ميرولا رضا: هل يكون الآباء سبباً في تعاسة أبنائهم؟
ميرولا رضا ★
إذا كنتم أيها الآباء والأمهات قد تأثَّرتم سلباً، وأنتم تحت ظل آبائكم، واكتسبتم منهم الطبائع والعادات، فلا تُورِّثوها لمن تحبون وتعشقون، وقِفوها عندكم، وأذِيبوها في كأس الماضي؛ لأنه عندما يتعرض الإنسان في طفولته لسلطة أبوية صارمة، وقاسية، فإنه غالباً ما يشعر بالتهميش، وفقدان القدرة على اتخاذ قراراته، وهذة التجربة القاسية تترك أثراً عميقاً في نفسه، وعندما يصبح أباً أو أماً في المستقبل؛ يبدأ في تكرار هذا النموذج الذي تربّى عليه.
فكرة سبق تقديمها!
على مسرح ميامي، وسط القاهرة من فرقة المسرح الكوميدي، معالجة جديدة تحت عنوان “العيال فهمت” من إخراج (شادي سرور)، وتأليف (طارق علي – أحمد الملواني)، وهي مسرحية تستعيد احداث فيلم
أجنبي أمريكي1965 يسمى”The Sound of Music”
من إخراج (روبرت وايز)، وتلك الفكرة أيضاً تمثَّلت بطريقة، أو بأخرى في كثير من الأعمال الفنية؛ سواء سينمائياً، أو مسرحياً؛ ولكن بوجود اختلافات حسب معالجة وطرح كل مخرج للنص الأصلي المأخوذ عنه، ومن تلك الأعمال: المسرحية الكوميدية “موسيقى في الحي الشرقي” 1971 من إخراج (حسن عبد السلام)، فيلم “امبراطورية ميم” 1972 من إخراج (حسين كمال)، فيلم “أخر كلام” 2008 من إخراج (أكرم فريد)، وكثير غير ذلك مع اختلاف التنوع، في حين تتشابه أحداث العرض الجديد مع النص الأصلي، وتدور أحداث المسرحية بشكل معاصر في إطار من المواقف الكوميدية ، حول حياة كابتن طيار لديه ثمانية أبناء، وكيفية تربيته لأولاده بعد وفاة زوجته، حتى قرَّر الاستعانة بفتاة شابة؛ لتعمل كمربية لأطفاله أثناء غيابه، فتكتشف المربية أن الأبناء يعانون من كبت مواهبهم وأحلامهم بسبب تربية والدهم القاسية والمجردة من المشاعر، ويتخلل العمل العديد من الاستعراضات الغنائية والراقصة.
مسار الأبناء تحت قمع الأباء
يناقش ذلك العرض الكثير من القضايا، منها الصراع، والفروق الكبيرة بين الأجيال، وتفاوت الثقافات من حيث اختلاف الاهتمامات لدى الأشخاص، السلطة الأبوية وعدم الاستماع لآراء الأبناء، الفرق بين التربية السلبية القديمة، ومحاولة الوصول إلى صيغة تربوية حديثة وسليمة للتعامل بين الأب أو المربّي، وبين الأطفال، حسب المؤلف الذي يوضح ذلك في تأليفه، ومن هنا جاء اسم العمل “العيال فهمت”، فهي بمثابة صرخة تحذير للآباء بأن أي محاولة للقسوة المُفرطة، أو تجاوُز أحلامهم، وتجاهُل إرادتهم، محاولة فاشلة ؛ لأن أبناء الجيل الجديد يفهمون الواقع الذي يعيشونه جيداً، ويدركون قواعده أكثر من الأجيال السابقة.
أداءات مميزة مثيرة للاهتمام
وجود أداءات مختلفة أدَّت إلى إثارة الاهتمام بالشخصيات جميعاً؛ حيث كان الممثل (رامي الطمباري) يقدم شخصية “عاصم” بشكل متقن، حيث تنوع في أدائه من خلال الحزم، والصرامة، وشىء من الكوميديا؛ حيث جعل ذلك يتوافق مع طبيعة الشخصية، وجاء الممثل (عبد المنعم رياض) في شخصية “زكريا” كشخصية نمطية، وجاء أداؤه ملفتاً بحيث لا يمكن أن نتخيل العرض من دونه؛ لأنه وضع شيئاً من الجدية بجانب الروح الفكاهية والدعابة، وهو الشخص الأقرب لجميع الشخصيات، أما الممثلة (رنا سماحة) التي قدمت شخصية “نغم” بطريقة غنائية؛ حيث قدَّمت دورها التمثيلي بشكل بسيط؛ بجانب أدائها العالي في الغناء، وصوتها الرقيق المميز.
أما عن الأبناء (أيبك- شوكت- قسمت- جودت- عصمت-همت- نعمت- معاذ) فهم جميعاً ممثلون رائعون لديهم مهارات كثيرة مختلفة، تجعل المشاهد يتماهى معهم في العرض من خلال تعبيراتهم، وأدائهم، وإعطائهم للعرض روحاً من البهجة.
أما عن شخصية الجار التي قدّمها الممثل (إيهاب شهاب)، وأيضاً شخصية مصمم الأزياء التي قدمها (محمود أمين الهنيدي) فهم دورهم في أدائهم التمثيلي مميز؛ ولكن دورهم غير مثير للاهتمام في هدف المسرحية الرئيسي.
سينوغرافيا متماشية مع العرض
سينوغرافيا العرض بالكامل كانت في حالة تناغم، ولها تأثير كبير في تماهي المشاهدين مع الأحداث؛ حيث ظهر ذلك من خلال الديكورلـ (حمدي عطية)؛ لأنه كان معبِّراً عن الحالة الدرامية ، ومصمماً بشكل دقيق ؛ حيث عبَّر عن الحالة الاجتماعية للعائلة ؛من حيث أنه قدَّم فيلا بشكل فخم وأثاث ثري، وأيضاً كان يوجد دلالات بصرية تخدم، وتؤكد مهنته كطيار، وذلك تم من خلال وجود بوابة إلكترونية للتفتيش، وساعات متعددة على الحائط؛ لكي تعبر عن مواعيد الدول كما نراها في المطار، وكثير من الجماليات من حيث تنسيق المساحات، وترتيب، وتوظيف الأشياء في أماكنها، وظهر من خلال الإضاءة لـ (محمود الحسيني)؛ حيث كانت متنوعة، وهادفة تتماشى مع الأحداث؛ حيث ظهرت الملابس بشكل مميز للغاية؛ فقدَّمها مصما الأزياء(محمود الهندي وشيماء محمود) تُعبِّر عن دواخل كل شخصية، وعن أبعادها في حين أن جميعها معاً تعطي روحاً من التفاؤل.
أما عن الموسيقى؛ فالدور الأكبر في الأهمية يرجع لها بعد الديكور؛ لأنها قدمت بشكل محكم، وماتع من خلال الكلمات والألحان، والرقص الاستعراضي لـ (طارق علي ـ وأحمد ناصر)؛ حيث تتماهى مع الأحداث، وتجعلنا في حالة من التأثر بالمشاعر في مشاهد ما مؤثرة للغاية، وينتهي العرض بأغنية تتحدث عن الأمل، والأحلام، والولادة الجديدة؛ ولذلك يمكننا أن نقول: علينا أن نجتهد في تفقيه أنفسنا كيفيةَ التعامل مع الأبناء، حتى لا نواجه مع أبنائنا ما واجهناه مع آبائنا من قبل.
★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.