقت به، ودَمَّر حياتها؛ حتى انتهت بالانتحار، فكانت بمثابة جرس إنذار جديد للفتيات، أن من يحبك لن يطلب ما يفقد كرامتك، أو شرفك باسم الحب، وتلك مشكله تناولتها العديد من الأعمال على مَرِّ الزمن، ولازال هناك من تقع فى الفخ، كما تسبَّب في قتل زوجته ليلى (جنا الأشقر)، ثم شارك في تشويه سمعتها لدرء الشبهات عنه.

من جهة أخرى، جسَّدت شخصيةُ رغدة (هيدي كرم) مشاعر الوحدة، حيث دفعتها وحدتها إلى البحث عن مصالحها الخاصة دون الاكتراث بالآخرين، فساعدت كامليا في الإيقاع بسلمى من أجل مكاسبها الشخصية، ولجوئها لمازن؛ لتقع فى جريمة الخيانة معه، مما يجسِّد تأثير الوحدة المدمِّر على النفس البشرية.
أما رغبة الانتقام، التي سيطرت على سلمى بعد اكتشافها جرائم كامليا، فقد دفعتها لاستغلال رشيد كأداة للانتقام، مما أدَّى إلى تدمير زواج كامليا، ورغم وقوع سلمى في حب رشيد لاحقاً، إلا أن علاقتها به كانت مبنية على أساس باطل، ومن هنا كانت النهاية الحتمية هي الانفصال، المسلسل يبرز هنا فكرة “الكارما”؛ حيث ينال كل فرد جزاءه وفق أفعاله.
اِستغرقت الأحداث 45 حلقة، وهي مدة طويلة نسبياً مقارنة بالحبكة، اُستُهْلِكت أول 30 حلقة للكشف عن حقيقة كامليا، وتبرئة سلمى، في حين تضمنت الـ15 حلقة الأخيرة جريمة قتل ليلى، والتي كانت الأكثر تشويقاً وإثارة، ومع ذلك، عانى المسلسل من إطالة غير مبررة .

فيما يتعلق بالأداء التمثيلي، كانت صبا مبارك، وإنجي المقدم في أسوأ حالاتهما المهنية، بدت ملامحهما جامدة، مما أفقد المشاهدين القدرة على التفاعل مع مشاعر الشخصيات، فكانت ريأكشن صبا مبارك واحداً فى جميع المواقف، في المقابل، تألق أحمد جمال سعيد في دور مازن، مقدِّماً شخصية شاب لعوب، يحمل تناقضات عميقة، كذلك قدَّم محمد علاء أداءً قوياً، حيث جسَّدَ شخصية الزوج الخائن، الذي يقع ضحية للانتقام، هيدي كرم بدورها نجحت في إظهار مشاعر الوحدة والخوف؛ حتى تعاطفنا معها رغم جرائمها، بينما أبدع شريف الشعشاعي في دور “عبد الرحمن”، الصديق الذي فضَّل مصلحته الشخصية على ولائه لصديقته، كما تألقت هاجر عفيفي في دور “داليا” الأخت المتشددة، التي تدافع عن العادات والتقاليد رغم عدم ارتدائها الحجاب، مما يبعث برسالة أن الإيمان لا يتوقف على الحجاب، أو الطبقة الاجتماعية، وبرز إلى جانبها “ياسين” (محمد العمروسي)، الزوج الوصولي، الذي يضحي بأي شيء لتحقيق مصالحه.
اِختار المسلسل تصوير طبقة اجتماعية أرستقراطية؛ حيث كان الحوار يعكس هذا النمط باستخدام الكلمات الأجنبية والاهتمام بالمظاهر والمال، ورغم ما يبدو من مثالية، أظهر المسلسل أن هذه الطبقة ليست محصنة ضد الفساد الأخلاقي والانهيار، كامليا على سبيل المثال، كانت تسعى للحفاظ على مظهرها الاجتماعي المثالي رغم الجرائم، التي ارتكبتها، وليست أول مرة تصور الدراما المصرية تلك الطبقة بذلك الفساد، وكأننا بالفعل فى مجتمع يملؤه الفساد بجميع طباقاته.

في النهاية، حمل المسلسل رسالة واضحة عن الصراع الأزلي بين الخير والشر، مع نهاية مثالية نالت فيها كل شخصية عقابها.
مشهد النهاية الذي جمع سلمى ورشيد، وهما يرتديان الأبيض، ويتجهان في طرق مختلفة، عكس فكرة الصفحات الجديدة في الحياة.
كانت هذه النهاية فرصة لضبط الأمور، لكنها عانت من الإطالة وبعض نقاط الضعف في الأداء.
العمل يترك للمشاهد درساً واضحاً عن أهمية الحفاظ على الروح والمصداقية، ليس فقط في الحياة، بل أيضاً على الشاشة.


★ناقدة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى