بحوث ودراساتمسرح

د. زينب الأسدي: سيميائية القبح في (مسرحية قيء) للكاتب علي العبادي

د.زينب لعيوس الأسدي★

لقد تحَوَّلَ كل شيء من حولنا في عصرنا الحديث، إلى صورة وعلامات، سواء افتراضية أو واقعية، شغلت شتى جوانب الحياة هروباً من تعقيد الحياة، والبحثِ عن أسهل طرق للتواصل، مما أدَّى إلى تحَوَّلَ الكلام، بكل ما يحمله من مشاعر وأحاسيس، إلى مجموعة من العلامات، سواء في مواقع التواصل الاجتماعي، أو غيرها من مواضع الحياة الطبيعية.

وقد شكلت السيمياء هوية الشعوب، ودلالة على ثقافتها، ووسيلة للتواصل الحضاري، سواء كانت تلك العلامات لفظية أو جسدية الخ، وكل علامة تختلف دلالتها من دَلّة لأخرى، تبعاً لاختلاف الثقافات.

والسيمياء، أو السيميولوجيا حسب تعريف (بيير جيرو): علم يدرس أنساق الإشارات، لغات أنماط إشارات المرور إلى آخره، وهذا التعريف يجعل اللغة جزءاً من العلامة “[1]

أما (بيرس) فقد قسَّم العلامات إلى لغوية وغير لغوية، وتضم ثلاثة أنواع: الإشارة والرمز والأيقونة، إذ تعتبر الإشارة العلاقة بين الدَّالّ والمدلول سببية معللة، أما الرمز فالعلاقة بين الدَّالّ والمدلول تكون اعتباطية، أما بالنسبة إلى الأيقونة فتكون، كمالاً في الصورة الفوتوغرافية “[2]

والسيمياء عند (سوسير): منهج يهتم بدراسة حياة الرموز والدلالات المتداولة في الوسط الاجتماعي، وهذا العلم يشكل جزءاً من علم النفس الاجتماعي، ومن ثَمَّ يندرج في علم النفس العام “[3]

أما (رولان بارن) فيؤكد على أن السيميولوجيا تقوم على علاقة بين الدَّالّ والمدلول، فالعلامة مؤلفة بين الدَّالّ والمدلول، حيث تشكل العبارة صعيد الدَّوالّ، ويشكل المحتوى صعيد المدلولات.[4]

ومن خلال التعريفات الخاصة بالسيمياء، سنحاول تقصّي الهدف من تقديم الكاتب علي العبادي (مسرحية قيء) لهذا العنوان عبر التحليل السيميائي لتلك المسرحية، والسبب من استخدام مصطلح (قيء) هل هو وسيلة مُسَخَّرَة لفهم مضمرات النص، أو غاية في حد ذاتها، كأحد عناصر البناء الدرامي للنص، إذ يعتبر العنوان عتبة النص، وعلامة دَّالّة عنه، وعلامة إجرائية في تحليل النص وتأويله، اِنطلاقاً من العلاقة بين العنوان والنص.

وقد احتوى عنوان (قيء) على مفاهيم مستوحاة من سيميائية الفعل، لأن المسرحية تمثيل لفعل، والمسرح بصورة عامة، هو نسيج من العلامات الدَّالّة التي يجب تأويلها لإنتاج الدَّالّة، سواء كانت تلك الدَّالّة أو الغاية إظهار قبح ذلك الفعل والاشمئزاز منه، أو الغاية إظهار الجانب الجمالي له.

فـ لطالما احتلت موضوعات القبح والجمال المسرح، سواء في العنوان كما عند العبادي، أو من خلال الشخصيات، أو البنية الأدبية للنص، لإظهار القبح في مختلف المجالات، والصراعات النفسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويعد القبح أحد أهم القيم المرتبطة بالتجربة الجمالية للكاتب، والتي تعكس الخبرة الجمالية في اختيار عنوانات، تشكل حلقة تواصلية بين الخطاب المسرحي والمتلقي، فقد اعتمد على اظهار القبح عبر علامات وشفرات يقول من خلالها: إن القبيح ليس قبيحاً في حد ذاته وأصله، وإنما هو نوع خاص من الجمال، أو الجانب الآخر للجمال له وظيفته وقيمته.

ف(القيء) هو فعل ظاهر للعيان، والعملية لا تمت للقبح بِصِلة فهي دَّالّة على حالة مرضية، أما باطنه السيميائي فيشكل عبر منظومة معقدة، من الزاوية الأخلاقية أو الاجتماعية والنظرية السلوكية للفعل.

فقد ارتبط العنوان ارتباطاً وثيقاً بالنص، عبر العلامات الدَّالّة عليها سواء، على صعيد الشخصيات، أو المكان (مهجور خربة) قبيحة خالية من الحياة باردة رطبة، قد احتوت على مخلفات الحرب والموت والدمار، أو على صعيد الحوار، إذ جاء واضحاً ومعبراً عن حالة القيء:

“على مدى شهر، وأنا اتقيء كل القيم الزائفة، التي كانت قرآناً لي ذات يوم، كل شيء حولي ملوث (تستدرك) لابد أن أستحم

وسخ وسخ، كل شيء هنا وسخ، أنا أنتم هم، ماهي الكمية التي نحتاجها من الماء كي نتطهر من الرجس (تستدرك)ولماذا نتطهر، يا ترى الذين أوهموا أنفسهم بالفضيلة، ما الذي حصلوا عليه “[5]

القيء هنا يمثل سيميائية لفعل ارتبط بالعادات البالية والتقاليد الفانية، التي قيدت الفرد ولا سيما المرأة، في محاولة للتخلص منها، ولأننا نعيش وفق أعراف توارثناها عن الأجداد، وجدنا أنفسنا في وسط مستقنع من الصعب النجاة منه، نتيجة البنية المتداخلة والمتشابكة في مجتمعنا الشرقي والعربي على وجه الخصوص.

وهذه التيمة حفَّز الكاتب العبادي، لينتج لنا نوعاً جديداً من القيء، عبر عرض مزيج من العلامات، ذات دلالات رمزية في نسيج من التنقلات والتحولات الشخصية.

ففي الحوار التالي، اِعتمد الكاتب استخدام السيمياء للدلالة على الظلم والاضطهاد، الذي تتعرض له المرأة نتيجة سلطة الوعي الجمعي للمجتمعات العربية بصورة عامة، والعراقية بصورة خاصة، إذ تنظر إلى المرأة على أنها أداة للجنس والاستمتاع فقط، دون مراعاة لمشاعرها، أو مدى تعلمها ورقيها، وربما تكون المرأة دلالة على الأوطان المغتصبة من قبل حكامها، تحت مصطلح التحرير والديمقراطية الزائفة.

“المرأة: يضاجعني الخوف يومياً، حينما أراهم يحيطون بي لينهشوا جسدي، ويحرروا مناطق العفة فيه، بعد أن احتلت مزابل شتى البقاع عقولهم الرثة.

الحارس: كلاب.

المرأة: حرام.

الحارس: ماذا؟

المرأة: أن تُشَبِّهَ الوفاء بالنذالة الفجة.

الحارس: ما هم إلا خنازير.”[6]

وفي تيمة أخرى يعرض العبادي المرأة مع سلطة الدين:

“رجل الدين: لا أوصيك بعد، بالتطهر من الحيض والاستحاضة.

المرأة: إن ما يخرج من بين فخذي العاهرات من نجس أطهر من فمك.

رجل الدين: لعنكِ الله في الدنيا والاخرة.

المرأة: كيف تصبح اللعنة في الدنيا بعد، ورائحة قيئك تفتك بي؟

رجل الدين: تباً لكِ يا كافرة.

المرأة: كافرة بقبحكم، من الذي أجاز لكم أن تكونوا وكلاء الرب في أرضه”[7]

وقد جسد من خلال الحوار أعلاه سيمائية قبح الواقع المعاش، وما يحمله من زيف وكذب، وأدلجة الدين والفضيلة إلى المصالح الشخصية، وأن القذارة والعيش وسط قيء نتن لا بد منه، وهو السائد في المجتمع، في حين يرى البعض أن هذا القيء ما هو إلا واقع جميل، ويفتخر أنه جزء منه.

ويختتم الكاتب مسرحيته بالمطر دلالة على العطاء والخير والجمال، الذي سوف يحل في أرجاء الوطن، ويغسل أرضه من الدنس والحقد، لاوالفقر والموت، سيكون التغير والحياة التي يرجوها كل انسان حر.

“المرأة: أولئك الذين لو أمطرت الدنيا شرفاً، سيحملون المظلات.

رجل الدين: أكره المطر.

المرأة: وسخ

رجل الدين: لا أحب الماء

المرأة: ستمطر.[8]

المراجــــــع:

[1] :ينظر: علم الاشارة (السيميولوجيا)،بيرو جيرو ،ص 19.
[2] ينظر :عبد القاهر الجرجاني دلائل الاعجاز ،ص203.
[3] :دوسوسير،محاضرات في علم اللسان ،ص26.
[4] ينظر:عبدالله ابراهيم ،مدخل الى مناهج النقدية الحديثة ،ص97.
[5] :علي العبادي ، مجموعة مسرحيات براد الموتى،ص8.
[6] :ص18.
[7] “براد الموتى علي العبادي ،ص 27.
[8] “المصدر نفسه ،ص30.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ مدرس مساعد بـ جامعة البصرة ــ العــراق

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى