إذاعة وتليفزيون

شهد إبراهيم: هل نجح ” مفترق طرق ” في تعريب العمل الأجنبي؟

شهد إبراهيم ★

اِنتشرت في الفترة الأخيرة في مصر، والدول العربية ظاهرة الاقتباس، وتعريب المسلسلات الأجنبية، واتجه البعض لنقل العمل كما هو فيما لا يناسب ثقافتنا، وأصبحت لعنة الاستنساخ تطارد ظاهرة التعريب، مما جعل البعض يرفض فكرة الاقتباس، ويراها ضعفاً، وقلة أفكار جديدة ، إلا أن الاقتباس في حد ذاته ليس مرفوضاً طالما حدثت إضافات قيمة للعمل الأصلي مما يُظهر مهارة المؤلف.

بهذا الاتجاه يمكننا النظر إلى “مفترق طرق” وهو النسخة العربية من المسلسل الأمريكي (the good wife)، يُعرض على منصة شاهد الرقمية، وهو من إخراج محمد يحيي مورو، ورؤية فنية لأحمد خالد موسى، ويضم في بطولته هند صبري، إياد نصار، جومانا مراد، ماجد المصري، علي الطيب، هدى المفتي، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الممثلين، وضيوف شرف الحلقات. 

تدور أحداث المسلسل حول أميرة الألفي؛ التي تجد نفسها في مفترق طرق؛ بعد القبض على زوجها في قضايا سياسية مخلة بالشرف، فتعود أميرة، إلى مربع الصفر، كمحامية تحت الاختبار، ويساندها في ذلك صديقها القديم المحامي يحيى.

كليشية “المرأة الجيدة”!

يعتبر “مفترق طرق” من المسلسلات الطويلة نسبياً، حيث من المتوقع استمراره لحوالي 45 حلقة، وذلك بتنقله بين القضايا المختلفة، ولكن قضية المسلسل الحقيقية، هي العنصر النسائي، وتسليط الضوء على المشكلات؛ التي تواجه المرأة على مدار حياتها، وبمختلف الحالات.

فنجد البطلة تقول، في الحلقة الأولى خلال البحث عن دليل لموكلتها “أنا محامية ست بدافع عن متهمة ست، والمساعد ليا علشان ألاقي دليل واحدة ست تالتة” وتلك هي الأيدلوجية التي استطاع المخرج تقديمها بشكل مميز، والتي يمكن اعتبارها العمود الفقري للمسلسل، حيث تعاون النساء دائماً من أجل بعضهن، وهذا ما نراه بشكل لطيف جداً من والدة زوجها ـ التي تبدو للحظة الأولى، وكأنها امرأة عنيفة ـ حيث إنها تأخذ دور الأم الداعمة لها، وتدين ابنها على أفعاله الشنيعة.

على عكس العمل الأجنبي الذي اعتمد على تسليط الضوء على فضائح السياسيين التي هزت المجتمع الأمريكي، وعلاقتهم بزوجاتهم خلف الكواليس، وكيف للأشخاص المساعدين والمسؤولين عن القضايا صنع تلك الصورة الدافئة للزوجين المتحابين التي نراها امام الكاميرا..و كيف للمرأة “زوجة الرجل المهم” عدم تحملها الخيانة من زوجها الذي دمر حياتها، فتقرر تحدي كليشيه “المرأة الجيدة” الذي رسمه لها الإعلام دائماً بجانب زوجها في أقصى الصدمات دون الاهتمام بمشاعرها، حتى ولو كانت هي الشخص الذي يتلقى تلك الصدمات.

اِمرأة في دوامة

تقدم هند صبري “أميرة” شخصية الزوجة؛ التي كرست وقتها، وحياتها لبناء عالم مثالي، وهذا العالم ينهار أمامها بعد الكشف عن فضائح زوجها وسجنه، والتحقيق معه أمام النائب العام، ووضع كل ممتلكات العائلة تحت الحراسة، قدمت هند صبري، الدور بشكل متألق، وأداء واقعي؛ حيث إنها أم، وعاملة، وزوجة تعرضت للكثير من الضغوطات بسبب زوجها أهمها الخيانة، وأصبحت حديث جميع الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يجعلها هذا شخصية كثيرة التوتر في وقت الحديث عن زوجها، وهذا ما أظهرته بشكل كبير جداً وملحوظ، على مستوى لغة الجسد “البادي لانجوتش” وحتى على المستوى الانفعالي، واللفظي، فتبدأ بالتلعثم في الحديث والارتباك والصمت، بأسلوب سهل وصادق دون مبالغة، وكانت ملابسها شديدة الأناقة، حيث كانت تليق مع مستواها السابق كزوجة مسؤول حكومي كبير، وأيضاً بعملها في أكبر مكتب محاماة، دون الحاجة إلى وضع ماكياج نظراً لعدم تفرغها لذلك وسط دوامة الحياة التي وضعت بها، بالإضافة إلى تسريحة شعر ثابتة يومياً نظراً لنفس السبب. 

تحاول “أميرة” كسب عيشها ـ لإعالة طفليها بعدما فقدا كل شيء ـ ويمد لها يد العون في ذلك العمل “يحيى” والذي يجسد شخصيته إياد نصار، الذي تألق في تقديم شخصيته دون وجود أي تشابه بينه وبين النسخة الاجنبية، وكان أداؤه بسيطاً وراقياً في الحديث مع الآخرين مناسباً لمستواه الاجتماعي، تعبيرات وجهه صادقة، وغير مبالغ فيها، وانفعالاته هادئة، ومحكمة نظراً لكونه شخصية هادئة في الأصل، طوال الحلقات متمكن من الإمساك بتفاصيل الشخصية كاملة، ونعتقد أنه سيستمر على هذا الرتم طوال الحلقات المتبقية، أمَّا ملابسه فكانت كلاسيكية طوال الوقت، ومهندمة متسقة مع طبيعة عمله.

شخصية جديدة، وأداء متألق!

 تألقت جومانا مراد “دارين” في تقديم شخصيتها، كما أنها استطاعت بأدائها أن تجعلنا نقف أمام شخصيتها في حيرة بين حبها وكرهها، وهل هي شخص سيئ كما ظهرت في البداية، أم هي امرأة ضعيفة بداخلها جانب منهزم ومكسورلا يعرفه أحد، وكانت ملابسها كلاسيكية أيضاً، متنوعة الألوان، وكانت تضع القليل من الماكياج؛ لإخفاء حالتها النفسية فهي بعد أن أفنت عمرها مع رجل كاذب، أوهمها أنها لا تستطيع الإنجاب، اِكتشفت كذبته هذه بعد وفاته، وفوات الأوان، بالإضافة إلى أنها في نفس الوقت وقعت في حب “يحيى” شريكها في رئاسة الشركة، وبين تأخر العمر، وفوات الأوان، ورفضها الزواج من أي رجل غير يحيى، تعيش “دارين” حالة نفسية صعبة؛ تحاول التجمل بالماكياج لإخفائها.

وأما “ولاء” التي تجسد شخصيتها هدى المفتي، فقدمت شخصية جديدة، ومختلفة تماماً عن الأدوار؛ التي اعتادت هدى تقديمها، بل تألقت ونجحت في إظهار قدرات أخرى لديها، وكانت ملابسها واسعة بشكل غير مناسب لها، لأنها شخصية قوية جداً، وعملية بشكل كبير تحاول ارتداء الملابس التي تجعلها في حالة راحة أثناء الحركة، بالإضافة إلى عدم وضعها ماكياج، علاوة على تسريحة شعر مربوط طوال الوقت .

كما تألق أيضاً علي الطيب، في تقديم شخصية “رامز” الذي يوضع في منافسة مع “أميرة” في العمل بسبب احتياج المكتب لشخص واحد فقط للعمل معهم، ولكن تلك المنافسة كاذبة، فلا نرى أي تنافس، أو عرقلة من أي منهما تجاه الآخر، بالعكس كانوا يتعاونان في حل القضايا، وكان لعلي الطيب أداء مميز، اِستطاع تقديم أكثر من شخصية في شخصية واحدة، وذلك من خلال تقديمه شخصية “رامز” بشكل عملي، وجاد جداً، وحازم في قراراته، وخارج العمل شخص لطيف جداً يقوم بالمزاح بشكل مستمر، وتلك هي مهارة الممثل في جعل الشخصية لها تفاصيل مختلفة في تعاملها مع كل شخصية وحسب كل مكان توجد فيه.

ظهور طاغ، ووجود مؤثر

ضم المسلسل مجموعة كبيرة من المواهب المختلفة، وكان ظهورها مميزاً ومؤثراً، وكان من بينهم “سيف” مؤمن نور، الذي تألق في تقديم دوره، كما أنه أظهر بأدائه للمُشاهد أن الذكاء الذي بداخله يكاد أن يخرج من عينه، وأنه شخص فاسد، حيث يقول في إجابته عن سؤال أميرة له لماذا لم يتم القبض عليه حتى الآن؟ “السياسة لعبة قذرة، لازم تكون ذكي علشان تكسب فيها” كل ذلك دون الوقوع في كليشيهات الضحكة الخبيثة، والتقطيع في الكلام، بل بشكل واقعي، وغير مبالغ فيه.

كذلك ماجد المصري “عمر” الذي تألق في تقديم شخصيته، وأيضاً نهى عابدين “هنا” التي كان وجودها مميزاً كمساعد لأميرة في الخروج من ضغوطات الحياة، وقدمت شخصيتها بتألق، كذلك جودي مسعود “زينة”، وبالتأكيد كل هؤلاء دون نسيان تألق ليلى عز العرب في تقديم شخصية والدة الزوج التي تشبه جميع أمهاتنا، لها جانب طيب، وجانب آخر قاسٍ وقت اللزوم، إلى جانب الكثير من شخصيات ضيوف الشرف؛ الذين تألقوا جميعاً في تقديم أدوارهم.

بين التعريب والتغريب

اِتخذ “مفترق طرق” سبيلاً آخر في التعريب؛ يخلط بين الأساس الغربي، والمذاق العربي الخاص، حيث إنه لم يقم بالالتزام بالكثير من تفاصيل النسخة الأصلية؛ سواء في رسم الشخصيات، أو طبيعة القضايا الموكلة للمكتب، أو حتى شكل المكتب الذي يعمل به أفراد فريق العمل، بل قام بالتعديل على النص ليناسب ثقافتنا، حتى الكادرات كانت مختلفة إلى حد ما عن بعضها في المشاهد المقتبسة كما هي ـ التي كان حذفها سيسبب خللاً في الأحداث ـ وظهر ذلك في مشهد ضرب “أميرة” زوجها “عمر”…وكانت الكادرات متنوعة، وأغلبها متوسطة؛ لإظهار لغة الجسد التي تؤثر على إظهار المكنونات الداخلية للشخصية، ظهرت بشكل متقن في مشهد اعتراف يحيى لأميرة بحبه لها، كذلك زوايا التصوير التي كانت معظمها بعيدة تبدأ بها كل حلقة؛ لإظهار مقر الأحداث، سواء الشركة، المدرسة…وغيرها من الأماكن، وهنا برز دور المونتاج لـ ” عمرو ربيع “الذي نجح في لقطات القطع، وتنسيق، وترتيب المشاهد.

قصص متفرقة، وحبكة محكمة

على الرغم من أن قصة “أميرة الألفي” وزوجها هي محور أحداث المسلسل، وتسير أحداثه في مسار خطي محكم، إلا أن أحداثه أكثر تشعباً، فإلى جانب متابعتنا قصص الشخصيات الأخرى، والقضايا التي تتولاها أميرة، نجد أن هذا العمل يغوص في أمور البيوت المصرية وتربية الأبناء، والحفاظ على العادات والتقاليد وسط مجتمع فسدت فيه القيم، كذلك الدور الذي يلعبه محامو رجال السياسة، والاعمال الكبار في رسم صورة مزيفة، والكشف عن ألاعيب غير القانونية لإخراجهم، فنرى الجانب الفاسد من هذه المهنة، كما يتميز المسلسل بواقعية لدرجة كبيرة جداً، فلا يمكنك بسهولة الحكم على الشخصيات، وتقسيم طباعهم إلى أبيض وأسود، بل إلى رمادي يجمع اللونين، ولا يمكن الحكم على الشخصية؛ إلا من خلال الموقف، والمصالح التي يريد تحقيقها، بطريقة تجعلنا لا نتعاطف مع أي شخصية حتى الأبطال.

وعن الديكور لـ” نادية عادل ” فقد كان واقعياً، تمثل في مقر عمل أميرة، الكبير جداً، والمقسم لعدة مكاتب بجدران زجاجية، ومنازل الشخصيات، وقد ظهر في بيت والدة زوج أميرة، المستقرين به بشكل مؤقت، حيث الأسقف العالية القديمة، والمساحة الواسعة، والأثاث المنقوش القديم، والاهتمام بتفاصيل البيت، ونظامه نظراً لأن والدة زوجها امرأة منظمة وصارمة، فقد كان الديكور مناسباً للأحداث ، وكانت الإضاءة عادية للمشاهد الداخلية، وإضاءة طبيعية في التصوير الخارجي، فكانت خافتة نوعاً ما في مشاهد المواجهة بين المحامين في المكاتب، فقد تم توظيف الإضاءة بشكل بسيط يعزز الحالة الدرامية للمشهد، وكذلك الموسيقى التصويرية لعادل حقي، رغم قلتها إلا أن استخدامها كان موظفاً بشكل ممتاز؛ لإيصال الحالة الشعورية لدى الممثلين.

وعن الملابس فهي لمايا حداد، فكما ذكرنا كانت مناسبة لكل الشخصيات، ولعبت دوراً كبيراً في بناء العالم التي تدور فيه أحداث المسلسل، كذلك نقلت الكثير من المعلومات حول الشخصيات مثل مكانتها الاجتماعية، وطبيعتها ودورها بين باقي الشخصيات، وبالحديث عن الملابس نجد أنه لم يُتغافلْ عنها حتى في بوستر العمل؛ حيث ارتدت “أميرة” (هند صبري) فستاناً باللون الأحمر، دلالة منهم على حالة التوتر، والطوارئ التي ستصاحب هذه الشخصية، مما يعزز الحالة الخاصة بالعمل، ويجعلنا أكثر تأثر بالشخصيات، وعن الماكياج فهو ليافارا إسكندراني، وكان غائباً بشكل كبير، فنادراً ما كانت الشخصيات تضع ماكياج الوجه العادي، أو حتى نجد مشاهد بها ماكياج جروح أو حوادث، فلم يكن للماكياج دور فعال.

اسم على مسمى

في حقيقة الأمر، عند مشاهدتنا لأولى حلقات المسلسل ينتابنا فضول لمعرفة سبب تسمية الشخصيات، لأن من الضروري تسمية شخصيات العمل بأسماء تصفهم لعقل الإنسان بشكل نمطي للوهلة الأولى عند سماع الاسم، فنجد هند صبري “أميرة” مناسب جداً لشخصيتها، حيث إنها رغم كل ما فعله زوجها بها؛ إلا أنها مازالت تقف بجانبه؛ ليمر بأزمته، وهذا يدل على أصلها الأمير والطيب، كذلك هدى المفتي “ولاء” فهي شخصية لديها ولاء كبير في عملها وسرعة إنجازه، وأيضاً “رامز” الذي يومئ لغيره، وهذا نجده بشكل واضح في لغة الجسد الخاصة به، وأخيراً اياد نصار “يحيى” وهو استمرار الحياة، وهذا ما فعله لحياة أميرة، عندما أعطاها فرصة للعمل في أكبر مكتب محاماة، كذلك من المتوقع ـ مع تصاعد الأحداث ـ إعطاؤها فرصة أخرى في الحب، تلك المسميات التي برع فيها مؤلف العمل، وهو شريف بدر الدين، ووائل حمدي، أو بمعنى أصح المشرفين على الكتابة، حيث كان لكل حلقة من المسلسل كاتب مختلف لها.

رغم أنه سبق وتم تقديم عمل أجنبي ينتمي إلى الدراما القانونية وهو “سوتس بالعربي” ـ الذي لم يتم تعريبه؛ بل نقله كما هو ـ إلا أننا في مفترق طرق، أمام عمل متكامل لا نستطيع إلا أن نُحيي جميع القائمين عليه ، لأنهم سيجبرون من يقوم بالإقبال على تعريب عمل أجنبي التفكير أكثر من مرة؛ لعدم وقوعه في لعنة الاستنساخ.


★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى