ميرولا رضا:”بنسيون دلال”.. هل حقق نجاحاً، أم فشل فنياً؟
ميرولا رضا ★
عندما يتدهور الفن، يصبح مجرد وسيلة لإرضاء الأذواق السطحية؛ بدلاً من أن يكون مرآة تعكس الحقيقة، وتحث على التفكير، وذلك يعتبر من أخطر الظواهر التي تهدد المجتمعات، فحين يفقد الفن قيمته الحقيقية يصبح بلا عمق أو رسالة.
الفن في جوهره هو انعكاس للواقع، ووسيلة للتأمل، والتحليل، وأداة لتغييرالمجتمع؛ لكن عندما ينحدر إلى مستوى الترفيه الرخيص، وإرضاء الأذواق السائدة؛ فإنه يفقد دوره الفني في الارتقاء بالوعي، ونقل الحقيقة، على هذه الخلفية يمكننا التساؤل حول فيلم”بنسيون دلال” هل هو وسيلة لإشباع الأذواق السطحية، أم هو عمل فني متكامل ؟!
قالب كوميدي على الطريقة المصرية
في عالم يسوده الفوضى والضحك، يأخذنا فيلم “بنسيون دلال” في إطار كوميدي اجتماعي؛ حيث يواجه العديد من المواقف الكوميدية، والمفارقات الطريفة؛ التي تكشف عن حقيقة العلاقات الأسرية المعقدة؛ حيث تدور أحداث الفيلم حول الأب، الذي يقرر أن يخدع أبناءه الخمسة، ويبيع البنسيون؛ الذي يشاركون في ملكيته بأوراق مزورة، ويسافر للقاء المستثمرين، ويحاول أحد أبنائه الذي يدير البنسيون إقامة حفل غنائي؛ لتحقيق مكاسب، بينما الابن المطرب يدعو منتجاً مهمّاً لسماعه وهو يغني، والابنة الناشطة النسوية، تدعو أصدقاءها، ومتابعيها؛ لتصوير فيلم عن التحرش، بينما يستضيف ابنه الآخر المتشدد دينيّاً أمير جماعته، ومعه شخص غامض في البنسيون، والابن الذي يقوم بسرقة البنك المجاور للبنسيون من خلال نفق قام بحفره في بدروم البنسيون؛ لكن تتشابك الخطوط، وتتعقد بسبب مفاجأة غير متوقعة للجميع.
الأداء التمثيلي، وعناصر السينوغرافيا
قدم الفنان بيومي فؤاد، دور الأب سيد الجدع، بأدائه الكوميدي المعروف، حيث يُجسد شخصية خادعة، وقد تمكّن من تقديم الشخصية بمزيج من الفكاهة والخبث، مما أضفى جواً خفيفاً على الفيلم.
من بين الأبناء، يتميز كل من عمرو مصطفى متولي، ووليد فواز في دوريهما؛ حيث كل شخصية من هذه الشخصيات لها هدفها الخاص الذي تسعى لتحقيقه، مما يعزز التوتر الكوميدي داخل الفيلم؛ فقد كان محمود حافظ، وخالد سرحان، ومحمد رضوان يكملون الفريق بأدوارهم التي تعكس التنوع الثقافي، والاجتماعي بين الأبناء، مما يخلق تباينات تضفي على الحبكة مزيداً من التعقيد، وقد يظهر الفيلم بإضاءة تخدم الأجواء الكوميدية والإثارة، التي تسود معظم مشاهده؛ حيث يتم استخدامها لتسليط الضوء على الفروق بين الشخصيات المتعددة التي تتواجد في نفس المكان؛ فهذا التنوع يساهم في خلق تأثيرات مرئية تتماشى مع تعقيد الحبكة، ومن المتوقع أن تكون هناك إضاءة مبهجة في المشاهد الكوميدية؛ خاصةً تلك المتعلقة بالحفلات داخل البنسيون، بينما قد تكون هناك إضاءة داكنة، وأكثر توتراً في المشاهد التي تتناول الخدع، أو الأحداث المفاجئة؛ حيث يعتمد الفيلم على اللعب بالظلال، والإضاءة الدافئة لتصوير مشاعر الشخصيات والدراما؛ التي يعيشونها، مما يساهم في إبراز التناقضات بين الأجواء العائلية، والأحداث الغريبة التي تتطور داخل البنسيون، كما يظهر بكادرات تصوير تعكس الطابع الكوميدي للفيلم وتدعمه.
لقد قام مدير التصوير (كريم أشرف) بالتركيز على إظهار الفوضى، والكوميديا من خلال لقطات واسعة، تظهر التفاعلات الجماعية بين الشخصيات المتعددة، مما يعزز عنصر التناقض، والتوتر الكوميدي بين الأبناء المتصارعين حول البنسيون، بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام زوايا تصوير منخفضة، ومرتفعة لتسليط الضوء على سيطرة شخصية “سيد الجدع” على الموقف، وخلق تباينات بصرية تعزز الكوميديا، وأيضاً زواية تصوير تتوسط القدر؛ لتثبت هيمنته علي الأبناء، وكانت الكادرات الديناميكية المتغيرة تساهم في نقل أجواء الفوضى، والطرافة التي تسيطر على الفيلم.
وقدم مهندس الديكور (رامي دراج) ديكوراً يستخدم لتقديم تفاصيل الحياة داخل هذا المكان التقليدي والمتهالك، مما يدعم الحس الكوميدي والدرامي للفيلم، وتنوع الديكور يساعد في نقل الصراعات بين الشخصيات، ويساهم في تصوير مشاهد معبرة مثل التخطيط لحفلة غنائية، أو تنفيذ خطة لسرقة بنك مجاور باستخدام نفق في قبو البنسيون.
أما عن الملابس التي قدمتها الستايلست (مايا البياضي) فتعكس الطابع الكوميدي للعمل ، الذي تدور أحداثه في إطار من الفوضى والكوميديا السوداء ؛ حيث تظهر الشخصيات بملابس بسيطة وتقليدية، تتناسب مع طابعهم الاجتماعي المتوسط، والتي تتماهي مع الاذواق السطحية، ومع الأحداث التي تدور في البنسيون، وتعتمد على إظهار التباين بين شخصيات الأبناء الخمسة؛ حيث يحاول كل واحد منهم تحقيق أهدافه الخاصة، مما يظهر ذلك عبر اختلاف أزيائهم؛ التي تميل إلى العفوية، وتعكس الصراعات، والمواقف الكوميدية التي يمرون بها.
وقد تُعتبر الموسيقى (لتامر عطالله) عنصراً محورياً يساهم في تعزيز الأجواء الكوميدية، والدرامية للعمل؛ حيث تتضمن مقاطع غنائية تعكس مشاعر الشخصيات، وتساعد في تحريك القصة، خاصة في المشاهد التي تتعلق بالحفلات أو الأحداث المهمة داخل البنسيون، وتُستخدم الموسيقى التصويرية لدعم اللحظات العاطفية والتوتر، مما يخلق توازنًا بين الكوميديا والدراما، بالإضافة إلى ذلك، يُرجح أن يتضمن الفيلم مقاطع موسيقية أصلية تُكتب خصيصاً له، مما يضفي طابعاً فريداً على العمل، ويعزز من جاذبيته للجمهور من ذوي الذوق السطحي.
تأثير الفيلم علي السينما العربية
يواصل فيلم ” بنسيون دلال ” اعتلاء قمة شباك تذاكر الأفلام العربية، في المملكة العربية السعودية، للأسبوع الثاني على التوالي، كما حقق إيرادات في دور العرض المصرية، وبذلك يصل إجمالي إيرادات الفيلم في مصر والسعودية إلى 29 مليوناً و721 ألف جنيه.
يقدم المخرج تجربة سينمائية تجمع بين الكوميديا والإثارة؛ حيث تلقَّى الفيلم تقييمات متباينة؛ حيث انتقده البعض لقصته المتوقعة، وحبكاته المتداخلة، بينما أشاد آخرون بالأداء الكوميدي للممثلين.
في المجمل، يبدو أن “بنسيون دلال” نجح في جذب الجمهور التقليدي، خاصةً من محبي الكوميديا المصرية.
بنسيون دلال
تأليف: حسين نيازي، وإخراج: شادي الرملي، وبطولة بيومي فؤاد، ومحمد رضوان، وعمر مصطفى ، ووليد فواز، ، وخالد سرحان، وإبرام سمير، ومحمود حافظ، وغادة طلعت، وكثير من الوجوه الشابة الجديدة.
★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.