رودي سامي:” إن شاء الله ولد” صراع المرأة مع المجتمع الذكوري، وصراع المتفرج مع الأحداث غير المنطقية!؟
رودي سامي ★
هل هي إشكالية المذكر ، أم هي عقدة الرجل؟
كبرنا وترعرعنا على بعض المعتقدات فى مجتمعنا العربي المأخوذة، والمتوارثة جيلاً بعد جيل؛ بعضهم يحاول أن يُدرجها تحت التدين والالتزام بالدين، وتعليماته ، وماجاء به القرآن الكريم في قوله عزوجل في سورة النساء “..وللذكر مثل حظ الانثيين ” ، وقوله سبحانه في سورة النساء أيضاً “الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم … وغيرهما من الأوامر الدينية ، طالما كانت تلك التعاليم تتماشي مع مصلحتهم ، ولكنهم لا يطبقونها أبداً في جوانبها الإنسانية الكثيرة؛ التي لا تتفق مع أهوائهم، وقيمهم الذاتية.
ولأن مجتمعاتنا غالباً هي مجتمعات ذكورية، فلا عجب أن تعيش المرأة فيها في ظل أصوات مثل ” انتِ لازم تخلفي ولد ” و” الواد هو اللي هيشيل اسم ابوه” و” الراجل هو الضهر والسند” و “دا راجل يعمل اللي هو عايزه” و “ضل راجل ولا ضل حيطة ” وغيرها من الأمثال ، متناسين أن الله عزوجل لم يخلق الكون من ذكور فقط، وخلق المرأة من ضلع آدم ؛ ليجعلهم سكناً وألفة لبعضهم البعض.
دون ذكر؟!
عرض صالون بناء الثقافي بدمشق، الفيلم الأردني “إن شاء الله ولد” وهو فيلم من إنتاج العام ٢٠٢٣، إخراج أمجد الرشيد.
يحكي الفيلم قصة (نوال ) التي توفي زوجها فجأة، لتبقى هي وابنتها تصارعان مجتمعاً متقلب الموازين بالنسبة للمرأة الوحيدة؛ حتى وإن كان لديها طفل؛ ولكن أنثى.
في المشهد الافتتاحي للفيلم نرى رسالة واضحة حين تحاول الوصول إلى ذاتها الانثوية، عند سقوط قطعة ملابس داخلية تخصها من الشباك ، بما يحمل ذلك من أبعاد نفسية يؤكد عليها الحدث التالي؛ حيث حاولت التقرب من زوجها في لطف كي تحثه على محاولة الإنجاب منها مرة أخرى، وأعتقد أن الأحداث الرئيسية في الفيلم سوف تُبرِّرلاحقاً اسباب رغبتها تلك؛ رغم أنها أم لبنت بالفعل؛ لكن دون ذكر ، ويتضح ذلك في الحوار الذي تُعبِّر فيه عن رغبتها بـ ( الذكر) لكن ما هو غير منطقي لذهن المتفرج؛ تملص الزوج منها قائلاً إنه هو سبب المشكلة، وأنه يأخذ العلاج الذي كتبه الطبيب .. ولم نعرف عن أية مشكلة يتحدث، وهو لديه طفلة منها ؟
ورغم أنه تساؤل يحتاج لوقفة استغراب منا كمتفرجين؛ لكته لن يكون الأخير ، لو أردنا أن نستكمل معاً باقي رسائل المخرج !
صراع على العربة!
يموت الزوج في الصباح التالي لهذا المشهد؛ لتبدأ معاناة (نوال) مع ( رفيق) شقيق زوجها؛ الذي يبدأ بمطالبتها فوراً بحقه فى ميراث أخيه الذي يقتصرعلى المنزل الذي تسكنه هي وطفلتها، والعربة التي تحتاج إلى تفسير مرة أخرى؛ لأنه لم يكن هناك أيضاً أي سبب منطقي لتمسكها المميت بها؛ رغم كل الصعاب التى مرت بها، وأنه كان من الممكن أن تسهل الأمورعلى نفسها، وتتخلص على الأقل من الدَّين المتبقي على زوجها من العربة التعيسة تلك!
على الجانب الآخر نرى المكان التى تعمل به، والذي يحمل إشكالية أخرى تخص الرجل؛ حيث تشتكي ابنة لأمها من خيانة زوجها، وأنها تريد الطلاق، فترفض الأم قائلة إنه حتى إذا وافق أهلها لن توافق الكنيسة؛ لينتقل الحدث إلى دين آخر ، ولا يتوقف عند مشاكل المسلمين !
ليوصل لنا أن معاناة المرأة لا تقتصر على طائفة معينة، ولا ديانة محددة؛ فياتى هنا صوت الأم، وكأنه أمر مُسَلَّم به ” كل الرجال بتحب الرمرمة” “قديش استحملت أبوك ”
فمن الطبيعي إذا أخطأ الرجل فلا لوم عليه، ولن ينظر له المجتمع بعين السوء، فخيانته هي مجرد نزوة؛ لكن حين تنزل أمرأة من سيارة زميل في وضح النهار فهى بالتأكيد غيرمؤهلة لتربيه الطفلة، وقد تصل إلى مرتبة زانية، وخائنة، ومُنْحَلَّة، وصفات أخرى؛ يعف اللسان عن ذكرها!
وإذا قَصَّر الرجل فى حقوق الزوجة، فله مبرراته التي يجب أن يراعيها المجتمع ، أما إذا انعكست الأدوار فهي تستحق كل عقاب!
الأمرهنا يمثل كولاجاً واضحاً بين امرأة تحاول أن تسقط طفلاً، وأخرى تبحث عنه كمنقذ لحياتها !
وتستمر أمامنا طوال الفيلم تلك المعاني : متى تفكر المرأة فى الإنجاب، وتتمناه كنعمة من الله؟ ومتى تحاول أن تتخلص منه بأي شكل، وأي طريقة ممكنة ؟
متى يتخلص هذا المجتمع من معتقداته البائسة، وتبني معتقدات جديدة تقوم على المساواة حقاً في الصواب والخطأ؟
متى نتوقف عن التفكير فى المرأة على أنها مجرد جسد يجب استغلاله بأي شكل من الأشكال ؟
فالرجل هنا يمكن أن يكون مصدراً للأمان والحماية، ويمكن أيضاً أن يكون سبباً للتعاسة حياً أو ميتاً، ولنأخذ مثلاً حالة ( رفيق ) كرجل لم يجد أي وسيلة للحصول على المال غير ابتزاز زوجة أخيه، وهي سيدة ضعيفة تعول طفلة صغيرة يفترض به أن يساندها فى تربية تلك الطفلة كحق الأهل عليه كونه بمثابة والدها .
والرجل هنا أيضاً زميل العمل؛ الذي تذكَّر بشكل مفاجئ أنه يحب ( نوال ) ، ويريد أن تكون له حياة معها !
وفى حقيقة الأمر أنه عرض المال، ولم يعرض الزواج وهذا دليل أنه يريد أغراضاً معينة بعيدة تمام البعد عن الحب، وتكوين الأسرة، وبناء حياة كاملة، والرجل هنا أيضاً ذلك الاخ السلبي غير المبالي بأخته، والذى يعيد في كل حوار أن العم محق، وأن أخته مقصرة في سداد ديون زوجها !
أمثلة متعددة للسوء الذي قد ينتج فى المجتمع الذكوري تحت جملة واحدة “إن شاء الله ولد” حتى ينتهى الفيلم بطرح سؤال جديد غريب حين يتم إجراء اختبار الحمل فنكتشف أن(نوال) حامل؛ رغم أنها حللت من قبل، واكتشفت أنها غير حامل ……!
مما يدفعها لتزوير التقرير الطبي ؟ ولا نعرف كيف حولنا المخرج إلى هذه المعجزات الإلهية ؟ وكيف حصلت على ثلاث دفعات من الديون بشكل مفاجئ بعد أن فقدت عملها ؟ حتى وإن كان ذلك هو معاشها من آخرعمل لم تكمله ؟ وكيف وصل إلى هذا المبلغ الكبير؛ ليغطي الدين، وما سبب القصه كلها من البداية … نهاية محيرة بالفعل لا يمكن أن يصدقها إلا المؤلف والمخرج!
حصل على جوائز !
يذكر أنّ فيلم “إن شاء الله ولد” حائز على ١٢ جائزة دولية منهاجائزة أفضل أداء من مهرجان البحرالأحمر السينمائي، وجائزة أفضل ممثلة من مهرجان شاشة آسيا والمحيط الهادي، وجائزة أفضل سيناريو لفيلم روائي طويل في مهرجان ميستك السينمائي في أميركا، وجائزة الضفدع الذهبي لأفضل مخرج من مهرجان فن التصوير السينمائي Camerimage في بولندا، وجائزة لجنة تحكيم المرأة، وجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان Paysages de Cinéastes في فرنسا!؟.
★خريجة قسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.