د .محمد حسين حبيب:في كتاب “مسرح السايبورغ” لا وجود للسايبورغ في المسرح!
أ.د محمد حسين حبيب ★
يبدو أن الترجمة المعاصرة تجنح في اختياراتها نحو عنوان الكتاب المجذب للقارىء وليس محتواه الفكري والعلمي ، وهذا المبدأ وجدته في كتب عديدة مترجمة في السنوات الاخيرة ومنها هذا الكتاب موضوع مقالتي. عنوان الكتاب (مسرح السايبورج تقاطعات الجسم والتكنولوجيا في الأداء متعدد الوسائط) تأليف جينفر باركر ستاربك، وترجمة أحمد عبد الفتاح ، من إصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي دورة 29 عام 2022 ، وبحسب المؤلفة ( ستاربك) التي تشغل حالياً رئيسة قسم المسرح والدراما في كلية هالوواي الملكية بجامعة لندن ، أن كتابها هذا ظهر بعد جهود خمسة عشر عاماً ” من البحث في الأداء الذي يستخدم الوسائط المتعددة على خشبة المسرح وشاشات التلفزيون وعرض الشرائح والبيانات والخلفيات والخلفيات التي يتم إسقاطها ” ص 14 ، وتضيف المؤلفة موضحة أن تأليف الكتاب عندها هو محاورة مع الاخرين شانه شان المحاضرة ، محاورة موضوعات الكتاب وأفكاره .. من هنا وددت محاورتها أولاً ، والكشف عن مفاصل ومحطات كتابها ومحاضرتها ، التي تشكر في مقدمته عشرات الأشخاص من الذين كانوا سبباً في إخراج هذا الكتاب إلى النور .
تعرفنا وكتبنا أكثر من مرة عن مفهوم السايبورغ وتعاريفه وعبر مصادر متعددة توافرت وإلى الآن بالحد المعقول خلاصتها أقول : أن السايبورغ هو الانسان الذي يجمع في تكوينه الجسماني بين اللحم والدم ، والأداة التكنولوجية الرقمية هذه الأخيرة تعد حاجة فسيولوجية ثابتة أو يستخدمها حين الضرورة حفاظا على بقائه حياً ، لأن واحدة من صفات هذا الكائن السايبورغ من بين صفات الأخرى، هو لا يموت ، وهو يمثل حالة أو ظاهرة ( ما بعد الإنسان ) بامتياز .
في هذا الكتاب تورد مؤلفته تعريفاً جديداً للسايبورغ لا يبتعد كثيراً عن ماقلناه سلفاً ، تقول : ” السايبورغ هو الشخصية الافتراضية التي تمّ ابتكارها من خلال التداخل بين المواد العضوية وغير العضوية ( الجسم والتكنولوجيا) ” وتشبهه بالوحش في رواية فرانكنشتاين، وفي مكان آخر تنوه المؤلفة أن السايبورغ هو كائن افتراضي مزيج من مكونات عضوية والبيوميكا ترونك(هي الميكانيكا الإلكترونية الحيوية) ، ويبدو أن المؤلفة أفادت من تصريحات دونا هاراواي عن هذا المصطلح ، وقد سعت أيضاً وهذا ما نبحث عنه في كتابها- سعت إلى تصريحها عن مسرح السايبورغ : ” الذي يميز نفسه عن التسميات الأخرى في أنه يشمل مجموعة من التبادلات تتراوح بين التكنولوجيا البسيطة إلى التكنولوجيا المعقدة في أداء متكامل منسوب إلى السايبورغ “
وبهذه الجملة (منسوب إلى السايبورغ) وليس السايبورغ المسرحي نفسه أصالة وفعلاً مرئياً نقبض عليه وسط فضاء العرض المسرحي ، هذه الجملة (منسوب إلى السايبورغ) جملة ستكرر في الكتاب عشرات بل مئات المرات وهي الخرق الواضح لدينا في أن المؤلفة لم تقبض – ولن تقبض – على السايبورغ في المسرح وعلى مسؤوليتي ، فكل ما سيرد من أمثلة تستند عليها مؤلفة الكتاب هي أمثلة سينمائية من الأفلام والمسلسلات وألعاب الفيديو ، نعم ، فمثلما أكد كاتب السطور سابقاً ، وفي أكثر من مقال وبحث أن السايبورغ أثبت نجاحه في استثماره سينمائياً أو تلفازياً أو في أفلام الكارتون وألعاب الفيديو، لكن لا يمكن تحقيقه أو استثماره في العرض المسرحي في الآن والهنا ، والدليل أننا سنتابع محطات الكتاب وفصوله وطروحاته البعيدة جداً عن عنوان الكتاب وموضوعه.
وبحسب ( جينفر باركر ستاربك) أن كتابها هذا تشكل في خيالها استحابة لأسئلة طرحت عليها من خلال عرض مسرحي شاهدته – بدون ذكرها لهذا العرض – أثناء رؤيتها للتضافر بين الاجسام والتقنيات على خشبة المسرح باعتبارها سايبورغ ، أؤكد هنا على ( باعتبارها) بمعنى هي لم تكن سايبورغ في الحقيقة والأصل ، وفي مكان آخر تردد المؤلفة (صدى مسرح السايبورغ) حين تطرح الأمثلة الأخرى من المسرحيات ، التي تدور في فلك توظيف الآلة التكنولوجية في العرض المسرحي وليس في الشخصية المسرحية السايبورغ ولنا في ذلك أمثلة كثيرة عالمياً وعربياً طرحناها نحن سابقاً ، وأحاديث كثيرة وصفحات أكثر في الكتاب تدور عن السايبورغ القصصي والروائي والسينمائي مع الأمثلة المتوافرة وهي كثيرة طبعاً.
وتتوقف المؤلفة كثيراً في تناولها لتوظيف الشاشات في المسرح أو ماتطلق عليه (مسرح الشاشات) وهي مجرد تصورات فضلاً عن أمثلتها عن الروبوت دائماً وليس السايبورغ وإشاراتها المتكررة للعروض المسرحية التكنولوجية والعروض ثلاثية الأبعاد وتجارب الواقع الافتراضي وعروض مسرح الإنترنت وتكرار جملة ( منسوب إلى السايبورغ ) عن أي مثال لعرض مسرحي تورده هنا في كتابها ، لدرجة أنني أضع عنواناً لكتابها هذا يتناسب مع فحواه ، وهو ( المسرح المنسوب إلى السايبورغ) وليس ( مسرح السايبورغ ) .
ولكي تكون في عمق السايبورغ ومفهومه راحت تتحدث وفي الفصل الرابع من كتابها عن الفيلم السينمائي ( أفاتار) إنتاج 2010 وهذا طبيعي كما بين كاتب السطور في أن السينما وسيط مقنع لاستثمار السايبورغ على عكس العرض المسرحي في عدم التحقق وعدم القناعة، إلا إذا تم استخدام السايبورغ في العرض المسرحي نفسه عبر شاشة سينمائية أو داتا شو لعرض مشاهد لشخصيات سايبورغية ودمجها مع مشاهد العرض الحية ، هنا فقط يمكن القول أنه تم استخدام السايبورغ في المسرح وبقناعة موضوعية تامة ، أما غير ذلك فلا يمكن مطلقاً .
وفي ملاحظتها الختامية تعبر مؤلفة الكتاب عن رغبتها في أن تصبح هي سايبورغ ، أن تصبح ذاتاً تقنية ، وهذا من حقها فالأحلام مباحة للجميع ، لكن ليس من حقها اغراؤنا بعنونة كتابها هذا دون الإمساك بالعنوان في محتوى الكتاب وجوهره الفكري تنظيراً وتطبيقاً.
★ناقد وأكاديمي ـ العراق.