محمد فهمي: ماذا سيحدث عندما تسرد سيرة بطل شعبي بتفاصيل غير صحيحة ؟!
محمد فهمي ★
في إحدى حفلات الستاند أب كوميدي، كان الحفل حماسياً للغاية، و تتعالى ضحكات الحاضرين، والتصفيق لا يتوقف، لكن عند انتقال الفنان الكوميدي إلى قصة جديدة يسردها على آذان الحاضرين، كانت هناك مفاجأة كبرى !!
اِختار الفنان الكوميدي، حكاية من التاريخ تكاد تكون معروفة لأغلب الحاضرين، فانقلبت القاعة من ضحكات عالية إلى صوت صرصور الحقل بالمعنى الحرفي، فما حكاه كان يفتقد للدقة في كثير من التفاصيل، ،فذكر العديد من المعلومات الخاطئة، وكذلك سخريته من أبطال هذه الحكاية لم تكن بالشكل المقبول وبالأخص لمحبيهم، وهذا ما أثار غضب الحاضرين، وانتهت الحفلة بدون تصفيق، فقط أُسدل الستار بعد نقاشات جانبية، وتعليقات حادة من الجمهور.
فسألت نفسي سؤالاً : ماذا سيحدث إن تم سرد حكاية بطل شعبي، وملهم للجميع، وبها معلومات وتفاصيل غير صحيحة؟!
العندليب حكاية شعب
هو مسلسل مصري من إنتاج عام 2006، ويتناول حياة المطرب والممثل عبد الحليم حافظ، ومن بطولة شادي شامل، وعبلة كامل، وكمال أبو رية، ولقاء الخميسي، ومجدي كامل وغيرهم من الفنانين.
على الرغم من اقتراب الشبه الكبير بين الراحل “عبد الحليم حافظ”، والفنان “شادي شامل” إلا أنه لم يكن كافياً لنجاح المسلسل على المستوى الجماهيري والنقدي.
التمثيل
لم يوفق الفنان “شادي شامل” في اختيار طريقة التمثيل المناسبة؛ لتجسيد شخصية العندليب، ويرجع ذلك، إلى أنها التجربة الأولى ل “شادي” في عالم الأضواء والشهرة، ولم يُوَجَّه بالطريقة المثلى، التي تجعله يقترب من تجسيد العندليب في انفعالاته، وطريقة كلامه في الواقع، وليس كما اعتدنا رؤيته في الأفلام والحفلات المسجلة، وأيضاً تفرقة بين مراحل العندليب في بداية مسيرته وذروة نجاحه، ومرضه وهنا لا ألقي اللوم على “شادي شامل” فقط، فليس وحده من وقع في هذا الخطأ، وإنما أغلب الممثلين لم يتم توجيه قدراتهم التمثيلية بالطريقة الصحيحة، على الرغم من وجود أسماء كبيرة شاركت في المسلسل.
تعدد الخطوط الدرامية
ربما هذه النقطة لم تلفت انتباهي وقت عرض المسلسل، ولكن حين إعادة عرضه، فالسيناريست كان يحاول إلقاء الضوء على عدة قصص لعدة أبطال شعبيين، تارة نجد الأحداث مع العندليب وكفاحه الفني، وقصص حبه ومرضه، وتارة مع الراحل الرئيس “جمال عبد الناصر” والأحداث السياسية وعلاقة قادة الدولة مع الفنانين، وحياته الأسرية، ثم الراحلة كوكب الشرق “أم كلثوم” وغيرتها الفنية من العندليب، وعلاقتها مع السلطة، وأخيراً الخط الدرامي ل “علية” شقيقة العندليب، والتي جَسَّدت دورها القديرة “عبلة كامل”.
ولم يكتف الأمر عند تعدد الخطوط الدرامية فقط، وإنما محاولة تزيين الشخصيات الدرامية إلى حد يقترب من الملائكية، وهذا كان مربط الفرس، فتلك الشخصيات معروفة للجمهور، وهم بشر غير معصومين من الوقوع في الخطأ، ولكن اتفهم ذلك خوفاً من ورثة الراحلين، وتقديم الدعاوى القضائية، بأن ما يتم سرده به إهانة لهم!!
ولكن تظل الشخصيات الثرية في حياتنا في المجتمع المصري مطمع لكثير من الفنانين، وأيضاً ليتعرف عليها الجمهور بشكل أكبر.
ولتقديم سيرة ذاتية ناجحة شروط فما هي ؟!
شروط السير الذاتية المقبولة
– العندليب مَنْ يكون
في بداية اختيار الشخصية، سواء كانت فنية، أو رياضية، أو سياسية، يلزم عمل كاستنج على أعلى مستوى؛ لاختيار الممثلين المؤهلين أصحاب القدرات التمثيلية العالية؛ لتجسيد الشخصية الرئيسية، وباقي الشخصيات المشاركة بالعمل.
ولكن في وقت اختيار الوجه الجديد لتجسيد شخصية العندليب تم إطلاق برنامج بعنوان “العندليب مَنْ يكون؟”
وكان اعتماد البرنامج في إختياره للوجه الجديد هو الشبه بينه وبين العندليب، والإيماءات الخارجية للممثل، وطريقة غنائه لأغاني العندليب، وتم اختيار ثلاث شخصيات؛ لتجسيد شخصية العندليب، وهم شادي شامل، وشريف عبد المنعم، ويوسف كيوان.
التوجه لورثة الراحل أو الراحلة وأخذ الموافقة على السيناريو، وكذلك التأكيد على كافة التفاصيل الدرامية اللازمة؛ لبناء الشخصية بشكل يتم قبوله بين الجمهور.
وعمل لقاءات بين الممثلين، وورثة الفنان للوصول لأقصى حالة من التقمص، وانتقاء كافة التفاصيل للشخصيات القريبة من تلك الشخصية، والمجهولة للجمهور وتصوير تلك اللقاءات، وتصبح كمرجع في نهاية العمل الفني.
تحديد كافة الخطوط الدرامية، وتشعبها، وترابط الشخصيات مع بعض، واختيار المناطق التي سيتم تسليط الضوء عليها في حياته، والحجم الدرامي لباقي الشخصيات بشكل لا يعيق تقدم الشخصية درامياً.
وتم تجسيد شخصية العندليب في فيلم سينمائي، ولكنه لم يلق النجاح المرجو، سواء على المستوى الجماهيري، أو على المستوى النقدي، على الرغم من تجسيد النمر الأسود “أحمد زكي” لشخصية العندليب، وهذا يلفت نظر صُنَّاع الفن لضرورة التحضير الجيد، وعمل معسكر فني قائم على اختيار الأمثل للممثلين، وطريقة تمثيلهم، والخطوط الدرامية للعمل الفني.
★كاتب ـ مصر.