أرشيف

الفنانة فيفيان صلاح الدين تروي ذكرياتها عن فيلم الحقيبة السوداء

فيفيان صلاح الدين

أتذكر ذلك اليوم جيداً؛ قبل ان ألتحق بالمدرسة كنت صغيرة جداً، كان أبي يأخذ أشقائي معه للإستديو كانوا صغاراً أيضاً، أما أنا فكنت أبكي كثيراً حتى أذهب معهم، وبعد سنة حان الوقت حين طُرِقَ باب منزلنا، لنجد أبي قد أرسل أحد العاملين معه، ليأتي بي إلى الإستديو، الذي يتم فيه تصوير فيلم الحقيبة السوداء، وبالفعل قامت أمي بتجهيز فستان جميل من أجلي، ثم أخذني الرجل إلى الإستديو.

وجدته مكاناً جميلاً صُوِّرَتْ فيه غالبية الأفلام الأبيض والأسود الرائعة، كل العمالقة صَوَّروا فيه أفلامهم السينمائية الجميلة، في الحقيقة كنت مبهورة بهذا الصرح، الذي أصابني بالدهشة لعدم تحرك القطار داخله، رأيت أحلى النجوم ستيفان روستي، والعملاق محمود المليجي الذي خشيت منه كثيراً، وكذلك رأيت فتى الشاشة الأول شكري سرحان، والنجمة الجميلة نعيمة عاكف التي كانت تمزح معي وتُلاعبني، والأستاذ محمد توفيق ــ  وبالمناسبة هو من قام بـاختباري عند دخول المعهد ـ بمجرد دخولي إلى الإستديو كان مظلماً، وممنوع فيه الأصوات، لا يتحدث أحد غير الفنانين، رأيت والدي يمثل، لم يكن لديه الوقت الكافي ليلتفت لي، كان مشغولاً جداً، كونه منتج الفيلم، يتحدث دائماً مع النجوم، لم يقُل شيئاً لي سوى جملة واحدة “أنتِ بنت شكري سرحان، واسمك ناهد إبراهيم حسبو” سمعت حديثه، ولم أُعلق حينها، كان المخرج الأستاذ حسن الصيفي، وكنت أناديه بـ عمو، أما الأستاذ شكري سرحان فقال لي: “أوعي تعملي دوشة.. وأنا هجيبلك شوكولاتة لما نخلص”، أما عمو محمود المليجي كنت أحسبه لصاً، وذلك لأنني كنت أخشاه كثيراً، حين كنت أراه في الأفلام، وذات مرة قال لي: “تعالي أجبلك شوكولاتة” وبالفعل قُلت له “أنت حرامي حتى في الفيلم بجد”، أما الأستاذ ستيفان روستي، كان فعلاً خواجة، وهو مهذب ومحترم وهادئ، وأي طلب كان يطلبه المخرج منه، كان يقوم به دون اعتراض أبداً.

ومن الذاكرة، كنت في المشهد الأول، ومن المفترض أن أنام لأنهم عصابة، رفع أبي صوته بحدة، وقال لي: نامي، اِرتعبت من أبي حينها، بـاختصار فيلم الحقيبة السوداء، كان يدور حول أبي ـ شكري سرحان ـ الذي خطفتني منه عصابة داخل القطار، تريد منه حقيبة، ويقوم هو بالبحث عني طوال أحداث الفيلم، أما أبي الحقيقي، فكان يؤدي دور أحد أفراد العصابة، وأخيراً تأخذ العصابة الحقيبة، ويستردني أبي منهم، وبهذا ينتهي الفيلم.

أغلب تصوير الفيلم كان داخلي بـ إستديو جلال، أما مشهد القطار فكان مجرد مكان يٌشبه القطار، ولهذا كنت مصابة بالدهشة، فكيف نحن في قطار، ولكنه لا يعمل ولا يتحرك، ثم رأيت في شاشة متحركة، وكأن القطار يتحرك، وبالفعل قمت بتصوير بعض المشاهد في محطة مصر مع أستاذ ستيفان روستي وأبي ومحمود المليجي ومحمد توفيق، وكذلك قمنا بالتصوير في فيلا بـ الزمالك

أبي كان شديداً جداً، كان يخشى أن أقوم بعمل ضجيج، وأهدر وقتهم، كان يقف خلف الكاميرا يُشاهدني، وأنا أقوم بـ أداء المشهد، أما أجري فكان بعض قطع الشوكولاتة التي أحصل عليها من الفنانين، واللعب معهم، كان أبي شديد الفرح بي، وذلك لأنني كنت أُشبه كثيراً شكري سرحان، وبالصدفة نحن الاثنان كُنا ذوا شعر ناعم، وكان الشبه قريباً بيننا، وأيضاً لأني لم أكن أفهم في الأجور والأمور المادية، كونه منتج العمل كما ذكرت.

كانت نعيمة عاكف جميلة، وطيبة، وجسمها رائع، تحضر في الميعاد المحدد، كنت أجلس معها تلاعبني، كنت حقاً سعيدة بالعمل معهم، وبعدم ارتكابي أخطاء في الحوار، أبي لم يحدثني أثناء التصوير، ولم يُداعبني، كان وكأنه لا يعرفني من قبل، كان يعاملني مثل الآخرين، فقط فتاة صغيرة، أما الممثلون فكانوا هم من يأتون لي بالحلوى والألعاب بصحبتهم، كان الموضوع في الإبهار، وكان أهم من الأجر، قمت بالعمل في هذا الدور، قبل أن أذهب للمدرسة بـ أكثر من عام تقريباً، على ما أذكر كُنت صغيرة جداً.

كنت في غاية السعادة، لأنني كنت أرى كافة النجوم في الحقيقة، فقد كان الجميع سعيداً، ولم أكن مصدقة أنني شاهدتهم، ومثلت معهم، أو حتى رأيتهم، كنت ومازلت مبهورة إلى الآن.

إن ذهابي إلى الكثير من الأستوديوهات، ومشاهدتي للكثير من البلاتوهات، أعطاني جرأة شديدة، لأني مثلت أفلاماً كثيرة، وأنا في سن صغيرة، مع أغلب النجوم الكبار، ومازلت فخورة بذلك،  لأنني حضرت عمالقة صُنَّاع السينما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ فنانة سينمائية ومسرحية ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى