مسرح

ندى مرجان:”العيال فهمت”.. مجرد نسخة، أم عمل فني أصيل؟

ندى مرجان ★


يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه، و رضي عنه : “لا تُربوا أبناءكم كما رباكم أباؤكم، فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم”.
ولكن في منزل الكابتن عاصم، الأشبه بالمطار؛ يختلف أسلوب التربية متأثراً بعقدة الطفولة الخاصة به، فجاء المنزل عاكساً لشخصية الأب على مستوى المناظر المرئية؛ التي صمَّمها حمدي عطية، من أثاث ذي طراز كلاسيكي، وأوراق حائط، وباب إلكتروني خاص بالتفتيش عن المعادن، حتى ساعات الحائط مختلفة التوقيت، وعلى المستوى الحواري من خلال مونولوج قصيروصف فيه عاصم منزله معلناً عن أماكن مخارج الهروب، ومواعيد الوجبات، وكأنه مضيف على متن طائرة.


ولأن لكل إنسان نصيباً من اسمه، فكان عاصم، يعصم أبناءه من أحلامهم، وآمالهم، وحنانه عليهم، فارضاً هواياته، ومجال دراسته؛ لينشئ نُسخاً مصغرة منه ، ولسبب ظروف عمله كطيار؛ يسافر الأب كثيراً تاركاً أطفاله مع زكريا الذي يعمل كمديرٍ للمنزل، وسفرجي سوداني إن لزم الامر ، يحب زكريا الأولاد بصدق، ويشفق على حالهم، فيتركهم يمارسون هواياتهم في غياب الأب، وحين يعود يتظاهر الجميع أن كل شيء كان يسير على النظام أثناء غيابه؛ مع تقريرعن سلوك الأطفال، ومع ذلك يرى الأب أولوية في تعيين مربية لهم؛ حتى وإن كان منهم من هو في سن الجامعة، وبرغم كثرة المتقدمات للوظيفة إلا أنه يختار امرأة ذات خبرة 10 سنوات في مصلحة السجون؛ لأنها بذلك مثالاً للانضباط، وكأنه يختار سجَّاناً لأحلام صغاره ؛ ولكن سرعان ما يرعبها الأطفال بالمقالب؛ لتفر هاربة.
فتدخل نغم، بيت الكابتن عاصم، مباشرة بعد ذكر أحد الشخصيات لمقام النهاوند، الذي يمتاز بالعاطفة والحنان والرِّقَّة، وكأنه بمثابة تعريف بالشخصية التي صاحبتها أنغام موسيقى ناعمة؛ تعكس صفاتها في صعودها وهبوطها على السلم؛ كانت تعزِف خطواتها نغمات السلم الموسيقي السبع؛ كما لو كانت درجات السلم مفاتيح لآلة البيانو؛ لتصبح المربية التي تساعد الأولاد على تحقيق أحلامهم وحمايتهم.

وبما أن العرض تحت تصنيف الكوميديا الموسيقية، فكان  لموسيقى أحمد ناصر، دور لا يقل أهمية عن أي من أبطال العرض؛ خاصة في مشهد فلاش باك؛ يعرض جزءاً من ذاكرة الأب؛ لتتضح عقدة طفولته، ومِنْ ثَمَّ إعادة الموسيقى ذاتها عندما صارحه أحد ابنائه أنه يعاني كبتاً وقمعاً كما عانى الأب في طفولته، وكأن الزمن يعيد نفسه.
وبالحديث عن الموسيقى؛ كانت شخصية الأب كارهة للموسيقى، ومانعة لها في البيت، ومحذراً للمربية نغم، ألا تمارس هوايتها من الموسيقى خارج حدود غرفتها، وعلى الرغم من صرامة الأب، وعدم حبه للموسيقى؛ إلا أنه بدا يدندن، أو يستمع للموسيقى في أكثر من مشهد قبل وصول نغم، أو قبل التأثر بسحرها؛ الذي أدخل الأنغام والموسيقى لحياتهم، فكنت أُفَضِّلُ ألا يظهر للأب أي علاقة بالموسيقى؛ إلا بعد التأثر بشخصية نغم.
وبرغم حدوث سقطات صغيرة؛ إلا أن الممثلين تحلوا بثبات انفعالي، وسرعة بديهة؛ حتى أصغرهم الذي أدَّى شخصية معاذ، والتي تُعد إضافة من المخرج شادي سرور، على شخصيات العمل الأصلي، وكانت لتلك الشخصية الفضل في إضافة كم كوميدي أكبر للعرض.
فعكست المسرحية بشكل ساخر كيف أن “العيال” أو الأبناء بدأوا يفهمون ما يجري حولهم، وقدَّم الممثلون الشباب الذين جَسَّدوا دور الأبناء أداءً حيوياً، مع التعبير عن تمردهم على القيود بطرق ذكية ومرحة، مُشَكِّلَة نقدًا اجتماعياً لأساليب التربية العنيفة؛ التي لا تناسب العصر الحديث، واستمد العرض الكثير من طرافته من المواقف التي تُظهر اختلافات الأجيال، والحوار الساخر.
وتجاوز المخرج في المسرحية حدود الترفيه؛ ليخوض في موضوعات حساسة تهم المجتمع المصري المعاصر، مُقدِّماً حبكات جانبية كضياع المواهب الشابة في عالم المهرجانات،  وأن التجارب الجديدة للأبناء بعيداً عن إشراف الأهل؛ يمكن لها أن تؤدي إلى استغلالهم مادياً وجسدياً.

ومن الملفت للنظر أزياء شيماء محمود، التي تَلَاءَمَتْ مع كل شخصية، وساعدتها في الأداء؛ خاصة زي كلٍ من همت، وعصمت، ونعمت، وقسمت، كطاقم طيران، فكانت التنورة الخاصة بهن عبارة عن شورت في الأصل على شكل تنورة؛ لتساعدهن على الحركة والقيام بالأداءات الاستعراضية من تصميم دارين وائل، ومِنْ ثَمَّ الزي الذي يعكس موهبة كل شخصية منهم كالبالطو المتسخ بالألوان وجاكيت الكاتبة، وزي الراقص، وغيرها.

ولأن اللوحة لا تكتمل سوى بالألوان، فإن إضاءات محمود حسيني، ساعدت في نقل المشاعر مختلفة الألوان، فلونت الإضاءات خشبة المسرح وكأن الدنيا تلونت بأحلام الصغار عندما أفصحوا عنها، وعبرت عن الحب عندما نقل السبوت لايت من صورة الأم الراحلة إلى المربية؛ لتجلس على كرسي الأم، وكأنها تتولى مكانتها بعدما رحلت، وكان على الكرسي ضمادة كرمز للجرح؛ الذي تسبب فيه رحيل الأم في قلوب أطفالها.

وبمساعدة نغم، للأولاد، ساعدوها أيضاً؛ لتحقق حلمها المتمثل في نشر أغنية والدها؛ التي وجهت من خلالها الشخصيات رسالة صريحة: صدق حلمك.

وبذلك ولامتياز الإيقاع المسرحي بالسرعة، والبعد عن الرتابة والإسفاف؛ تنقلت المشاهد بسلاسة بين الشخصيات والمواقف الكوميدية، مما حافظ على انتباه الجمهور، فالعرض مناسبٌ لجميع الفئات العمرية طارحاً معالجة حديثة لفيلم صوت الموسيقى؛ الذي حصل على خمس جوائز أوسكار، وحبكته الرئيسية تتمثل في الأب الديكتاتور؛ الذي يضع قانوناً ودستوراً مقدساً للتربية، ولا تعد هذه هي المرة الأولى؛ التي يتم فيها تناول معالجة لثيمة فيلم صوت الموسيقى؛ بل قدمت معالجة أخرى لها في مسرحية “موسيقى في الحي الشرقي”.


★ خريجة قسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى