د. سيد إسماعيل: عزيز عيد.. من الريادة والنجومية إلى هجوم النقاد والموت وحيداً!

د. سيد علي إسماعيل★
“لا أظن أن براعة الممثلين الأوربيين تزيد كثيراً على براعة الممثل العربي عزيز عيد في تمثيل دور الأخرس. فقد كان في تشنج أعضائه واختلال أعصاب نطقه عندما أهين في شرفه، وحركاته وإشاراته الناطقة وانحلال عقدة لسانه حينما فاجأه منظر انتحار ولده، مثالاً للبراعة الفائقة في التمثيل الطبيعي البعيد عن التكلف والتصنع”، هذا ما قالته جريدة (المؤيد) عن دور عزيز عيد في مسرحية (الكابورال سيمون) في عددها الصادر في يونيو، ففي مثل هذا الشهر، شهر يونيو من عام 1911، ظهر «الجوق العربي الجديد»، وهو جوق تألف من ممثلي فرقتي عكاشة وسلامة حجازي، ولكنه لم يستمر طويلاً. هذا الجوق انضم إليه عزيز عيد كممثل، حيث شارك في عروضه المسرحية، ومنها: «روميو وجوليت، والكابورال سيمون»
ذلك هو الفنان عزيز عيد، الذي قالت عنه فاطمة رشدي في كتيبها الصغير «عزيز عيد» المنشور في المكتبة الثقافية: إن عزيز عيد من مواليد كفر الشيخ عام 1884، واسمه الحقيقي «عزيز يوسف جرجس عيد»، أما والده فكان من كبار تجار القطن وأفلس، ويقال إن جدوده من أصول لبنانية هاجروا إلى مصر منذ زمن بعيد. وقد تلقى عزيز دراسته في مدرستي كفر الشيخ الابتدائية، وطنطا الثانوية. بعد ذلك عمل موظفاً في البنك الزراعي بالقاهرة، وكان يشارك زميله «نجيب الريحاني» حب التمثيل.
فشل محاولته الأولى!
أراد عزيز أن يندمج في مجال التمثيل المسرحي، ولكن مساعيه فشلت في القاهرة، فحاول إحياءها في الإسكندرية عام 1903، عندما قابل سليمان القرداحي، فدار بينهما حوار، نشره عزيز في مجلة «كل شيء» عام 1927، فهمنا منه أن القرداحي حاول أن يعطيه دوراً في إحدى مسرحياته، ولكن الظروف حالت بين الدور وبين عزيز، ففشلت محاولة عزيز الأولى!!
وبالرغم من ذلك، لم ييأس عزيز وحاول أكثر من مرة الانخراط في عالم التمثيل، حتى جاءته الفرصة أخيراً، عندما ضمه إسكندر فرح إلى فرقته، التي كونها بعد انفصال الشيخ سلامة حجازي عنه عام 1905. وخلال فترة قصيرة، أصبح عزيز عيد من أهم ممثلي الفرقة، فكان اسمه يذكر في الإعلانات بجانب اسم مطرب الفرقة الأول الشيخ أحمد الشامي، وبجانب اسم بطلتها ماري صوفان، وكان يخصص له إيراد بعض الليالي التمثيلية، مما يعني إنه أصبح صاحب مكانة فنية داخل الفرقة. ومن أهم العروض المسرحية التي شارك في بطولتها: «العواطف الشريفة، والانتقام الدموي، والملك المتلاهي».
في عام 1907 توقفت فرقة إسكندر فرح، بسبب خروج مطربها الأول الشيخ الشامي، ووفاة بطلتها ماري صوفان، فقام عزيز عيد بتكوين أول فرقة مسرحية خاصة به، بالاشتراك مع سليمان الحداد، وبعض أفراد فرقة إسكندر فرح، وأعلنت جريدة «المقطم» عن هذا الحدث الفني قائلة: “تمثل رواية «مباغتات الطلاق» في دار التمثيل العربي غداً مساء، وهي كوميديا ذات ثلاثة فصول مطولة. أدبية جديدة لم تمثل قبلاً، عربها حضرة الأديب عزيز عيد، وهي تظهر العوائد العصرية الباريزية، وتبدأ بفصل طرب وغناء وتختم بخطب شائقة، فنحث الجمهور على حضورها”.
وهكذا ظهرت فرقة عزيز عيد، كأول فرقة مسرحية كوميدية، تخصصت في تمثيل الفودفيلات. وعن هذا الأمر، قالت جريدة «المؤيد» في سبتمبر 1907: “سليمان حداد وعزيز عيد ممن احتذوا فن التمثيل وعرفوا حلوه ومره. ولما وجدا أن فن «الكوميدي» وهو المضحك منه ليس له جوق خاص به، عزما معاً على الانفراد بهذا الفن وإحياءه بجميع مزاياه، وسيمثلان أول رواية منه المسماة «ضربة مقرعة» مساء يوم الأحد في التياترو المصري بشارع عبد العزيز، ثم يواليان التمثيل بعد ذلك في كل مساء خميس وسبت وأحد. وفي كل أسبوع يقدمان للجمهور رواية جديدة في هذا الفن الجميل المضحك”.
وهكذا حاولت فرقة عزيز الكوميدية أن تشق طريقها نحو الظهور، خصوصاً بعد انسحاب سليمان الحداد منها، فقدمت مجموعة من المسرحيات الكوميدية، عرّب عزيز عيد أغلبها، ومنها: «الابن الخارق للطبيعة، والماسون، والملك يلهو». وبجانب هذه العروض، كانت الفرقة تقدم الصور المتحركة «السينماتوجراف»، والفصول المضحكة من أحمد فهيم الفار. وهذه الأعمال كانت تعرض على مسارح شارع عبد العزيز ودار التمثيل العربي وتياترو عدن الجديد بشارع قنطرة الدكة بالقاهرة، هذا بالإضافة إلى رحلات الفرقة إلى بعض الأقاليم ومنها المنصورة. وقد برز من أسماء الممثلين، اسم أمين عطا الله، واسم نجيب الريحاني.
تبرع لإقامة تمثال مصطفى كامل
وفي فبراير 1908، أعادت الفرقة عروضها المسرحية السابقة بالإسكندرية، وذلك على مسرحي الحمراء وصالة الأعياد بالمنشية. وهذه الصالة استطاع عزيز أن يستأجرها لمدة شهرين، عرض فيهما أغلب مسرحياته السابقة، بالإضافة إلى مسرحياته الجديدة ومنها «الكابورال سيمون» أو «الإرث المغتصب»، التي عربها باسم «الكابورال العجوز»، وقد تبرع بنصف إيرادها لصالح إقامة تمثال مصطفى كامل باشا. كما عرضت الفرقة مسرحية «البرج الهائل» لصالح جمعية النهضة الأدبية. ثم عادت الفرقة في أوائل إبريل 1908 إلى القاهرة، وعرضت مسرحيتها الجديدة «في سبيل الاستقلال» يوم 13 منه بدار التمثيل العربي، وهي مسرحية تاريخية من تأليف إبراهيم سليم نجار، وتدور أحداثها حول الحرب التي وقعت بين مصر وإنجلترا في رشيد، بالإضافة إلى أحداث مصر في عهد المماليك والحملة الفرنسية. وظلت الفرقة تمثل هذه المسرحية طوال شهري إبريل ومايو، مع إعادة بعض المسرحيات السابقة، ومنها مسرحية «ليلة الزفاف».
هكذا انتهى أول موسم مسرحي لأول فرقة مسرحية كوميدية في مصر، تخصصت في تقديم المسرحيات الفودفيلية. وبعد انتهاء هذا الموسم، حلّ عزيز عيد فرقته. والسبب في ذلك راجع – من وجهة نظري – إلى أن الفرقة كانت تفتقر إلى مقومات النجاح، ومنها افتقارها إلى مسرح خاص بها. فقد كان عزيز يستأجر المسارح في أيام إجازه الفرق وأيام سفرها خارج العاصمة، أو كان يعرض مسرحياته على مسارح وصالات مغمورة. هذا فضلاً عن نفور أصحاب الفرق من هذا اللون الكوميدي، الذي يعد مُخلاً بالآداب، وكفى أن نعلم أن الشيخ سلامة حجازي، في يوم أجازه فرقته، قام بنزع إعلانات مسرحية «ليلة الزفاف» لفرقة عزيز عيد المعلقة على أبواب مسرحه «دار التمثيل العربي»، وألقى بها في قارعة الطريق، ومن ثم أغلق المسرح في هذا اليوم، وألغيت الحفلة – كما أخبرتنا بذلك جريدة «المنبر» في فبراير 1916 – هذا بالإضافة إلى أن مسرحيات عزيز عيد الكوميدية، لم تكن معروفة أو مألوفة في مصر في ذلك الوقت، ولم تكن تستهوي أمزجة الجمهور المصري، الذي ألف الكلاسيكيات والمآسي!
وبعد عامين، وتحديداً في مايو 1910، بدأ اسم عزيز عيد يتردد في الساحة الفنية، عندما انضم إلى شركة التمثيل العربي ممثلاً ومخرجاً، وهي الشركة التي كونها عبد الله عكاشة من مجموعة من ممثلي فرقة الشيخ سلامة حجازي، والتي تعد النواة الأولى لفرقة أولاد عكاشة، فأخرج ومثّل عزيز عيد لهذه الشركة مجموعة من المسرحيات، منها: «صلاح الدين الأيوبي، والبرج الهائل أو الأم المجرمة، وتسبا، والكابورال سيمون، وتليماك».

تحذير السيدات من الحضور؟!
في هذه الفترة عاد جورج أبيض من دراسته في فرنسا، وبدأ في تكوين فرقته المسرحية العربية عام 1912، فضم إليها نخبة من الممثلين، كان على رأسهم عزيز عيد، الذي مثل وأخرج مجموعة من المسرحيات، منها: «أوديب الملك، ولويس الحادي عشر، وعطيل، والكابورال سيمون، والأحدب، والأفريقية». وفي منتصف 1913، كوّن عزيز عيد فرقته المسرحية الكوميدية الثانية، التي أعاد من خلالها تمثيل مسرحياته الفودفيلية السابقة، ومنها «ضرب المقرعة، وليلة الزفاف». وعندما مثلت الأخيرة في المنيا، كتب «أبو الليل راشد» مراسل جريدة «الوطن» كلمة تحت عنوان «حافظوا على الآداب»، قال فيها:
“مثل ليلة أمس جوق حضرة عزيز عيد بالمنيا رواية «ليلة الزفاف». وكانت إدارة الجوق أعلنت بعدم السماح للسيدات والتلاميذ بمشاهدتها. فكان ذلك داعياً لازدحام التياترو بالتلاميذ والشبان، فمثل الممثلون والممثلات أدوارهم بالإتقان المشهور عنهم. ولكن لاحظنا كما لاحظ جميع من حضر التمثيل من الفضلاء، عدم لياقة تمثيل هذه الرواية في بلادنا، لما احتوت عليه من ضروب الخلاعة والأمور المخجلة المعيبة. وليس من حسن الذوق أن يشاهد الناس في اجتماعاتهم العمومية خلاعة المرأة ونومها في سريرها بملابسها الشفافة، وخلع الرجل لملابسه ليهم بها وتقبيلها مراراً. نقول هذا لأن التمثيل إنما وجد لتهذيب الأخلاق وتقويمها، وعليه نطلب من جوق عزيز عيد وغيره، عدم تمثيل هذه الرواية مرة أخرى حفظاً للآداب العمومية”.
لم تستمر هذه الفرقة طويلاً، وتوقف عزيز فترة من الوقت، حتى عاد مرة ثالثة بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، فكوّن فرقته الكوميدية الثالثة في منتصف عام 1915، وكان من أبرز ممثليها نجيب الريحاني، وأمين عطا الله، ومحمد صادق، وروز اليوسف. وقد أطلق عزيز عيد على هذه الفرقة، التي تخصصت في تمثيل الفودفيل «جوق الكوميدي العربي». وكان أول عرض لها مسرحية «خلي بالك من إميلى»، تأليف جورج فيدو، وتعريب أمين صدقي، وقدمت على مسرح برنتانيا في شهر مايو. ومسرحية (خلى بالك من إميلى)، تدور أحداثها حول سيدة حسناء تعيش في جوٍ من الفسق والفجور، وما يتبع ذلك من عبارات وإيماءات ومشاهد مثيرة للغرائز، لذلك حذر عزيز عيد السيدات من حضور هذه المسرحية، ونص على ذلك في الإعلانات. وبعد عرض هذه المسرحية، كتب «إبراهيم رمزي» كلمة عنها في جريدة «المؤيد» يوم 26/5/1915، قال فيها:
“تألفت في مصر جوق جديد خص نفسه بتمثيل أنواع الكوميدي والفودفيل، وهي المهازل والمضاحك التي يراد بها في الجوهر انتقاد نقائص المجتمع، وفي العرض مجرد التسلية والإضحاك، وقد شاع هذا النوع في أوربا في السنوات الأخيرة. ولم يدخل هذا الصنف من التمثيل إلى مصر بصفة صريحة إلا اليوم. تعاون على العمل له فريق من الممثلين الذين كانت ميولهم الهزلية أبين فيهم وأجبى من سواها. فإن كان الأستاذ عزيز عيد وأمين عطا الله والريحاني وغيرهم من الممثلين المعروفين قد اجتمعوا لتأليف هذا الجوق وأبرزوا لنا رواية «خلي بالك من إميلي»، فإنما يخدمون التمثيل بهذا التخصص. ولكن إن كانت الكوميديات يراد بها الانتقادات المبنية على إظهار نقائص الهيئة الاجتماعية، كما ذكر في الإعلان الذي نشره الجوق، قلنا إن رواية الأمس إنما تظهر نقائص الهيئة الاجتماعية الفرنسية دون المصرية. ولقد كان محور رواية الأمس فتاة حسناء اسمها إميلي عاشت عيشة مثيلاتها مطلقات الحرية، بين عشق وسكر ودعارة فكانت خليلة لرجل ورفيقة لآخر فتنقل الكاتب بها بين الرجال وأهوائهم، من دور إلى دور، بين التصريح بالشيء القبيح وتمثيل مظاهر الفسق والقيادة إلى آخر ما هنالك! فليت شعري، أي شيء في هذا ينطبق على حالتنا المصرية. إنا نحن المصريون نخالف الفرنسيين عرفاً وعادة وديناً، ومبادئ اختلاف الشرق عن الغرب، فماذا في الرواية من العيب، الذي يريد الجوق الجديد أن يصرفنا عنه؟ بل أليس هذا تبصير للناشئة، وفيهم من هم أحق أن ترعى أخلاقهم من السيدات، بأمور يخجل الكاتب أن يسردها؟ لعمري أن هؤلاء الناس يجنون على الفضيلة، من حيث لا يشعرون. إن كان مرادهم إحداث شيء من المسرة للنفس، قلنا بئس الغرض إن كان وحده غرض التمثيل. على إنا لا ندري كيف يكون في الرذيلة مسرة، إلا لأولي الدعارة! وأظن أن أثر مثل هذه الرواية في فرنسا قليل جداً، ولكن أثره في مصر الشرقية المسلمة من الكبر، بحيث يخفى إلا على من كان كذلك. أما لغة الرواية فقد كانت العامية، ولست أظنها ترضي فريق الأدباء الذين يرون أنفسهم رقباء على اللغة، إذ هي في تقديرهم عماد من عمد القومية”.
بعد ذلك استمرت فرقة عزيز عيد في تمثيل المسرحيات الفودفيلية، على مسرح برنتانيا ما يقرب من الشهرين، فأعادت بعض عروضها السابقة ومنها مسرحية «ضربة المقرعة»؛ ولكن هذه العروض لم تلق الإقبال الجماهيري، فانتقلت الفرقة إلى مسرح الشانزليزيه بالفجالة، وخفضت أسعار الدخول إلى خمسة قروش، وعرضت مجموعة كبيرة من مسرحياتها مثل: «الابن الخارق للطبيعة، ومباغتات الطلاق، وخلي بالك من إميلي، وضربة المقرعة، وليلة الزفاف، وعندك حاجة تبلغ عنها، وإديله في زمبيله». وبالرغم من ذلك لم يقبل الجمهور بالصورة المطلوبة على هذه العروض، فأقنع عزيز عيد المطربة «منيرة المهدية»، بالانضمام إلى فرقته لتقوم بالغناء أثناء التمثيل، وبالفعل وافقت منيرة على ذلك، ووقفت لأول مرة على خشبة مسرح برنتانيا يوم 26/8/1915، لتنشد أغاني مسرحية «صلاح الدين الأيوبي». وقام عزيز عيد في الليلة نفسها، وعلى المسرح نفسه بتمثيل مسرحية «مدموازيل جوزيت مراتي»، ثم تنشد منيرة في ليلة أخرى على مسرح سينما باتيه، أغاني مسرحية «روميو وجوليت»، في حين يمثل عزيز عيد وفرقته مسرحية «المشعوذ بالفجور». وبعد أيام قليلة انفصلت منيرة عن عزيز عيد، وكوّنت فرقتها المسرحية الغنائية الخاصة بها، فابتعد بالتالي الجمهور عن مسرحيات عزيز عيد، واتجه نحو غناء وعروض منيرة المهدية.

كساد …. وسخط الجمهور!
هكذا تعرضت فرقة عزيز عيد إلى أزمة جديدة، تضاف إلى أزماتها السابقة. وفي الوقت نفسه وبسبب ظروف الحرب العالمية الأولى، تعرضت بعض الفرق المسرحية إلى الكساد بسبب قلة إقبال الجمهور، فانضمت فرقة عزيز إلى فرقة أولاد عكاشة، في محاولة لجذب الجمهور، حيث تم تقسيم ليالي العروض بين الفرقتين. ومن خلال هذا الانضمام عرضت فرقة عزيز مجموعة من المسرحيات، من أهمها: «خلي بالك من إميلي، والزوج ذو الوجهين، والمدموازيل جوزيت مراتي، وياستي ماتمشيش كده عريانة، وبسلامته مادخلش دنيا».
وعلى الرغم من تمثيل هذه المسرحيات عدة مرات منذ عام 1907، إلا أن عرضها في أوائل عام 1916 – ومن خلال فرقة عكاشة – أثار الجمهور وأصبح سخطه عليها قضية رأي عام، شارك فيها الكُتاب والممثلون والنقاد، وأفردت الصحف صفحاتها لتلقي الآراء ونشر الردود، واتسعت دائرة السخط والنقد لتشمل كافة العروض المسرحية الكوميدية، التي كانت تعرض في هذه الفترة، وكانت النتيجة حلّ انضمام فرقتي عزيز عيد وأولاد عكاشة.
بعد ذلك استطاع عزيز أن يتخطى أزمة سخط الجمهور على عروضه الفودفيلية، بتقديمه لمسرحية اجتماعية انتقادية، هي «القرية الحمراء» تأليف أمين صدقي، والتي تدور حول استغلال عُمدّ البلاد لمراكزهم في سبيل تحقيق أغراضهم وملذاتهم بغض النظر عن النتائج. وتم عرضها في إبريل 1916 بدار التمثيل العربي، وكانت من تمثيل عزيز عيد ونجيب الريحاني ومحمد بهجت وفاطمة رشدي التي مثلت لأول مرة في هذه المسرحية، بعد أن تبناها فنياً عزيز عيد. ثم استكملت الفرقة موسمها بمسرح برنتانيا، وذلك بإعادة مسرحياتها الفودفيلية والكوميدية، بعد حذف العبارات والمواقف المثيرة للغرائز، وبعد إجراء تعديلات طالب بها النقاد والجمهور. ومن أهم هذه العروض: «يا ستي ما تمشيش كده عريانه، وبسلامته ما دخلش دنيا، وعيشة المقامر، والشاعر جرنجوار، والكابورال سيمون».
إثارة إعلانية.. وأسماء غريبة!
ومع بداية الموسم التالي بدأ عزيز عيد وفرقته – بعد انفصال نجيب الريحاني وأمين صدقي – في تمثيل مجموعة من المسرحيات الكوميدية الفودفيلية، المعتمدة على الإثارة الإعلانية، خصوصاً في أسماء المسرحيات، مثل مسرحية «على كاكا»، ومسرحية «سَكْرة بنت دين كلب» التي مثلت يوم 4/9/1916 بكازينو دي باريس، وكانت من تمثيل عزيز عيد وروز اليوسف. وفى أول فبراير 1917، انتقلت فرقة عزيز إلى تياترو الأبيه دي روز بشارع الألفي، وبدأت عرض مجموعة كبيرة من المسرحيات الكوميدية والفودفيلية، منها: «أم أربعة وأربعين» تأليف لابيش تعريب عبد الحليم دلاور، و«دخول الحمام مش زي خروجه»، و«عقبال البكاري» تأليف إبراهيم رمزي. وكانت هذه المسرحيات بطولة عزيز عيد وروز اليوسف، وكانت الفرقة تقدم بين الفصول بعض الأغاني من الشيخ «أبو العلا»، والقطع الموسيقية من «كاميل شامبير» و«سامي الشوا».
ومن الملاحظ أن عزيز عيد بعد انسحاب أمين صدقي من فرقته، استعان بمجوعة من الكُتّاب أمثال إبراهيم رمزي وعبد الحليم دلاور، لكتابة نصوص كوميدية وفودفيلية، تمد فرقته بالنصوص بصورة مستمرة. ولعل عقد الاتفاق الذي تمّ في فبراير 1917، بين عزيز عيد ومحمد لطفي جمعة المؤلف المسرحي، يؤكد لنا مدى اهتمام عزيز بالنصوص الكوميدية. ونص العقد بينهما يقول:
“اتفق كل من محمد لطفي أفندي جمعة طرف أول، وعزيز أفندي عيد مدير فرقة الكوميدي العربي في الأبيه دي روز طرف ثان على ما يأتي: أولاً: يقدم محمد أفندي لطفي جمعة الطرف الأول روايتين الأولى ذات فصلين والثانية ذات فصل واحد وهما مختارتان من الروايات الفرنساوية من نوع الكوميدي وذلك في ميعاد أقصاه 18 فبراير سنة 1917 لتمثيلهما بواسطة فرقته المسماة فرقة عزيز في تياترو الأبيه دي روز. ثانياً: يتعهد الفريق الثاني بتمثيل الروايتين بعد خمسة عشر يوماً من تاريخ استلامهما ويدفع للفريق الأول عشرة فرنكات عن كل يوم يمضي بعد حلول هذا الميعاد إذا لم يمثل الروايتين. ثالثاً: حقوق تأليف الروايتين المذكورتين هو خمسة عشر جنيهاً تدفع على قسطين الأول نصف مجموع إيراد ليلة التمثيل الأولى مخصوماً منها الثلث الذي يتناوله الخواجة روزاتي مؤجر التياترو ولا يخصم أي شيء آخر والبقية من حقوق تأليف الروايتين يدفعها عزيز أفندي عيد للمؤلف بعد شهرين من تاريخ تسليم الروايتين ليد عزيز أفندي عيد. رابعاً: ليس للفريق الثاني حق رفض الروايتين المذكورتين بحال من الأحوال أو الرجوع في أي بند من بنود هذا الكونتراتو وإذا حصل منه ذلك يلزم بدفع مبلغ 15 خمسة عشر جنيهاً من تاريخ 11 مارس سنة 1917. خامساً: لعزيز أفندي عيد حق تمثيل هاتين الروايتين طول حياته وليس للفريق الأول حق إعطائها لغيره. سادساً: الروايتان المذكورتان مختارتان من رواية «بويوروش» تأليف كورتلين، ومن «البورتفويل» تأليف هرفيو. سابعاً: إذا ظهرت واحدة من هاتين الروايتين أو الاثنتين معاً بقلم كاتب آخر على مرسح عزيز أفندي عيد وبواسطة فرقته فعزيز أفندي ملزم بدفع 15 جنيهاً للفريق الأول”.
لازم الحظ العاثر عزيز عيد فحلّ فرقته الكوميدية الثالثة، وانضم في أغسطس 1917 إلى فرقة جورج أبيض ممثلاً ومخرجاً، فشارك في تمثيل وإخراج مجموعة كبيرة من المسرحيات، منها: «الممثل كين، وفي سبيل الوطن، ودخول الحمام مش زي خروجه، ومدام سان جين، ولويس الحادي عشر، والساحرة أو ثريا العربية، وثارات العرب، وتيمورلنك، والعثرة الأولى، وشارل السادس، والشعلة”.
مخرجا مع منيرة المهدية
وفى صيف عام 1918، ألف عزيز عيد فرقته الكوميدية الرابعة، وبدأ عروضه الفودفيلية على مسرح «كافيه ريش» بالإسكندرية، فقدم مجموعة كبيرة من المسرحيات منها: «خلي مراتي أمانة عندك أو خليها لي أمانة عندك، وزي ما أنت راسي، وخلي بالك من إميلي، وليلة الدخلة، وياستي ما تمشيش كده عريانه، وبسلامته ما دخلش دنيا، وعندك حاجة تبلغ عنها». وهذه العروض قام بتمثيلها أفراد الفرقة، أمثال: روز اليوسف، محمد عبد القدوس، محمود رضا، حسين رياض، محمد صادق، أحمد ثابت، محمد إبراهيم، نجيب فهمي، حسين المليجي، السيدة سعاد، فكتوريا ليفي، وكانت فاطمة قدري تقدم الأغاني بين الفصول.
ومع بداية موسم التالي وجدنا عزيز عيد يقدم تجربته المسرحية الثانية، بعيداً عن الكوميديا، حيث قدم المسرحية الاجتماعية الانتقادية «عبد الستار والست نفوسه»، التي عُرفت فيما بعد باسم «عبد الستار أفندي» وهي من تأليف محمد تيمور، وقدمت في نوفمبر 1918 بدار التمثيل العربي. وقام بتمثيلها كل من: عزيز عيد، أحمد فهيم، زكي طليمات، أحمد حافظ، عبد المجيد شكري، حسن فايق، محمود فهمي، روز اليوسف، زاهية لطفي، لطيفة أمين. وبعد أيام قليلة حلّ عزيز عيد فرقته، وانضم إلى فرقة منيرة المهدية؛ بوصفه مديرها الفني أي «المُخرج»! ومن أهم أعماله المسرحية في هذه الفترة، إخراجه وتمثيله لمسرحية «روزينا» أو «العابثة بالرجال» أو «بائعة الطيب الحسناء» ومسرحية «كارمن».
وفي فبراير 1919 أعلنت جريدة «مصر» عن تكوين فرقة عزيز عيد الكوميدية الخامسة، قائلة: “تتشرف إدارة كازينو دي باريز أن تعلن للجمهور باستئناف التمثيل الفرنساوي العربي، الذي كان قد أوقف مؤقتاً لظروف طرأت. وقد تشكل الجوق الجديد تحت إدارة الكوميدي الشهير والبطل الفني العظيم الأستاذ عزيز عيد، المعروف بسلامة ذوقه وكفاءته الفنية. وسيفتتح تمثيله برواية «حنجل بوبو» الأوبرا كوميك الجديدة، من نوع الفرانكو أراب ذات الثلاثة فصول. وقد قام بتأليف هذه الرواية كبار رجال الفن وأساتذة الموسيقى، وما ابتدع فيها من المناظر والمواقف المدهشة والانتقادات الأدبية الراقية. ومما لا شك أنها ستحدث انقلاباً كلياً في نوع الكوميدي الفرنساوي العربي، وسيرى جمهورنا الفاضل التقدم الكبير الذي وصل إليه هذا النوع الجديد. فهلموا بتشريفنا وعضدوا أكبر جوق ظهر على المسارح للآن”.
لا يريدون رؤيته ثانية!
ويقول عزيز عيد عن هذا العرض: “كانت ليلة الافتتاح أثناء الحرب الأولى، وفي لحظات وبسرعة اكتظت ليلة العرض بالمشاهدين وأغلبهم جنود إنجليز وقليل من شعبنا وليلتها لم تسع الفرحة مدام مارسيل، فالمكاسب الضخمة تنهال على خزينتها، ولكن لم تستمر الحال طويلاً. هاجت شرذمة من الإنجليز لعدم فهمهم اللغة العربية التي نقدم بها العمل، ماج الجمهور وأحضروا سلة ضخمة فيها بيض فاسد وطماطم عفنة وانهالوا علينا بها، وضربوا الفرقة والممثلين والفنيين. المهم أن الفرقة لم تلق النجاح الذي كنا نتوقعه وفشلنا. وذهبت في الصباح إلى المسرح كالمعتاد فوجدت الحارس واقفاً وبجواره آخر، وأردت الدخول فمنعاني ورموا ملابس التمثيل في وجهي وقالوا: اخرج ولا نريد رؤيتك ثانية”.
وهكذا توقفت فرقة عزيز عيد الكوميدية الخامسة يوم مولدها. وأصبحت أخبار عزيز الفنية شحيحة، فبعد عشرة أشهر وجدناه ممثلاً يمثل باللغة الفرنسية مسرحية «بلانشيت»، لفرقة مدام فلوريا ستيلا الفرنسية، التي زارت مصر في ديسمبر 1919. ثم وجدناه يقوم بإخراج مسرحية «العشرة الطيبة» لفرقة نجيب الريحاني في مارس 1920. ثم يقوم بتكوين فرقته الكوميدية السادسة في مايو 1921، التي قامت بإعادة تمثيل المسرحيات الفودفيلية السابقة بكازينو دي باري، ومنها: خلي بالك من إميلي، يا ستي ماتمشيش كده عريانه، بسلامته ما دخلش دنيا. وفي يونيو 1921، قام عزيز باقتباس وإخراج مسرحية «شهرزاد» لفرقة الشيخ سيد درويش. وبعد أشهر قليلة حلّ فرقته، وانضم كممثل ومخرج إلى فرقة جورج أبيض، وشارك في تمثيل وإخراج مسرحيات: أوديب الملك، لويس الحادي عشر، نابليون، الساحرة.
التمثيل بريء منه؟!
وفى هذه الفترة انتشرت الفرق المسرحية الفودفيلية والكوميدية، بصورة غير مسبوقة، فتبنت جريدة «البشير» حملة صحفية ضد هذه الفرق وعروضها وأصحابها وممثليها ومؤلفيها، أمثال: علي الكسار، نجيب الريحاني، بديع خيري، أمين صدقي، مصطفى أمين، محمد بهجت. وقد أطلقت الجريدة على هذا التمثيل أكثر من وصف، مثل: التمثيل الشائن، والتمثيل الخليع، والتمثيل المجوني. ومن غير المعقول أن تشن الجريدة حملتها هذه، دون أن تتعرض إلى عزيز عيد، مبتدع هذا اللون الفني في مصر، فقالت عنه في يونيو 1921:
“نعلن الحرب على التمثيل الخليع، ونبدأ بالمدعو «عزيز عيد وزمرته» سبب الشقاء وأصل البلاء، ويسميه الجهلة والأغبياء «إله الكوميدي»، ويحق أن يسمى شيطان المفاسد. ذلك الممقوت الذي فتح باباً علناً للفسق والدعارة في مصر متستراً تحت ثوب التمثيل، والتمثيل بريء منه، أعلن للملأ أن لديه نوعاً جديداً من التمثيل الراقي مما دعا الناس إلى مشاهدة هذا الجديد والتهافت عليه. فلم يكن هذا الجديد إلا إجهازاً على الآداب وموتاً للأخلاق وانتحاراً للفضيلة. هنالك استشهدت الفضيلة بين يدي عزيز عيد وعصبته على تلك المسارح التي دنستها أرجلهم وأيديهم وحركاتهم وأصواتهم بما كانوا يأتونه قبيحاً في ألعابهم المسماة: خلي بالك من إميلي، يا ستي ما تمشيش كده عريانه، خلي مراتي أمانة عندك، بسلامته ما دخلش دنيا”.
وفى أثناء هذه الحملة، وتحديداً في أغسطس 1921، ابتعد عزيز عيد عن الأعمال الفودفيلية والكوميدية، وانضم كممثل ومخرج إلى فرقة منيرة المهدية، تحت إدارة زوجها محمود جبر، ليقوم بالتمثيل أمام بطلة الفرقة المطربة فتحية أحمد، التي كانت تقوم بأدوار منيرة المهدية المبتعدة عن فرقتها بسبب مشاكلها من زوجها محمود جبر، التي وصلت إلى المحاكم.
وبعد أيام قليلة كوّن عزيز فرقته الكوميدية السابعة، وبدأ في إعادة عروضه الكوميدية والفودفيلة في منتصف سبتمبر 1921، على مسرح الإجبسيانة. ومن هذه العروض: استقلال المرأة، عبد الستار أفندي، القرية الحمراء، خلي بالك من إميلي، يا ستي ما تمشيش كده عريانه، بسلامته ما دخلش دنـيـا، ضربة مقرعة. وبعد أيام قليلة، وكعادته يقوم عزيز عيد بحلّ فرقته، ومن ثم ينضم كممثل إلى فرقة حافظ نجيب فيشترك في تمثيل مسرحية «البلياتشو»، التي عرضت في دار التمثيل العربي في أكتوبر 1921.
تحول إلى محمد المهدي!
تعثر عزيز بعد ذلك في مسيرته الفنية، فقرر السفر إلى إيطاليا للعمل في مجال السينما، بمصاحبة الممثل مختار عثمان. وعن هذا الأمر قالت جريدة «النيل» في فبراير 1922: “أبحر الجمعة الماضية الأستاذ عزيز عيد الممثل الشهير إلى إيطاليا، ليشتغل في محال الصور المتحركة، بعد أن جاهد أكثر من خمسة عشر عاماً في سبيل ترقية فن التمثيل”. وهكذا سافر عزيز عيد مع مختار عثمان إلى إيطاليا، وظلا هناك قرابة العام، فتمت بينهما وبين يوسف وهبي – الذي كان يدرس هناك – عدة لقاءات، أسفرت عن قرار إنشاء فرقة رمسيس المسرحية في مصر. وبالفعل عاد الثلاثة، وكوّن يوسف وهبي فرقة رمسيس، وضم إليها عزيز عيد مديراً فنياً، وممثلاً. كما ضم فاطمة رشدي التي تزوجت من عزيز عيد، بعد أن أشهر إسلامه وأطلق على نفسه اسم «محمد المهدي».
وأخيراً تم لعزيز عيد الاستقرار الفني في ظل هذه الفرقة، التي استمر فيها ما يقرب من أربعة أعوام منذ عام 1923 إلى عام 1927. وفى هذه الفترة شارك عزيز عيد في تعريب وإخراج وتمثيل مجموعة كبيرة من مسرحيات فرقة رمسيس، وأيضاً فرقة جورج أبيض عندما انضمت إلى رمسيس، ومن هذه المسرحيات: المجنون، الشياطين السود، الأنانية، غادة الكاميليا، لوكاندة الأنس، بلانشت، استقلال المرأة، النائب هالير، المرحوم، سيرانو دي برجراك، الممثل كين، هملت، جوزيت، صرخة الألم، طاحونة سفاريا، مارك أنطوان وكليوباترا، المرأة المقنعة، الأب ليبونار، لويس الحادي عشر، لزقة إنجليزي، القناع الأزرق، الذهب، أرسين لوبين، المستر فو، الذئاب، الطاغية، وراء الهيملايا، القاتل، حانة مكسيم، البئر، كاترين دي مدسيس، الشرف، الرئيسة، توسكا، البؤساء، الإغراء، الكونت دي مونت كريستو، المجرم، مستشفى المجانين، صاحب البيت، الصحراء، الرعاع، الجبار، تحت العلم، أحدب نوتردام دي باري، أستاذ اللطافة، كرسي الاعتراف، الشرق والغرب، الوحوش، العقاب، الحقد، المركيز دي بريولا، جمهورية المجرمين، النسر الصغير.

فاطمة رشدي …تعاون فطلاق!
استمر عزيز عيد مديراً فنياً وممثلاً بفرقة رمسيس حتى إبريل 1927، عندما وقعت المشاجرة الشهيرة بين زوجته فاطمة رشدي وبين زينب صدقي، بعد تمثيل مسرحية «النسر الصغير» على مسرح الكورسال، والتي أسفرت عن خروج فاطمة رشدي وزوجها من فرقة رمسيس. وبعد أقلّ من شهر واحد استطاعت فاطمة رشدي أن تكوّن فرقة مسرحية باسمها، وكان عزيز عيد المدير الفني والممثل الأول بها. وظل عزيز عيد يخرج ويمثل ويُعرب بعض مسرحيات فرقة فاطمة رشدي حتى أوائل عام 1933، ومن هذه المسرحيات: الحب، غادة الكاميليا، غادة أنقرة، مانون ليسكو، الوطن، الساحرة، روي بلاس، راباجاس، الأمبراطور، السلطان عبد الحميد، الدكتور، يوليوس قيصر، كن الزيزفون، لوكاندة الأنس، تيودورا، هملت، إبراهيم باشا، الفاجعة، نابليون، زليخا، البعث، ليلة من ألف ليلة، العباسة أخت الرشيد، فاطمة، سميراميس، عقيلة، الزوجة العذراء، أميرة الأندلس، توتو، مجنون ليلى، مصرع كليوباترا.
تعرضت فرقة فاطمة رشدي – كما تعرضت معظم الفرق المسرحية الأخرى – لخسائر فادحة بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، ودب الخلاف بين الزوجين فتم الطلاق بينهما، وتوقفت الفرقة عن العمل. وفى هذا الوقت كان يوسف وهبي يفتتح موسم فصل الصيف لمدينة رمسيس الفنية عام 1934، فضم عزيز عيد إلى فرقة رمسيس مرة أخرى، حيث شارك في مسرحيات: الدفاع، صندوق الدنيا، الفاجعة، قلوب الهوانم، ليلة الدخلة، شارع عماد الدين، بريمو المواساة، الاستعباد، كرسي الاعتراف، المستهترة.
بعد انتهاء هذا الموسم الصيفي، ترك عزيز فرقة رمسيس، وفكر بصورة جدية في تكوين فرقته المسرحية الثامنة. وتضاربت الأقوال بعد ذلك، فتارة نقرأ أن الفرقة تكونت وستقوم برحلة فنية إلى أقاليم الوجه القبلي في سبتمبر 1934، وتارة أخرى نقرأ أنها ستتكون وسيتم افتتاحها بمسرحية «الملك لير» في منتصف سبتمبر على مسرح دار التمثيل العربي. وتارة ثالثة نقرأ أن علي يوسف متعهد الحفلات، يقوم بتجهيز رحلة فنية إلى سوريا ولبنان لفرقة عزيز عيد. وظلت هذه الأقوال تتضارب طوال خمسة أشهر، حتى أتم عزيز تكوين فرقته، وافتتح عملها بمسرحية «مجنون ليلى» على مسرح فردي أو دار التمثيل العربي، يوم 16/2/1935. ومن ثم أعاد عزيز بعض مسرحياته الفودفيلية والكوميدية القديمة مرة أخرى، ومنها: بسلامته مطينها، ويا ستى ماتمشيش كده عريانه. وبعد هذه العروض القليلة، حلّ عزيز عيد فرقته الثامنة، بعد أيام قليلة من تكوينها.
أية أعصاب تحتمل هذا؟!
وفى نهاية عام 1935، كوّنت الحكومة الفرقة القومية المصرية تحت إدارة خليل مطران، فانضم إليها عزيز عيد كمخرج وممثل، حيث أخرج وممثل مجموعة من مسرحياتها في موسمها الأول، منها: «الملك لير، مجرم». وبعد انتهاء الموسم الأول، قررت إدارة الفرقة تخفيض راتب بعض الأعضاء، ومنهم عزيز عيد، الذي احتج على القرار بتقديم استقالته. وبعد أيام انتشر خبر يقول إن عزيز عيد اتفق مع فاطمة رشدي على تكوين فرقة مسرحية، ولكن هذا الخبر تلاشى، أمام عودة عزيز مرة أخرى إلى الفرقة القومية، بعد أن سحب استقالته، ومن ثم أخرج مسرحية «الجريمة والعقاب»، التي قالت عن إخراجها مجلة المصور في ديسمبر1936:
“والرجل العجيب أو أعجوبة الرجال هو الأستاذ عزيز عيد، مخرج الفرقة ومخرج الفن في مصر منذ ربع قرن أو يزيد! هذا الرجل استطاع في أسبوع واحد أن يخرج رواية مكدسة بالمناظر بعد أن أرهق نفسه وقتل ممثليه يومياً. هذا الجهد الجبار يجب أن يسجل كجهد جبار، فإنا حاقدون كل الحقد على أن ذلك الإبداع والروعة في الإخراج والتمثيل والملابس والإضاءة قد حال بينها وبين الكمال تلك الفترات الطويلة التي تخللت المناظر. والحساسية هي أن يحس الفنان أنه لا يرهق ناظره أو سامعه بالتكرار. وقد شهدنا أبدع ما ظهر على المسرح من مناظر. ومناظر مبنية بالخشب والمسامير حقاً لا مجرد ستائر ترفع وتسدل! نعلن أن ما رأيناه كان أبدع ما ظهر في مصر على مسرح ولكن! كانت المناظر عشرين!! وبين كل منظر والآخر موسيقى ممتزجة بالخبط والشخط والنظر والدربكة.. أية أعصاب تحتمل هذا مهما كان الجمال فتنة، ومهما كان الفن تحفة؟ لم أشهد إتقاناً في الإخراج كذلك الإتقان. ولا إتقاناً في التمثيل كذلك الإتقان. نعم! ما قصر ممثل وما قصرت ممثلة بل كان النجاح كاملاً من هذا القبيل ولكن كل ذلك الفوز كان تحت رحمة الشواكيش والقواديم. الفرقة القومية قطعة من جمال وفتنة. وعبقرية فقط ينقصها أن تبدو في إطار جميل”.

أزمة مع خليل مطران؟!
بعد ذلك توالت جهود عزيز عيد – طوال عامي 1936 و1937 – في إخراج مسرحيات الفرقة، فاستطاع بنجاح كبير أن يخرج مجموعة من المسرحيات، منها: سافو، المعجزة، الشعلة المقدسة، اليتيمة، اللهب، شمشون ودليلة. وفى أغسطس 1937، أقصت الفرقة عزيز عيد عن عمله كمخرج، وفى الوقت نفسه ضمت إلى أعضائها المخرج الشاب «عمر جميعي»، الذي درس الإخراج في أوروبا ثمانية أعوام، ليكون مساعداً ومترجماً للمخرج الفرنسي مسيو فلوندر، الذي استقدمته الفرقة ليدرب مخرجيها وممثليها، ويقوم بعملية تقييم لما تقدمه الفرقة من أعمال.
وعن سبب إقصاء عزيز عيد، قال مدير الفرقة خليل مطران لمجلة المصور في سبتمبر 1937: “طلبت منه أن يتبع الأنظمة الإدارية للفرقة، فيحضر مع الممثلين وينصرف معهم في مواعيد محددة، ويفكر في إخراج كل رواية ويقدم الطريقة التي يراها مكتوبة قبل أن يبدأ العمل في إخراجها، ولكنه يتبع الطريقة القديمة، طريقة الإخراج الارتجالي، فلا يقوم بعمله إلا أثناء البروفات، وبذلك ينتظر حتى اللحظة الأخيرة، ثم يعمل بالسرعة التي يتطلبها قصر الوقت مستعملاً وسائل التحكم وتلك أمور لا ترضي، ولذلك ترك بلا عمل أملاً في أن يعدل عن مسلكه”.
وتأزم الموقف بين خليل مطران وبين عزيز عيد، وتوالت الأحاديث الصحفية المنشورة، وبالتالي تبادل الاتهامات، وظلت الأجواء ملبدة بالغيوم بينهما طوال شهر كامل، حتى هدأت بعض الشيء، فقام عزيز عيد بإخراج مسرحية «الخطاب» في نوفمبر 1937. وبعد نجاح المسرحية بيومين فقط، تم فصل عزيز عيد من الفرقة القومية. وبعد أسبوعين، نجحت المساعي في إعادته مرة أخرى، حيث قام بإخراج مسرحية «الفتاة المسترجلة» في مارس 1938، لتكون آخر مسرحية أخرجها عزيز عيد للفرقة القومية، حيث قدم استقالته بصفة نهائية.

40 عاما من العمل الفني
وبعد مرور عام، كوّن عزيز عيد فرقته المسرحية التاسعة والأخيرة، والتي قالت عنها مجلة «المصور» في فبراير 1939: “افتتحت فرقة عزيز عيد عملها ليلة العيد في دار التمثيل العربي، بتمثيل رواية «الأستاذ كيكا». وهي قطعة مصرية من النوع الفكاهي الراقي، تحلل بعض العيوب الخلقية تحليلاً ساخراً طريفاً. وتتلخص الرواية في أن رجلاً متعلماً أراد أن يكون مدير مصانع ضخمة، فتحبب إلى العمال حتى أحبوه فتزعمهم، وأخذ يتكلم باسمهم ويوهمهم بأنه يدافع عن حقوقهم بالخطب والمقالات، واختار لنفسه شريكين أحدهما فتوة والآخر رجل جاهل يحسن التملق. وأخيراً صار مديراً للشركة فتنكر لعمالها وأخذ أعمالها هو وصاحباه الجاهلان. في هذه الرواية تتابع المواقف المستمدة من صميم الحياة المصرية الراهنة ممزوجة بالفكاهة المثيرة للضحك الكثير ولا غرابة في ذلك مادام الأستاذ كيكا هو الأستاذ عزيز عيد وشريكه المتملق هو مختار عثمان، وصاحبه الفتوة هو عبد العزيز خليل، ومدير الشركة الذي حل محله كيكا هو أستفان روستي”.
وبعد أيام قليلة، حلّ عزيز فرقته كما هي العادة، وانضم إلى فرقة فاطمة رشدي، التي أحيت موسماً صيفياً بكازينو مونت كارلو بالشاطبي بالإسكندرية في مايو 1939. حيث قدمت الفرقة بعض المسرحيات الكوميدية الخفيفة، بجانب مجموعة من الاسكتشات والاستعراضات، على غرار بروجرامات الصالات. ومن مسرحياتها: بهجة أحلامه، شحرور بك، ناكر ونكير، دبو، الكدابة، الوصي، الشايب، المعلم حنفي، ميت صبابة. ومن اسكتشاتها: هونولولو، سانسانيا، نادي الألعاب، طوخ أوتيل، السندباد القبلي، عزرائيل في إجازة، ناظرة المحطة. ومن استعراضاتها: بنت النيل، الأحلام، رقصة العرب.
وبعد انتهاء موسم الصيف، انضم عزيز عيد إلى صالة ببا عز الدين، حيث أخرج لها أغلب أعمالها الفنية طوال موسم 1939-1940. ومن هذه الأعمال، مسرحيات: كعبور أفندي، جمرك القنطرة، حرامي الارستقراط، تدبير منزلي، الدنيا حظوظ، محطة العواطلية، عندك، قلم الطرود، دقن الباشا، أما ورطة. واسكـتشات: دار الكـتب، تمثيل في الهواء الطلـق، أرباب الـفن، فلاحة من أكسفورد، التسعيرة. واستعراضات: ملكة الزهور، غرام الأمير، اضحك للدنيا، بلابل أسبانيا، مقالب إبليس، درس في التاريخ، الحب العسكري، فتاة الأندلس. وغاب الحبيب، النمر المقدس، افتكرك.
بعد هذا الموسم، ترك عزيز صالة ببا، وسافر مع فاطمة رشدي إلى السودان في رحلة فنية قصيرة، قدم فيها آخر مجهوداته الفنية، وعندما عاد أصابه المرض، وظل طريح الفراش فترة من الوقت، حتى لاقى ربه وحيدا في أغسطس 1942 بعد أن خدم الفن أكثر من أربعين سنة، كوّن خلالها تسع فرق مسرحية كوميدية، ضمت نوابغ الفن في حينها، أمثال: أحمد ثابت، أحمد حافظ، أحمد فهيم، أستفان روستي، أمين عطا الله، حسن فايق، حسين المليجي، حسين رياض، روز اليوسف، زاهية لطفي، زكي طليمات، سعاد، سليمان الحداد، عبد العزيز خليل، عبد المجيد شكري، فاطمة رشدي، فاطمة قدري، فكتوريا ليفي، لطيفة أمين، محمد إبراهيم، محمد بهجت، محمد صادق، محمد عبد القدوس، محمود رضا، محمود فهمي، مختار عثمان، نجيب الريحاني، نجيب فهمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ باحث وناقد وأستاذ أكاديمي ــ مصــر