رأيسينمامسرح

عماد وديع: الكوميديا السوداء..بين السينما والمسرح والواقع!

عماد وديع ★

تدور الكوميديا السوداء حول مواضيع سوداوية، ومأساوية تحتوي على عنف، أو موت، أو مرض، أو تعاطي مخدرات، وعدم وجود عدالة على الأرض؛ كل هذا يجعلك تضحك على أحزانك، وآلامك بطريقة ماساوية سودواية؛  رغم أن هناك ما يؤلمك، أو يحزنك؛ لكنها تدفعك إلى الضحك… وكتابتها ليست بالأمر السهل، فلابد أن يكون الكاتب متخصصًا، ومتمكنًا من أدواته .

كما أنها نوع من الهجاء أو السخرية، وتدور حول مواضيع تعتبر تابوهات، أو أمورًا محرَّمًا تناولها؛ يتم التعامل معها بشكل كوميدي فكاهي ساخر، مع الاحتفاظ بجانب الجدية فى الموضوع، وتتناول مواضيع تتضمن الموت والانتحار وأهوال الحروب، بالإضافة إلى ارتكاب الجرائم البشعة والخيانة والعنصرية والممارسات الجنسية.

وقد برزت الكوميديا السوداء فى الولايات المتحدة الأمريكية في خمسينيات، وستينيات القرن العشرين، وقد قدَّم المخرج الأمريكي “ستانلي كوبريك” فيلم (دكتور سترانج لاف)؛ حيث  يعتبر واحدًا من  الأمثلة السوداوية الرئيسية للكوميديا السوداوية، وتدور أحداث الفيلم حول الحرب النووية،  وفناء الحياة على كوكب الأرض.

وهناك  كُتاب متخصصون مثل “وليم كاثيرات فوكنر” كاتب أمريكي حائز على جائزة نوبل؛ تناول تلك المواضيع، و”كورت فونجيت” الأمريكي في روايته الساخرة السوداء( المسلخ) و”جوزيف هيلر” وأيضًا “توماس بنكن”، بالإضافة إلى الكاتب الكبير “مارك توين”،  وهو كاتب أمريكي ساخر كان يكتب الشعر والقصص القصيرة والمقالات،  والمحتوى غير الخيالي،  واشتهر برواياته ( توم سوير)، و(مغامرات هكلبيري فين) التي صنفت بأنها الرواية الأمريكية العظيمة .

تتناول الأفلام الدرامية الكوميديا السوداوية؛ مع الإبقاء على  نمط جاد يقوم به بعض الفنانين؛ لإلقاء الضوء على مأساة الشعوب ومعاناتهم.

وتختلف الكوميديا السوداء عن الكوميديا المعتادة الخفيفة؛  حيث تعتمد الأولى على استخدام مواضيع غير مألوفة، وغير متوقعة تعتمد على السخرية من الأحداث السلبية، والمؤلمة، والصادمة؛ التي تتناول  مواضيع حساسة كالموت والعنف والأمراض الجسدية والنفسية والموضوعات والسلوكيات الشديدة التوتر بطريقة ساخرة؛ مما يجعلها تبدو أكثر  مواكبة للتطورات الاجتماعية والنفسية؛  بينما تركز الكوميديا المعتادة على التسلية، والضحك وتهدف إلى إضفاء البهجة  والضحك للمشاهدين دون أن تنتقد، أو تتضمن أفكارًا ، أو منهجًا مخالفًا مستقلًا ؛ بينما تتناول الكوميديا السوداء مواضيع مظلمة، ومأسوية بشكل ساخر وغريب فى نفس الوقت، كما أنها تتخطى الحدود الاجتماعية والثقافية والدينية للمجتمعات، وتستخدم أسلوب السخرية فى سرد القصص.

الكوميديا السوداء، والمسرح

الكوميديا السوداء فى المسرح؛ تتميز بالسخرية، والنقد، وتتناول القضايا الجادة بطريقة ساخرة ومظلمة، وتعتمد على الاستخدام المبالَغ فيه للعنف والعناصر غير المألوفة المثيرة للصدمة؛ لإيصال رسالة ساخرة ونقدية للمشاهدين؛ بالتركيز على مواضيع، مثل: قضايا  الحر والموت والجرائم بطريقة مبتكرة وساخرة.

أساليب الكوميديا السوداء

  الكوميديا السوداء هى نوع من الفنون؛  التي لها أدواتها فى تقديم نفسها، مثل: السخرية، والفكاهة؛ للتعامل مع المواضيع الحساسة،  والمحرجة، والصعبة؛ فهي تتضمن أساليب خاصة بها؛ لإيصال رسالة للمشاهدين لما يجب ملاحظته، والتفكير فيه مثل : السخرية من المواضيع الحساسة مثل: الموت والأمراض، والكوارث .

الاستخدام الجريء للغة، والمشاهد المُخِلّة .
إثارة مشاعر الجمهور من خلال الصدمة والدهشة. 
تقديم الشخصيات الغريبة، والمثيرة للضحك .
اِستخدام المفاجآت، والتوقع العكسي للواقع .
التعرض للأنماط الاجتماعية، والثقافية، بالسخرية، والتهكم باستخدام الأسلوب الفني للتشويق، وإثارة التوتر لخلق الضحك، والترفيه، والمرح من قلب الأحداث الحزينة، والمؤلمة .

الكوميديا السوداء، والكتابة الأدبية

هي نوع من الأدب؛ يستخدم الفكاهة المظلمة، أو الساخرة، أو الهزلية  لمعالجة موضوعات جادة، وكئيبة،  في كثير من الأحيان يتمثل دورها فى الأدب الهزلي في تقديم نقد ساخر، وجاد للمجتمع، أو للطبيعة البشرية؛ لاكتشاف المواضيع المحظورة، وتحدي الأعراف المتبعة سلفاً  للمجتمعات،  بالإضافة لإثارة الفكر، والتفكير للشعوب فى القضايا،  والمواضيع المهمة.

خصائص الكوميديا السوداء

تتناول المواضيع المحرمة – الفكاهة -النقد الساخر -الاستهزاء من الواقع –التناقض- الغموض الأخلاقي.
الهدف النفسي من تناول المواقف، والأحداث، والقضايا المؤلمة بشكل كوميدي  !

هناك العديد من النظريات النفسية؛  تتفق معها بالتعامل مع المواضيع  الصعبة والمؤلمة؛ لتخفيف الحالة المزاجية فى المواقف الخطيرة لمساعدة الأشخاص على التأقلم، والشعور بالتحسن تجاه وضعهم ومعاناتهم، ولتخفيف الصدمة، وإجبارهم على الضحك؛ كما تعطي فرصة لآخرين للإنضمام للمحادثة، والتفاعل دون الشعور بالضغط أو الهجوم، وأيضًا طريقة للتواصل مع الآخرين؛ لتعزيز الروابط الاجتماعية، وخلق رفاهية إيجابية، ولاجتياز بعض الأوقات الصعبة فى حياتنا؛ كما أنها ترفع المعنويات المدمرة، والمبالغ فيها في المواقف المؤلمة.

الكوميديا السوداء، والسينما المصرية

يعتبر فيلم( إحنا بتوع الاتوبيس)  لـ “عادل إمام”، و”عبد المنعم مدبولي” من الأفلام المصرية؛ التي تناولت الكوميديا السوداء فى فترة الخمسينيات والستينيات باعتقال لمواطنين أبرياء، وإظهار معاناتهم داخل  السجون .

وأيضًا فيلم( عسل اسود)  بطولة “أحمد حلمي” عرض 2010 ، وقدم معاناة مصري قادم من أمريكا يحمل جواز سفر أمريكي  بعد سنوات طويلة من الغربة، وتناولت الاحداث المفارقات المضحكة عن اختلاف الزمن، والثقافة، والفكر لإنسان مصري؛ يحمل الجنسية الأمريكية، والثقافة المصرية السائدة  الآن. 

و(فيلم إكس لارج )  لـ “أحمد حلمي” أيضًا، وتحكي  أحداث الفيلم عن شخص بدين ينفر منه الجميع؛ إلا البطلة التي أحبها وساعدته،  ووقفت بجانبه حتى اجتاز فترة محنته، وفى النهاية يكتشف بطل الفيلم أنه كان حالة  دراسية تقوم بها البطلة للجامعة.  


وفي فيلم (ليلة سقوط بغداد) لـ “أحمد عيد” تدور الأحداث حول الهوس للشعوب العربية  في الوطن العربي  من توقع غزو أمريكي لهم، والأهوال التي تنتج نتيجة  الغزو العسكري  لأوطانهم .

أخيرًا نجد أن الكوميديا السوداء هي نوع من المقاومة لقسوة الواقع المُعاش، ومحاولة التأقلم، وتحمل أحداث الحياة من آلام، وأحزان،  وصدمات التي يأتي  عن طريقها  العنف والإجرام، والكثير من الأمور القاسية؛  التي تحدث للبشرية؛ ولكن بطريقة مضحكة  تجعلك تضحك على الواقع المحزن. 


★صحفي-مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى