أ.د. سيد علي إسماعيل: ٧١ سنة على أول مهرجان مسرحي بمناسبة نجاح ثورة 23 يوليو
أ.د. سيد علي إسماعيل★
بمناسبة انعقاد الدورة السادسة عشرة للمهرجان القومي للمسرح المصري هذا العام 2023 وبمناسبة مرور 71 سنة على ثورة يوليو 1952 – نتناول أول مهرجان مسرحي أقيم في مصر، ضمن مهرجان فني كبير بمناسبة نجاح ثورة 23 يوليو 1952؛ بوصفه أول مهرجان مسرحي مصري أُقيم في العهد الجمهوري، فالأغلب الأعم منّا، يظن أن المهرجانات المسرحية – التي بدأت تنتشر في بلداننا العربية – ظاهرة حديثة، أو بدعة فنية مستحدثة، لم نكن نعرفها في الماضي!! والحقيقة أن كلمة “مهرجان” لها إرهاصات قديمة، تتعلق بالمسرح العربي في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر!! فقد أعلنت جريدتا “مصر والمؤيد” – في ديسمبر 1897 – عن مهرجان الجمعية الخيرية الإسلامية بحديقة الأزبكية، وذكرت الجريدتان كلمة “مهرجان” صراحة!! وهذا المهرجان اشتمل على عرض مسرحية “أنس الجليس”، قدمته فرقة أبي خليل القباني، بالإضافة إلى وصلات طرب وغناء من عبده الحمولي، ومحمد عثمان، والشيخ يوسف المنيلاوي.
وظل هذا المهرجان يُقام سنوياً حتى مايو 1921، عندما قالت جريدة “الأخبار”، تحت عنوان (مهرجان الجمعية الخيرية الإسلامية): “كان المهرجان الذي أقامته الجمعية الخيرية الإسلامية، أول أمس في حديقة الأزبكية، آية في فخامته وجماله، وغاية في عظمته وجلاله. فقد زينت الحديقة، وفي الساعة الرابعة، احتفل بتوزيع الجوائز. وقد مثلت جوقة ترقية التمثيل رواية (عبد الرحمن الناصر) بتياترو الأوبرا، بحضور جمع كبير من العظماء والفضلاء فأجادت الفرقة التمثيل”.
ومن الملاحظ أن علاقة هذا المهرجان بالمسرح، كانت من خلال عرض مسرحي واحد!! وهذا يختلف عن مفهوم المهرجانات المسرحية الآن؛ كونها احتفالاً كبيراً، تُعرض فيه مجموعة من المسرحيات المتنوعة!! وهذا المفهوم – تاريخياً – وجدته نظرياً عام 1935؛ عندما نشرت جريدة “الأهرام”، مقالة كبيرة عنوانها “في سبيل ترقية المسرح المصري”، جاء فيها تحت عبارة “مهرجان التمثيل” – بوصفها عنواناً فرعياً – الآتي:
“… احتفالاً بإعادة المسرح إلى الوجود ثانية، وبمناسبة مرور ما يقرب من خمسين عاماً، على قيام التمثيل بمصر؛ يقام عند ابتداء الموسم المسرحي القادم، حفلة تذكارية بدار الأوبرا الملكية. يشترك فيها رجال الأدب، وجميع الفرق المسرحية؛ ويُسَطّرُ مَنْ فيها تاريخ المسرح المصري، ومقدار تطوره خلال هذه المدة. وتُمثل فيها بعض مشاهد أهم الروايات، التي ظهرت على المسرح المصري، منذ ابتداء التمثيل حتى اليوم؛ إظهاراً للمراحل، التي قطعها التمثيل المصري في مدى نصف قرن تقريباً. وبعد هذه الحفلة يقام مهرجان لمدة أسبوع؛ إما بأرض المعرض، أو بمدينة رمسيس، تشترك فيه جميع الفرق المسرحية، لتمثل فيه الروايات القديمة والحديثة بأنواعها. وبهذا نُقيم حول حركة إحياء التمثيل، حركة فنية توجه الشعب إليه”.
وبكل أسف، لم يتحقق هذا المهرجان بهذا الوصف على أرض الواقع، وظل حلماً نظرياً، مثله مثل مهرجان آخر، كتبت عنه مجلة “الشعلة المصورة” – في نوفمبر 1944 – بوصفه مهرجاناً مسرحياً مشتركاً بين مصر ولبنان. ونشرت المجلة تفاصيل هذا المهرجان، تحت عنوان “مهرجان مصري لبناني”، قائلة:
“اتفق الأستاذ وجيه ناصر مدير الفرقة القومية اللبنانية، وأستاذ الخطابة بالكونسرفاتوار اللبناني الحكومي، مع إدارة الأوبرا على إقامة مهرجان مصري لبناني، على مسرح دار الأوبرا الملكية مساء الأحد 3 ديسمبر القادم، تحت رعاية معالي هيكل باشا وزير المعارف. وقد تضامن في إحياء هذا المهرجان الحافل، كبار ممثلي الفرقة المصرية، وجمعية أنصار التمثيل والسينما، برئاسة الأستاذ سليمان نجيب، ونخبة من فناني الجالية اللبنانية برئاسة الأستاذ ناصر. وتشترك فيه بلبلة لبنان الآنسة (عايدة)، المطربة الهاوية بصوتها الرخيم. ويتضمن البرنامج، تقديم مسرحية (محاكمة فيوليت)، واستعراض (في جبال لبنان)، ورواية (امرأة لها كرامة) و(آدم وحواء)”.
والجدير بالذكر، إننا لم نجد – حتى الآن – أدلة قاطعة على قيام هذا المهرجان، وأغلب الظن أنها فكرة لم تتحقق على أرض الواقع في ذلك الوقت؛ لأنها لو تحققت، لأصبح هذا المهرجان، أول مهرجان مسرحي مشترك بين دولتين عربيتين في تاريخ المسرح العربي!!
مهرجان الفن
بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، بشهور قليلة، وتحديداً في نوفمبر، عقد مجلس الوزراء اجتماعاً برئاسة سليمان حافظ نائب الرئيس اللواء محمد نجيب ووزير الداخلية، وقرروا إنشاء وزارة الإرشاد القومي؛ الذي تقلد حقيبتها فتحي رضوان بجانب منصبه (وزير دولة). وتم في هذا الاجتماع أيضاً اختيار يوم 23 يوليو ليكون العيد القومي لمصر. وعلى الفور تحرك الفنانون من خلال نقابتهم مقترحين على المسئولين – في قيادة الثورة – إقامة مهرجان فني يستمر أسبوعاً باسم مهرجان الفن، ويشترك فيه أكبر عدد من الممثلين والموسيقيين والمطربين، ويخصص نصف إيراد المهرجان لمشوهي حرب فلسطين، والنصف الآخر للعجزة من أعضاء النقابة. وتم تأليف لجنة لهذا المهرجان، تكونت من: محسن سرحان، وفريد شوقي، وحمدي غيث، وذلك لدراسة المشروع، ووضع برنامج الحفلات وتقديمه لمجلس النقابة.
بدأ الأمر باجتماع الفنانين بقيادة يوسف وهبي، مع قائد الجناح العسكري وجيه أباظة مدير الشئون العامة للقوات المسلحة بمسرح حديقة الأزبكية؛ بوصفه المحرك الأول لمهرجانات التحرير، وذلك لإعداد برنامج ضخم للاحتفال بمرور ستة أشهر على حركة التحرير – حيث إنها لم تُعرف باسم ثورة في هذا الوقت – وقرر المجتمعون الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة يوم 23 يناير سنة 1953، ووقع اختيارهم على أرض الجمعية الزراعية لإقامة مسرح كبير، يسع لخمسة آلاف مشاهد. وعهد إلى شكري راغب – مدير الأوبرا – إقامة هذا المسرح خلال أسبوع واحد!! وبالفعل أُقيم المسرح بفضل جهود السيد “ريمون كحلا”، الذي تبرع بأخشاب المسرح والستائر والعمال.
ويصف لنا شكري راغب – في مقالة منشورة في مجلة “أهل الفن” – ما حدث في الافتتاح، قائلاً: “وفي الثالث والعشرين من شهر يناير سنة 1953، وقف الأستاذ يوسف وهبي ليتحدث إلى خمسة آلاف مشاهد، وليقدم نجوم المسرح والسينما في شكل عرض كبير، بينما تعزف الموسيقى ألحان الجهاد. ثم ألقى كلمة الافتتاح، كما ألقى في آخر أيام المهرجان كلمة الختام، التي أعلن فيها أن أهل الفن في مصر هم أخلص الناس للثورة، بل هم أنفسهم الثورة الكامنة، وأنهم على استعداد لتلبية النداء وتنفيذ الأمر، وتقديم ما يطلب إليهم تقديمه من أنواع الترفيه، وهكذا انتهى المهرجان الأول”.
ويستكمل شكري راغب، وصفه لهذا الحدث، قائلاً: “.. وفكرة مسرح التحرير دفعتني لأن أرفع إلى أولي الأمر اقتراحات الترفيه، فقوبلت بالرضا، ولو أن تنفيذها قد استغرق بعض الوقت. وكان اقتراحي الأول إنشاء مسرح عالمي صيفي في حديقة الأندلس، ثم إعداد مَرّسَى على النيل بجواره، لإقامة مسرح عائم، وقد تحقق هذا أيضاً في الباخرة سودان. وطالبت أن يقام معرض لإظهار ما حققته الثورة وفعلاً أقيم المعرض. ورجوت أن تخصص حديقة الحرية كمدينة للملاهي، وقد خصصت لذلك الغرض …… كما التمست أن تخصص الحدائق العامة والميادين في هذا اليوم للفرق الموسيقية التابعة للجيش، وللمسارح الشعبية، وضروب التسلية. وقد علمت أن النية قد اتجهت …… إلى تحقيق هذا الالتماس. كما طلبت أن تخصص في عدة أماكن هادئة كالساحات الشعبية، حدائق للأطفال بها (المراجيح) وضروب التسلية الخفيفة .. كل ذلك مجاناً يتمتع به الشعب صغيره وكبيره حسب هواه”.
ووصل اهتمام رجال الثورة بهذه الاحتفالات – من أجل إسعاد الشعب بحركة التحرير – إقامة مسرح مكشوف على سفح الأهرامات، وقام بتنفيذه أيضاً شكري راغب بنجاح كبير. وكانت عروضه في مهرجان التحرير – بمناسبة مرور عام على الثورة – تتمثل في: الباليه والموسيقى والمسرحيات الغنائية الاستعراضية؛ حيث قام مخرجو السينما بإخراج أربعة استعراضات كبيرة، اشترك فيها: بيرم التونسي، وجليل البنداري، وأحمد صدقي، وعبد العزيز محمود، وأحمد بدرخان، والسيد زيادة، ومحمود السباع، وكامل التلمساني، وفؤاد الجزايرلي، ومحمد حسن الشجاعي. هذا بالإضافة إلى فرقة باليه بإشراف سونيا إيفانوفا، وكذلك شارك سيرك الحلو. أما رواد هذا المسرح، فكانت الأغلبية من ضيوف مصر الأجانب، ومن السودانيين الذين حضروا جميع أيام المهرجان، وكان عددهم يزيد على الثلاثمائة في كل ليلة. أما المصريون فقد فضلوا مسرح الأندلس؛ لأنه يقدم الريفيو الموسيقي، والغناء المتنوع من فريد الأطرش، وليلى مراد، وصباح، مع رقصات لتحية كاريوكا وسامية جمال. والجدير بالذكر إن المهرجان لم يكن مقصوراً على القاهرة فقط، بل شمل أيضاً الإسكندرية، لا سيما النشاط الفني والمسرحي الملحوظ، الذي قُدم في مسرح أنطونيادس، ومسرح السلسلة.
بعد نجاح مهرجان التحرير الفني، نقلت لنا جريدة “المصري أفندي” – في مارس 1953 – لقاء تم بين الرئيس محمد نجيب، وبين الفنانين، ومنهم: يوسف وهبي، ومحمد عبد الوهاب، وأنور وجدي، وفريد الأطرش، وإسماعيل ياسين، وحسين فوزي. وحضر اللقاء أعضاء لجنة المهرجان الفنية المتكونة من البكباشي وجيه أباظة، والأستاذ مصطفى نجيب، والأستاذ علي كامل الدين. وما يهمنا من هذا اللقاء، الكلمات التي ألقاها الرئيس محمد نجيب، ونشرتها الجريدة؛ لأنها تُعدّ وثيقة حية، يجب الحفاظ عليها:
قال الرئيس محمد نجيب: “في الواقع لو أنني أردت أن أشكركم لما وجدت عبارات أفيكم بها، لأنكم جميعاً أديتم الواجب عليكم نحو وطنكم فاعتبروا عجزي عن وفائكم حقكم من الشكر هو أكبر دلالة على تقدير الوطن لكم، فقد نجحت حفلات التحرير بفضل الجهود التي بذلتموها”. وقال: “وبهذه المناسبة لا يمكنني أن أدع هذه الفرصة تمر دون أن أصارحكم بما في نفسي .. فإنني أرجوكم رجاء حاراً أن تقلعوا في المستقبل، بل والآن عن الإنتاج السينمائي الرخيص الذي يمتلئ بالأغاني الخليعة”. وقال أيضاً: “إن على الفنانين قسطاً كبيراً جداً من نهضة الوطن الحديثة وتهذيب الشعب تهذيباً فنياً، وأن أغنية حماسية كالتي تنشدها أم كلثوم وليلى مراد لتخلق روحاً وطنية مشتعلة في النفوس، وقد سرني أن وجدت هذه الأناشيد يحفظها أفراد القوات العسكرية في منطقة سيناء ويبلغ عددها عشرين ألفاً، وقد لاحظت عند زيارتي لهم أخيراً أنهم يرددونها في طوابيرهم، وكل ما أرجوه هو أن الواحد منكم عندما يقدم على إنتاج فيلم أو يلحن أغنية، عليه أن يفكر في مصر أولاً وينسى كل شيء عداها”. وقال الرئيس كذلك: “إننا نريد أن نمحو الأغاني الخليعة والمبتذلة ونريد أن نقلع عن عرض المناظر المخزية كرقص البطن الذي يظهر كثيراً في أشرطة سينمائية تقابل بالاستنكار الشديد والاستياء”. ومضى الرئيس يقول إنه “يريد أن يساهم الفنانون في تقويم الأخلاق وبث الروح الشجاعة والجرأة والإقدام، وحب العمل”. ثم نوه الرئيس “عن السودان ويجب أن نحترم السودانيين، عندما نقدمهم في السينما”.
أما مجلة “الجيل الجديد”، فقد نقلت لنا – في يونية 1953 – أقوال البكباشي وجيه أباظة، حول “مهرجان التحرير”، الذي سيقام بمناسبة مرور عام على حركة التحرير، حيث قال: “… سوف يتجه المهرجان اتجاهاً وطنياً خالصاً لتعبئة الشعور العام، ضد الاستعمار حيث يجد الشعب في هذا المهرجان متنفساً للتعبير عن شعوره ضد الإنجليز وكل مستعمر”.
كما أوضحت مجلة “الفن” – في أوائل يوليو 1953 – أن المهرجانات، لن تكون – كما حدث في مهرجانات يناير – “وقفاً على القاهرة والإسكندرية فقط بل ستتعدى إلى جميع أنحاء القطر، إذ ستعمل إدارة الشئون العامة على أن تتيح للشعب المصري في هذه الأيام الأربعة، كل أسباب الترفيه والسرور والانشراح. ولهذا فستقام في المدن والقرى والبنادر ساحات تحتوي على جميع أنواع المراجيح، وما شابهها من أساليب التسلية .. هذا بخلاف الفرق الفنية التي سترسل إلى هناك للعمل على المسارح الموجودة في المراكز، أو على مسارح خاصة في الهواء الطلق”.
العروض المسرحية
وإذا أردنا تسليط الضوء على النشاط المسرحي المشارك في هذا المهرجان، من خلال الفرق المسرحية وعروضها، سنجد اهتمام الدولة اتجه نحو مسرحيات ” تمثل مشاهد من تاريخ مصر الحديث الذي يصور كفاح الشعب ضد حكامه الطغاة المستبدين”، كما ذكرت مجلة “الجيل الجديد” في يونية 1953، والتي حددت الفرق المسرحية المشاركة، قائلة: “بلغ عدد الفرق المسرحية التي ستشترك بالتمثيل في حفلات مهرجانات التحرير خمس فرق وهي: الفرقة المصرية التي ستعمل بالقاهرة، وفرقة المسرح المصري الحديث، وفرقة الريحاني اللتان ستعملان بالإسكندرية، وفرقة المسرح العسكري، وفرقة مسرح التحرير اللتان ستعملان بالقاهرة”. كما أشارت المجلة في عدد آخر إلى أن فرقة (البعث المسرحي) ستقدم مسرحية بعنوان (نهاية خائن)، وتدور أحداثها حول القائمقام المذنب محمد رشاد مهنا!! ومن خلال تتبعي للفرق المسرحية وعروضها، التي قُدمت في هذا المهرجان؛ ظهور فرق مسرحية جديدة لم نكن نسمع عنها، تكونت – أو أعيد تكوينها – من أجل الثورة ورجالها، مثل: فرقة المسرح العسكري، وفرقة مسرح التحرير، وفرقة المسرح الحر، ناهيك عن فرق المسرح الشعبي بشعبها المتعددة!!
المسرح العسكري
تكونت فرقة المسرح العسكري عام 1948، برئاسة اليوزباشي صلاح المصري، للترفيه عن الجنود المحاربين في فلسطين، وتوقف نشاطها بعد النكبة. وعندما قامت حركة التحرير في 23 يوليو 1952، أعاد صلاح المصري تكوينها مع زميله الصول الفني إبراهيم الشامي، بموافقة إدارة الشئون العامة للقوات المسلحة ورعايتها. وقبيل الاحتفال بمهرجان التحرير، تولى إدارة الفرقة يوسف وهبي، كما تولى فاخر فاخر مهمة إخراج عروضها. كما انضمت إلى الفرقة دولت أبيض، وفردوس محمد، وعزيزة حلمي، وعواطف رمضان، ورمزية علي، ونوال لطفي، وعزة وحيد.
كما نشرت مجلة “الجيل الجديد” في منتصف يوليو 1953، أسماء أخرى للمسرح العسكري، قائلة: “ويضم من العسكريين اليوزباشي صلاح المصري، والصولات الفنيين: إبراهيم الشامي، ويعقوب ميخائيل، وجاد صلاح، والمدفعي الجوي شاكر عودة، ومن المدنيين الأساتذة: صلاح نظمي، وأحمد أباظة، وإبراهيم خورشيد، ومحمود صبحي، وعلي محمد توفيق، وإسماعيل رزق، وعاطف المنياوي، وعبد العزيز خورشيد، وكامل أنور، ومحمد شعلان، والسيد زيد، وهم جميعاً من موظفي إدارة الشؤون العامة، وخريجي معهد التمثيل وأعضاء جمعية أنصار التمثيل”.
وإذا تطرقنا إلى العرض المسرحي، الذي قدمته فرقة المسرح العسكري في المهرجان، سنجده بعنوان (نهضة المشلول)، الذي يحكي تاريخ مصر الحديث منذ الثورة العرابية حتى أيام حركة التحرير؛ بحيث كتبه المؤلف عبد التواب يوسف خالياً “من التشويه والتزييف، الذي أدخلته عليه أسرة محمد علي، وأذناب الاستعمار في مصر” .. هكذا قالت مجلة “الجيل الجديد”!! والعرض يروي قصة ضابط مصري حارب مع الزعيم أحمد عرابي، فأصيب بالشلل في معركة (التل الكبير)، وظل مشلولاً قعيداً سبعين عاماً، حتى اشترك أحد أحفاده في ثورة 23 يوليو في حركة الضباط الأحرار. ولما استمع الجد المشلول يوم 23 يوليو نبأ عزل الملك فاروق، نهض واقفاً، ممثلاً لنهضة الوطن الذي عاش مكبلاً مشلولاً بقيود الاستعمار تحت حكم أسرة محمد علي!!
وقالت مجلة “الجيل الجديد” عن هذه المسرحية: “.. في هذه الرواية سيقوم أعضاء الفريق من الضباط، بتمثيل اجتماعات الضباط الأحرار في ثورة عرابي وثورة نجيب، ويظهر فيها زعماء الثورة العرابية من أمثال: عرابي، وعبد العال حلمي، وعلي فهمي، والسيد عبد الله نديم .. كما ستظهر فيها موقعة التل الكبير على المسرح، والصراع الذي كان قائماً في الجيش حول إغداق الرتب والألقاب على الأجانب وحرمان الوطنيين منها، ويتمثل ذلك في أخوين من الضباط أحدهما ابن سيدة تركية، والثاني ابن سيدة مصرية، تغدق الرتب والألقاب على أولهما ويحرم منها الثاني .. وهو الذي سبقه في الخدمة سنوات! هذه هي الرواية الجديدة التي سيخوض بها المسرح العسكري معركته القادمة، بجانب الفرق المسرحية الكبرى في مهرجان 23 يوليو، وهي الرواية التي سيطوف بها جميع ثكنات ومعسكرات الجنود في أنحاء البلاد، ويعرض عليهم فيها تاريخ مصر الحديث بوقائعه الصحيحة .. دون تشويه أو تزييف”.
مسرح التحرير
من المعروف أن ثورة 23 يوليو 1952، ألغت الأحزاب، لذلك أصدر الرئيس محمد نجيب بياناً بإنشاء (هيئة التحرير)؛ بوصفها تنظيماً شعبياً بديلاً للأحزاب السياسية الملغاة. وهذه الهيئة انضم إليها مجموعة من الفنانين، وكونوا فرقة مسرحية، نشرت جريدة “أبو الهول” – في مايو 1953 – إعلاناً عنها، قالت فيه تحت عنوان (فرقة مسرح التحرير): “تعلن هيئة التحرير العامة عن حاجتها لمسرحيات من ذات: الثلاثة فصول، أو الفصلين، أو الفصل الواحد، تعالج مشاكلنا الاجتماعية، سواء كانت ريفية، أو حضرية. وأخرى مما تعالج النواحي الوطنية بما يلهب الحماس، وتهدف للاتحاد، والوحدة. وتصور المستعمر في أبشع صورة، وكذلك مما تعالج النواحي العمالية. وذلك لكي تتولى فرقة مسرح التحرير العامة، وفرقها الفرعية تقديمها للشعب. وهيئة التحرير تهيب بحضرات المؤلفين أن يلبوا دعوة الواجب، فيدلون بدلوهم حتى تتمكن فرقة مسرح التحرير من أن تؤدي رسالتها. ويمكن لحضرات المؤلفين أن يتصلوا بإدارة النشر والاستعلامات بمقر الهيئة بميدان عرابي للوقوف على جميع التفاصيل”.
ونتج عن هذا الإعلان، وجود عرض مسرحي باسم “البطل أحمد عرابي”، شاركت به فرقة مسرح التحرير في مهرجان التحرير، وتم عرضه على مسرح حديقة الأزبكية!! وقد نقلت لنا جريدة “أبو الهول” – في نوفمبر 1953 – تفاصيل هذا العرض، بأسلوب إعلامي يتناسب مع الوضع وقتذاك؛ بوصفه وضعاً ثورياً، يتماشى مع المطلوب في الاحتفال بمهرجان مسرحي أقيم بمناسبة مرور عام على نجاح حركة التحرير، أو ثورة الجيش!! ولأهمية ما نشرته الجريدة، سأنقله كاملاً هنا؛ بوصفه وثيقة تعكس صورة المسرح في أول أعوام الثورة!!
قالت جريدة أبو الهول: “.. رفع الستار على مسرحية بطل التحرير الأول أحمد عرابي، لنجد منزل القائد علي فهمي قائد الحرس الخديوي، وقد جعله مقراً لاجتماعات الضباط الأحرار. واستعرض في هذا الفصل ألواناً من المظالم التي كانت تئن تحتها مصر، من اغتيال، وجلد بالكرباج، وتعذيب، وتشريد، وتعطيل الصحف، ومصادرة الأقلام النزيهة الحرة! الأمر الذي حدا بالضباط الأحرار إلى أن يقسموا بحد حسامهم على المصحف الشريف، وقد عاهدوا الله على تحرير الوطن من الطاغية والطغيان. وفي الفصل الثاني، نرى رجال جيشنا الباسل بقيادة عرابي وقد حاصروا سراي عابدين واضعين رؤوسهم على أكفهم، ثم نلمح طيف الخديوي الغاشم محمد توفيق بحاشيته من قناصل الدول وأساطين الاستعمار وهم يحاولون الوقوف في وجه القوة والحق. وجرت تلك المقابلة التاريخية بين رجال الجيش الذين يتكلمون باسم الشعب وبين الطاغية الذي جعل من رجال الاستعمار حاشية تقدم له من النصائح والتوجيهات ما يمهد لهم طريق الاحتلال واستعباد مصر ووضع الأصفاد والأغلال في عنقها. وحين يدعي الخديوي الغاشم بأنه إنما ورث ملك مصر عن أبائه وأجداده وأن الشعب والجيش هم عبيد إحسانهم، يثور بطل التحرير ويثور قائد الحركة أحمد عرابي فيجيب على الطاغية بقوله: لقد خلقنا الله أحراراً ولم يخلقنا الله تراثاً وعقاراً فو الله الذي لا إله إلا هو إننا سوف لا نورث بعد اليوم. وفيما تبقى من فصول نرى كيف كانت إنجلترا تحاول دائماً كما هو شأنها أن تشتري الذمم والضمائر وتشيع الفوضى والفساد في صفوف أبناء الشعب. وإن أبطال المسرحية وما أظهروه من براعة في أداء أدوارهم لتدعونا إلى مشاركة جمهور المتفرجين الإعجاب بهم. فهذا عبد البديع العربي مخرج المسرحية والذي قام بدور البطل أحمد عرابي، رجع بنا سنوات إلى الوراء، وفرض علينا أن نحيا لبضع ساعات في الأجواء التاريخية حتى كدنا نتصور إننا بعثنا مع عرابي، ذلك الزعيم المكافح الذي صمد في وجه الطغيان. وهناك من الشخصيات التي لا يمكن أن تنسى في مواقفها، فهذا محمد الحسيني الذي قام بدور التاجر الذي سيق دون أن يتعلم ليتعاقد مع جيش الاحتلال على توريد الأغذية والخضر لجنوده، فإذا ما اكتشف أن العقد مع الأعداء يثور ثورته الوطنية المتأججة مما انتزع الإعجاب من مقاعد المتفرجين. وهناك سيد عبد الله حافظ الذي قام بدور الشيخ سيد، فقد كان موفقاً في تقمصه لشخصية الدور واندماجه في البيئة التي فرضها المؤلف. أما عن أحمد حامد الذي قام بدور القائد على فهمي الديب وحسن الأديب الذي قام بدور عبد العال حلمي، وفطين عبد الحميد الذي قام بدور البطل محمد عبيد وصلاح أحمد الذي قام بدور طلبة عصمت فقد أجادوا أدوارهم أداء وانفعالاً حتى أن حركاتهم في الميزانسين كانت تدفعنا إلى الإحساس بأننا أمام شخصيات واقعية، ثم سلامة الحسيني في دور مستر كوكسن قنصل بريطانيا وجمال عثمان في دور مستر كاترايت ومحمود ثابت في دور كابتن مولينو، فقد استطاعوا أن يثيروا في صالة المسرح جواً من الإعجاب بهم”.
المسرح الحر
ظهرت فرقة المسرح الحر عام 1931؛ بوصفها جماعة فنية هاوية، عرضت مسرحية (الأديب) لسيد كساب على مسرح رمسيس، بطولة أحمد بدر خان، وإخراج فتوح نشاطي. وهذه الفرقة – تحتاج إلى مقالة مستقلة مستقبلاً لتتبع نشاطها، لا سيما وأن – أغلب أعضائها من خريجي معهد التمثيل القديم والجديد؛ حيث ظلت مستمرة في عروضها، ونشاطها، حتى اشتركت في مهرجان التحرير بمسرحية “الأرض الثائرة” من تأليف كمال هاشم وعباس الرشيدي، ومن إخراج عبد المنعم مدبولي، وقد نشر “حلمي عزت” – الحاصل على الدبلوم العالي في النقد والبحوث الفنية – مقالة في جريدة “أبو الهول” – في مارس 1953 – تحت عنوان “الأرض الثائرة”!! ولأهمية ما جاء فيها – من حيث الأسلوب المطلوب إعلامياً بمناسبة مرور عام على حركة الضباط الأحرار – سننقل الجزء الأكبر منها؛ بوصفها وثيقة لأحداث هذه المرحلة مسرحياً!!
قال الناقد الشاب حلمي عزت: “.. تقوم المسرحية على بيان مقدار الظلم والاضطهاد الذي كان يقع على المزارعين ….. وقد أظهر المؤلفان أنواعاً مختلفة من هذا الاضطهاد فمن استيلاء على محاصيلهم إلى حجز على أراضيهم وفاء للديون إلى إجبارهم على العمل بأبخس الأجور ثم هدم منازلهم، هذا عدا التنكيل والتعذيب في كل وقت وآن. وأخيراً نرى في الفصل الأخير كيف قلبت حركة الجيش المباركة هذه الأوضاع فأعادت الحق إلى نصابه وحققت للمظلومين ما كان يجيش بصدورهم وسادت روح المحبة والصفاء بين الجميع. ولكننا نأخذ على المسرحية إنها ليست كعمل فني متماسك يبدأ بمقدمة تتطور إلى عقدة وصراع ثم يأتي بعد ذلك حل هذه العقدة حلاً طبيعياً كما يقتضي سياق المسرحيات الكاملة .. إننا لم نشاهد خلال فصول هذه المسرحية إلا صوراً من واقع العهد الغابر نقلت على المسرح ثم انتهت هذه الصور بالنهاية التي حدثت فعلاً في البلاد وعلى ذلك فقدت المسرحية عنصر التشويق الذي يجب توفره لنجاح المسرحية ومع ذلك فقد أبدع المؤلفان في تصوير الشخصيات وجاء الحوار طبيعياً جميلاً إلا في بعض المشاهد التي تميل للصبغة الخطابية وهي أهم آفة لفتور الحوار المسرحي. أما عن الإخراج فقد كانت المناظر فقيرة وربما يعتذر المخرج بضعف إمكانيات المسرح وباعتبار أن الفرقة ناشئة تمثل لأول مرة على خشبته ولكن ذلك لا يعفيه من إيراد هذه المناظر المتتالية لأنواع البؤس والشقاء الذي يعانيه الفلاحون فكان يجب عليه أن يخفف من وطأة هذا الشقاء بنقل المتفرجين إلى داخل سراي الباشا ليروا مقدار النعيم الذي يحيا هو وأسرته بين أحضانه وقد كانت لدى المخرج فرصة ذهبية في نهاية المسرحية بإظهار فرصة الفلاحين بل وأفراد الشعب جميعاً بحركة الجيش وبذلك يخفف من موجة الحزن والكآبة التي كانت تسود جو المسرحية ثلاث ساعات متتالية. ويؤخذ على المخرج أيضاً أنه بالغ في إظهار شخصية شديد أفندي ناظر زراعة الباشا بهذا المظهر المزري الذي تشمئز منه النفوس وربما يعلل المخرج ذلك المظهر بأنه لذر الرماد في العيون حتى لا تفضح وسامة شديد أفندي اختلاسه مال أسياده ولكن لا يكون التخفي لهذا الحد الذي ظهرت فيه حلة الناظر ممزقة في أماكن ظاهرة حساسة مما جعل الممثل توفيق الدقن الذي يقوم بالدور يتحاشى الالتفات بظهره للمتفرجين فضاقت بذلك خطواته وحركاته على المسرح وإن كان قد أتقن تصوير انفعالات وعواطف الشخصية تصويراً بديعاً. أما عن عصمت بك ابن الباشا فقد تعارضت قسوته وغلظة قلبه مع مظهره وحركاته تعارضاً تاماً وكان الأفضل أن يحل شقيقه مكانه في تمثيل هذا الدور حتى تأتي الشخصيات طبيعية مع سياق المسرحية”.
فرق أخرى
لم يقتصر مهرجان التحرير – بوصفه مهرجاناً مسرحياً حكومياً – على عروض فرقة المسرح العسكري، وفرقة مسرح التحرير، وفرقة المسرح الحر .. فقط!! بل هناك فرق أخرى شاركت في المهرجان بعروضها، مثل: فرق المسرح الشعبي، والفرقة المصرية!! ولكن المساحة الممنوحة لهذا الموضوع – في المجلة – لن تتحمل الحديث المستفيض عن عروضها، لا سيما وإن عرف القارئ أن عدد الحفلات، التي أحياها المسرح الشعبي في مهرجان التحرير، وصلت إلى أكثر من خمسين حفلة في أقل من شهر واحد، قامت بها الشُعب المختلفة للمسرح الشعبي في القاهرة وأقاليم مصر .. هكذا أوضحت مجلة “الفن” في فبراير 1953.
أما الفرقة المصرية، فقدمت في المهرجان مسرحيتين: الأولى “صلاح الدين”، وحضرها الرئيس اللواء محمد نجيب، والأخرى المسرحية الاستعراضية ” 70 سنة” ليوسف وهبي، والتي اشترك فيها أكثر من مائة ممثل وممثلة؛ حيث تقع المسرحية في خمسة عشر منظراً، تمثل كفاح مصر ضد الاستعمار؛ وذلك من خلال جهود: أحمد عرابي، وعبد الله النديم، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وسعد زغلول، وثورة سنة 1919 .. إلخ.
وآخر ما نختتم به تاريخ هذا المهرجان المسرحي، خبر نشرته مجلة (الهلال) – في سبتمبر 1953 – تحت عنوان (قبيل الفجر)، جاء فيه: ” تمثيلية شعرية ألفها الأستاذ حُزَين محمد سلامة في أربعة فصول. صوّر فيها الحياة المصرية قبل فجر الثورة المباركة، ومما كانت تعج به من عبث، واستهتار، وظلم، وعدوان، وفساد، واستبداد، ورشوة دنيئة في سبيل الحصول على الوظائف والصفقات والأتعاب، ولا سيما في حياة رجال الحاشية، وبعض الأثرياء. كما صوّر كيف بدأت يقظة الشعب، وكيف اتجه إلى الخلاص. وقد كتب الأستاذ أمين عبد المجيد بجامعة فؤاد مقدمة تاريخية لهذه التمثيلية، فوصفها بأنها خير ما يخاطب به رجال الثورة أحاسيس الشعب. وتقرر إخراجها وتمثيلها بواسطة الفرقة المصرية للتمثيل المسرحي في مهرجانات 23 يوليو”.
______________
★ باحث وناقد وأستاذ أكاديمي ــ مصــر