مسرح

روان محمد: في”العيال فهمت” كيف تؤثر السلطة الأبوية على تدمير حياة الأبناء؟

 


روان محمد  ★

تأخذنا مسرحية “العيال فهمت” إلى رحلة من البحث عن الهوية، فهذه أزمة حقيقية تحدث كثيراً في واقعنا؛ ولكن تختلف هنا بشكلها المميز أن الأب يضع أبناءه في قفص له أسوار من القوانين، والحدود الضيقة للغاية لا يستطيعون أن يتخطوها، فهي تحت سلطة الأب الذي يراهم مثل العصافير؛ التي سوف تهجره في أي لحظة؛ لذا يضعهم في قفص حتى لا يهاجروا بعيداً عنه؛ وعندما يكتشف أن الخادم لا يلتزم بهذه القوانين، وحدود هذا القفص؛ يقرر اختيار شخص آخر.
بعد اختيار الأب لمربية صارمة، لا تستطيع تحمُّل الأولاد لبضع دقائق؛ بسبب ألاعيبهم التي يصنعونها، فهم كتيبة من العفاريت؛ ولذا نجد أن هناك خللاً واضحاً؛ فهم أمام الأب بكامل الانضباط ؛ ولكن عند غيابه يكون الأمر مليئاً بالمواقف المخلة، وكل ما يحدث ناتج عن تريية الأب في المقام الأول؛  حيث تمت تربيته بشكل صارم للغاية، وأيضاً فقدان الأم جعل أجواء المنزل مليئة بالظلام الحالك، والجفاء؛ حتى باتت أرواح الأبناء باهتة للغاية،  فلا توجد حياة خارج هذا المنزل، ولا بداخله إلى أن أتت المربية الجديدة (نغم) التي كانت بالنسبة للأب اختياراً خاطئاً  اضطر له؛ ولكن هذا القرار كان أصوبهم على الإطلاق؛ حيث جعلت الأبناء يكتشفون أرواحهم من جديد.


  الأداء التمثيلي في هذا العرض كان به الكثير من الانسجام بالنسبة لدور الأب “عاصم” (رامي الطمباري) فقد أتقن الشخصية، وأبعادها أثناء تأدية هذا الدور، وعند تذكره الماضي جعلنا نشعر، وكأننا نرى المشهد من خلال حديثه، فقد أخذنا معه إلى ماضيه ؛ حيث رأينا قسوة والده، وحلم التمثيل الذي تحطم أمام عينيه، وبسبب فقدانه حلمه؛ فقدَ شغفه وحنانه، وحبه تجاه الآخرين، ومنهم أبناؤه؛   أما “نغم” التي قامت بدورها (رنا سماحة) فقد كانت مليئة بكل ما تفتقده هذه الأسرة من مشاعر إنسانية، واستماع للطرف الآخر، فقد أسست لهم مشاعر، ووجداناً زينت جدران هذا المنزل الحزين، وبرغم  كونها مغنية إلا أن أدواتها التمثلية قابلة للتطور. 
أما الذي قام بأداء دور الخادم “زكريا”  (عبد المنعم رياض)  الذي اختفى من ساحة السينما، وظهر على المسرح، فهو يمتلك صدق الممثل، فيشعر المتلقي بأنه لا يمثل، وأن هذه هي شخصيته الحقيقية؛ له انسيابية ملفتة برغم من أن بعض إفيهاته لم تكن مناسبة ؛ إلا أنه يقوم بدور له أبعاد أخرى فهو لم يكن مجرد خادم؛ بل كان بمثابة الراعي والمسؤول الأول عن الأولاد، وبوجود قصور في شخصيته، اِنعكس ذلك على الأبناء جميعهم بمختلف الأعمار؛ كان بينهم انسجام وطاقة مشعة تصل إلى المتلقي، فقد كانت الاستعراضات بينهم ملفتة في الانضباط، وتوازن الحركات مع الإيقاع مما جعل الجمهور يتفاعل معهم؛ وبالرغم من إتقانهم جميعاً للأداء التمثيلي؛ ولكن خطف الأنظار منهم ذلك الطفل الذي قام بدور(معاذ) فقد كانت انفعالاته تلقائية للغاية.
نجح المخرج شادي سرور، في اختيار طاقم العمل، وبدت رؤيته تضم الكثير من الإنسانيات، والمشاعر التي يريد أن تعود إلى البشر في عالمنا الواقعي الذي أصبح جافاً للغاية، سريعاً مليئاً بالغضب، ويفتقد إلى الإنسانيات.


أما الديكور فنجد أنه  جسد بعض الصور التي تُظهر إلى أي مدى كان هؤلاء الأبناء في سجن حقيقي، فكان في نهاية السلم أعمدة قصيرة يختبئ وراءها الأبناء عند حديث الأب، والمربية مما جسد شكلاً من أشكال السجن الذي يقف خلفه المساجين بانتظار حكم  قاضٍ قاسي القلب لا يستمع إليهم، ولا يرى سوى أفكاره فقط ، ولا يسمع أي صوت غيره؛ولا يضع نفسه في مكان الآخر، فيجبر كل من في المنزل أن يراه مثلاً أعلى؛ حتى يتدارك الأمر مع الأحداث.

وجاء تكوين المنزل من طابقين دور علوي، ودور آخر سفلي ليساعد  في ملء المسرح والسفرة التي بها الكراسي على عدد أفراد الأسرة، وكرسي الأم المعلق، وبه شاش يُظهر مدى الاحتياج لها، ويوضح معنى الأسرة، واعتقد أننا شاهدنا هذا التكوين، والفكرة في فيلم قديم من بطولة الفنان الراحل محمود ياسين باسم (حب أحلى من الحب ) وتغيير الديكور من المنزل إلى المسابقة بسهولة بسبب “البرياكوتا” التي استخدموها لسرعة التغيير، وكان ديكور المسابقة متناسقاً للغاية.

أما الملابس فأتت منطقية مع شخصياتهم المختلفة، وقد تعددت من بداية غير متناسقة تعبر عن الخلل بداخلهم حتى الوصول للشكل المتناسق؛  الذي يناسب كلاً منهم.
الإضاءة كانت مليئة بالطاقة والحيوية أثناء الاستعراضات، وكانت  كاملة في وجود الأب، وكأنها مسلطة على كل ما يدور، في منزل يشعرك وكأن الجميع مراقب من قِبَل الأب.


جاءت الموسيقى متناسبة مع أجواء المسرحية وعند وجود تداخل من قبل أغاني المهرجانات، أو ما شابه ذلك يتضح الخلل، والبعد بين الأجيال، جيل الأب، وجيل الأبناء، فقد تناسبت مع الزمن الحالي الذي أصبح به الكثير من القصور والأشياء المتضاربة مثل موسيقى بيتهوفن، وأغاني المهرجانات، فنجد أن العرض ربط الواقع الحالي مع أحداث المسرحية في إطار كوميدي مؤثر إنسانياً يتعاطف معه المتلقي،  بغرض  الوصول لحل متوازن يستطيع الجميع التعايش معه، فلا توجد حياة مع الأوامر المطلقة؛ ولذا يجب وضع قوانين  إنسانية مرنة حتى يستطيع الجميع التعايش معها.


طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.


مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى